كلمة آية الله قاسم في المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان الأمريكية – 3 يوليو 2019
قال سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم خلال مشاركته في المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان الأمريكي في نظر الإمام السيد علي الخامنئي قائد الثورة الإسلامية أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان له لغة لفظية وأخرى عملية على يد أمريكا وأنجلترا وأوروبا، مؤكداً أن هناك فرق بين اللغتين.
وعن أمريكا، لفت سماحته إلى أن “الشعوب العالمية تشكر أمريكا شكراً جزيلاً، تُكبر موقف أمريكا، أمريكا تستحق منّا ليس الشكر فقط وإنما أكثر من ذلك، لأنها محافظة على حياة الدم العربي، على النفس العربية، محافظة على أعراض العرب، محافظة على كرامتهم، تقف حاجزاً شديداً دون حكام العرب أن يقتلوا نفساً بغير حق، أن يدخلوا أحداً مطالباً بحق إلى زنزانة، أن يمارسوا أي ممارسة مخالفة للحرية والديمقراطية، أمريكا وفية لحقوق الإنسان، للإعلان العالمي في حفاظها أرواح الناس كل الناس والعرب، على أعراض الناس كل الناس والعرب، على حرية كل الناس وحرية العرب، محافظة، مطالبة، معاقبة للدكتاتوريين الذين يحولون بين إرادة الشعوب وبين أن تتفعل وأن تشارك في المجال السياسي، تقف له بالمرصاد ولا تحالف أحداً من الدكتاتوريين ومن المتسلطين بالظلم، إذن ألف شكر لأمريكا أو أنّ الموت لأمريكا؟ متساءلاً: ماذا تقولون؟
وردد الحضور في المؤتمر وسماحة الشيخ: الموت لأمريكا.. الموت لأمريكا، فيما استطرد سماحته بهتاف: هيهات منا الذلة.. هيهات منا الذلة..
(تعرّف على المؤتمر وخلفياته والمشاركين فيه تحت هذا الرابط):
للمشاهدة :
https://www.youtube.com/watch?v=sUHzUma2PTU
*فيما يلي ينشر “مركز المقاوم” نص كلمة سماحته التي جاءت تحت عنوان (حقوق الإنسان وجوداً وتطبيقاً):
السلام عليكم أيها الأخوة المؤمنون ورحمة الله وبركاته
حقوق الإنسان وجوداً وتطبيقاً
الكلام عن الإنسان بما هو إنسان، والإنسان روحٌ وبدن، ليس قبضة طينٍ وحدها، ولا روحاً خالصة وحدها، وإنسانيته بالروح الإلهية، الروح من عند الله التي جاءت نفخة كريمة في وجود هذا الإنسان لتعلو به وتأخذ به إلى سماءٍ رفيعة.
الإنسان ليس قطة، ولا كلباً ولا حشرة ولا قردا. الإنسان موجودٌ كريم متميزٌ من بين مخلوقات الأرض.
الإنسانية النوع الواحد، الحقيقة الواحدة، هو موضوع واحد لحقوق مشتركة متساوية، والكلام في تساوي الحقوق، موضوعه الإنسان بما هو إنسان، وإلا فإن الحقوق قد تتفاوت بتفاوت المستوى الفعلي للإنسان من خلال جهده الإكتسابي.
الإنسان البدن حاجات ودوافع، وشهوات وضرورات، والإنسان الروح عقلٌ ووجدانٌ غيبي، ووجدان خلقي وتطلعٌ لغاية وشوقٌ لكمال وحاجات روح وذاتٌ قابلة للسمو بما يفوق حتى الملائكة في بعض الفروض.
الإنسان هو ذلك الموجود الكريم بشهادة خالقه تبارك وتعالى.
هي إنسانيةٌ واحدة وحقوق متحدة كما سبق، وحقوق أخرى تضاف إلى هذا الإنسان في تميزاته المكتسبة من خلال جهده الإرادي ودوره الخلافي في الأرض.
حقوق الإنسان تحتاج إلى تأصيل، وعلى مستوى التأصيل تُدرس في أحضان الفكر التوحيدي، ثم في أحضان الفكر الإلحادي والفكر العلماني.
في أحضان الفكر التوحيدي، عقلاً: كم خالق لهذا الكون؟ باختصار هو خالق واحد –كما في عقيدتنا- خالق واحد للوجود والحياة، للوجود بكل ما في الوجود من شيء، وللحياة كل الحياة.
الإنسان مملوكٌ بكل أفراده لخالقه، هو خالقه وهو مدبره وهو رازقه وهو مالك بدايته وهو مالك مصيره، لا شيء من وجود ولا شيء من حياة ولا شيء من أثر لهذا الإنسان إلا بالله تبارك وتعالى.
هل الإنسان يملك حريته؟ كما لا يملك الإنسان وجوده وكما لا يملك حياته وكما لا يملك شيئاً من أثر من آثاره فإنه لا يملك شيئاً من حريته في حدّ نفسه، أنا إذا لم أملك حريتي هل أملك حرية الآخرين؟ الأولى لا، كوني لا أملك حرية نفسي نافٍ لموضوع أن أملك حرية أي أحدٍ آخر. هل أملك أن أعطي الحرية لأحد؟ هل أملك أن أمنع الحرية على أحد؟ هل أملك أن أقيد حرية أحد؟ بما أني مملوك ملكاً صرفاً لله تبارك وتعالى فليس لي شيءٌ من ذلك على الإطلاق.
إذا كانت هناك مولوية تكوينية وشاملة وأصل، هنا يأتي بالمالكية المولوية مالكٌ لحرية من تحت يده، وليس شيء يملك شيئاً من الملكية المولوية التكوينية إلا خالق هذا الكون، وإنتفاء المالكية المولوية نافٍ تماماً للمولوية التشريعية. فالمشرع للحقوق، الحقوق ليست وجوداً حقيقياً، وليس لها تشّخصٌ قائم متحقق، وليس لها ثبوت في الخارج، فتحتاج إلى اعتبار، وتحتاج إلى تشريع، من يملك تشريع الحقوق؟ من يملك المُشرع له؟ من يملك كل ذرة من المشرع له، وكل خلجة من المشرع له؟ المالك بالملكية التامة للبشر هو الذي يملك تشريع الحقوق لهم، من دونه لا أحد يملك حق التشريع لأي حقٍ من الحقوق.
عباده يملكون منه كل شيء، ويشرع لهم حقوقاً من حقه، الأصل ألا حق إلا لله الحق، ولأنه تبارك وتعالى يملك عباده بالملك التام الشامل الصرف فله أن يفرض حقوقاً لبعض العباد على بعض، وهكذا فعل كما يدل دينه تبارك وتعالى.
مع شيء من النصوص:
أولاً قبل النصوص، مستوى الحق من مستوى ذي الحق، إذا فرضنا أن هناك حقوقاً للقطة، للذئب، للدجاجة، للحشرة، وفرضنا أن هناك حقوقاً للإنسان، أن هناك حقوقاً تشرع للقطة، وحقوقاً تشرع للإنسان، أترى عدلاً، أترى من المنطق أن تكون حقوق الإنسان حقوق القطة، أو أن حقوق القطة تكون حقوق الإنسان؟ أو أن اختلاف الموضوع الإختلاف الهائل، اختلاف القيمة فيمن تعطى له هذه الحقوق يفاوت بين الحقوق القائمة على هذه الحقيقة، المنسوبة لهذه الحقيقة، المشرعة لهذه الحقيقة أو لتلك الحقيقة.
حقوقٌ للإنسان لا يمكن أن تهبط إلى حقوق بمستوى حقوق القطة، وحقوق القطة ليس من العدل أن تصعد حتى تصل إلى مستوى حقوق الإنسان.
من الإنسان؟
في نظر العالِم بالإنسان، العالِم بالكون كله (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (*) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)، خطاب لملائكة الله المقربين، الذين هم عبادٌ مكرمون عنده، الملائكة بمستواهم الكبير الكبير أسجدهم لآدم وهو سجود لله سبحانه وتعالى في الأصل تكريماً لهذا الإنسان لأمر ربه تبارك وتعالى.
(فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)، السجود لأي جانب من جانبيّ هذا الإنسان؟ صلصال، حمأ مسنون، هل السجود للصلصال والحمأ المسنون الذي ندوسه، والذي تدوسه الحشرة؟ والذي يدوس عليه الكافر الملحد بالله عز وجل، أم أن التكريم هنا لنفخة الروح؟
ومن تلك الروح فكر الإنسان المختلق لعالم المادة، ومعرفته الواعية بالله سبحانه وتعالى، وشوقه إليه بما هو الكمال المطلق، تلك الروح التي من مظهرها المخزون الأخلاقي الكريم عند الإنسان، وتعلقه بالعلم والحق والعدل. الإنسان الذي أفاق وأستيقظت روحه أستصغر كل الأرض ولم يقتنع بأن تمر لحظة من لحظات وجوده وقلبه غافل عن الله وهو الكمال المطلق، هذه آثار نفخة الروح، هذه مظاهر نفخة الروح، هذه الروح التي توصل الإنسان بالله عز وجل، وتربطه به، من موقعية عبودية الإنسان لربوبية الله تبارك وتعالى وهي ربوبية متعالية، هي ربوبية شريفة تعلي من قيمة الإنسان وتعطي لحقوقه وزناً من نوع خاص.
(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)، إنه ليس ظلوماً جهولاً بحمله للأمانة، هو لم يحملها من خلال توقيع عقدٍ بينه وبين الله وقع عليه الطرفان، حمل الإنسان الأمانة من خلال مستوى إعداده الإلهي وقابلياته ومواهب الله الكبرى فيه التي أعدّته وهيئته وأعطته الوزن الذي يحمل أمانة الخلافة عن الله وإعمار الأرض الإعمار الذي يرضي الله عز وجل، ومن إعمار الأرض أن يعمر سيّد الأرض وقائد حركة الأرض وهو الإنسان، أن يعمر عقلاً قلباً روحاً، أن يزكو نفساً عملاً، أن يطهر ذاتاً.
إذن أين ظلم الإنسان وجهله في غخلاله بحمل هذه الأمانة التي أُقدر على حملها!
(إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (*) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (*) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)، وعلى أحد التفسيرين للآية الكريمة فإن هذا الإنسان يحمل دوراً خلافياً عن الله عز وجل، وهو الأمانة التي عرضتها الآية الكريمة السابقة.
هل بمستوى الإنسان مخلوقٌ على وجه الأرض بعد هذه الآيات والشهادات من الله عز وجل؟ لا..
(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)، بعضهم يحمل الآية الكريمة على أنها ليست الكرامة النفسية وإنما هي كرامة تكوينية خلقية من الله عز وجل، حيث أعطى هذا الإنسان مواهب مادية من حمله في البحر والبر وما إلى ذلك، والظاهر أن الآية تتعدى هذا المستوى بكثير حين نستكمل قراءة الآية فإن الآية تذكر هذه المنة وهذه الموهبة على الإنسان لكن الكرامة في أصلها ليست في حمل الإنسان في البحر والبر. الكلب يمكن أن يُحمل في أطرز طائرة، أن يصل القمر قبل الإنسان، أن يسكن أعلى القصور، لكن هل هذا شرف؟ هل هذا شرف ذاتي للكلب؟ طبيعي لا..
إن هذه الكرامة لبني آدم كرامة يمكن أن تهبط بعضهم أو أن تنسحق كل الإنسحاق وتنتهي كل الإنتهاء، كما يمكن لهذه الكرامة أن تزداد وتسمو وتتألق أكثر وتتجاوز الحدود الكثيرة.
شاهدُ ذلك (نحنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) كرامة الإنسان بهداه، ببصيرته، ولا بصيرة من غير معرفة الله، ولا وعي من غير الإقرار بالعبودية لله، والسير في خط العبودية له سبحانه.
هذا الهدى يزداد بإيمانهم بربهم بلا شك.
(وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) أين كرامة هذا الإنسان؟ إنتهت، انسحقت، سقط عن مستوى الحيوان الأعجم، هذا دور اكتسابي، هذا دورٌ إرادي أسقط كرامة الإنسان، وإيمان الفتية دور اكتسابي إرادي رفع من مستوى كرامة الإنسان، والآيات لا تقتصر على هذا.
(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ).
الإسلام يشرع لحقوق الإنسان، والإسلام دين الله، هو الذي بالحق يشرع حقوق الإنسان، (إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) العدل لمن؟ الإحسان لمن؟ للمؤمن بالمعنى الخاص؟ للمؤمن بالمعنى العام؟ أو للإنسان؟ الآية مطلقة. أحسن قانون، والقانون الحاكم، والقانون الأصل، وهو الذي يقوم عليه الكون كله هو العدل، والعدل قاعدة أولى أساس لا تهتزّ ولا ترتعش في بناء حياة الإنسان، في فهم الإنسان.
(..وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا ۘ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) هذا مع العدو، وليس مع الصديق، فكيف بالصديق؟
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) عدواة قوم، عدوان من قوم آخرين، لا يقف مانعاً ولا يأتي رجلاً ليرفع يد المسلم عن الأخذ بالعدل. ولب الصناعة الإسلامية للإنسان أن يكتسب التقوى، أن يلتحم إلتحاماً شديداً بذكر الله، بخوف الله، بالخشية من الله، بحب الله، برجاء الله تبارك وتعالى، أن يعشق الله. (هو أقرب للتقوى…)
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) والنظام الإسلامي الإجتماعي كل مفرداته فيها اعترافٌ لحقوق الإنسان، حقوق الإنسان كما هي في نظر الحق العدل تبارك وتعالى العليم الخبير بهذا الإنسان لا كما في نظر هذا الإنسان بقصوره بمحدوديته بجهله بما يكون عليه من سفه ومن ظلمٍ شديد، هم يقولون بحقوق الإنسان والله يقول بحقوق الإنسان، لكن من بعد ذلك ليس لهم أن يشرعوا لحقوق الإنسان على الغير لأنهم لا يملكون الإنسان وليس لهم أن يفرضوا على الإنسانية جمعاء بكل أجيالها وبمستوى كثير من أفرادها الذين يفوقون مستواهم، ليس لهم أن يفرضوا على هذا الإنسان حقوقاً وأن يلزموه بها. الذي يملك أن يشرع لحقوق الإنسان، بفلاسفته، بفقهائه، بكل عباقرته، بصغيره وكبيره، أن يشرع للحقوق وأن يشرع عليه الواجبات وأن يلزمه برعاية حقوق الآخرين إنما هو مالك الإنسان كما سبق.
(لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، فوق ما هو قسط، وفوق ما هو عدل، برّ، والبر تعامل بالخير، والبر فيه إحسان، والبر فيه رعاية، والإيمان لا ينفي البرّ لمن لم يقاتل المسلمين ويخرجوهم من ديارهم وإنما الإسلام لأنه يقول بأن المؤمن هو العبد الصالح والنافع للعباد يأمره كما يأتي في حديث الرسول “صلى الله عليه وآله”، والرسول رحمة، والكتاب رحمة، يظلم؟ يسلب حقوق الآخرين؟ يتجاهل حقوق الآخرين؟ يتفرج على سلب حقوق الآخرين؟ لا شيء من ذلك بصحيح.
عن الرسول “صلى الله عليه وآله”: (إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ حُسْنَ الأَخْلاَقِ)، ورعاية الحقوق من أول المكارم الأخلاقية، وضرورة من ضرورات مكارم الأخلاق.
عن النبي “صلى الله عليه وآله”: (لخلقُ عيالُ اللهِ وأحبُّهم إلى اللهِ مَن أحسنَ إلى عيالِه)، ويدخل في نفع المسلم لغيره نفع الحيوان، وتدخل رعاية الإنسان إلى الشجر وإلى كل البيئة.
عن الرسول “صلى الله عليه وآله”: (الدَّوَاوِينُ عِنْدَ الله عز وجل ثَلَاثَةٌ: دِيوَانٌ لَا يَعْبَأُ اللهُ بِهِ شَيْئًا، وَدِيوَانٌ لَا يَتْرُكُ الله مِنْهُ شَيْئًا، وَدِيوَانٌ لَا يَغْفِرُهُ اللهُ. فَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِي لَا يَغْفِرُهُ اللهُ فَالشِّرْكُ بِالله قَالَ اللهُ عز وجل، وَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِي لَا يَعْبَأُ اللهُ بِهِ شَيْئًا فَظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ مِنْ صَوْمِ يَوْمٍ تَرَكَهُ أَوْ صَلَاةٍ تَرَكَهَا فَإِنَّ اللهَ عز وجل يَغْفِرُ ذَلِكَ وَيَتَجَاوَزُ إِنْ شَاءَ، وَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِي لَا يَتْرُكُ اللهُ مِنْهُ شَيْئًا فَظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا؛ الْقِصَاصُ لَا مَحَالَةَ)، ظلمي لك، ظلمك لي لا تنازل عنه عند الله عز وجل وإنما هو قصاص من قضائه وحكمه بيني وبين من ظلمت أو من ظلمني.
وغفر الله لي ولكم، ويبقى أكثر الموضوع متروكاً.
الشعوب العالمية تشكر أمريكا شكراً جزيلاً، تُكبر موقف أمريكا، أمريكا تستحق منّا ليس الشكر فقط وإنما أكثر من ذلك، لأنها محافظة على حياة الدم العربي، على النفس العربية، محافظة على أعراض العرب، محافظة على كرامتهم، تقف حاجزاً شديداً دون حكام العرب أن يقتلوا نفساً بغير حق، أن يدخلوا أحداً مطالباً بحق إلى زنزانة، أن يمارسوا أي ممارسة مخالفة للحرية والديمقراطية، أمريكا وفية لحقوق الإنسان، للإعلان العالمي في حفاظها أرواح الناس كل الناس والعرب، على أعراض الناس كل الناس والعرب، على حرية كل الناس وحرية العرب، محافظة، مطالبة، معاقبة للدكتاتوريين الذين يحولون بين إرادة الشعوب وبين أن تتفعل وأن تشارك في المجال السياسي، تقف له بالمرصاد ولا تحالف أحداً من الدكتاتوريين ومن المتسلطين بالظلم، إذن ألف شكر لأمريكا أو أنّ الموت لأمريكا، ماذا تقولون؟
هتاف الحضور وسماحة الشيخ: الموت لأمريكا.. الموت لأمريكا..
هتاف سماحة الشيخ والجماهير من بعده: هيهات منا الذلة.. هيهات منا الذلة..
للإعلان العالمي لغةٌ لفظية وله لغة عملية على يد أمريكا، على يد أنجلترا، على يد كل أوروبا، وفرقٌ بين اللغتين.