الحديث القرآني الإسبوعي – 01 اغسطس 2014م
سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم
في إضاءات قرآنية في رحاب (سورة لقمان)
الحلقة الثالثة عشر
للمشاهدة :
https://www.youtube.com/watch?v=mthHXjdplQs
نص الدرس :
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين.
قوله تعالى: “أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30)”[1]
سؤال: “أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ”[2] سؤال تقريري بمعنى أنه يؤكد أن الله عز وجل يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل فيقرر هذه الحقيقة ويرسخها ويؤكدها وإيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل إدخال كل منها في الآخر حسب اللغة وأولج: أدخل، وإيلاج الليل اليل في النهار وإدخاله فيه يفسر على طريقتين:
الوجه الأول: الليل أو النهار يطول والليل الذي يعقب النهار يأخذ منه شيئا فشيئا فيدخل في ساعاته شيئا فشيئا ويصل النهار إلى عشر ساعات وبعد أن يصل إلى أقصى مداه في الطوال يبداء الليل يأخذ منه شيئا فشيئا وكأنه يدخل في جسمه ويأخذ منه ويطول الليل حتى يبلغ أقصى مداه فيبداء النهار يدخل في الليل شيئا فشيئا وينقص منه شيئا فشيئا وهذا نوع من الإيلاج وهذا يقوم على قوانين ومعادلات وعلى حسابات دقيقة ومن أجل أخذ الليل من النهار وأخذ النهار من حظ الليل أمر ترتبط به ظاهرة الفصول الأربعة والفصول الأربعة فيها الأثر الكبير لحياة أحياء الأرض وتقوم على حكمة ولها عطاءاتها الجليلة في حياة الناس والنبات والحيوان.
الوجه الثاني: وهناك تفسر يرتبط بالغلاف الجوي -كما يقولون- وأن لو أعقب كل منها الآخر بشكل فوري وبصورة مفاجئة لأضر ذلك بأحياء الأرض.
فالأمر لا يأتي كذلك حسب أمر الله وحكمته وعلمه وخلقه وإنما جعل النهار هكذا في علاقته مع الليل بأن تبداء الشمس فينحسر شعاعها شيئا فشيئا عند الغروب وكل انحسر شعاع الشمس شيئا جاءت الظلمة بصورة تدريجية والنهار لا يعقب الليل مباشرة وإنما تبداء أشعة النهار تقتحم الليل لحظة الفجر اقتحاما أوليا فتبداء إطلالة النور الأولى وتبداء أشعة الشمس تنفذ شيئا فشيئا في الظلمة وتنتشر حتى يشتد النور ويرتفع النهار وهكذا يكون دخول الليل في النهار ودخول النهار في الليل حماية لأحياء الحياة من تأثير الغلاف الجوي.
“أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ”[3]، من هو المدبر؟ وهو خالق أم ليس بخالق؟ ورازق أم ليس برازق؟ وعليم أم ليس بعليم؟ وحي أو ليس بحي؟ وقدير أو ليس بقدير؟ وهذا ليس ليوم ولا لعشرة ولا لمائة ولا لمليون سنة فمن يضبط هذه القوانين ليس هو إلا الله تبارك وتعالى.
“أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ”[4]، وهذا شيء معناه أن الإنسان في قرونه الأولى وفي زمن رسول الله صلى الله عليه وآله لا يدرك الأسرار العلمية كلها وراء هذا، وبتعمق الإنسان وبتأمله وبما يسر الله له من طرق الفهم العلمي والنمو يبداء ينفتح على حقائق جديدة وراء هذه الآيات ويدرك أن هذه آيات عظيمة وأن الخلق خلق عظيم وإلا فالإنسان العادي لو تمر عليه لمائة سنة لظاهرة الليل والنهار فلا تلفت نظره ذلك الإلفات، ففهم الإسلام وطاعة الله وعبادته كل ذلك له ارتبط أكيد وشديد وقوي بالعلم والموضوعية والبحث عن الحقيقة والأخذ بها وعدم الاستعلاء على الحقيقة العلمية، والعلم الحقيقي دائما في صالح الإيمان ودائما في صالح عباد الله الذي يزادون به طاعة وعبادة لله وقربا منه.
“أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ”[5]، ثم تسخير الشمس والقمر وما يعني ذلك من قدرة وما يعني ذلك من ارتباط بحياة الإنسان والحيوان والنبات وما يعني ذلك من بقاء الحياة على الأرض، والتسخير يكون بقهر شيء وجعل شيء لخدمة ولمصلحة شيء آخر والتسخير على نوعين، نوع يمثل تسخيرا مباشرا وإخضاعا لعدد من المخلوقات لخدمة الإنسان من غير جهد فكري يبذل من الإنسان وهناك بعض الأشياء الكونية سخرت لهذا الإنسان عن طريق الطاقة الفكرية والموهبة الفكرية التي تتعامل مع هذه الأشياء وتستخدمها في صالحها كاستخراج المعادن مثلا واكتشاف والاستفادة من عالم الذرة وهذا يحتاج إلى فكر وبحث ويحتاج إلى تنقيب وأما الأرض التي ندوس عليها فهي مسخرة لخدمتنا ومسهلة ومقهورة وميسرة من غير أن نبذل جهدا فكريا.
“وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ”[6]، ونحن ليس لنا من الاستفادة في عدد من الأمور من تسخير الشمس والقمر والآن استفيد من الطاقة الشمسية وهذه استفادة تعتمد على الفكر وإما تعرض جسمي للشمس واستفادته من أشعاتها فمن الطبيعي فأنا لا أبذل غير التعرض لها. “وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ”[7]، وهما أمران لا حياة لأهل الأرض بدونهما.
“كُلٌّ يَجْرِي إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى”[8]، فالشمس لا تملك إرداة والقمر ليست له إرادة ولا تملك الشمس فكرا ولا القمر فكرا ولا يدبران نفسهما والمدرب لهما الله عز وجل ووضع كل منهما في مساره لتنتظم الحركة منهما بما يستقيم به النظام والحياة على الأرض وتتم به مصلحة الأرض ومصلحة الإنسان وينسجمان في خط واحد وهدف واحد مع بقية أجزاء الكون.
“كُلٌّ يَجْرِي إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى”[9]، القمر من منزلة إلى منزلة والشمس من منزلة إلى منزلة لا يتعديان ذلك لميلايين السنين فتثبتهما في مكانهما قدرة الله وعلم الله وإرادته سبحانه وتعالى، وهناك أجل مسمى لكل الكون وكل البنية الكونية والشمس لا تبقى والقمر لا بيقى وكل والمجرات لا تبقى وكل الكواكب لا تبقى والأرض لا تبقى وكل البنية الكونية تنتهي والأرض تشهد زلزالها العظيم المنهي لها والكون يكون شيئا آخر، “كُلٌّ يَجْرِي إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى”[10]، وليس بإرادته أن يبقى وليس بإرادته أن يذهب فما كان حدث بإرادته وليس بقائه بإرادته ولا نهياته بإرادته وما من شيء في الكون من الذرة إلى المجرة وكل النسب الكونية المعادلات الكونية لم يكن وجودها بإرادته و قدرتها فهي في أصل وجودها جاءت بإرادة الله وقدرة الله وعلم الله ومن عطاء الله وبقائها في العمر المقدر لها هو بقدرة الله وإرادة الله وعلمه، ولحظة أن تزول إنما هي لحظة يقدرها الله ويملكها الله وزوال هذه الأشياء كلها بيده سبحانه وتعالى.
“كُلٌّ يَجْرِي إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى”[11]، نحن ضعاف ولا نقدر أن نغير شيئا في هذا الكون وأي قانون من قوانين الكون وهل يستطيع الإنسان أن يدخل أي تعديل عليه أو يعطله أو يضيف للقوانين قانونا آخر؟ لا يستطيع، والمعصية من العبد وهو من الناس الذين سخر لهم الله عز وجل هذا الكون ليست لائقة ولا مناسبة بل ضعف وحاجة شديدة في كل أمر من أمورنا فلا ساد لحاجتنا غير الله عز وجل وكل اتكالنا عليه من وجود وحياة ورزق وأثر والكون مسخر لنا ويملك أزالتنا وسحب الوجود عنا في طرفة عين فهذا العظيم لا يعصى وأي عقل يقول أعصه؟ وواجب الشكر هل يقول بعصيانه؟ والخوف أو الرجاء يقول أعصه؟ والحاجة الملزمة هل تقول أعصه؟ أو كل ذلك يقول أخضع وأطع وذل بين يدي الله عز وجل؟
“كُلٌّ يَجْرِي إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ”[12]، صاحب هذا الصنع ومدبر هذا التدبير ومقدر هذا التقدير وضابط كل هذه الأمور يعلم بكل عملنا وهل نحتمل بعد هذا أنه ليس خبيرا بنا وبما نعمل؟ “وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ”[13]، وهذا العمل سواء كان عملا حسيا أو غير حسي وعمل قلب وعمل نفس وإرادة وخواطر ونيات وكل ذلك عمل والله يعلمه، فكلنا مكشوفون لله عز وجل فإلى أين يفر الإنسان؟ وكيف يغيب عن الله ما خلقه الله وما هو في وجوده في أي لحظة من اللحظات لا يكون موجودا إلا بالله.
“ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ”[14]، الآيات التي مرت كلها تستند إلى قدرة الله المطلقة وعلمه الشامل وتصرفه الذي لا قيد عليه من غيره وهذا كله مرتبط وما يجعله ذلك هو “بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ”[15]، فتعليل القدرة والعلم والتصرف هو “بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ”[16]، ومثال لمعنى الحق هو أن هذا جسم حق ومثله هنا الآن باطل وثبوت هذا بما هو ثابت حقا وهذا هو المتحقق وهذا الذي هو وجود وهذا الذي هو ثبوت ولكن الشيء الثاني لا يمثل ثبوتا الآن وإنما باطل فليس له ثبوت وليس له تحقق وليس له وجود وأما الجسم الأول فله ثبوت وتحقق وهذا حق، وأنت حق من حيث ثبوتك وليس من حيث كونك مستقيم أم لا وإنما من حيث ثبوتك ووجودك وتحققك وبهذا اللحاظ وهذه الرؤية أنت حق وأنا حق والورق حق ولكن أنا وهذا والورق حق ولكن بغيرنا بالله عز وجل وهذا الوجود قائم بوجود الله وفيضه وصنعه وليس بنفسه والموجود له غيره وتحققه من غيره وثبوته بمثبت غيره وهذا لكل الممكنات.
الله وحده هو الحق من ناحية الثبوت بنفسه وليس من غيره وهو متحقق بنفسه وهو موجود بنفسه وهناك دعوة لأن نعبد الله عز وجل وهناك دعوة لأن نعبد غيره من صنم من حجر أو شجر أو ملك أو شمس أو قمر وكل ذلك حق فلتنظر إليه بنفسه فهو ليس موجودا بنفسه وإنما موجود بغيره فالمبنى والإنسان والسموات والشجر وكل الكون باطل بنفسه حينما تلحظه بنفسه وليس له تحقق وثبوت بنفسه وإنما تحققه وثبوته بغيره فكل شيء مما عدا الله ومن عدا الله باطل، فحينما أدعي أني أعبد صنما أو أي معبود آخر فأنا أعبد شيئا ليس له تحقق وإذا لم يكن حق إلا الله فالقدرة والعلم والتصرف لله والعبادة للمعبود الحق وهو الله.
فلتعتبر أن هذا المكان مملؤا بالماء وهذا باطل ومائية هذا الفضاء باطل واعتبر نفسك تسبح فيه وتشرب من الماء فهل تستفيد وهل ترتوي وهل يبرد جسمك؟ لا لأن الباطل لا يعطي شيئا، ولو أن أحدا فاقدا عقله يتصور الحجر طاعم فطعامية الحجر باطل فبأكله لا يقوم مقام الطعام فهل باطل، أو أنه يدخل النار بعتبارها ثلجا أو ماءا فهذه النار لا تعطي أثر الماء لأنها باطل من حيث المائية فهي حق من كونها نارا فتحرقه فما هو باطل لا يعطي أثرا إيجابيا ولا سلبيا هو في نفسه. فكل الأثر وكل الخلق وكل التصرف وكل التأثير إنما هو لله سبحانه وتعالى لأنه وحده لا شريك معه هو الحق وأن كل ما عداه باطل.
“ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ”[17]، العلي هو المترفع والمتنزه والمتبراء من كل عيب فلا نقص فيه والكبير هو من له الكمال المطلق وهو الكبير في جماله والكبير في كماله وإذا كان منزها من كل نقص وله الكمال كله فكيف لا يكون القدير على كل شيء وكيف لا يكون العليم بكل شيء وكيف لا يكون المتصرف في كل شيء التصرف الذي لا يملك أحد إيقافه أو تعطيله.
والحمد لله رب العالمين
[1] سورة لقمان، الآيتين 29 و 30.
[2] سورة لقمان، الآية 29.
[3] سورة لقمان، الآية 29.
[4] سورة لقمان، الآية 29.
[5] سورة لقمان، الآية 29.
[6] سورة لقمان، الآية 29.
[7] سورة لقمان، الآية 29.
[8] سورة لقمان، الآية 29.
[9] سورة لقمان، الآية 29.
[10] سورة لقمان، الآية 29.
[11] سورة لقمان، الآية 29.
[12] سورة لقمان، الآية 29.
[13] سورة لقمان، الآية 29.
[14] سورة لقمان، الآية 30.
[15] سورة لقمان، الآية 30.
[16] سورة لقمان، الآية 30.
[17]سورة لقمان، الآية 30.