كلمة آية الله قاسم لمدينة گرگان – 5 مارس 2023
نص كلمة سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم في مؤتمر “المقاومة الإسلامية والنهضة العالمية للمستضعفين” والذي أقيم في مدينة گرگان بمحافظة گلستان الايرانية بمناسبة مولد الإمام القائم “عجّل الله فرجه الشريف” 1444هـ – 5 مارس 2023م
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله ربِّ العالمين.
الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا النبي الكريم، وآله الطيبين وصحبه الميامين.
السلام عليكم أيُّها القائمون على هذا الحفل الشريف.
كما أتوجّه بالتحية والسلام إلى أهالي كلكان الشرفاء جميعاً، كلكان أرض العلماء والثوّار والفقهاء، أرض الأخوّة الإسلامية المباركة.
مباركون جدّاً بأُخوّتكم الإسلامية، بهذا الوعي لقيمة الأخوّة الإسلامية وإصراركم على هذه الرابطة الإلهية الكريمة.
إنَّ قيامكم في الخامس من آذار للسنة السابعة والخمسين للعام السابع والخمسين والثلاثمئة بعد الألف هجري شمسي في الدفاع عن زوّار الإمام الرضا “عليه السلام” وسقوط أربعة عشر شهيداً ومئات الجرحى؛ لخيرُ شاهدٍ على ولائكم لدينكم وإسلامكم الأصيل، الولاء الذي لا نجاة من دونه.
اخترتُ للكلمة هذه التي وددتُ أن ألقيها بين أيديكم عنوان: من المقاومة إلى الثورة.
يقول الله سبحانه وتعالى: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ).
الآيتان تنزيلاً هي في فرعون وقومه في قبال بني إسرائيل الذين كان يستضعفهم فرعون وقومه، ومن ناحية التأويل هي في ثورة الإمام القائم “عجّل الله فرجه” وجنده الصالحين في قبال الكفر والنفاق العالميَيْن.
(وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ)، وإرادة الله لا غالب لها، والإرادة هنا تكوينية، والإرادة التكوينية ليس متروكاً للإنسان أن يبطلها، أن يعطّل مشيئتها.
ما هو هذا الاستضعاف الذي كان فرعون يمارسه في حقّ بني إسرائيل؟
هو استضعافٌ يعني العمل المخطط له، والذي صمم فرعون على الأخذ به من أجل نقل بني إسرائيل من أيّ موقعٍ من مواقع القوّة إلى موقف الضعف. عمل فرعون على إيصالهم إلى حالة الضعف، حالة الوهن، طبعاً الوهن اجتماعي، اقتصادي، الوهن أمني، الوهن علمي، فرعونُ كان يستهدف أن يصل الحال ببني إسرائيل إلى حالة ضعفٍ وعدم قدرةٍ على المقاومة. لماذا هذا؟
فرعون مستكبر، يرى أنّ له أن يستعبد الآخرين، أن يغنى ويفتقر الآخرون، أن يصحّ ويمرض الآخرون، أن يأمن ويخاف الآخرون، أن يتلاشى الآخرون ويبقى هو قوياً عتيّاً جبّاراً مريدا.
هذا المطلب -مطلبُ الاستكبار، مطلب استعباد الآخرين- يحتاج إلى شيء.
إذا كان فرعون قويّاً، وبقي بنو إسرائيل أقوياء، وصار تسابقُ في القوّة، والطريق مفتوحٌ للقدرة والقوّة من الجانبين؛ لم يتأتَ لفرعون أن يستعبد، أن يتصرّف في بني إسرائيل تصرّف السيّد في إمائه وعبيده، إنما يتأتى ذلك ويتاح لفرعون أن يتصرّف في بني إسرائيل التصرّف المطلق الذي يتمناه حينما يصل ببني إسرائيل إلى فقْد القدرة على المقاومة، وعلى الجهاد، وعلى العمل على استرداد الحقوق، والتبؤ بالمنزلة الإنسانية التي يطمحون إليها.
إذن لابد لكي يضمن بقائه السيّد المطلق، والمتصرّف المطلق في بني إسرائيل من أن يصل بهم إلى درجة الضعف، وفقْد القدرة بشكلٍ مطلق، لذلك قَتَّل أبنائهم واستحيى نسائهم، وأبقى نسائهم على قيد الحياة من أجل الاستخدام، ومن أجل أن يتحول نساء بني إسرائيل إلى منزلة الإماء.
وهكذا هو دأب المستكبرين في كلّ مكانٍ وفي كلّ زمان، هذا الحال تعيشه الدنيا اليوم بين طبقة المستكبرين -وهي طبقة منتشرة في كلّ مكان- وطبقة المستتضعفين -التي يشهدها أيضاً كلّ مكان-.
والمستكبرون اليوم وصلوا إلى درجةٍ عتيّةٍ من الاستكبار، جنونية عتيّة يتراءى لهم أنّهم الإله الذي يدير هذا الكون، ويملك الأرض ومن عليها، ولازال الاستكبار يعمل على إضعافٍ أكبر، وإنهاكٍ أكبر، وشرذمةٍ أشدّ بالمستضعفين، حتى يصل بوضعه إلى درجة القدرة المطلقة على التصرّف المطلق في مصيرهم.
والحربُ قائمةٌ على سدّ كل منافذ القوّة على المستضعفين، والسياسة الاستكبارية في كلّ مكان -وهي واحدة- تترصّد المستضعين على كلّ طريق لتمنع عليهم أيّ متنفّسٍ يجدون من خلاله طريقاً إلى الوصول إلى القوّة، يحاربون الصغير، يحاربون الكبير، يحاربون كلّ الفئات، يحاربون المستضعفين في وجودهم الأمني، الاجتماعي، المعاشي، الثقافي، في كلّ وجوداتهم من حيث القوّة ومن حيث المنعة، ومن حيث العزّة.
المستضعفون عاشوا مدّةً في حالة الاستضعاف والهمود مدّة طويلة من القرون، عاشوا فيها في حالة الخمود والهمود والضعف والاستكانة والتسليم، وكانت المقاومة لا تكاد تذكر.
بدأت المقاومة في الآونة الأخيرة -في العصر الحاضر- تشتدّ، تتعملق، وبدأ المستضعفون يتماسكون، وعرفوا طريق القوّة وأصرّوا على سلوكه، واستجمعوا قواهم فبدأت حركة المقاومين تأخذ في النموّ، وتُخيف المستكبرين.
وجائت الثورة الإسلامية المباركة على يد الإمام الخميني “أعلى الله مقامه” ليُعطي ثقةً عالية، ويُعطي دفعةً قويّةً ضخمة للمستضعفين، ويعطي وعياً وانتفاضةً روحية، وانتفاضة ثورية على طريق استرداد الحريّة واسترداد الكرامة، وبناء القوّة ومقاومة المستكبرين كلّ المستكبرين من الكافرين ومن المنافقين.
نحن اليوم نعيش زمنَ المقاومة، المقاومة النامية، المقاومة المتعالية، المقاومة المنتشرة، والتي تزداد تماسكاً وقوّةً وثقةً وتصميماً وانطلاقةً على طريق النصر.
هذه المقاومة تنتهي إلى طريق الثورة، اليوم مقاومة غداً ثورة. ثورة في وجه الكفر العالمي والنفاق العالمي، ليس في وجه بني إسرائيل، ولا في وجه شعبٍ مُعيّن، دولةٍ معيّنة، إنما في وجه مستضعفي العالم كلّ مستضعفي العالم.
الاستكبار الآن هو في وجه العالم كلّه، والعالم ومستضعفيه كلّه سيجتمع ليكون في مقابلة هذا الاستكبار العالمي.
اليوم جبهة الاستكبار العالمي بقبضة شديدة، وبسياسة ظالمة، وبإمكانات هائلة، وبقوّة مادية لا يستطيع المؤمنون لحدّ الآن مقاومتها المقاومة المطلوبة، والمستضعفون في حالة مقاومة، هذه المقاومة ستصل إلى حدّ الثورة بعد البناء.
الآية الكريمة تقول: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)،
والاستضعاف ليس طريق الإمامة، مَن كان في موقع الاستضعاف وخضع للاستضعاف، وتأثّر بالاستضعاف التأثر السلبي، وبقي في هذه الحالة، هو بعيدٌ كلّ البُعد عن موقع الإمامة والقيادة وموقع العزّة والكرامة، فكيف تقول الآية الكريمة: ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين.
ما بين حالة الاستضعاف وبين وراثة الأرض التي تحتاج إلى القوّة والمِنعة والعزّة والكرامة والنصر الساحق هو كما بين السماء والأرض، المسافة بين هذيْن الأمرين هي كالمسافة ما بين السماء والأرض، فمن أين تأتي الوراثة للمستضعفين، ومن أين تأتي الإمامة للمستضعفين؟ حتى يخفت صوت المستكبرين، ويذلّون بعد العزّة، يضعفون بعد القوّة، الطريق إلى ذلك هو طلب القوّة.
الإمامة، والوراثة هي نتيجة بناء القوّة، وليست نتيجة بقاء حالة الضعف، حين يتبدّل الضعف قوّةً وتتبدّلُ الذلّة عزّةً ويتبدّل الإنكسار نصراً، حين ذلك تأتي الإمامة وتأتي وراثة الأرض وخيراتها وكنوزها، والحكم على الأرض.
وما معنى إمامة المستضعفين؟
هل كلّ مستضعفٍ سيكون إماماً فعلاً؟ هل مجموع المستضعفين سيكونون إماماً واحداً بحيث يكون هؤلاء المستضعفون كلّهم في حال عصمة؟
الأقرب من ذلك -والله أعلم- وكما ذهبت إليه التفاسير، هو أنَّ معنى إمامة المستضعفين هو أنّ إمامة البعض نُسبت للمستضعفين، الإمامة التي سيمارسها المستضعفون بعد القوّة هي إمامة المستجمعين لكلّ شروط الإمامة، إمامة إئمةٍ مستجمعين لكلّ شروط الإمامة، ليس من قوّة اليد فقط، إنما من قوّة الإيمان وكماله، من كمال الفكر، من روح الإلتزام بمنهج الله عزَّ وجلّ، من الكفاءة على ممارسة دور الإمامة في كلّ أبعادها، وهؤلاء هم مثل الإمام القائم “عجّل الله فرجه”.
الإمام القائم هو من أبرز المستضعفين اليوم، حيث أنّ حقّه مسلوب، وهو حقّ الحاكميّة، ومقصىً عن موقعه، وخائفٌ ومن حقّه أن يأمن، ومن حقّه أن يحكم، ومن حقّه أن يقود الحياة إلى شاطئ الأمان، واليوم هو في غير هذا الموقع وقهراً عليه، فهو من أبرز المستضعفين.
هذا واحدٌ من المستضعفين عندما يحكم معناه صحَّ أن يسند الحكم للمستضعفين. حكمُ الإمام القائم “عليه السلام” لأهل الأرض يصحح إسناد الحكم للمستضعفين، لأنّه على رأس المستضعفين، لأنّه سيد المستضعفين، وغداً يكون سيّد الأقوياء -هو سيد الأقوياء في الحقيقة ولكن اليوم بحسب الموقع هو من المستضعفين ومن أظهر الناس المستضعفين-، وغداً الحكم للإمام القائم “عجّل الله فرجه”، والحكمُ بالدرجة الثانية والثالثة من مواقع الحكم لمصنوعين على يديه من فقهاء كبار عدول أتقياء أكفاء، ومن جنودٍ متميزين لم يكد الدهر أن يعرفهم من قبل، هذا يُصحّح نسبة الحكم للمستضعفين، والمستضعفون الذين حكموا بعد فرعون ليس كلّ المستضعفين، الحاكم كان موسى “عليه السلام”، كان الحكّام هم الأنبياء، من كان يقود الحكم ويخطط للحكم ويشرف على تنفيذ الحكم، ولا يُنفذّ الحكم إلا بأمره ونهيه، لم يكونوا كل بني إسرائيل، لا كلّ واحد وليسوا جميعاً، وإنما كانت هذه الوظيفة هي وظيفة الأنبياء والمرسلين من بني إسرائيل، غداً أيضاً تكون قيادة المستضعفين من هذا النوع، وهي قيادة الإمام القائم “عجّل الله فرجه وسهّل مخرجه” وبمعونة الفقهاء العظام، والمثقفين المخلصين الواعين المتوفرين على فهمٍ إسلامي دقيق، الحكم للمستضعفين يعني هذا، وهذا الحكم إنما يتأتى لهم بعد أن يبنوا القوّة الضاربة التي إذا دخلوا في حربٍ عالميةٍ مع الكفر انتصروا بها، انتصروا بتلك القوّة، واستطاعوا أن يفرضوا كلمة الله في الأرض وأن يُسكتوا صوت الكفر والنفاق.
فالآية الكريمة عندما تقول: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ). هذا المَنّ من الله تبارك وتعالى لا يعني أنّ المؤمنين غير مكلّفين في المشاركة في تحقيق النصر، في تحقيق القوّة، على المؤمنين أن يتحرّكوا على طريق كسب القوّة وبناء الذات، بناء الإمكانات (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّة)، لكن هذا الإعداد ليس مفصولاً عن عناية الله، عن توفيق الله، عن مدد الله، ليس مفصولاً عن تسهيل الفرص للمؤمنين، ليس مفصولاً عن قضاء الله على الظروف المعاندة التي لا يستطيع المؤمنون أن يقضوا عليها، كل ذلك يأتي مدد من الله، وعوناً من الله، ولكن على المؤمنين أن يتحمّلوا ما استطاعوا أن يتحمّلوا، أن ينصبوا في طلب بناء القوّة، ليس معنى أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض لهم أن يناموا، لهم أن يسترخوا، لهم أن يستريحوا، لهم أن يلعبوا، أن يلهوا وتتنزّل عليهم القوّة بشكلٍ غيبي ليس لهم دورٌ في تحقيقه، أبداً، فالحال هو الحال، فلولا صبر بنو إسرائيل، وطاعتهم لموسى “عليه السلام” بمقدارٍ معيّن، وأطاعوه في دخول البحر وما إلى ذلك من خطوات كُلِّفوا بها، طبعاً لو لم يقوموا بأيّ جهدٍ لما مَنّ الله عليهم بذلك النصر الغيبي الكبير الذي كانت مقدمته أن جاهدوا.
فالإنسان يتحمّل مسؤولية السعي، وفي نفس الوقت أن لايعتمد كليّاً على سعيه وجهده، وإنما يتكّل عل الله تبارك وتعالى، ويعرف أن حاجته إليه، ويتضرّع إليه، ويلتزم بمنهج البناء الذي أمر الله به تبارك وتعالى.
اليومَ إمامة المستكبرين، وغداً تكون الإمامة للمستضعفين. اليوم المستضعفون يومَ مقاومتهم، وغداً يومُ إمامتهم. هناك يومان، يومُ المستكبرين وهو هذا اليوم، وغداً يكون اليوم للمستضعفين. اليوم يومُ المقاومة الناجحة للمستضعفين، غداً إذا كانت مقاومة من المستكبرين فهي مقاومةٌ يائسة. اليوم من المؤمنين المقاومة المؤمِّلة، والمقاومة المضمونة النتائج، المحققة للنصر، وغداً لهم النصر الذي تترتّب عليه الإمامة. المستكبرين اليوم يوم قوّتهم، وبمقاومة المؤمنين يكون هذا اليوم الذي هو يوم قوّتهم يوم بداية الإنحدار والتدهور في هذه القوّة، وغداً لو حالوا المقاومة فإنّما هي مقاومةٌ يائسةٌ بائسة، فالمستقبل لحركة الجهاد وحركة المقاومة، الحركة الإيمانية الناهضة التي تتعاظم يوماً بعد يوم، وتكبُر وتتعملق يوماً بعد يوم، وتلتفتُ شعوب كلّ الدنيا إلى أهميتها وتصير من بعد حينٍ إلى الالتفاف الكبير بها إن شاء الله.
الإمامة للمستضعفين، المعني بها الإمامة الإلهية تكون للمستضعفين. مرّةً يكون النصر للمستضعفين من خلال نهضة المستضعفين أنفسهم، النهضة النابعة من ثأثرهم لأنفسهم، مرّةً تكون القوّة التي يبنيها المستضعفون قوّة حصلت للمستضعفين من خلال ثورة عارمة منطلقة من دافع الذات، من دافع المصلحة الذاتية، من دافع الأنانية، من دافع روح الإنتقام من المستكبرين الذين أذلّوهم وأفقروهم وقتلوهم وفعلوا بهم كلّ منكر، لو كان نصرُ المستضعفين من هذا المنطلق، ومن هذه الخلفية فهو لا يورث إمامة، ولا يعطي أئمةً إلهيين، ولا يورث الوراثة للأرض وراثةً كريمة. هذه الثورة المنتصرة على المستكبرين -وهي ثورة مستضعفين- كان منطلقها غير ذلك، منطلقها هو الثأر لله تبارك وتعالى، الثأر للحقّ، كانت هذه الثورة ثورة من منطلق المنهج الإلهي، والعبودية لله تبارك وتعالى، ومعرفة الله، وتقديس الله عزَّ وجلّ وتقديس منهجه، هذه الثورة من هذا المنطلق هي وحدها القادرة على أن توجد أئمةً إلهيين وتورث الأرض الوراثة الكريمة، لتورث الجنّة وهي الوراثة الأكبر.
فهناك نصران، نصرٌ للمستضعفين حقّقته الثورة الأنانية، منطلقها نفس منطلق ثورة المستكبرين وهي عبادة الذات، عبادة الدنيا، روح السيادة الكاذبة، الروح الإلهية الزائفة. لو انطلق المستضعفون من هذا المنطلق لبناء قوّتهم وقيام ثورتهم وحققّوا النصر فإنّ الذي سيتغيّر هو أن يكون هناك مستكبرٌ مكان مستكبر، وظالمٌ مكان ظالم، وفسادٌ مكان فساد، ولكن الذي سيحصل غير هذا، سيحصل أن يكون صلاحٌ مكان الفساد، ويكون هدىً مكان الضلال، وتكون أخوّة مكان العداوة، ويكون عدلٌ مكان الظلم، وهذا لا يتمّ إلا عن طريق ثورة إلهية تتقيّد كلّ التقيّد بمنهج الله تبارك وتعالى وبالعبودية لله عزَّ وجلّ، وهذا هو ما سيكون، لأنّ المقاومة اليوم مقاومة تعمل على طريق الله عزَّ وجلّ، وتطلب الوصول إلى الله سبحانه وتعالى، وتأخذ بمنهج الله، وسيأتي من بعد ذلك أجيالٌ وأجيالٌ على هذا الطريق لتكتمل قوّة عباد الله الصالحين، وتكون الثورة الصالحة الإلهية الحقّة التي تحقّق دولةً إلهيةً في الأرض تُحلّ العدل محال الظلم، والأخوّة الإنسانية مكان العداوة، والهدى مكان الضلال، والنور مكان الظلمة.
غَفَرَ الله لي ولكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبراكاته.