الحديث القرآني الإسبوعي – 16 مارس 2007م
حديث ليلة السبت (5) 27 صفر 1428هـ _ 16 مارس 2007م “جامع مدينة عيسى”
” معرفة النفس 1 “
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين والطاهرين.
سبق الحديث عن نوع من المعارف التي لابد منها، وأعطيت بعض المواصفات لهذه المعارف، وقلنا من بين مفردات وقضايا هذه المعارف، معرفة النفس.
لا يشك أحدنا في أنه وجود، ووجود مغاير لوجودات الآخرين، أنه كيان بخصائص وبمشاعر وبتفكير قد يتلاقى شيئا ما مع الآخرين ويختلف في بعض الجوانب، كل شيء يشعر بوجوده ويدرك وجوده، والإنسان من أحق الموجودات الممكنة بأن يشعر بوجوده وشخصانيته، هذه البداية.
البداية أن أحدنا يعرف من نفسه أنه موجود، هل أنا محتاج إلى التعامل مع نفسي أو لست محتاجا لذلك؟ إذا كان لي مفر من التعامل مع بعض أفراد الآخر، بعض الأشياء، فإنه لا مفر لي من التعامل مع نفسي!
كل تعاملي في الحقيقة وإن كان تعاملا مع الآخرين منطلق من التعامل مع نفسي ومن النظر في الكثير إلى نفسي، أنا لا أستطيع أن أغادر شعورا وإدراكا وحتى تعاملا هذه النفس، كيف أستطيع أن أتعامل مع الشيء التعامل الصحيح؟ أنا إذا لم أعرف النار، طبيعة النار، أن النار تحرق، إذا تعاملت معها فستحرقني، إذا عرفت أنها نار، وأن النار محرقة، تعاملت معها تعامل من نوع فيه وقاية، أما إذا تعاملت معها على حد ما أتعامل مع الماء، على حد ما أتعامل مع التراب، على حد ما لأتعامل مع الثياب، فسأنتهي.
كيف أتعامل مع السم؟ كيف أعامل مع الطعام؟ إذا لم أدرك طبيعة السم بما هو السم، وطبيعة الطعام بما هو الطعام، فسيكون تعاملي معه تعاملا خطأ، وربما انتهى بي إلى الوفاة، فقبل أن أتعامل مع أي شيء، أنا محتاج إلى معرفة ذلك الشيء، وقبل أن أتعامل مع نفسي كشيء، أنا محتاج إلى معرفة نفسي، وإلا أخطأت التعامل مع هذه النفس هذه نقطة.
بعد أن يتحتم علي أن أتعامل مع نفسي، أطرح أسئلة، تأتيني أسئلة تتعلق بطبيعة هذه النفس، بمعرفتها، نفسي أزلية بمعنى ليست لها بداية، أنها موغلة في القدم بحيث لا تقع عند نقطة بداية، يعني لم تعرف العدم أصلا، -أزلية بمعنى أنها لم يعرف وجودها العدم أصلا، لم يسبقها عدم- الظاهر أن كل واحد منا يدرك أنه لم يكن ثم كان، وأنه كان مسبوقا بالعدم، وأني كهذا الشخص علي أن أراجع عمري لأقول قبل يوم الولادة أو قبل يوم النطفة ما كنت، وإذا كنت فقد كنت ترابا، وكنت ذرات متناثرة ضائعة تائهة في هذا الكون العريض، كنت ذرات، في شعاع الشمس ذرات، في الماء ذرات، من تراب ذرات، بعضها في جبل، بعضها في قاع البحر، إلى آخره. ذرات مبددة ضائعة، إلى ما قبل أن يتناول والدي طعامه ووالدتي طعامها. وقبل هذه البداية كنت عدما محضا، فأنا لابد أن أقدر نفسي حين أتعامل معها، وأنها شيء ما كان موجودا ثم وجد.
سؤال ثاني، هذه التي لم توجد ثم وجدت، أوجدت نفسها؟ هل من أحد يدخل في خاطره، يتوهم أنه أوجد نفسه، حينها نصطدم بحادثة تسمى تناقض إذا فرضنا إن الإنسان أوجد نفسه، أن أي ممكن وإن كان ملكا أو نبيا أوجد نفسه، نصطدم بقضية تسمى التناقض، أن يكون الشيء موجودا ومعدوما في وقت واحد، العقل البشري لا يحتمل هذا الشيء أصلا، ليس هناك عقل بشري يستطيع أن يصدق ولو واحد على بليون إذا صح أن تثبت هذه النسبة من الاحتمال في الذهن وإلا هي غير ثابتة، لأن الذهن لا يحتمل هذه النسب الضئيلة جدا في الذهن، كما يقول الشهيد الصدر أعلى الله مقامه حتى قبل هذه النسبة، لا أحد يحتمل أن هذه السماعة موجودة ومعدومة في وقت واحد، فأنا حتى أقول أوجدت نفسي، لابد أن أقول كنت موجودا حينما كنت معدوما، وهذا غير ممكن، حتى أفرض أني وجدت نفسي، أو أن عدمي أوجدني، العدم أيضا لا يمكن أن يوجد، العدم صفر، فقر كامل العدم، لا يمكن أن يوجد، واضح ليست هناك حاجة للإطالة.
خلقت نفسي، الجواب أظنه متيقنا حاضرا في كل نفس، وأنها النفس لو قالت أنها خلقت نفسها، لكذبها إدراك الإنسان، مخلوق بلا فاعل، الدنيا عاشت كم وستعيش؟ لحظة صدفة، لحظة عدم، دهر من العدم يمكن أن يولد حبة رمل! أيضا بديهية عند العقل البشري ليس وارد، ليس مسجدا هذا الذي يبنى من عدم، تتجمع الحجارة والحديد وهندسته إلى آخره، والأبواب تكون مكانها والنوافذ تكون مكانها والمصلى يكون مكانه، ليس هذا وإنما أقل حبة رمل واحدة فقط! إذا على مستوى التكليف لا يمكن وعلى مستوى الخلق الأصل الذي هو أكثر، حبة رمل زائدة من عدم تأتي، لا يحتمل العقل البشري قضايا لا يحتاج التوقف معها، هذا إذا انصرفنا. مخلوقة بمثلها، أنا لا أعني بمثلها الإنسان، وإنما مثلها يسمى ممكن، لدينا واجب الوجود هو الله تبارك وتعالى، وجوده ليس من خارج، هو حقيقة الوجود.
نحن لماذا نحتاج إلى موجد؟لأننا لسنا الوجود، ببساطة أنا أحتاج لموجد لأنني لست حقيقة الوجود، أنا شيء أضيف له الوجود، أنا شيء وجد، هذا اللحم والدم والعينان إلى آخره، هذا هو الوجود؟ أو شيء موجود؟ حقيقة الوجود لا نستطيع إدراكها، نؤمن بها ولا أن ندرك كنهها، الوجود هل منكم من يستطيع إنكار الوجود؟ لا أحد يستطيع إنكار الوجود، لكن ما هو الوجود؟ يستحيل على أي عقل أن يدرك حقيقة الوجود.
وحقائق كثيرة التي لا نستطيع أن ندركها، الروح. لا نستطيع أن ننكر أننا لدينا روح، وأننا لدينا عقل، أين عقلك؟ أنت تعيش وداخلك آثار العقل، عملية التفكير التي هي آثار العقل وليست العقل، أنت تعيش بروح، ولكن ما هي الروح، وحتى الآن حقيقة الكهرباء، حقيقة الطاقة.
فنحن موجودون بوجود ولسنا حقيقة الوجود، وفرق بين ما هو حقيقة الوجود وبين ما هو موجود في الوجود. الله عز وجل بما هو الوجود الحق الكامل المطلق، فلا يفرض للحق أن يكون لديه وجود خاص، هو حقيقة الوجود.
تسألني من أوجد الله، لا يوجد بعد الله سوى العدم، الله هو الوجود الحق الكامل، وليس يقابل الوجود إلا العدم، يستحيل على العدم أن يعطي الوجود، أما أنا لست حقيقة الوجود، الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ليس حقيقية الوجود، الملك جبرائيل ليس حقيقة الوجود، السماوات ليست حقيقة الوجود، شيء له الوجود، السماوات شيء له الوجود، الأرض شيء له الوجود، أنا شيء له الوجود، الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم شيء له الوجود، وكلها قد لحقها الوجود.
عندي صورة لولدي أو لحفيدي يمكن أن توجد، يمكن أن تلبس الوجود، يمكن أن تمنح الوجود، هي الصورة في ذهنك ألآن وليس وجودا، وجود ذهني، يمكن مستقبلا أن يكون لها وجود في الخارج بموجد، أنا أقول من هو مثل الإنسان، يعني ممكن -أي معناه الشيء يقف في الوسط بين الوجود والعدم بحسب ذاته- يعني ذاته هو، هو في نفسه لا يملك لنفسه وجود ولا عدم، ليس عنده ميل لا للوجود ولا للعدم، في وسط المسافة، حتى يتحرك في اتجاه العدم بمقتضي، أي يكون فاعل موجود له، حتى يكون معدوما، لا يتسلط عليه فاعل وموجد يوجده.
الممكنات يعني من لم يكن له الوجود من ذاته، وذاته ليس فيها مقتضي الوجود، ولا تملك لنفسها الوجود، هذا الإنسان الذي يقال عنه: لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا ولا حياة، ولا أقدر أن أوجد نفسي ولا أموري، قدر أن وأأأهذا هو الممكن. الملك ممكن، الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ممكن، لو تأتي للرسول صلى الله عليه وآله وسلم وجد في نقطة من الزمن، ليس أزليا، شيء له الوجود، وليس حقيقة الوجود.
غفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته