كلمة آية الله قاسم حول مستجدات المنطقة بعنوان “المؤمن والأحداث الكبيرة” – ١١ ديسمبر ٢٠٢٤
آية الله قاسم على هامش الدرس الأخلاقي الأسبوعي متحدّثاً حول المستجدات في سوريا والمنطقة: فلنكن أقوياء، ولنكن مُسَلِّمين لله عزَّ وجلّ، ولنثق كلّ الثقة بأنّه إذا نصرنا الله سينصرنا فليس من وعد الله شيءٌ كذب.
*تحدّث سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم حول آخر المستجدات الجارية في المنطقة في نهاية الدرس الأخلاقي الأسبوعي ليلة الخميس ١١ ديسمبر ٢٠٢٤ في مجلسه بقم المقدسة، وجاء نصّ الحديث كالتالي:
المؤمن والأحداث الكبيرة:
لو حدث حادثٌ له من الثقل ما له، ومن الضغط على النفوس ما له. هذا الحدث عاشه مؤمنٌ وفاسق، ما وزن الفاسق أمام الأحداث المهولة الطاغية؟ وما هو موقف المؤمن الموصول قلبه بالله تبارك وتعالى؟ أترون فرقاً بينهما أو لا في ردّة الفعل؟ في الاستجابة لضغط الحدث؟ في نوع الاستجابة؟ في تحطّم النفس؟ في الشلل والنشاط؟
المؤمن الواحد ممن آمن بالله حقّاً وصدقاً، بوزنٍ من الأوزان المعتبرة، يعني إيمان ليس معصوم ولكن له وزن، طبعاً لا يساوي حتى شخص غير فاسق، شخص فهمه للإسلام قليل، ودرجة الالتزام عنده بالإسلام أقل من صاحبه الأول. المؤمن الحقّ أمام هذا الحدث الضخم الذي يذلّ نفوساً كثيرة، وينحرف بأفكار كثيرة، ويضل أشخاصاً كثيرة من بعد هدىً، يُسقط أيّ أمل في نفس هذا الإنسان، هذا الحدث الكبير، مواجهة المؤمن له من أولئك المؤمنين المتميزين الأخيار، تختلف طبيعي، يقول هذا الحدث لم يفرض نفسه على الله، ولم يحدث هذا الحدث بإرادةٍ مطلقة عند المجرم الذي أحدثه، هذا إرادته مملوكة محكومة لله عزَّ وجلّ، فداخل في حساب منذ الأزل، والله عزَّ وجلّ يعلم أن هذا الحدث سيحدث، وهو قادرٌ منذ الأزل وإلى الأبد وإلى ما لا حدّ له، إلى المطلق، قادرٌ على إيقافه وتمشيته، قادرٌ على تمشيته، يعني مثلاً أنت الآن، تفاحة تجري في نهر، الماء ليس قوي بحيث يغلبك، أنت تستطيع أن تسمح لها أن تجري، وتستطيع أن توقفها وتأخذها، كمثال بسيط لقدرة الله عزَّ وجلّ، على إيقاف الأمور وتمشية الأمور.
حربٌ، قتلٌ، نهبٌ، أيّ شيءٍ من هذا، مثلما الكون لا يمشي ولا لحظة واحدة إلا بتنزيل فيض من الله عزَّ وجلّ، هذا كلّه ما كان حدث خير، نصر للمؤمنين، ما كان حدث شرّ، الآن ما حدث في سوريا، أمثاله، هذا اعتبره تفاحة يدفعها نهر، الحدث نفسه يدفعه نهر، وهذا الحدث يدفعه ويدبره ظالم، وتآمر ظلام وإلى آخره، وورائه أسباب أرضية مختلفة، لا سبب من هذه الأسباب مستقلّ عن قدرة الله عزَّ وجلّ. أصل السبب ومسببيّة السبب مملوكان لله تبارك وتعالى.
هذا المؤمن يرى الحدث هكذا.
الله ليس ظالماً، ولا يريد بعباده إلا الخير، وهذا الحدث لا يعلم نتائجه الحقيقية -ليست القريبة فقط، وإنما القريبة وعلى البعد المتوسط وعلى البعد البعيد- إلا الله تبارك وتعالى. وربَّ خيرٍ يراه الإنسان شرّ، وربَّ شرٍّ في رؤية الإنسان ويراه من بعد أنّه خير. هذا قلب مطمئن.
أيُّ مصيبة المصائب في الدنيا يعلم هذا المؤمن بأنّ الإنسان مأجور عليها إذا كان مع المصيبة صبر؟
ردّ الفعل للإنسان العادي غير الفاهم للإسلام، قاصر العقل، ضعيف النفس، هو أن يبدّل مسار حياته تبديلاً جذرياً، بأن يتقاعس بعد النشاط، يفقد الحماس بالعمل الإسلامي بعد قوّته، يُدبر عن المسجد، إلى آخره، ييأس، تصيبه ردّة فعل معاكسة للإسلام، لماذا يعمل؟ على الأقل ييأس من العمل الإسلامي المُغيِّر فيتوقف، بينما آخر يدخل في عصف الذهن كما يعبّرون، ويفكّر ليل نهار، وهو يبحث عن طريقةٍ أخرى فيها خدمة للإسلام، أسلوب آخر، يفكّر عسى أن يجد طريقاً آخر، أسلوباً آخر لمواصلة العمل الإسلامي المثمر المنتج، وطريق التغيير ليس واحداً، وطريق التغيير قد لا يمشي على وتيرة واحدة، يفكّر فيما مضى في عمله وعمل الجماعة وعمل الحزب، إلى آخره، أليس فيه نواقص؟ أليس في عمل الأمة شيء من الخلل؟ إلى آخره، فيرجع الهزيمة أو النكسة لا سمح الله لو كانت، يُرجعها لأسباب من نفسه ومن جماعته ومن حزبه وما إلى ذلك، فيعمل على إصلاح كلّ ما كان ووقع من خطأ، ويجدد العزم من جديد، وتدفعه هذه الهزيمة الوقتية إلى مزيدٍ من التفكير والنشاط والقوّة والإصرار على العمل الإسلامي، والاندفاعة الشديدة لتصحيح الوضع.
الهزائم لم تُحدث هزيمةً في نفس نبيٍّ ولا وصي، ولا في وصف تقيٍّ ورعٍ عالمٍ من علمائنا العظام الذين مرّت به المصائب كلّها. فاجعة الحسين “عليه السلام” لم توقف الركب المؤمن عن التحرّك إلى الأمام، وعن العمل الجاد في عودة النشاط لمسار التغيير والتصحيح والإنقاذ، ونبيٌّ يذهب، ويذهبُ قتيلاً، فيقوم نبي مكانه، يُرسله الله عزَّ وجلّ، فلا ينظر إلى قتل النبي السابق، ولا إلى المصائب الكبرى التي مرّت بتاريخ الرسالات، تلك المصائب التي من شأنها أن تفلّ العزم، عزم الناس القادمين، وكلّ كبار المصلحين يواصلون الدرب رغم رؤيتهم تاريخ ودورس التاريخ وما حدث في التاريخ من فجائع للمصلحين وللذين يريدون أن يصححوا واقع هذا الإنسان، ويضمنون لهذا الإنسان المستقبل العظيم.
على كلّ حال، إذا أمعنّا، سنجد وجوهاً كثيرة تفرّق بين ضعيف الإيمان وقويّ الإيمان، بين الفاهم للإسلام والساذج في فهم الإسلام، في مقابلة المصائب.
كما أنّ ردّ الفعل بعد المرض الشديد عند الناس يختلف، فكذلك الأحداث الخارجية من فقرٍ وحربٍ من الحروب وما إلى ذلك، نحتاج دائماً إلى القوّة ولن نجد قوّةً في مصدرٍ أقوى من المصدر الإسلامي، في صياغة النفس أكثر من نفسٍ صاغها الإسلام وتربّت على الإسلام بعد فهمه.
ليس من حدث يحدث في الأرض مهما زلزل الأرض، ينحرف بالمؤمن عن خطّه إذا كان مؤمناً حقّاً، طبعاً المؤمن يأسف على ذهاب النفوس الزكيّة المؤمنة، ولكن هذا الأسف وهذا الحزن يحوّله إلى عملٍ مضادٍّ للظلم والكفر والعدوان، ومسيرة الخطّ الشيطاني في الأرض.
فلنكن أقوياء، ولنكن مُسَلِّمين لله عزَّ وجلّ، ولنثق كلّ الثقة بأنّه إذا نصرنا الله سينصرنا فليس من وعد الله شيءٌ كذب.
غَفَرَ الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.