كلمة آية الله قاسم بمناسبة مولد السيدة زينب ١٤٤٥هـ
نص كلمة سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم في مولد السيدة زينب بنت أمير المؤمنين “عليه السلام” فيجامعة الحوراء للدراسات الإسلامية بقم المقدسة – ٦ جمادى الاول ١٤٤٥هـ – ٢٠ نوفمبر ٢٠٢٣
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الصلاة والسلام على سيدنا محمد بن عبد الله المصطفى الكريم، وعلى آله الطيبين الطاهرين.
السلام على بطلة كربلاء زينب بنت أمير المؤمنين “عليه السلام”، التي جاهدت وقاومت ودافعت دفاعاً مريراً عن الإسلام، وكان لها دورٌ كبيرٌ في الحفاظ على أصالته، وعلى حفظ الثورة الحسينيّة المباركة المثمرة، التي أحيت الإسلام بعدما كاد يموت على يديّ بني أميّة.
هذه سطورٌ قليلة، وفكرة مختصرة في شأن زينب بنت أمير المؤمنين “عليه السلام”، وارتباطها بأصالة الفكر الإنساني، ثم الفكر الإسلامي.
الإنسان في أرقى إنسانيّته بأمرين:
-ترقى إنسانيّة الإنسان وتُحفظ وتتلألأ بأمرين-:
* بفكره الأصيل، أن يكون على فكرٍ أصيل. أن تقوم حياته على أساسٍ من الفكر الأصيل. هذا أمر.
* الأمر الثاني: هو شفافيّته الروحية.
فهو كذلك يحتفظ بفكره الأصيل، وشفافيّته الروحية حين ينشدّ للإسلام، لأنه لا أجمع غير الإسلام ولا أغنى بهذا الأمر معاً من شيء، فهو الجامع بينهما بالكامل، الإسلام جامعٌ بين أصالة الفكر الإنساني وبين الشفافيّة الروحيّة الموهوبة له من الله تبارك وتعالى.
ركيزتان أعطاهما عزّ وجلّ للإنسان ليميّزه عن من سواه على وجه الأرض، هما الفكر الأصيل والشفافيّة الروحية.
الفكر الأصيل ما هو؟
الفكر الأصيل يقينياتٌ فطريّة، ويقينيات برهانيّة تكتسب يقينيّتها من مرجعها إلى اليقينيّات المستقاة من الفطرة.
عندنا يقينيات اكتسابية برهانيّة، ما كان ليكون عندنا شيء من هذه اليقينيّات لولا اليقينيّات الفطريّة الموهوبة من الله عزّ وجلّ. تكتسب اليقينيّات المكتسبة يقينيّتها من اليقينيّات الفطريّة، فالأصل في الأصالة الفكريّة هو أن ترجع معلوماتنا إلى يقينياتنا الفطرية.
والإسلام الأصيل ما هو؟
الإسلام الأصيل قرآناً وسُنّةً لا عدول عنهما عن الصراط الحقّ، والشخصيّة الإسلاميّة من صناعتهما العالية -من صناعة الكتاب والسُنّة-.
الفكر الذي في الكتاب والسُنّة فكرٌ لا يميل عنه ولا يميل عن الفكر الأصيل، وهذه الصناعة الإسلامية، صناعة تجعل الإنسان في قمّة الموجودات على وجه الأرض كلّها.
الشخصيّة الإسلاميّة في أعلى هرم القمم الإنسانيّة، الرساليّة والجهاديّة، وتكوينها تكوينٌ قائمٌ على أسس الإسلام وفروعه.
السيدة زينب “عليها السلام” أثبتت من خلال جهادها إيماناً عميقاً وفكراً نافذاً، وحكمةً عاليةً ورشداً، وقوّةً وصلابة، وقدرةً هائلة أمام الشدائد والتحديات، وعمقاً في البصيرة، وثباتاً على الحقّ لا تزلزل فيه، ومقاومةً مستميتةً للباطل والظلم والطغيان، وعزّةً وكرامةً لا تثلم منها المكاره، وخلقاً كريماً محلّقاً، وعفّةً ونزاهةً مربية، ومقاومةً بكلمة الحقّ والحُجّة القاطعة لباطل الظلمة المستكبرين من مثل إبن زيادٍ ويزيد.
كان لها الدور الإعلامي النشط المشرّف الذي فضح بني أميّة وانتصر أشد الإنتصار لعظمة الثورة الحسينيّة العظيمة والضخمة، وأثبت فاعليةً كبرى في حمايتها من التحريف، وأعطاها عمراً ثورياً خالداً ما بقيت أمّة الإسلام، ودفعاً قوياً للتأثير الإيجابي الهائل لمدرسة الجهاد.
السيدة زينب “عليها السلام” كانت ولا زالت بتأثيرها عاملاً قوياً في بقاء ثورة الإمام الحسين “عليه السلام”، وفي إلهاب روح الجهاد وروح المقاومة في الأمّة الإسلاميّة.
كانت “عليها السلام” ناجحةً كلّ النجاح في إدارة أزمة الأرامل والأيتام ممن خلّفتهما محنة فاجعة كربلاء، وكان من فعلها، من تأثيرها، من تربيتها الكريمة، من تأثير شخصيتها العظيمة، كان من ذلك الحفاظ على توازن نفسيّة الأرامل والأطفال وروح العزة والثقة فيهم، كان من أثر ذلك حمايتهم مما تُخلّفها الحروب وعواقبها المفزعة من الآثار المُدمّرة.
أبقت على إنسانيّة ذلك الطفل سليمة، أبقت على قَوَّته كما هي قويّة، لم يكن يتامى ثورة كربلاء في معسكر الحسين “عليه السلام”، لم يكن هؤلاء اليتامى ضعافاً كاليتامى الآخرين، ولم تكن تلك الأرامل والسيّدات الشريفات ضعيفاتٍ كما يُعهد كثيراً في الأرامل الفاقدات الثاكلات وخاصةً أمام مشهد الدماء، ومشهد الأشلاء، والفجائع التي أعقبت مصرع الإمام الحسين “عليه السلام” مما واجهته أسرة الحسين وأنصارها.
دور زينب “عليها السلام” اليومَ في محنة غزّة وفلسطين:
من الحقّ ومن التوفيق ومن اللازم أن تُستحضر شخصيّة هذه السيّدة المؤمنة الكبرى خرّيجة تربية مدرسة أهل البيت “عليهم السلام”، مدرسة السُنّة، مدرسة الكتاب الكريم، لابد أن تُستحضر في صبرها وصمودها وصلابتها ووقفتها الثائرة الجهاديّة ومناطحتها للأحداث المناطحة لها بالمستوى الذي يكسر عزائم الكثير من الرجال الأقوياء الأشدّاء الأبطال.
لابد أن تُستحضر في شجاعتها واتّزانها ووقارها رغم المحنة المهولة، وفي رضاها بما قدّر الله وقضى. لم ينثلم لها إيمان، لم تنهزم لها نفسية، لم يضعف لها بأس، لم توقفها الأحداث المهولة والفجائع الكبرى التي كانت في كربلاء وبعد كربلاء عن المضي على طريق الجهاد والكلمة الصريحة في وجه الطغاة.
لابد أن تُستحضر في إصرارها على بذل ما وسعها من جهدٍ في سبيل الله وصيانة الأمّة من التخلّي عن الجهاد ومقاومة الانحراف.
لابد من استحضارها واستذكارها واتخاذها قدوةً من حرائر غزّة وفلسطين وسائر حرائر الأمّة، فالكلّ يتحمّل نصرة القضيّة الفلسطينيّة من رجالٍ ونساء.
هي قضيّةٌ تمثل امتداداً من امتدادات القضيّة العظمى، قضية كربلاء.
والجهاد فيها يمثل امتداداً لذلك الجهاد، والخطّ هو الخط، والواجب هو الواجب، وتأثير هذه القضيّة -تأثير محنة فلسطين على الإسلام وأهل الإسلام والإنسانيّة جمعاء- شيءٌ من تأثير فاجعة الإمام الحسين “عليه السلام”، من حرب الأمويين على الإمام الحسين “عليه السلام”، حربٌ كما كانت تلك الحرب حرباً على الأمّة، فهذه حربٌ أخرى في طولها وعلى طريقها، هي كذلك حربٌ على الأمّة، وكما وجبَ هناك أن تهبّ الأمّة في وجه يزيد وأنصار يزيد حمايةً للإسلام، وليعتدل الخطّ من خط الانحراف وتنتقل الأمّة من خط الانحراف إلى خط الإسلام الأصيل، من خط الإسلامٍ مزوّر، الإسلام المكذوب عليه، الإسلام المستعمل عُملةً لشراء الدنيا، إلى الإسلام الإلهي المتنزّل من الله عزّ وجلّ رحمةً للعالمين.
من أبطال ثورة كربلاء، البطلة الكريمة الشريفة العفيفة الطاهرة بنت الرسالة المحمديّة، بنت القرآن الكريم، بنت التربية العلويّة.
زينب “عليها السلام” بطلةٌ توازي بطولتها بطولات الرجال من حيث الدفاع عن الإسلام بالدور الذي يناسب جنسها كأنثى كاملة “صلوات الله وسلامه عليها”.
في كل محنةٍ من محن الحياة تواجه المسلمين؛ نحتاج إلى رجوعٍ للسماء من خلال رجوعنا للقرآن الكريم والسُنّة المطهّرة، وإلى الأرض من خلال الرجوع إلى أهل البيت “عليهم السلام” والصحابة النجباء الذين عَلَوْ واكتسبوا موقع القيادة بحقانيّةٍ، وقيادتهم قيادة قرآنية، قيادة إلهيّة، فكما أنّه علينا أن نرجع للقرآن الكريم وهو القرآن الصامت فعلينا أن نرجع إلى أهل البيت “عليهم السلام” وهم القرآن الناطق.
فعل فاطمة “عليها السلام”، فعل زينب “عليها السلام”، غيرهما من أهل البطولة الإسلاميّة من النساء الإسلاميّات، هؤلاء أيضاً يمثلون قرآناً ناطقاً بمواقفهم الصادقة التي لا انحراف فيها عن رضا الله عزَّ وجلّ، والتي تحكي حقانيّة القرآن، وسداد وصوابيّة القرآن، وعصمة القرآن الكريم.
هؤلاء “صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين” بدورٌ في الأرض، حضورها رحمة، وغيابها -وهي لا تغيب- نقمة.
السلام على أهل بيت النبوة أولاً، السلام على العلماء الصالحين، السلام على المؤمنين والمؤمنات أجمعين، السلام على المجاهدين في كلّ مكانٍ وفي كلّ زمانٍ في سبيل اللهتبارك وتعالى، وعلينا دائماً أن نكون شيئاً من رسول الله “صلى الله عليه وآله”، من عليٍّ “عليه السلام”، من فاطمة “عليها السلام”، من جميع أهل البيت، من السيدة زينب “عليها السلام”، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.