كلمة آية الله قاسم عشيّة يوم القدس العالمي – 2022
كلمة سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم عشيّة يوم القدس العالمي، والتي ألقاها في منزله بمدينة قم المقدسة وسط حضور المؤمنين – 28 أبريل 2022م:
*فيديو الكلمة:
*صوت الكلمة:
*نص الكلمة:
هذا يوم القدس العالمي الكبير، يومُ المسؤولية الكبرى، يوم الأمة واختبارها، يوم المقارعة الجديّة المصيرية مع الصهيونية العالمية والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والتآمر على الأمة.
أعزائي..
القدسُ بعظمتها، القدسُ بدورها الرسالي الكبير، القدسُ بتاريخها السماوي المجيد، القدس بما تعنيه من أهميةٍ للدين، القدسُ بكلِّ هذا؛ هي بالأمة، حفظها، أداء دورها، إنتصارُها، محتاجٌ كلّ الحاجة للأمة، وكما أنّ القدس بالأمة، تضيعُ حيث تتخلف الأمة، وتحضر وتعظُم وترتفع كلمتها بحضور الأمة، فكذلك هي الأمة إنّما هي بالقدس، إذا ضُيِّعت قضية القدس ضُيِّعت الأمة، إذا أهملت الأمة قضية القدس فقد أهملت نفسها وأهملت دينها وعزّها وكرامتها، ووضعت نفسها على طريق الذلة والهوان والهزيمة والاندحار.
القدس لا تنفكُّ في مصيرها عن مصير الأمة، والأمة لا تنفكُّ في مصيرها عن مصير القدس.
المعركة مع الصهيونية معركةٌ مصيرية، وعنوانها الأوّل اليوم هو القدس.
الصهيونية العالمية بحسب نظرها أنّها تعيش معركةً مصيرية بالنسبة للقدس، وكما أنّ الأمة الإسلامية ترى أن نصر القدس نصرٌ لها، وهزيمة القدس -لا سمح الله- هزيمةٌ لها، كذلك هي الصهيونية ترى أنّ هزيمة القدس التي تريدها هي هزيمةٌ لها ساحقة، وأنّ القدس كما تريد وكما تشتهي هي عزٌّ ونصرٌ لها.
إنْ تكُن القدس صهيونيةً فالصهيونية منتصرة، إنْ تكُن القدس إسلاميةً في خطّها وكما يجب، ولا تكون القدس إسلامية حتى تحتفظ بتاريخها الإلهي، وتقوم بدورها الإلهي، وتكون البيت الثاني الإلهي في الأرض بعد بيت الله الحرام.
القضية قضية أمة، القضية جدّية كلّ الجدّ، عظيمة كلّ العظمة، وليست قضيةً من القضايا الهامشية على الاطلاق. التقصير في حقّها تقصيرٌ في المصير، تقصيرٌ في حقّ الدين، في حقّ الأمة كلّها، في حقّ شعوبها، في حقّ عزّتها وكرامتها، في حقّ مستقبلها المأمول.
الصهيونية ترى أنّ كلّ الامكانات من أجل القدس كما تريد للقدس أن تكون، وأنّ كلّ الرجال من أجل القدس كما تريد أن تكون في خطّها ودورها. الصهيونية ترى أنّ كلّ الامكانات والفُرص والتضحيات تحت أمر القدس التي تريدها، فما هو نظر الأمة الإسلامية؟
هذه هي النظرة الثالثة للصهيونية، وهي نظرة تقود إلى النصر، وتقود إلى العزّة التي تريدها الصهيونية، السؤال ما نظرُ أمّتنا؟ هل الموقف من القدس هي موقف الاهمال؟ موقف اللامبالاة؟ موقف التشظّي؟ موقف الاختلاف على الغنائم المناطقية؟ على أن يحكم هذا أو ذاك؟
إذا قوبلت النظرة الصهيونية الجادة والتضحوية بالنسبة للقدس كما تريد بنظرةٍ لا مبالية من الأمة الإسلامية فهي هزيمةٌ ونصر. هزيمةٌ في حقّ مَن عليه أن ينتصر، وهزيمةٌ في حقّ مَن نصره نصرٌ للدين والإنسانية كلّها، وإذا هُزمت القدس التي يريدها الخط الإسلامي وخط المقاومة فهي هزيمةٌ للدين والإنسانية كلّها، وللتاريخ المستقبلي لكلّ الناس.
هذا ومن المؤسف أسفاً شديداً جدّاً، والمُخزي في نفس الوقت، والمُخجِل والمذّل أن يأتي تصريح المُطبِّع البحريني أنّ احتماء البحرين بأمريكا وإسرائيل. هذا هو المُحتمى به، ومَن هو يا مُصرِّح الذي تريد الاحتماء منه، ولماذا هذا الاحتماء منه؟ لم تذكر في المُحتمى به لا دولة إسلامية ولا عربية، حَصَر الاحتماء في اللجوء إلى أمريكا وإسرائيل!
هناك دول عربية لصيقة، وهناك دول عربية في الأمّة أخرى، ودول إسلامية كُثْر يمكن أن تعادي دولة واحدة، ولكن كيف نظرت للدول الأخرى كلّها عدوّةً لك من إسلامية وعربية؟ فلم ترى من تحتمي به من أمّتك وليس من أجنبي، ومن شعبك إلا الصهيونية وأمريكا!
انقلاب في الفكر رأساً على عقب، انقلاب رأس على عقب في النفسية، في الإيمان بقيمة الأمة، في الإيمان بقيمة الدين. الكلمة مُخجلة إلى أقصى حدّ، وهي كلمة سُجّلت في التاريخ، ومن شأنها أن تلوّث تاريخ البحرين كلّه.
إذا لم يأتي الرفضُ الصريح العلني المستمر لمثل هذه الدعوى، ومثل هذا الفكر الساقط.
ماذا يُساوي التطبيع القائم؟ الذي يعني تطبيعاً اقتصادياً وثقافياً واجتماعياً وأمنيّاً وعسكرياً وعلى كلّ المستويات، هذا التطبيع إنّما يعني بالضبط اقتطاعاً واسعاً من رصيد الأمة لصالح الرصيد الصهيوني. هذا التطبيع يضيف إلى القوّة الأمنية الإسرائيلة قوّة على حساب العرب والمسلمين، وإلى قوّتهم العسكرية قوّةً من قوّة المسلمين العسكرية ومن القوّة العربية، وقوّة ثقافية يضيف إليها جمهوراً من جمهور المسلمين يُحاول أن يُعبّد الطريق إلى إسرائيل إلى الوصول إلى العقل المسلم، إلى القلب المسلم، إلى الولاء المسلم، فكم سيُعطي هذا التطبيع -وقد أعطى- من رصيد الأمة العربية، ومن رصيد الأمة الإسلامية على كلّ المستويات.
نصرة واسعة كبيرة لإسرائيل في مواجهتها الواسعة وحربها العامة ضد الأمتين العربية والإسلامية، وضد الدين والقيم السماوية الرفيعة كلّها.
هذا الاقتطاع إنْ يبقى فضلاً على أن يتسّع ففي ذلك مهلكة الأمة، وفي ذلك ضياع دينها وضياع عزّها وشرفها وكرامتها وإستقلالها. في ذلك ضياع سيادة والدخول في ذُل تحت الحكم الإسرائيلي.
هنا عوامل لها دورٌ خطير ماحق، أوّلها هذا الاقتطاع من رصيد الأمّة.
دور التهميش والاستضعاف لشعوب الأمّة. الأمة مهزومة، الأمة مدحورة، مستولىً عليها، ساقطة الكلمة حين تضعف شعوبها، وحين تُهمَّش هذه الشعوب، معناه عدم توقّف النمو، معناه فقد الدور الإيجابي، معناه دور المشاركة الحية الحيوية في الحياة، معناه الإنزواء والاَوْل لموقعٍ هامشي لا قيمة له. أمّة بهذه الحصيلة أمّة محكومة لا حاكمة، أمّة لا كلمة لها ولا رأي، أمة فقيرة، شعوب من هذا النوع شعوب فقيرة دينياً، ثقافياً، مالياً، إجتماعياً وعلى كلّ المستويات. وفي هذا خدمة كبيرة جدّاً لإسرائيل وقوّتها.
عاملٌ آخر من عوامل تحطيم الأمّة: وهو تخلُّف الوعي والإرادة الثورية في جماهير الأمة، وهذا ما تعمل عليه الحكومات المطبعة بالنسبة لشعوبها، بحيث لا يبقى وعي سياسي عند الأمة، ولا يكون الحديث السياسي مباحاً لها أصلاً، وأنْ تموت فيها الإرادة الثورية، وأنْ تنسى هويّتها، وأنْ تقبل سيادة العدوّ، وتؤمن كلّ الإيمان بقيمة الولاء لأمريكا وإسرائيل، والعِدَاء للأمة المُقاوِمة. هذا عامل مُحطِّم يسدُّ الطريق على يوم النصر، ويستبدل من أيّ شيءٍ بقي من عزّة الأمة ومن مجدها ذُلاًّ وهواناً وتخلُّفاً وصيرورةً إلى آخر دركات التسافل.
عامل آخر تعمل عليه الدول المُطبِّعة مما يُهلك الأمة، ويُفتّت كلمتها، ويُنشئ الحرب داخلها، ليُعين الحرب الصهيونية على الأمة. هذا العامل يتمثّل في الروح الطائفية المُدمِّرة التي تؤججها الحكومات المتآمرة على مصير هذه الأمة ومستقبلها. في داخل كلّ شعب، وبين كلّ قِطْرٍ وآخر متجاوريْن، وبين كلّ قِطْر وآخر وإنْ تباعدا على مستوى الأمة العربية والإسلامية تُشعل نار الفتنة الطائفية والإقتتال الطائفي، وتُنشئ الأحزاب المتعصبة من هذا الطرف ضد هذا الطرف، وكذلك العكس.
أحبّائي..
القدسُ -لما ذكرناه من إرتباط الدور الإلهي للقدس، ولوجود القدس على الخط الإلهي، كما تريد المقاومة وكما يريد الإسلام-، القدس بإصلاحيتها، بثوريتها، بإنحيازها لخطّ العدل ولخط الإنسانية، والخط الرسالي. القدس التي تحرص في كلّ نشاطها وفي كلّ دورها على سلامة الأمن البشري، وعلى حفظ الأخوّة البشرية، وعلى تخلّق الإنسان بأخلاق الله عزَّ وجلّ في الأرض، وعلى أن تبقى الحاكمية لله في الأرض، وأن يكون هذا الإنسان هو الخليفة لله تبارك وتعالى في الأرض. هذه القدس بهذا المعنى، بهذا الدور، بهذا النشاط؛ محور المقاومة، يعني كلّ المقاومة من أجل القدس بهذه الصِفة، وكلّ نشاط المقاومة، وكلّ خدمةٍ للإسلام، وخدمةٍ للأمة الإسلامية، وعملٍ على عزّ الأمة الإسلامية، وعمل على تصحيح المسار الإنساني، كلّ ذلك يتمثّل في نصرة القدس. المقاومة التي تنصر القدس تنصر الإسلام، تنصر الأمة الإسلامية، تنصر كلّ الإنسانية، وبذلك تكون القدسُ محور المقاومة.
قاوم من أجل القدس تكون مقاوماً من أجل العقيدة الصحيحة، من أجل الأخلاق الصحيحة، من أجل العدل، من أجل القوّة، من أجل الإستقامة، من أجل الأخوّة الإنسانية.
إصرف نظرك عن القدس ودَعْها تكون أمانةً بيد الصهيونية تكون قد ضيّعت الإسلام والأخوة الإسلامية وقيمة الإنسان العربي، وقيمة القرآن والدين وكلّ القيم الإلهية، وخط العدل في الأرض، والمستقبل الإنساني. هذا معنى أنّ القدس محور المقاومة.
اليوم المقاومة من أجل القدس مقاومة من أجل الشيء الأصل الأصل الأصل؛ هو التوحيد. لا يصل خط التوحيد، لا يعزّ خط التوحيد، لا يعظُم عملياً خط التوحيد، لا تكون حاكمية لله عزَّ وجلّ في الأرض، ولا لقيم دينه إلاّ بأن تعزّ القدس، وتكون الحكومة لخطّ القدس والبيت الحرام.
لن يَسْلَم دور البيت الحرام بلا سلامة القدس. وإنهدام قيمة القدس خطوة متقدمة جدّاً جداً وموصلة إلى إنهدام قيمة البيت الحرام، فبمقدار ما لنا من غيرة على حرمة بيت الله الحرام، لابد أن تكون لنا غيرة على حرمة بيت المقدس، على حرمة بيت الأقصى. هذا ما نعنيه بأنّ القدس محور المقاومة، وما تعنيه كلمة السيّد الشَهم الكبير القائد الفذّ العزيز السيد حسن نصر الله “حفظه الله”.
هذا شأن القدس، المسجد الأقصى والقدس، وما شأنُ يوم القدس العالمي؟
إذا كانت المقاومة من أجل المسجد الأقصى، ومن أجل القدس وحرمته، فإنّ يوم القدس العالمي والإحتفاء به، والمشاركة فيه، وإعطائه حقّه الكبير من الجدّية هو من أجل المقاومة.
لا مقاومة من غير روح يوم القدس العالمي. إذا ماتت روح يوم القدس العالمي وخَفَت صوت يوم القدس العالمي، وتراجعت الأمّة عن إحياء يوم القدس العالمي وتلكأت، أو كان هذا الإحياء من شأن مستوىً معيّن، مذهبٍ معيّن، بلدٍ معيّن؛ فإنّه لا مقاومة، فإنّ خطّ المقاومة إلى ذبول، وإلى موت.
حتى يكون خطّ المقاومة إلى إنتعاش، وإلى قوّةٍ ونهوض وفاعلية وهيبة، وقدرة على الاكتساح؛ لابُّد أن تكون مُقدمته -وهي يوم القدس العالمي في إحيائه العظيم الذي تشارك فيه كلّ الأمة، من شيخٍ وعجوز، من طفلٍ وناشئٍ وشاب، من ذكرٍ وأثنى، من كلّ بلدٍ مسلم، من كلّ بلدٍ عربي، من كلّ ضميرٍ إنساني. حين تكون هذه المشاركة الواسعة، والصوت المجلجل الجريئ في نصرة القدس، وهزيمة الصهيونية والتطبيع، حينئذٍ يشتدُّ عود المقاومة، وتسمُق شجرة المقاومة وتتجذّر، وتمتلك المقاومة القوّة الكافية والإرادة الأشد، والعزم الأكثر تأكيداً، وحينئذٍ يقترب يوم النصر. فإذا فكّرتُم في يوم النصر، ونجاح الأمّة، وحماية أنفسكم ودينكم وعزّتكم، والحفاظ على أعراضكم، والإحتفاظ بأرضكُم، ففكروا في مقدّمة ذلك، واهتمّوا في مقدمة ذلك؛ وهو إحياء يوم القدس العالمي الإحياء الذي يليق به وبأهميته الكبرى، وهي توحيد الأمة على خط المواجهة الحامي المشتعل المستمر المضحي حتّى تنكسر الصهيونية، وحتى تتفكك سفينة التطبيع التفكُّك الكامل.
ما بقي التطبيع فالخطر قائم، وما بقيت فلسطين تحت الإمرة الإسرائيلية، وما بقي القدس تحت التصرُّف الإسرائيلي، وبيت المقدس مدنّساً بأقدام إسرائيل فإنّ الأمّة كلّها على الخطّ الأحمر للخطر العظيم.
صرختُكَ في يوم القدس العالمي -كُنتَ شابّاً أو شيخاً، صبيّاً أو كبيراً، ذكراً أو أُنثى، عربيّاً أو غير عربي، سُنيّاً أو شيعيّاً، ومن كلّ المذاهب- صرخةٌ تُعلن المقاومة والجهاد. هي صرخةُ مقاومةٍ وجهاد، وتضحيةٍ وبَذْل لا يستثني شيئاً مما أذِنَ الله ببذله في الحفاظ على دينه العظيم، وإنسانية الإنسان، وكلمة السماء في الأرض.
وعندما يكون الإحياء، أو الصرخة يوم القدس دون المستوى يأتي عنوان التخلُّف والخذلان، ففي ذلك تخلُّفٌ وخذلانٌ لدين الله، ولأمّة رسول الله “صلَّى الله عليه وآله”، وخذلانٌ للإنسانية كلّها.
يومُ القدس لابُّد أن يُمثّل وقفةً جادّةً صارمة عامّة مع المسجد الأقصى والقدس وفلسطين والإسلام والمجاهدين الفلسطينيين. ويوم القدس ليس يوماً واحداً، ولا مناسبةً عابرة، وإنّما هو يومٌ بعمر القضية الفلسطينية، وبعمر قضية الصراع الصهيوني مع الإسلام، ومع القيم الإلهية في الأرض، ومع عزّة الإنسان وكرامته، فعلى خطّ الجهاد، وعلى خطّ المقاومة. وكلّما يُؤتي الناس من بذلٍ في سبيل الله فهُم المحظوظون، لأنّ كلّ شيءٍ يُبذل في سبيل الله لا يساوي شيئاً من عطاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.