الحديث القرآني (الليلة الثالثة) – 8 رمضان 1446هـ 

*نص الحديث القرآني لسماحة آية الله قاسم في المجلس القرآني الذي يقيمه بمجلسه خلال ليالي شهر رمضان المبارك – المحاضرة الثالثة (قم المقدسة / 8رمضان 1446هـ): 

السلام عليكم أيها الأحبة المؤمنون ورحمة الله وبركاته. 

 

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمدُ لله ربِّ العالمين.

الصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا محمد وآله الطيبين الطاهرين. 

 

قوله تبارك وتعالى: (وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَةٗ لَّا يَخۡلُقُونَ شَيۡـٔٗا وَهُمۡ يُخۡلَقُونَ وَلَا يَمۡلِكُونَ لِأَنفُسِهِمۡ ضَرّٗا وَلَا نَفۡعٗا وَلَا يَمۡلِكُونَ مَوۡتٗا وَلَا حَيَوٰةٗ وَلَا نُشُورٗا (*) وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ إِفۡكٌ ٱفۡتَرَىٰهُ وَأَعَانَهُۥ عَلَيۡهِ قَوۡمٌ ءَاخَرُونَ فَقَدۡ جَآءُو ظُلۡمٗاوَزُورٗا (*) وَقَالُوٓاْ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ ٱكۡتَتَبَهَا فَهِيَ تُمۡلَىٰ عَلَيۡهِ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلٗا (*) قُلۡأَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعۡلَمُ ٱلسِّرَّ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّهُۥ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا) – الفرقان. 

 

ليس هناك إلا إله واحد، وبعضهم يقول لا جمع للإله، لأنه ليس هناك مصداق للإله إلا واحد، ولذلك لا يأتي الجمع، وإنما جاء الجمع لاتخاذ بعض الناس عدداً من الآلهة الكاذبة الزائفة، لكن مصداق الإله واحد لا تعدُّد فيه إطلاقاً. 

بغضّ النظر عن هذا، من أين أُخذت لفظة الإله؟ 

لدينا ألِهَ ووَلِهَ، وألِهَ بمعنى عَبَد، ألِهَ فلانٌ صنمه أو بقرته أو النجمة، إلى آخره، أي اتخذ من هذا أو ذاك إلهاً، أي معبوداً، والإله هو المعبود، وهناك معبودٌ حقّ وهو الواحد الفرد الصمد، وهناك آلهة باطلة متعددة، أسماء مخترعة إفكاً وزورا. 

ليس الاختراع والإفك في كون هذه الأسماء بلحاظ ذاتها وإنما بلحاظ تسميتها آلهة. 

 

وألِهَ تأتي بمعنى تحيّر، ينطبق إله على الله عزَّ وجلّ لأنّه هو الإله الحقّ. ألِهَ فلان الربّ العظيم، هذه النسبة محترمة صحيحة ومستحقة لله عزَّ وجلّ، لأنّ الله كلّ مقوّمات الألوهية له، كلّها له وليس شيءٌ منها لغيره، لا جميعها ولا بعضها.

ألِهَ فلانٌ الربّ العظيم، نسبة صحيحة تجد خلفيتها الواقعية، وهي مستحقّة على كلّ شيءٍ من مخلوقات الله عزَّ وجلّ. 

وألِهَ -أيضاً- تحيّر، وحقّ للعقول، وجبَ للعقول أن تتحيّر في الله ذاتاً وصفات، لا وهم لا خيال لا عقل يُدرك ذات الله، حقيقة الله، حقيقة الذات الإلهية، حقيقتها فوق أن تتصورها العقول، فوق أن يحيط بها عقلٌ، وهمٌ، خيال. 

صفاتُ الله عزَّ وجلّ أيضاً، ليس شيءٌ منها يُمكن أن يخضع لتصوّر العقول، بأن تصله الأوهام، أن تصله الأخيلة. مُدَّ في خيالك ما استطعت أن تَمُدّ في تصوّر علم الله عزَّ وجلّ، فلن تصل إلى تصوره الصحيح، تصوّر حقيقة علم الله. اعطِّ الوهم أن يمضي ما يمضي ليُدرك حقيقة صفةٍ من صفات الله عزَّ وجلّ، لا يملك، هذا يستوي فيه البشر بكلّ مستوياتهم، وحتى رسول الله “صلّى الله عليه وآله وسلّم”، ويستوي فيه ملائكة الله، لا جن ولا إنس ولا ملائكة، يمكن لأيٍّ منها أن يصل بعقله، بوهمه، بخياله، إلى حقيقة الذات الإلهية، إلى حقيقة صفةٍ من الصفات الذاتية لله عزَّ وجلّ. 

فأيضاً -أَلِهَ- بمعنى تحيّر، لا يصحّ أن تأتي في تُنسب إلى التحيُّر في ذات أحد، أنا لا أدرك ذات المَلَك، أنت لا تُدرك ذات المَلَك، ذات النبي “صلى الله عليه وآله” ولكن هناك مَلَك يمكن أن يُدرك ذات مَلَك، ليس مستحيلاً، عدم الوقوع غير الاستحالة، ليس كلّ ممكن واقع، الإمكان أوسع من الوقوع والتحقُّق، لكن استحالة إدراك أي ذات إنما هي لذات الله فقط، لأيّ صفةٍ من صفاته. 

 

و”وَلَهَ”، اشتاق، تعلّق، انجذب، انشدّ، وكلّ الخلائق من إنسانٍ وجان ومَلك وجماد وحيوان، كلّ هذه الخلائق منشدّةٌ إلى بارئها، متعلقةٌ به، مشتاقةٌ إليه، محبّةٌ له، على فرق. 

الأحجار جمادات، والحيوان مشتاق إلى الله، يشتاق إلى الله تسخيراً، مسخّرٌ بشوق الله لأن ذاته لا وجود لها. كلّ واقعه لا وجود له إلا بعطاء الله عزَّ وجلّ، وإذا لم يشعر ويُدرك حاجته إدراكاً عقلياً حاجته لله عزَّ وجلّ بأن ذاته لا تستغني عن الله، منشدّةٌ إليه، الله محبوبٌ لها، هي متعلّقةٌ بعطاءه، برحمته، بقدرته، حجر أو غير حجر، بقدرة الله عزَّ وجلّ، بعلم الله لا تستغني عن صفة العلم لله، صفة الرحمة، الكرم، القدرة، فهي منشدّةٌ إلى بارئها. الكون كلّه يحبّ خالقه. 

 

ويُقرّ واقعه، واقع إمكانه وفقره الذاتي، بأنّ عليه أن يخضع ويسجد لله عزَّ وجلّ، ألاّ يتأذى، أو أن لا يستكبر على قانون من قوانين الله تبارك وتعالى. 

بعض الناس ينضاف إلى ولهه بالله، شوقه لله، الشوق التسخيري الذي هو مسخّر من قبل الله عزَّ وجلّ، هذا الشوق من حيث فقره وغنى الله، أيضاً منشدٌّ إرادةً، متعلّق، مشتاق، شوقاً فوق كلّ شوق لجمال الله، لجلال الله، لكمال الله، لعطاء الله تبارك وتعالى. 

فلا حقّانية لإطلاق الإله ولو من ناحية لفظية على غير الله تبارك وتعالى. 

 

لمن هي مقوّمات الألوهية؟ 

الألوهية مقوّمها المالكية، الملكية والتدبير. 

أنا وأنت نملك بدرجةٍ من الملك التبعي المعطى من الله ليدي، حركة يدي، حركة رجلي، أن أطرف أو أغمض عيني، إلى آخره، وهذا درجة من الملك، وهو ملك مجازي، لأن المالك لهذه الحركة هو الله، لحركاتي ولقدرتي على هذه الحركات، أُقدَر عليها في كلّ لحظة، ولستُ أُقدرت عليها وأعطيت إياها ودخلت في جيبي بحيث أتصرّف فيها وأملكها الملك الدائم، قبل لحظة كنت أقدر أن أحرّك أصبعي ويدي، بعد تلك اللحظة تقف اليد، لا أملك قدرة تحريك يدي على الإطلاق، في كلّ لحظة أملك قدرة تحريك يدي، هذه القدرة تُعطاني من الله عزَّ وجلّ، وليس هناك قدرة أو صفة من صفاتي إلا العجز، كلّ شيء من نعم الله عزَّ وجلّ أملكه ملكاً مجازياً وبالتبع، بتبع إعطاء الله، فيض الله، أمّا القدرة الذاتية الدائمة فهي لله عزَّ وجلّ، ولا يملك أحد منها شيء، أو فيها تصرّفاً. 

فالله الذي يملك كلّ شيءٍ في هذا الكون، من صغيرٍ وكبير، من جمادات وأحياء، هو إله يملك الذات ويملك التصرّف فيها -التصرف التكويني-، وكما يملك الذات وتصرفاتها التكوينية، يملك التصرّف التشريعي فيها، وهو إليه دائم حقّ، مقومات الألوهية كاملة ولا يمكن أن تتخلّف، وهي أبدية كما الله، أزلي أبدي سرمدي، صفاته الذاتية هو بالضبط كذلك، فلا تنفك عنه بدءً، ولا بداية لله عزَّ وجلّ محدودة، فهو أول الأولين وآخر الآخرين بمعنى لا أولية له، ليس هناك نقطة زمن أو ما قبل الزمن محدودة بدأ فيها، هو قبل الزمان وبعد الزمان، قبل الزمان بلا حساب وبعد الزمان بلا حساب. هو ذاتاً وصفات. 

 

علينا أن نسأل أنفسنا ونبحث عن الحقيقة، هل من الآلهة الباطلة وهي غير الله أهلٌ لشأنه سبحانه، شأن الألوهية؟ هل هناك مقوّم؟ 

 

(لَّا يَخۡلُقُونَ شَيۡـٔٗا وَهُمۡ يُخۡلَقُونَ) 

الله خالق كلّ شيء، خلقه في قباله مخلوقون له سبحانه وتعالى، ولا خالقيةمنهم لشيء، هذا مقوّم خالقية، مقوّم للألوهية، تضع يدك على من شئت وتشير إلى من شئت وتسأل عمن شئت، هل يملك أن يخلق؟ هل يملك أن يخلق في ذاته؟ 

إبراهيم “عليه السلام” طبعاً لم يخلق الطير، المادة موجودة، ونفخ الروح ليس منه، تكرر الآيات أنه بإذن الله. 

 

سبق القول ويتكرر، بأن عالمنا بمن فيه من علماء كبار من مختلف التخصصات، الدنيا كلّها لو اجتمعت كلّها، ومعهم الجن وضع معهم الملائكة، واقطع عنهم المدد من الله، اعتبر أن المدد من الله منقطع عنهم، هذا الكون بجنه بإنسه يحتفظ بنفسه لحظة؟ هل يملك ذلك؟ 

الطاقة الكهربائية انقطعت صار ظلام. 

هذا الكون كلّه يجتمع ليوجد حبة رمل واحدة، لا يستعمل شيء من الكون، ولا يستعين بقانون من قوانين الله عزَّ وجلّ، يخلق حبة رمل واحدة؟ لا أظن أحد يجترأ ويقول نعم. 

فإذا كان الكون كلّه لا يخلق شيئاً، والخالق لابد أن يخلق، هل يمكن أن يصبح هناك إله لهذا الكون؟ 

 

(لَّا يَخۡلُقُونَ شَيۡـٔٗا وَهُمۡ يُخۡلَقُونَ وَلَا يَمۡلِكُونَ لِأَنفُسِهِمۡ ضَرّٗا وَلَا نَفۡعٗا)

قد نقول بأن النفع يحتاج إلى مؤونة، يحتاج إلى إيجاد شيء، أن يجلب لنفسه الضرّ حتى يقتل نفسه بإرادته، إرادته التي يملكها مطلقاً أو بإرادة مملوكة لله عزَّ وجلّ؟ أوليست إرادته تتقلب من شيء إلى شيء؟ هو يقتل نفسه، حتى يقتل نفسه وينتحر لابد أن تكون عنده إرادة الانتحار، وهو ليس حرّاً في إرادته قهراً على الله، لا يملكها على الله عزَّ وجلّ، تبقى مريداً ما دام الله يريد لك أن تريد. أن تريد ليس معنى أن تتعلّق إرادتك بشيء بالفعل، معنى الإرادة أن تكون عندي طاقة، أجد نفسي تستطيع أن تختار في الفعل أو عدمه، تقدّم هذا على ذاك، أو تقدم هذا على الثاني، هذه القدرة على الاختيار أملكها أنا؟ لا أملكها. 

أنت لو قررت أن تنتحر أو قررت ألاّ تأكل، إذا لم تكن هناك قدرة وإرادة معطاة من الله عزَّ وجلّ بالقدرة على الاختيار تعطل اختيارك، إذا نفسك لم تستطع أن تختار ما تملك، لا تستطيع أن تمتنع عن الأكل، لأنه ليس هناك إرادة. 

نحن مملوكون ملكاً تامّاً دائماً، هويتنا الفقر، الفقر في كلّ شيءٍ من خير عندنا، والخير الذي عندنا لا نملكه، خيرٌ يتدفّق عليها آناً بعد آن من مصدر الفيض تبارك وتعالى، فهل أنا أصير إله؟ إله يعني خالق، مدبّر، متصرّف. 

إذا كان ضرّ لا أستطيع أن أجلبه لنفسي، والعبادة لدفع الضرّ يا أخواني، لجلب النفع، إله لا ينفع ولا يضرّ، ولا يستطيع أن يهدي أو يضلّ، فهذا الإله الذي يُتخذ من الناس، من الملائكة، من الجمادات، من الناطق، إلى آخره، إله فاقدٌ لضرّ نفسه، فمن لم يستطع أن يضرّ نفسه فكيف يضرّ غيره؟ 

قوة الإضرار للاختبار وعلى النفع، لأنفسنا ولغيرنا، وهذا من حكمة الله أنه جاء بنا لنختبر لتتجلى حقيقة ذواتنا في خبثها وطيبها من خلال هذا الاختبار. 

 

(وَلَا يَمۡلِكُونَ لِأَنفُسِهِمۡ ضَرّٗا وَلَا نَفۡعٗا وَلَا يَمۡلِكُونَ مَوۡتٗا وَلَا حَيَوٰةٗ وَلَا نُشُورٗا)

 

ماذا تفعل بي وأنا لا أملك موتاً ولا حياة؟ تعبدني كيف؟ لماذا؟ ما هو الموجب عقلاً لأن أعبد فلان وفلان؟ أن يعبد الفقير الغني أو يعبد الجاهل العالم وما إلى ذلك؟ 

مقومات الألوهية، مقومات أن يُعبد شيءٌ غير الله عزَّ وجلّ مفقودة في كلّ شيءٍ غيره. 

 

نأتي لقول من كفروا عن تنزيل الله الفرقان، كذّبوه. 

 

(وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ إِفۡكٌ ٱفۡتَرَىٰهُ وَأَعَانَهُۥ عَلَيۡهِ قَوۡمٌ ءَاخَرُونَ فَقَدۡ جَآءُوظُلۡمٗا وَزُورٗا) 

 

الإفك يعني الكذب.

افتراه بمعنى ابتدعه، بمعونة من غيره. رسول الله ليس عنده شيء، وإنما أملاه عليه عدد من الناس. وهناك أقوال أنّه تعلّمه من اليهود، أعداء الإسلام. ومن علماء النصارى، تعلمه عن رجل يقال له “قسطة” ينقله عنه بالغداة والعشي، يأتي ويعلمه غدوّاً وعشيّا في وقت لا يراه أحد، يكتب له ويحفظه رسول الله، ويصوغه بعد ذلك بلغته وينسبه لنفسه. 

 

في رواية عن أبي جعفر عليه السلام، حسب رواية أبي الجارود، يعنون بهذا الذي علّم رسول الله “صلى الله عليه وآله”، أحدهم أسمه أبا فهيكة، وآخر هو حِبْر، وعِدَاس، وأحدهم عابس مولى حويطة، هؤلاء جماعة علّموا رسول الله القرآن وأخرجه للناس. 

 

(وَقَالُوٓاْ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ ٱكۡتَتَبَهَا فَهِيَ تُمۡلَىٰ عَلَيۡهِ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلٗا)

 

هذا قول النظر بن الحارث بن علقمة بن كلدة، هو الذي نسب للرسول أنه نقل أساطير الأولين. 

الأسطورة كلام جذّاب منمّق مزخرف فني، لكن المضمون فكاهات، كلام أو قضايا للتسلية، قضايا تافهة، ليس نتاج عقلي، شيء يشغل الفراغ فقط، ولا يغني ولا يسمن من جوع، وإن كان الشكل شكل جذّاب. 

هذا قول النظر بن الحارث أن القرآن معتمد على الأساطير. 

 

• هؤلاء الذين عدّوهم وأسندوا إليهم أصل القرآن في مادته الأصلية، هم أناس من سائر الناس، هم من سائر الناس أو أن الناس قد خلوا في كل الأجيال بعد هؤلاء من أمثالهم، بقت الناس مثل النفر المذكورين يستطيعون انتاج القرآن أو لا؟ كل الأجيال خالية من هؤلاء؟ يعني هؤلاء نوادر البشرية؟ هذا التقدم الحضاري والإنساني في مختلف العلوم والطفرة الكبيرة الواسعة للقسط الحاضر العلمي والسابق العلمي، موجود فاصل كبير جداً، أليس هناك أمثال لهؤلاء مثل فهيكة وجماعته؟ 

 

• وقد تحدّى القرآن منذ نزوله، وتحدّيه قائم في كلّ الأجيال، ولا ردّ من أهل الدنيا كلها على هذا التحدي. القرآن منذ تنزيله وهو يتحدّى البشرية أن يأتوا ولو بسورةٍ من مثله، ولو ببعض السور من مثله، والسور فيها سطرين أو سطر، ولحد الآن التحدّي قائم. 

 

• اليهود الذين منهم هؤلاء الذين عاونوا الرسول، عندما أصبح ضدهم، لماذا لم يردّوا؟ النصارى لماذا لم يردّوا؟ كفّار قريش لماذا لم يردّوا؟ ليس هناك أحد! 

 

• حشد كبير من الآيات تدفع الناس للتفكّر في الآيات اللفظية والكونية، تدفعهم دفعاً شديداً للتدبر في القرآن وآياته، إذا كان قائماً على الأساطير تقول لهم تعلموا كثيراً وأعملوا عقولكم في فهم القرآن وابحثوا عن حسناته وسيئاته، هل هذا عقل؟ القرآن وهو أساطير يقول تعال اعملوا عقولكم وحاسبوني محاسبة علمية، اكتشفوا خطأ من صواب، تكتشفوا الأوهام والأساطير مما هو فكر دقيق معجز، أيتناسب هذا مع كتاب أساطير؟ كتاب أساطير يملأ الدنيا دعوةً لكل العالم “أطلبوا العلم من المهد إلى اللحد”، انتشار العلم والتقدم في العلم، يساعد على الأساطير؟ 

 

• آيات السير في الأرض والنظر في السنن الكونية وبدأ الخلق، هذا كله في القرآن الكريم، هذه هي دعوة القرآن فهل تتناسب مع كونه كتاب سخرية وكتاب أساطير وكتاب فكاهات؟ أين الفكاهات؟ دعونا نقرأ القرآن من أوله لآخره هل نرى حسّ الأسطورة موجود؟ الحس العبثي موجود؟ أين الأفكار الأسطورية التافهة من أول آية إلى آخر آية؟ فليخرج لنا مدّعوا الأسطورة القرآنية آية واحدة فيها شمّة الأسطورة فضلاً عن القرآن كلّه. 

 

• هذا الذي يقول وهو القرآن الكريم (إنما يخشى الله من عباده العلماء)، إذا تعلّمتم ستصبحون متدينين، ستكونون قرآنيين، صرتم خاشعين عابدين لله. 

أنت سخريات، أنت أساطير يا قرآن -وحاشاه-، أنت أفكار تافهة؟ أفكار خرافية؟ تقول لنا (إنما يخشى الله من عباده العلماء) وتدفعنا للعلم حتى نفضحك؟ أيستقيم في الفكر هذا؟ هل يرتكب رسول الله هذا الأمر؟ 

 

(إنما يخشى الله من عباده العلماء)، قرأنا لعالم ليس ديني، هذا الذي قرأناه في الحديث السابق عن الإعجاز الكوني (*يقصد المحاضرة السابقة)، وشهادة النظام الكوني ودقة هذا النظام بوجود الخالق العظيم الكامل ذي الجلال والإكرام، الكامل بالمطلق. 

 

• الاكتشافات العلمية القديمة والحديثة، أي اكتشاف علمي صادق دقيق، يكون شاهداً ودليلاً على عظمة الله تبارك وتعالى الذي نزّل القرآن. 

بركات القرآن الكثيرة التي مرّ الكلام عنها هي شيءٌ من بركات الله الذي نزّل القرآن. 

هذه الاكتشافات العلمية القديمة والحديثة، قارن، اعرض عليها المسألتين، مسألة أسطورية القرآن، ومسألة أن القرآن فرقانٌ أنزله الله، لتشهد هذه المكتشفات، لتشهد المكتشفات العلمية لأنّ الحقّ مع أيّ المقولتين؟ مع مقولة أن القرآن أسطورة أو مع مقولة أن الفرقان تبارك الذي نزّله وهو الله تبارك وتعالى؟ 

 

• الحرب الضارية اليوم القائمة على القرآن الكريم، هذه الحرب العالمية الشرسة الفتاكة، سرّها أن الكتاب كتاب أساطير؟ خائفين من أساطير القرآن؟ من خرافاته؟ ما أكثر الخرافات والأساطير والكتب الهزيلة جداً، هل أحد حاربها؟ 

هذه الحرب كلّها، ويعطون أرواحاً من عندهم، ويدفعون خسارات كثيرة، حرب خائفة من القرآن لأنه أساطير؟ أو خائفين لأنه يقيم حضارة إلهية مكان الحضارة الشيطانية؟ 

 

 

جواب القرآن على دعوى افتراءه، ليس فيه تطويل ولا مناقشات تفصيلية: (قُلۡأَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعۡلَمُ ٱلسِّرَّ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ)، خلاص، خرافات؟ هذا رأي، أنزله عالم السر في السماوات والأرض، هذا قول مقابل. 

اعرضوا هذا القرآن على العلم، على الفطرة، على العقل السليم، تأمّلوا، هذا هو الحكم، هذه المقارنة بموضوعية ومن منطلق طلب الحقيقة، تُغني عن المناقشات التفصيلية في أن القرآن جاء بفكيهة أو لا، الكلمة تقول لرسول الله (قُلۡ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعۡلَمُ ٱلسِّرَّ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ). 

 

ادرسوا القرآن سيُريكم تماماً أنه منزّل ممن يعلم السر في السماوات والأرض. الغيبيات الموجودة في القرآن، الإشارات العلمية الدقيقة الصائبة في القرآن عمّا قبل مئات السنين، مئات الألوف من السنين، هذا القرآن الكريم عندما تدرسونه، تتعلمونه، تتدبرون فيه، تعطونه حقّه من التفكّر والتأمّل والتدّبر؛ تكونون أناساً علماء، ستعرفون أنه ليس أساطير، وستسخفون ما كنتم تقولونه من أنّه أساطير، كما يستسخف العلماء الغربيين وغيرهم ممن ينصفون الحقيقة حقّها، يقولون بأن هذا قرآن لا يمكن أن يكون أساطير وخرافات. 

 

ماذا فعل القرآن؟ 

جاء القرآن والناس في ضلال، فقراء، تافهون، يتحاربون، قفز بالبلاد العربية من كونها في مؤخرة القافلة البشرية إلى أنها صارت تزاحم وتناهض وتقاوم ثم صارت هذه الأمة العربية التي آمنت بالإسلام وأخذت به بمقدار، بمقدار فقط، وهو مقدار قليل فقط، وفيه الدولة الأموية الذي هم أهل دنيا وفسوق وفجور وما إلى ذلك. 

 

هذا القدر مما أخذ به من الإسلام علّم الغرب، ووّلد حركةً علميةً في الغرب، وعمّت أشعة الإسلام في كلّ مكان، وهذا المقدار الآن الموجود من عطاء الإسلام الذي وصل إشعاعه بقاع كثيرة جدّاً هو الذي يحفظ التوازن نوعاً ما، هو الذي يُبقي للحياة الإنسانية أن تستمر، طبعاً التحطيم مستمر من قبل الدول الكافرة، لكن هذا المقدار من الضمير، المقدار من الرحمة، المقدار من الأمانة، البسيط، هذا كلّه من آثار دين الله تبارك وتعالى، وببركة إشعاعات القرآن العظيم. 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

 

زر الذهاب إلى الأعلى