كلمة آية الله قاسم بمولد الإمام الكاظم (ع) شواهد على عظمة أهل البيت 1435هـ
كلمة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم مولد الإمام الكاظم (عليه السلام) 1435هـ 10 فبراير 2014م – “شواهد على عظمة أهل البيت (عليهم السلام)“
للمشاهدة :
https://www.youtube.com/watch?v=7lZyWTPgYBc
نص الكلمة :
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآل الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعداهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
آل البيت (عليهم السلام) بشر ولكن أبناء البشرِ ليسوا على حدٍ واحد منهم الفجم ومنهم الفحم، منهم من هو من أهل السماء، ومنهم من هو أهل الطين، وكم هو فرق بين ظلمة ونور، وبين أرضٍ وسماء. لا يستوي الناس قدرا وعلما وفهما، ولا يستوون صفاء ونقاء، ولا يستوون رشدا وسفها، لا يستوون عقلا ولا روحا ولا مستوى قلب، أنت غير أخيك الإنسان، وأخوك الإنسان غيرك في كثير من الأمور.
أهل البيت (عليهم السلام) بشر، ولكن لهم ما يميزهم عن سائر البشر كما هو لسائر النبيين والمرسلين (عليهم السلام)، فبما يتميزون؟ فهم أجساد في الأجساد، ولهم حاجاتهم الجسدية التي لي ولك، ويأكلون ويشربون ويمازجون الأرض بما تتطلب الأرض من عمل ومن ممارسة، ولكن بروح غير روح وبقلب غير قلب وبعقل غير عقل وبهدف غير هدف، هم في الأرض ولكن قلوبهم في السماء، وهم بشر ولكنهم مشدودون إلى الله سبحانه وتعالى، يمرضون ويشفون، يجرحون فيتألمون، يحبسون ويسجنون فينالون من ويلات السجن، ولكنهم في كل ذلك تبقى أرواحهم سامية عالية شفافة لا يلامسها كبر، ويبقون شموسا ساطحة في كل الظروف، وعند كل الصعاب تجدهم لا يختلفون روحا ولا يختلفون تحليقا وسموا بين ظرف فقر وغنى، وبين سلطان وملاحقة السلطان لهم، فكل الظروف لا يمكن أن تعمل في تلك الأرواح السميّة العليّة، أولئك هم أهل البيت (عليهم السلام).
من أين عرفناهم أنهم كذلك؟
يكفيك أنهم أصطفائهم الله سبحانه وتعالى؛ لحفظ دينهم وللأخذ بالبشرية في صراطه، أختارهم؛ ليقيموا في الأرض العدل، وليلهموها الرشد وليهدوها السبيل وليعلوا بأهلها على طريق الله سبحانه وتعالى إلى حيث تشف الأرواح وتصحوا العقول وتتفجر بالعطاء الكبير، إلى حيث تتعقل القلوب ببارئها سبحانه وتعالى، صناعةً لا يمكن أن توكلَ لناقص من الناس، فهذه الصناعة والمهمات والوظائف لا يمكن توكل إلى ناقص من الناس، إنها لا توكل من الكامل المطلق إلا إلى الكامل النسبي وفي أعلى الكمال نسبي، وكمال أهل البيت (عليهم السلام) نسبيا، ويبقى الكمال المطلق الأصل لله وحده.
مثل هذه الوظائف لا تسند من العالم الحكيم الرب الرحيم – لا يمكن أن تنسد – إلى جاهل،ولا إلى ناقص علما وإلى هابط روحيا، وإلى غافلا قلبا وإلى مأسورا ومغلوبا من الدنيا ولو حينا ما، أولئك هم أهل البيت (عليهم السلام)، ونعرف قدرهم من خلال اصطفاء الله عز وجل لهم أئمة للبشرية.
ميدانيا ومن خلال الساحات والمواقف العلمية هل لأهل البيت دور يدل على هذا الموقع الذي بؤهم الله إياه والدرجة التي رفعهم إليها؟
نحن يكفينا وكل عاقل يكفيه بأن هذا الشخص عظيم بأن يختاره الله عز وجل لمهمة كبرى خاصة تربية البشرية وأن يختاره لحفظ أمانة الدين والقيام بالمسؤوليات الكبرى وفي الموقع الأول من الناحية الدينية -هذا يكفينا-، ولكن لو طلعنا حياة أهل البيت (عليهم السلام) وواقع سيرتهم فماذا يدل على هذا من تلك السيرة من ذلك الواقع؟
فرق بين ظرفين، ظرف الحرية وظرف الحصار والسجن، يوسف (عليه السلام) متى ظهر دوره؟ هل كان يمكن أن يكون له دور وهو في السجن؟ ما كان. فما سمعنا عنه في السجن أنه فسّر لرفيقيه حلمهما، هل استطاع داخل السجن بتغير وإحداث ثورة على الواقع الجاهلي؟ لا. هو روح عاليه ولكن كجسد تحكمه قوانين الجسد.
كبل يد أكبر بطل في العالم تكبيلا بحيث لا يستطيع أن يفك قيده، فهل يعطيه الشجاعة أن يواجه ألف شخص؟ لا يمكن. فلابد أن نفرق بين من يعيش ظرف الحرية وظرف فسحة التحرك ومجال الالتقاء بالجماهير وبين من يفرض عليه أن يعيش في طاموره، هذا لابد أن ندخله في الحساب.
نحن نجد نماذج في هذا العصر كنموذج السيد الإمام هو إنسان يعتبر نفسه تلميذا صغيرا للإمام الكاظم (عليه السلام) ولأي إمام من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، ولكن كم أعطى؟ وكم غيّر؟ وماذا أحدث؟ وأين وصل صيته؟ وكم هي الملايين التي عشقته وتتمنى أن تكون شيئا من مستواه؟ لو كان في السجن هل كان يعطي؟ لا يمكن أن يعطي. ولذلك يهدف الظالمون دائما إلى فرض الحصار على الشخصيات المؤثرة داخل السجن أو خارجه، عدد من الأئمة (عليهم السلام) خضع لحصار في داخل السجن وفي خارج السجن، كلكم تسمعون أن الإمام الكاظم (عليه السلام) يمنع بعض أتباعه من السلام عليه في الطريق لئلا يعرف بأنه متشيع.
التشيع ومدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وأهل البيت (عليهم السلام) والإسلام الأصل كان موضوعا في قفص وزنزانة ضيقة جدا على مستوى الساحة الاجتماعية والسياسية، هذه هي الظروف التي عاشها عدد من أئمة الهدى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
الإمام علي (عليه السلام) وهو بطل الأمة – ليس من حيثية وجهة واحدة وإنما من حيثات متعددة – بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وقائدها الأعظم بعد رحيل خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله لو عاش في موقع سلمت فيه الأمة أمرها إليه من أول الأمر فإلى أين تصل الدنيا وليس الأمة الإسلامة فقط، لو كان هذا الفرض هذا واقعا وحاصلا لقفزت الدنيا أمس قبل اليوم قفزات عالية على المستويات المادية والمعنوية ولكفيت الأرض كثيرا من هذه المتاعب والحروب والشتات والتمزق.
هم سفن الله في الأرض، وهم سفن النجاة وحين نقول أقمار – فليس المقصود أقمارا مادية – فهم يهدون السائرين إلى الطريق ويكشفون الظلمة، فالإمام علي (عليه السلام) وهو محاصر هو غير الإمام علي (عليه السلام) وهو مطلق اليد والكلمة ومسموع الأمر والنهي.
لو بقي رسول الله الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في الغار تحت ستر العنكبوت عشر سنين هل كان يمكن أن يعطي أثرا في الخارج؟ لا. إمكانات هائلة محبوسة، عندما كان حصار يواجه عدد من الأئمة (عليهم السلام) ومنهم الإمام موسى الكاظم (عليهم السلام) كانت تواجههم تحديات ضخمة، وقراءتك لأي شخصية لابد لك من أن تربطها بالجو الذي عاشته والفرص المتاحة أمام تلك الشخصية.
ويبقى أهل البيت (عليهم السلام) أنهم كانوا متميزين، تجد كل واحد منهم تميز فيما اتيح له من فرصة في البعد الذي اتيحت له الفرصة فيه، واحد منهم تتاح له فرصة الحكم فيعطي مثالا محلقا، عدل الإمام علي وحكمه (عليه السلام) ووضع عهد مالك الأشتر الذي يحتفظ بقيمته العالية للأسف ليس في الامة الإسلامية وإنما في الغرب، وحكم حكما لم يعرف إلافي عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
الإمام الرضا (عليه السلام) ولي عهد لحاكم ظالم ليس من خطه، برهن على مستو عال جدا في موقعه رغم ما كان يحاط به من مضايقات، ورغم العيون التي ترقبه، ورغم التشديدات التي كانت تلاحقه. الإمام الصادق والإمام الباقر اتيحت لهم فرصة علمية، وأئمة المذاهب الأخرى تخرجوا على يد الإمام الصادق (عليه السلام).
ما من إمام اتيحت له فرصة ممارسة لدور من الأدوار الاجتماعية أو السياسية أو العلمية إلا وكان هو الأول في الأمة والذي لا يلحقه لاحق، فهذا كاشف عملي عن تلك العظمة، وعن سر اختيار الله عز وجل واصطفاء للأئمة الهدى صلوات الله عليهم سلامه أجمعين أئمة وقادة وأسوة وهدات.
الإمام الكاظم (عليه السلام) نعرف أنه عاش حياة حصار كامل، وحياة مضايقة، ولم يعطى فرصة سانحة للإظهار عبقرية وعلم وأي دور لأي مكنون من تلك الشخصية المتميزة.
آثار تركها أهل البيت (عليهم السلام) نستدل بها على عظمتهم، وكنا قد فرغنا من التصديق والتسليم بعظمتهم على أساس ما ثبت من كتاب وسنة رسوله صلى الله عليه وآله من تنصيبهم أئمة للخلق والناس – فهذا كافي -، ولكن ننعطف على الواقع العملي لنشهد بعض الآثار التي تعطينا بصيرة عملية بشأن أهل البيت (عليهم السلام).
التشيع محاصر وضيق وبدأ بأفراد قلائل، وعاش كل تاريخه تحت الحصار الشديد وتحت مراقبة الحكم والسياسة، وسد عنه كل الطرق التي تسمح بالنمو، وقادة مدرسة أهل البيت كانوا تحت المراقبة الدائمة ليس لفترة عشر أو خمس سنوات أو عشين سنة وإنما لمئات السنوات، فالسنين تمضي والمذهب محاصر، المجلس العلمائي هذا الذي يديره الأخوة جزاهم الله خير الجزاء وشكر الله سعيهم جزء صغيرمن هذا الطريق – طريق الحصار المذهبي – ومع الآسف الشديد ونسأل الله أن تتغير النية وتصلح الأمور ونسال الله أن يهدينا جميعا.
وإيانا والبغض وإيانا والحقد وإيانا والعمل على الفرقة، لا نريدها أبدا، فنحن مسؤولون عن الإسلام ونعتبر أنفسنا مسؤولين عن الإسلام، وكل مسلم مسؤول عن الإسلام، وما أضر بالفرقة للإسلام، فإذا ذكرت هذا الشيء فلا أريد أن أثير في أحد شعور الفرقة أبدا أبدا.
المذهب شق طريقه رغم كل الظروف على يد من؟ حتى صار عملاقا ولا يمكن يقضى عليه ولا يمكن أن يدحر، ولا يمكن أن ينسى، واليوم له حضوره العالمي الفاعل جدا والمؤثر جدا، وهو محل دراسات الغربيين وغيرهم. فمن شق الطريق لهذا المذهب حى ينمو كل هذا النمو ويستطيل كل هذه الاستطاعة ويعلو كل هذا العلو؟ هم أئمتنا المجهولون. فهل هم عظماء أم ليسوا عظماء؟
فلقد شقوا الطريق أمام ركام من التحديات والصعوبات، الحصار والسجون والتجويع ومحاربة في الرزق، فحينما يصل فلس من الخمس إلى الأمام (عليه السلام) فهذه تعتبر جريمة، أليس بهذا شاهد كاف على عظمتهم؟
أعطني حادثة تاريخية لها وزن تسجل على واحد من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أنه أعطى لينا في دينه أمام إغراء أو تهديد، الإمام الرضا (عليه السلام) أعطي ولاية العهد وهذا أغراء فهل أعطى شيئا من دينه؟ الإمام الكاظم كان حبيسا للسجون في طاموره تنزل إلى أمتار تحت الأرض ويقال إنها في الشام وعمقها بعيد لا يدري الليل من النهار، فهل هدت من عزيمته أو نالت من دينه تلك الطاموره وذلك العذاب الشديد؟ أو هل مس شعوره الإيماني؟ أو بقيت روحه هي الروح المشعة والمتعلقة بربها سبحانه وتعالى والمضيئة والتي تضي ما حولها حتى تأثر بهدايته من تأثر؟ فهل أولئك عظماء أو لا؟
النبي صلى الله عليه وآله والإمام علي (عليه السلام) قد حكما فهل تغير منهما شيء؟ فهل صرفتهما إليها الدنيا أو اغترا بها أم استعلاء؟ فأمير المؤمنين هو أمير المؤمنين في موقع الحكم وفي الموقع الشعبي ذلك هو الزاهد التقي الورع في سبيل الله لم يتغير.
لم تنقطع الرعاية الأبوية للكتلة الإيمانية – أهل البيت (عليهم السلام) برغم ذلك الحصار الشديد كانوا يبنون كتلة إيمانية صلبة تتحمل المسؤولية الإسلامية وبكل أمانة وتكون أذرعا للإمام (عليه السلام) في إيصال الإسلام إلى الناس – فكانوا يرعونها علما وعملا من الناحية المعاشية والناحية الاجتماعية والناحية الدينية ومن الناحية العلمية[1]. فما وقف شيئا من الظروف أمام أهل البيت (عليهم السلام) دون القيام بما تعطيه أدنى الفرص للعمل ولو بمقدار شعره[2].
كانت لهم طرقهم الطويلة وغير المباشرة، فهو لا يلتقي بالجماهير، فمن الصعب أن يدخل عليه أحد من الأفراد، فدخول واحد عليه من أي بلد ثاني فيه مقدار من الشيعة ليتزود من العلم أو لإيصال حقوق فمن الصعب جدا أن يلتقي بالإمام (عليه السلام)، وتعاملهم مع شيعتهم فلقد كانوا بعداء مفرقون في النواحي الإسلامية، ولم يكن لديهم طريق للتواصل، ومع كل ذلك ما انقطعوا عن شيعتهم وكانت عنايتهم تصل إلى الكتلة الشيعة المتفرقة إلى أماكنها.
فكرة الإمامة ما تنازل عنها أهل البيت (عليه السلام)، ربما ما كان يدعي بأنه إمام ولا يظهر بأنه الإمام الفعلي لمقتضي اولآخر ولكن أن يقول إسلام بلا إمامة فذلك لا يقوله، رغم كل العداء ؛ لاعتبار شرعية الإمامة مرتبط بالنص وباختيار الله، وأن الإمامة لا تأخذ شرعيتها من اختيار الناس. بلاء حكم الآخرون هو أنه يعرف من نفسه أنه ليس مصطفا من الله، ولا يستيطع أن يحصل على دليل لو أراد أن يكذب بأنه اختير من قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وأن اختاره القرآن فمواصفاته لا تسمح بهذا. فإما أن يسلم بأن الأمامة في شرعيتها مربوطة باختيار الله وبالدليل من القرآن والسنة وعندئذ عليه أن يتخلى عن الخلافة، وإما أن يحارب فكرة الإمامة وأن شرعية الإمامة مربوطة بالنص ومربوطة بوصية رسول الله صلى الله عليه وآله، ويلاحق الإمام ويضيّق على الإمام ويصفي الإمام جسديا وتجري محاولات التصفية المعنوية قبل الموت وبعده، فالتصفية المعنوية لأهل البيت (عليهم السلام) كانت تلاحقهم حتى بعد رحليهم من هذا الدنيا إلى جوار الله تبارك وتعالى، ولا زالت هذه التصفية قائمة لحد الآن.
فرغم كل هذا بقيت فكرة الأمامة وورثتها الشيعة وصارت من بين العقائد الرئيسة في المذهب بعد التوحيد والعدل الإلهي والنبوة واليوم الآخر، وصار المذهب يتميز بفكرة الإمامة المعصومة.
فكرة ولاية الفقية يُختلف عليها ولكن أن تكون منكرا بشعا، وأن تكون عيبا وأن تكون مسبة، وتكون محل عقوبة لمن يعتقد بها – وليس لمن يطبقها أو يدعو لتطبيقها – وتكاد الأمة تجمع عليها، فإذا استمر هذا الجو في مكان لقرن أو قرنين فالفكرة تختفي ولا تصمد، ففكرة الإمامة من هذه النوع وأكبر، وأكبر حصار وملاحقة، من بعد الله قد ثبتها؟ هو فكر أهل البيت وتدبيرهم وتكتيتهم واستراتيجتهم وعبقريتهم ونشاطهم واخلاصهم أهل البيت، أعرفتهم؟ لك أن تعرفهم من هذا ومثله.
شخص لا يملك امكانات تغري الأمة وعظماء الأمة وأهل الفكر في الأمة، وأمة تقدر الجانب الروحي وجانبه الروحي يعادي، أمة تقدر الفكرة وفكره عادي، وأمة تقدس القرآن وفكره غير قرآني، أمة تقدس من يجيد فقه الإسلام وهذا فقهه عادي؟ فهل هذا يخافه ظالم؟ ظالم خطه على غير هذا الخط ويعادي كل هذا الأمر، فلا يخافه ظالم.
فالظالم يخاف على ملكه، والأمةُ أمة إسلامية في عواطفها وفهما العام وعشقها الاسلام، فحينما تكتشف أهل البيت، وحين ترتبط بأهل البيت، وحينما تعرف فكر أهل البيت وتعرف مستواهم الروحي فلا يمكن أن تمد يدها إلى سلطان من سلاطين بني العباس أو سلطان من سلاطين بني أمية.
فالملاحقة للأهل البيت وذلك الموقف الشرس الذي لم يكد يترك علويا وإلا ووصله بالأذى، وجوع وأرعب وصفى أجسادهم، وكثرت المقاتل في أهل البيت (عليهم السلام) وفي اتباعهم وشيعتهم ونفس من ينتمي لعائلة أهل البيت، ومنشأ هذا أن الظالم يعلم أن الإمام فوق الآخرين.
الإمام الكاظم (عليه السلام) لديه أخوة والأئمة عندهم أخوة، فما تُتُبعَ أخوة الأئمة (عليهم السلام) كما تُتُبعوا هم، وما تفرض الرقابة على أولئك كما فرضت على الإمام، وهذا يكشف عن أن وراء الأئمة أمرا عظيما، ووراء هذه الملاحقة شخصية متميزة لا يمكن أن تعرفها الأمة وتتخلها عنها وهذا كاشف آخر.
ليس الذي بقي مما حرص عليه أئمة البيت (عليهم السلام) هو فكرة الإمامة فقط، فالركائز الرئيسة والكبرى للمذهب بقيت، فإذا أغمض حكمٌ بسبب التقية وما سمح لهم به، فإن ركائز المذهب بقيت فمسألة التوحيد وصلت من خلالهم صافيه، والتوحيد موضوع شط فيه الشاطون وخلّط المخلّطون، وشرق الناس وغربوا فيما يتعلق به من أمر، وبقي الفكر الذي لا يمكن أن يجارى هو الفكر الذي ورثه أهل البيت للمسلمين في هذا الجانب.
مسألة الجبر والتفويض والأمر ما بين الأمرين حارت فيها عقول من قبل الإسلام وبعد الإسلام، ولكن الحل المسألة تجده عند أهل البيت (عليهم السلام) تماما، والآن ببعض الكتاب من المدارس الأخرى وبعض العلماء يضطر بأن يصير إلى فكرة أهل البيت (عليهم السلام) في هذا الموضوع ولكن من غير أن ينسب لهم هذا الشيء، ويضطر لأن يتخلى عن الحل الموجود عنده وعن التصور والمورث الذي عنده لكن بحيث لا يصرح بأنه الفكر الراقي الصافي للأهل البيت (عليهم السلام).
لم يسجل التاريخ أي حوار انهزم فيه أمام أعاظم فقهاء الأمة إمام من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) حتى على مستوى الإمام الجواد من ناحية صغر سنه، والإمام (عليه السلام) كان في التاسعة يفحم كل فقهاء الأمة وفي لقاء غير معدّ له[3]، وفي المسائل الفقهية الشائكة والمتفرقة والحضور كانوا أكابر فقهاء الدولة فينهزمون أمامه، فهل هذا دليل للعظمة أم لا؟
لا يوجد لدينا شيء يثبت أن إمام من أئمة أهل البيت تتلمذ على يد أحد، ولا توجد لدينا حادثة تقول أن أي الإمام سئل أي سؤال وقال له أمهلني الليلة أو أمهلني يوما أو ساعة، فلا يوجد عالم هكذا. عالم ونحرير ويؤلف كتاب ولكن بعد ستة أشهر يسأل سؤال عن الكتاب فقد لا يجيبك! هي ذاكرة، وكتب الكتاب في وقت خاص ومع حضور فكري خاص متميز وتأمل ولحظة تفكير عميق، ولكن الآن الفكرة غير واضحة أمامه بالدقة. فالأئمة (عليهم السلام) يفاجأون بالسؤال في السفر والحضر فلا يطلبون مهلة للجواب على السؤال.
من هم أولئك؟ هم بشر ولكنهم ليسوا كالبشر، هم من طراز الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامهم عليهم أجمعين، وليسوا من طراز العلماء ممن دون ذلك، وليسوا من طراز السيد الصدر على عبقريته وليسوا من طراز السيد الإمام الخميني على عبقرية، هم غير ذلك.
كم تركت المدارس الأخرى مع تمتعها بحرية النشر والدعم والاحتضان وبالاعتراف الرسمي وبالاتباع الكثيرين، كم تركت من حديث عن الاسلام في الفقه وغيره؟ وكم جائنا من حديث عن أهل البيت (عليهم السلام)؟ كم هائل ومن خلال ظروف قاسية معاندة مضادة تمام المضادة، ويأتي هذا الكم الهائل من الأحاديث عنهم عليهم أفضل الصلاة والسلام وهذا عمل جبار أن يحصلوا عن من ينقل عنهم، وعلى من يحفظ تراثهم، وعن من يحمل عنهم الحديث، وجزا الله شيعتهم الصادقين خير الجزاء، الذي ضحوا بكل عزيز في سبيل حفظ المذهب.
ماذا أنجبت مدرسة أهل البيت من خط؟ أمامك الخط الرسالي المتعقل الواعي الصلب المنتفح على كل الأمة والمشفق على وحدتها، وهذا هو الخط الرسالي الذي أورثه أهل البيت (عليهم السلام) وهو خط ناطح الاستكبار العالمي ويناطحه، وحقق سبقا مرتفع السقف رغم كل الحصار، وهذا الخط انتج تقدما هائلا على مستوى التقدم الصناعي والعلمي والتكنولوجي والمستوى المعنوي والعزة والكرامة والاستقلاليه ومواجهة الكفر العالمي، هذا وليد من هذه المدرسة مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وله بكل تأكيد الكاشفية الكاملة لعظمة تلك المدرسة ولذلك المنبع.
أن أهل البيت (عليهم السلام) لا تغيرهم الدنيا أقبلت أو أدبرت، لانت أو خشنت وقست فهي لا تغيرهم، يبقون الرسالين الذي لا يميلون عن رساليتهم، المبدئين الذي لا ينسيهم ظرف من الظروف مبدئيتهم، فما أعظهم.
أهل البيت (عليهم السلام) والمال ووكلائهم في المال
الكتلة الشيعية الملتزمة كانت تخرج الحقوق، وتوصيل الحق صعب، وإذا وصل الحق للإمام فتوزيعه صعب بحكم ظرف الرقابة والتشديد فكان من الصعب أن يدخل أحد على الإمام (عليه السلام)، فكيف يتم توزيع، وكانوا يريدون أن يرعوا الكتلة الإيمانية ولم يكونوا يريدون أن يبنوا مجدا دنيويا لهم، وما عرف إمام من أئمة أهل البيت بحياة الترف، كان يصلهم مال ولكنهم لم يعيشوا حياة الترف.
هناك رواية تنقل عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) كان له بيت في ساتر أو فرش ودخل عنده بعض أصحابه، فالإمام يقدر بأن يكون في داخلهم أي شيء فقال لهم: “هذا الأثاث البسيط – الذي ربما كان له في ذلك الوقت بعض المظهرية – هذا من عند زوجتي – وكان الإمام متزوج حينها -”. إنهم (عليهم السلام) لا يبنون مجدا وليسوا أهل ترف.
فالمال كان ملاحق، والظالم يقطع عليه كل أسباب القوة ومنها المال، والوكيل يصبح في يده مال كثير فهو لا يستطيع إيصاله للإمام (عليه السلام) لتباعد المناطق وصعوبة التوصيل والرقابة المفروضة على الإمام، ولديه أمر بعدم جلب المال وإنما عنده أمر بإنفاقه على أهل المنطقة ويعالج حالهم، الإمام مسؤول عن الأمة كلها والكتلة الإيمانية، فليس للوكيل أن يصرف المال على خصوص بلده فقط، ولكن الإنفاق على أهل البلد ثم يأتي قسم منه للإمام (عليه السلام) والإمام وأن جلب له بعض المال إلا أنه يرجعه.
فهنا يجتمع مال كثير عند بعض الوكلاء، واختيار الإمام (عليهم السلام) ليس اعتباطا بل بعقلية الإمام، ورسول الله صلى الله عليه وآله يخونه مَن يخون، والإمام يعمل بالظاهر وليس على أساس آخر فيشخص أن هذا وكيل، فهذا المال الكثير الموجود عند الوكيل تخرجه عن دينه وهنا نشأة ظاهرة الواقفة، والواقف هوأن الوكيل يعلن عن انقطاع الإمامة وأنها انتهت بهذا الإمام الذي هو وكيله وأن هذا الإمام غاب ولم يمت، والإمام الكاظم صار عند بعض وكلائه ظاهرة الوقف وصارت فرقة “الواقفة” فلقد أنكر عدد من الوكلاء ممن كان تحت يديهم مال كبير أغراهم فلقد أنكروا موت الإمام الكاظم (عليه السلام) وهو الإمام المهدي المنتظر وقد غاب، فيصر انشاق مذهبي لحساب المال، وهذه ظاهرة واجهها الأئمة (عليهم السلام). وهذا يعلمنا مدى سلطان الشعور الدنيوي على النفس والروح، فهؤلاء يصومون ويصلون ويحجون وقريبون من الإمام (عليه السلام) ويعرفون الحق، ولكن في لحظة يذوب كالملح في المحيط أمام أغراء الدنيا.
وموقفان صعبان أمام هذا الإنسان، فموقف دنيوي يغريه، وموقف دنيوي يهدد حياته ومصالحه، فيثبت أو لا؟ ولذلك سياسة بلا دين لا تفيد، فلا تكن شاطر سياسيا وتتظاهر من غير أن تلتفت لدينك، عشر وعشرين وثلاثين سنة وتصبح وزير وبعدها تصير خائن، أمام كم فلسٍ ومنصب وانتهى الأمر.
النبي صلى الله عليه وآله كان يقول: “لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري” ولم يغريه العرض، وكل الفرص الكبيرة لا تغريهم، وتلامذتهم لا تغريهم، أبو ذر لم يكن معصوما ولم تكن تغريه.
الأئمة (عليهم السلام) لم يستطع أن يميل بهم لا موقف إغراء لا يتحمله الآخرون ولا موقف تهديد لا يتحمله الآخرون، وأمام الوكلاء فكان عدد منهم ينهزم أمام فرصة مالية سانحة، ويسرق ويغتصب المال، وأكبر من ذلك يرتكب أثما أكبر فيحرف الدين وينشأ مذهبا من جيبه لحساب خمسة فلوس التي عنده، وأنت ترى وعاظ السلاطين، وترى العلماء من اتباع الدنيا ماذا يفعلون بالناس، وترى الفتوى التي كل يوم بشكل تبعا للدنيا، فالسلطان يملي والعالم يفتي.
وهناك كاشف آخر عن أهل البيت (عليهم السلام) وهو وجود البعض ممن يغلوا في أهل البيت (عليهم السلام) فيعطيهم منزلة غير منزلتهم – منزلة الألهوية – فكم يسعد ويفرح لو كانت روحه دنيويه، ولكنهم (عليهم السلام) شديدين على من يغالي فيهم أكثر من شدتهم على من يعاديهم، وما قسوا على المعادي قسوتهم على المغالي فيهم.
والحمد لله رب العالمين
——————————————–
[1] أنا حينما أصبح في حصار أنكفئ على ذاتي وتشغلني همومي ولي عذري.
[2] فلو كان هناك طريق بمقدار شعره ينفذون منه لخدمة الإسلام وللقيام بالمهمات الإسلامية الممكنة.
[3] للإلقاء كلمتين أحتاج للأعد إليها.