كلمة آية الله قاسم في ذكرى مولد الإمام القائم – 14 شعبان 1442هـ

كلمة آية الله الشيخ عيسى احمد قاسم في ذكرى مولد الإمام القائم وافتتاح الحسينية البحرانية بمشهد المقدسة – 14 شعبان 1442هـ

*كلمة سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم في ذكرى مولد الإمام القائم “عجّل الله تعالى فرجه الشريف”، وافتتاح حسينية أبي الفضل العباس “عليه السلام” في مشهد المقدسة – 14 شعبان 1442هـ / 28 مارس 2021م.

*فيديو الكلمة :

https://youtu.be/RXwKUd5f_jM

*صوت الكلمة :

*نص الكلمة :

بسم الله الرحمن الرحيم

الأخوة الأعزّاء الشباب البحراني الكريم المقيمين في مشهد المقدسة.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

يوم الظهور والقيام

إنّه اليوم الذي يأذن فيه الله عزّ وجلّ بظهور وليّه القائم “عجّل الله فرجه”، وقيام ثورته الكاسحة للكفر والظلم والفساد، لتمتلئ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجورا.

إنّه اليوم الصعب هدفا، الصعب طريقاً، الصعب تضحيات، الصعب رجالاً، الأشدّ امتحاناً، الأوضح فرقاناً، بين رجال الصدق ورجال الافتراء، بين الإيمان الحقّ والإيمان الكذب.

عُدّة رجاله أكبر وأوسع وأشدّ وأمتن عُدّة، وهُم ذلك اليوم أعظم الرجال، وأعلم الرجال، وأطهر الرجال، وأصلب الرجال، وأصدق الرجال، رجالٌ رهبانٌ بالليل، أسودٌ بالنهار، ليس أكثر منهم استسلاماً أمام الحقّ، وذُلاًّ لكلمته، وليس أشدَّ استكباراً منهم على الباطل، واستعلاءً عليه، عنيدون للباطل بلا حدّ، مطيعون للحق كلّ الطاعة.

علماءُ مقاتلون، واعون، عارفون، رؤيتهم لما هم عليه من الحق لا يمسُّها غبش، وبصيرتهم لا يدنو منها عمى، وعزيمتهم لا يقرب منها وهن، مَلَكَ عليهم حبُّهم وتعظيمهم لله كلّ أقطار النفس، وأنساهم تعلُّقهم بالآخرة حبّ الدنيا، ورأوا موقنين في الإمام القائم “عليه السلام” والطاعة له؛ طريقهم إلى الله سبحانه، والفوز برضوانه، فلم يَعُد شيءٌ قادراً على زحزحتهم عن رايته، والميل عنه.

هَانَ عليهم الموت، بل صار الموت معشوقاً لهم في سبيل الله، وأولئك رجالٌ يتمُّ صنعهم اليوم عبر معارك المقاومة والجهاد، في كلّ الميادين وملئ الساحات، ويتعاظمون عدداً واستعداداً وعُدَّة، وإيماناً وهدىً ورُشداً وقوّة، كلّما اشتدت المواجهة بين أهل الكفر وأهل الإيمان، بين أهل النفاق والإخلاص، بين أهل الفساد والصلاح، بين المستكبرين والمستضعفين.

رجالُ يوم الظهور ليسوا كسائر الرجال، إنّهم خلاصة الرجال، وقادة الرجال، وأبطال الرجال، لا في بُعدٍ ولا بُعدَيْن ولا ثلاثة من أبعاد النفس الإنسانية الكبيرة، ومن أبعاد الصناعة الإلهية العظيمة.

وطلائع أولئك الرجال عاشَهُم ويعيشهم هذا الزمان، رَحَلَ منهم من رَحَل، وبَقِيَ الكثير، لَهُم نماذج من فقهاء وعلماء ومجاهدين من قادة المقاومة وزعماءها الأبطال.

إنَّ رجال الظهور نَجِدُ لهم صورةً في رجال التمهيد والمقاومة التي تعيشها الساحة الإسلامية اليوم في أكثر من مكان، وفي أكثر من ميدانٍ من ميادين القتال والمواجهة بألوانها المختلفة، نَجِدُ لهم صورةً في الشهيد الحاج قاسم سليماني، والشهيد الحاج أبي مهدي المهندس، وإنَّ أمثالهم لكثيرون وكثير.

نَجِدُ صورةً جليّةً من الشدّة لفقهاء الظهور، في فقهاء عِشنا في ظلِّهم ونعيش، كالصورة التي تجلَّت في شخصية الإمام الخميني “أعلى الله مقامه”، والشهيد الصدر “أعلى الله درجتهما وقدَّس سرَّهُما”.

نعم تتجلَّى شخصية أيام الظهور في فقهاء يوم الظهور، تتجلَّى اليوم في شخصية كلٍّ من الإمام الخامنئي، وآية الله السيستاني “أيَّدهُما الله”، وفقهاء أجلاّء كبار عظاماً من غيرهم.

ومرحلتنا الزمنية التي نحن فيها، وهي مرحلة التمهيد، إنما هي مرحلة الإعداد لرجال الصِعاب الكبار العظماء، الذين لا تقوم الثورة الكبرى على يد الإمام القائم “عليه السلام”، ولا تُدكُّ قلاع الكفر والنفاق، ولا يُهزم الباطل في الأرض، ولا تقوم دولة الحقّ الكبرى الشاملة، إلاّ على أيدٍ من مثل أيديهم، وبصائر مثل بصائرهم، وضمائر مثل ضمائرهم، وعزائم مثل تلك العزائم الشِداد التي يتمتعون بها.

وعلى كلّ مؤمنٍ بيوم الإمام القائم “عليه السلام” أن يرى نفسه معنيّاً ومسؤولاً عن إعدادها ما استطاع، ليكون أهلاً لنصر إمام العصر يوم الظهور والقيام، وأن يبذل كلّ ما في وسعه لرفع مستواه من حيث أبعاد الشخصية الإنسانية الكريمة، بما يؤهله للإسهام في وضع الأمة، والدفع به في اتجاه التمهيد الإيجابي ليوم الظهور، بإيجاد العوامل المساعدة على نجاح المهمّة الكبرى لذلك اليوم -يوم الظهور والقيام-.

أقلُّ ما يُطلَب منّي ومنك اليوم، أن أُصحِّح ذاتي، وتُصحّح ذاتك، لـِ أنْ لا نقاوم الإمام اليوم وغداً، ونعاكس خطّه، ونُعين عليه، ونُوجد أعداداً لمقاومته، ولِـ أنْ لا نبتعد لفهم الساحة الإسلامية في المحيط الكبير أو الصغير عن فهمه، وبأخلاقيتها عن أخلاقيّته، وهدفها عن هدفه، وخطّها عن خطّه.

والواجب أكثر من ذلك بكثير، ولكن لا أقلّ ممّا ذُكر.

الواجب أن نكون نشطاء جدّاً في نُصرة القائم اليوم، والتمهيد لظهوره، برفع مستوانا الإيمانيّ والعلميّ والعمليّ، ورفع مستوى مجتمعاتنا الإسلامية حتّى تقرُب من إسلامها وإمامها، إيماناً وعلماً وعملاً، وتُمسك بخطّه لتزداد رُشدا.

واحتفالكم بمناسبة المولد الشريف لإمام العصر “عجّل الله فرجه” يأتي بكثيرٍ من الجدوى، والثَرِّ من العطاء، حين ينطلق من هذا الوعي، وهذا التوجُّه، وهذا الهدف.

أنْ ينطلق من الشعور الحيّ بالحاجة لفهم أهل البيت “عليهم السلام”، وفهم إمام العصر، والحاجة إلى الالتحام الصادق بمدرستهم، والتزام خطّهم، وحين يأتي تعبيراً عن المبايعة لهذا الخطّ، والتزاماً بمقتضى هذه المبايعة، وبتصحيح الذات التصحيح الإسلامي، لتكون مؤهلة للوفاء ببيعتها.

وأنتم الليلة تفتحون حسينيتكم، حسينية أبي الفضل العباس “عليه السلام”، لتُدَشّنوا دوركم الثقافي والاجتماعي الإيجابي الأخوي في الاطار الإسلامي، وفي ضوء تعاليم وهدى وأخلاقيات الإسلام، والأحكام الشرعية الإلهية التي جاء بها دين الله العظيم.

هذه فرصةٌ جديدةٌ تُتاح لكم بمَنّ الله لتبنوا صفّاً إيمانياً واحداً متماسكاً، عارفاً طريق نجاته في الدنيا والآخرة، ولا طريق كذلك إلاّ الطريق إلى الله.

ويُؤمّل فيكم أن تكون لكم جهودكم المتظافرة في دفع مستواكم إلى الأمام على الطريق الذي يرضاه الله لكم، ورفع مستوى مجتمعكم في البحرين، وكل مدىً تستطيع جهودكم الخيّرة المباركة أن تصل إليه بالتأثير الإصلاحي النافع من مَدَيَات الساحة الإسلامية الواسعة، التي هي ساحتنا جميعاً.

إنّ قيمة مبناكُم هذا في اجتماعكُم على كلمة التقوى، والأخوّة الإيمانية الصادقة، وما ستبذلونه مخلصين واعين جاهدين في سبيل بناءكم وبناء مجتمعكم وأمّتكم بناءً إسلامياً قويّاً شامخاً.

لا يستصغرنّ أحدكم إمكاناته، وتحرّكوا دائماً إلى الأمام، على خطّ العلم والإيمان، ابتداءً من أيّ مستوىً كنتم عليه، لتجدوا أنفسكم أكبر وأكبر وأكبر، وأنفع من بعد حين.

التفتوا إلى نزغات الشيطان الرجيم، ومحاولاته التي لا تتوقف، لتفريق صفوف المؤمنين، وافساد القلوب المؤمنة بعضها على بعض.

وأُذكّر نفسي وأذكّركُم، أودّائي.. أعزّائي.. أخوتي.. أحبتي.. أنَّ مَن غَلَبَ ولاء الله -أعني حبّه وطاعته ونصرته وعبوديته له-، مَن غَلَبَ هذا الولاء كلّ ولاءات الأرض في نفسه، وكانت هذه الولاءات محكومةً لولائه بربّه، فهو المؤمن حقّاً.

أنْ تؤمن حقّاً، أنْ لا يُناهض، لا يُزاحم، لا يُضايق ولاؤك، ولاء أبٍ أو أمّ، فضلاً عن كلّ الولاءات الأخرى.

أمّا مَن غَلَبَ شيءٌ من هذه الولاءات على ولائه لربّه، فقد خَرَج من ولاء ربّه. ومن تساوى ولاؤه لله، وولاؤه لغيره، وكانا في نفسه بوزنٍ واحد، فقد أشرك.

فلأعلم، ولتعلم أنت، أنّي خسِرتُ ولاء ربّي، وخسِرتَ ولاء ربّك، إذا وجد أحدنا أنّ ولاءً قوميّاً، أو قِطْريّاً، أو نَسَبِيّاً مثلاً، يُزاحم ولاء الله في نفسه.

ولأفرّ، ولتفرّ إلى الله سريعاً، لإنقاذ أنفسنا من خسفي وخسفك، وهلكتي وهلكتك.

عليَّ أن أحمد الله العظيم، أنْ وفَّقَ أخي سماحة الشيخ عبدالله الدقّاق، لتوفير هذا المبنى، ليكون قلعةً من قلاع الإيمان والوعي الإسلامي، ليُقام فيه ذكر الله وذكر أوليائه، ويكون مكاناً لخدمة الإسلام، ويجمع المؤمنين، وقد أوكل الرجل -سماحة الشيخ- فيما فهمت إدارة هذا المكان إلى أيدٍ أمينةٍ قادرةٍ كفوءة تقوم بالواجب إن شاء الله، ويعمُر بها المكان عمراناً معنوياً كريماً نافعاً.

بقي أن أقول لكم أيُّها الأخوة الأعزّاء الأحبّاء، أنَّ مولد الإمام القائم “عجّل الله فرجه وسهّل مخرجه”، يجب أن تُحيا بحفلٍ بيتيٍ يشمل كل بيتٍ من بيوتكم، كما كانت الوصيّة بذلك إلى شعبنا الكريم في البحرين، وأنْ يكون هذا الحفل بمشاركة الطفل والكبير، والمرأة والرجل من العائلة الواحدة، داخل المنزل الواحد، ومع طلب أن يكون هناك اعداداً معنوي ومادي، يرقى بهذا الحفل إلى مستوى المناسبة. ويُعنى في هذا الحفل، تربية الطفل وتربيتنا جميعاً، على حبّ أهل البيت “عليهم السلام”.

فليُشارك طفلك بأنشودة، بكلمة، بجملة قصيرة واحدة من تعليمك، فليُشارك الجميع في صناعة هذا الحفل البهيج.

أَخلَص الله عمل أخينا الشيخ عبدالله الدقّاق، وشَكَر الله سعيه، وضاعف أجره، وجزاه الله خير الجزاء، وجَزَى الله القائمين على إدارة هذا المكان الإدارة الناجحة إن شاء الله خيرَ الجزاء.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

زر الذهاب إلى الأعلى