كلمة آية الله قاسم في ذكرى رحيل الإمام الخميني (رض) – 2022

كلمة سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم بمناسبة ذكرى رحيل الإمام الخميني “أعلى الله مقامه”، والتي أُلقيت عبر الشاشات على محضر زوّار الإمام الرضا “عليه السلام” بمدينة مشهد المقدسة، وذلك ليلة الجمعة بتاريخ 2 يونيو 2022 ميلادية:

*فيديو الكلمة:

*صوت الكلمة:

*نص الكلمة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله ربّ العالمين.
الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا النبي الكريم وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم أيُّها الملأ الكريم.. وتحية لكم يا زوّار الإمام الرضا “عليه السلام”.

أنتم أيها الجمع المؤمن الغفير، من زوّاره “صلوت الله وسلامه عليه” قد جئتم لزيارته إعلاناً منكم بأنّكم أنصار حقٍّ له على طريق الإسلام، لا يعزُّ عليكم شيء من هذه الدنيا وكلّ زينتها وعلائقها في جهادكم في سبيل الله ما يعزّ على الآخرين.
كلّ شيءٍ رخيص في سبيل الله، والنفس الغالية رخصية جدّاً في سبيله، ومَن كان ناصراً للإمام الرضا “عليه السلام” فهو ناصر للإمام الخميني، ولكلّ إمام صدقٍ على طريق الجهاد لله تبارك وتعالى.
والحقُّ اليوم يفترق عن الباطل بكل وضوح. صوت الحقّ رفيعٌ في حقّانيته، وصوت الباطل رفيعٌ في باطله، وكلّ جبهةٍ من الجبهتين مُصحرٌ برأيه من خلال الكلمة ومن خلال الموقف.
أمّتنا فريقان مع الأسف الشديد، فريقٌ مع الصهيونية، وفريقٌ مقاومٌ لها، اختاروا أيّ الفريقين لتختاروا طريق الرضا، طريق الحسين، أو طريق يزيد.

هذه كلمةٌ متواضعة بشأن قائدٍ إسلاميٍ كبيرٍ عظيم، بمناسبة رحيله إلى جوار ربّه العلي الأعلى، أعني بذلك الإمام الخميني “أعلى الله مقامه”:

رجلٌ يموت فينتهي دوره في الحياة -إنْ كان له دورٌ فيها-، ورجلٌ يموت فيستمرُّ دوره الهدّام فيها -بعدما كان دوره الهدّام كبيراً محطّما-، وآخر يموت ويبقى إعماره للحياة لها وقيادته المباركة للناس إلى شاطئ الخير والأمان.
ولا شبهة في أنّ الإمام الخميني “أعلى الله مقامه” مَثَلٌ كبير من الأمثلة الحيّة من النوع الأخير ممّن توفاهم الله العلي العظيم من هذا الخلق.
بقي الرجلُ داعية حقٍّ، فاعلاً في الناس بقوّة، محارباً للباطل، مصلحاً فعلاً، مقاوماً للفساد، مهدداً للظالمين، حاملاً راية الإسلام، يصنعُ الأفذاذ والمجاهدين الأبطال، وتُسهم جهوده المباركة في حركة التمهيد ليوم النصر الكبير، وسيبقى الرجل المعطاء على هذا الخط بلا انقطاعٍ إن شاء الله.

إنّه رجلٌ عظيمٌ حيث تقرأه فيما قال وما كتب، وما نطق وما صَمَت، وما قام وما قعد، وما غضب وما رضي، وما حارب وما سالم، وسرُّ هذه العظمة السارية في حياته ونشاطه هو معرفته بالله وخشيته له، وأخذه بحزمٍ بدينه، وتقديمه لرضاه على رضى أي شيءٍ من خلقه.
إنّه كفاءاتٌ ومواهبُ إلهيةٌ عالية، عَرَفَ نفسه في مكاناتها الكبيرة، وقدراته العالية، وعرف أنْ ليس من ذاته ما يفخر به من هذا الكنز الإنساني الكبير، إلا بما أنّه هبةٌ من ربّه لا يملك منها شيئاً إلا بما ملّكه ربّه تبارك وتعالى، وعرف أنّ كل شيءٍ من نعم الله عنده أمانات مسؤولٌ عنها؛ ما ضيّع أو فرّط فيه منها، كان فيه شقاؤه وعذابه وما وضعه منها الموضع الذي يرضي مالكها الحقّ كان فيه نجاته وربحه وفوزه.
ومن بعد ذلك كرّس كل حياته للخيار الثاني، خيار الأبرار الأطهار الحكماء الواعين الذين هداهم الله سواء السبيل.

إنّه المدرسة التي تدلُّ على الإسلام بالكلمة والموقف، باللين والشدّة، بالمحبة والبغضاء، بالرضى والغضب، بالسيف واللسان. المدرسةُ التي تدلُّ على أصالة الإسلام، حقانيته، عظمته، على خيره وبرّه وبركته، على هداه وقدرته وانقاذه، على الحاجة إليه وفاعليته وجاذبيته للقلوب وهيمنته.

ما تميّز بشيءٍ في شخصيته مما شدّ الناس الطيبين إليه إلا ما كان من فهمٍ سديدٍ للإسلام، وانشدادٍ إليه، وذوبانٍ فيه، وارتباطه بجماله، وتخلّقه بأخلاقه. كلُّ جاذبيته من جاذبية الإسلام فيه، شعَّ الإسلام فيه فشعَّ للناس نوراً وهدى، وتقوى، ورشداً وصلاحا.

تجاوز به إسلامه النيّر ومعرفته به وصيانة الإسلام لذاته حدود ما للدنيا من طاقةٍ هائلة على اجتذاب النفوس وتركيعها، واسترخاصها من أجلها، ومدى سحرها لها؛ حتى صارت نظرته لها من نظرة الرُسل والأئمة الأطهار عليهم السلام، التي لا تعطيها قيمةً إلا بما كان لها من أثرٍ كريمٍ في الذات يُقرِّبها إلى الله سبحانه، ويرفع من قدرها عنده، ويجعل لذّاتها بذكره، وعزّتها بالذل إليه، وفخرها بعبادته الصادقة له، والدنيا لا تعطي للنفس الإنسانية من هذا كلّه إلاّ حين تملتئ النفس بتقوى الله، وإلا أنْ تخلص هذه الدنيا للجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى.

وغدا الرجل من إسلامه -أي بسبب إسلامه- لا يصدّه عن الجهاد في سبيل الله شيء، ولا يمنعه تحدٍّ طاغٍ شديد.
وإنّ الأمة لتغنى بمقدار ما لها من خمينيٍ وخمينيين، وخامنائي وخامنائيين؛ وهُم في أمّتنا اليوم ليسوا بقليل، كما أنّ الأمة تفخرُ بمقدار ما وجدت منهم، وتخسر بمقدار ما افتقدت منهم.
والمحاولة من كلّ أشرار الأرض أن تخلو هذه الأمة وكلّ الأرض من مثل هؤلاء الرجال، لتخلو لسياسة الذئاب والكلاب والذُباب، وأهل السوء والفحشاء ودعاة الرذيلة من طغاةٍ ومفسدين.

إنّ بداية الغنى الحقيقي للأوطان والأمم أنْ تغنى برجال العلم والإيمان؛ العلم بالله ودينه، ثم بكلّ علمٍ صالحٍ ممّا يُرضي الله عزَّ وجلّ يُثري الحياة بالخير، ويُخليها من الشرّ، وتصحَّ به أوضاعها وتتقدّم، ويذهب العوج، ويملأ ساحة الحياة عدلاً وإخوّة ورشداً، وينفي عنها ما يُشقيها من الظلم والسَفَه والشِقاق والعدوان.

وبقاء الإمام الخميني بما هو من هدىً واسع، وحركةٍ مُحييةٍ مباركة للنفوس والأرض، وبما له من هدفٍ قمّة، واندفاعة عمرانٍ إنساني، وبناءٍ قويٍ سامقٍ مبارك، وتقدّمٍ هائلٍ على الخط القويم؛ يحتاجُ إلى الرجال الصالحين، الذين من مسؤولية الدولة الميمونة أن تصنعهم منذ نعومة الأظفار على خطّ الفطرة القويمة والإسلام المجيد وتربيته السديدة التي تصنع الهدى والرشد والرؤية الصائبة، وتُري الإنسان مكانته وعزّته وكرامته وقوّته المنبثقة من وعيه لعبوديته لربّه العظيم، وانشداده إلى فيض عطائه، وتعلّقه بحمايته.
إنّه لطريقٌ واحد لا تعدُّد فيه لصنع الإنسان القوي أمام نفسه وأمام أمريكا وإسرائيل، وكلّ القوى الطاغوتية في الأرض، وكلّ التحديات من فقرٍ وغنى، ومرضٍ وصحة، وضعفٍ خارجيٍ وقوّة، وغطرسةٍ شيطانية لأشرار الأرض وفراعنة الدنيا. والطريق الواحد لربح الدنيا والآخرة وخيرهما، هو طريق الارتباط بالله عزَّ وجلّ، والعبودية الصادقة إليه، والأخذ بمنهج دينه الذي يعطي هذا، ولا طريق للنُجْح غيره.

الدولة وكذلك الأمة لا تَجِدُ هُداها ورُشدها وعزّها وقوّتها واستقلالها وسيادتها واحترامها، ولا تفرض هيبتها على كلّ الباغين والأشرار، وعلى الطغاة العتاة، ولا تقود حركة الحياة بكفاءةٍ عالية، ولا تهتدي الهدف، ولا تمسك حقّاً بطريقه؛ إلاّ برجالٍ خمينيين وخامنائيين صِدْق، صَنَعَهم الإسلام أمثلةً كبيرة فيما يغنوْن به من موروث الأنبياء والمرسلين والأئمة المعصومين عليهم السلام.

والمقاومة الراشدة لابد لها من معرفة هذا الطريق والتشبّث به والاستمساك بعروته الوثقى؛ لِتُحرز الهدى والقوّة والصمود والإيمان الحقّ، والرضى الكامل بالخط، ويهون عليها أمر الدنيا والأعداء، وتسهل أمامها التحديات، ويمتنع عليها التراجع والعجز عن تكاليف الصعود، وتستحيل عليها الهزيمة، وإلاّ استحال عليها أن تكون مقاومةً بصدق، وكما يُريد الإسلام.

خطابٌ إلى الإمام:
أيُّها الثائر القائد الإلهي الغيور، لـ أنت أب الأمة أبوّةً من أبوّة الرسول الأعظم والأئمة المعصومين من آله “عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام”، أرجعتها إلى الصراط الإلهي السويّ الذي انحدر بها أعداؤها الداخليون والخارجيون ليعدلوا بها عن عبادة الله عزَّ وجلّ إلى عبادتهم، وتتخذ منهم أرباباً مُضلّين وشياطينَ غاوين، لا يقودون إلا إلى ضلالٍ وهلاكٍ بَيِّن، وتذل لهم كلّ الذلّ، وتستكين لهم كل الاستكانة، أرجعتها إلى صراط ربّها لتقوى بعد الضعف، وتعزّ بعد الذلّة، وتعظم بدينها بعد التفاهة، وتقود الحركة الإنسانية إلى حيث الأفق الرفيع البعيد بعد أن كانت تُقاد إلى سَفَلٍ من الطغاة والمفسدين.
ربّيت -أيُّها الإمام- ولا زلت تربّي، وعلّمت ولا زلتَ تُعلّم، وأحييت عقولاً وضمائر ولا زلت تحيي، ولا زلت تُسهم في اسقاط عروش الظالمين، وتهدّد الطغاة العتاة من جنود الشيطان الرجيم.
معك قلوب الأمة، وسيوفها تزداد نصرةً لك في سبيل الله يوماً بعد يوم. السلام عليك يوم ولدت، ويوم جاهدت، ويوم رحيلك إلى الربّ الجليل الكريم العظيم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.