كلمة آية الله قاسم بعنوان “أربعون الإمام الحسين(ع) زيارة ومواكب” – 10 اكتوبر 2019

مركز المقاوم للثقافةِ والإعلام ينشر المحاضرة التي ألقاها سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم تحت عنوان “أربعون الإمام الحسين .. زيارةً ومواكب” في حسينية الإمام الرّضا البحرانية بمدينة قم المقدّسة ١٤٤١هـ

للمشاهدة :

نص الكلمة :

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

السلام على الحسين عليه السلام وعلى الشهداء بين يديك في سبيل الله تبارك وتعالى ورحمة الله وبركاته
زيارة الأربعين زيارة مشهودة، مليونية، والمفروض أن تعطي حضورًا قويًّا للإسلام وأن تكون سببًا مِن الأسباب الموضوعيّة القائمة على جهد المؤمين، وأن تعطي للإسلام انتشارًا في الأرض وأن تكون طريقًا جليًّا لإعطاء صورة مشعة عن كربلاء، وإن كانت ستبقى كربلاء بثورة الإمام الحسين عليه السلام أكثر إشعاعًا وأكثر قدرةً على العطاء.
الأربعون تشهد تجمعًا ملاينيًا في كربلاء قليلٌ أنْ تتوفّر عليه مناسبةٌ أخرى مِن المناسبات في العالم، دينيةً كانت أو غير دينية، قلَّما تتوفر على مثل هذا العدد.
كربلاء لمَّا كانت مِن أجل الحسين عليه السلام، وكان إحياؤها باسمه، ويقدِّم صورةً عنه، والحسينُ عليه السلام شخصيةٌ إنسانيةٌ قرآنيّةٌ تامّة، فمِن خلال الأربعين نحن نقدم صورة عن الإمام الحسين عليه السلام  ونقدّم صورة عن القرآن -لأن الحسين عليه السلام قرآنٌ ناطق- ونقدّم صورةً عن الإسلام. وإذا قدّمنا صورة للعالم عن الإسلام فنحن ندَّعي أن هذه الصّورة من رسم الله، ندَّعي أنَّ هذه الصورة صورة وضعها قلم القُدرة الإلهيَّة فكم هي المسؤوليَّة في هذه الذكرى؟
الممارساتُ في كربلاء أو غير كربلاء باسم الحسين عليه السلام تدّعي أن هذه الممارسات هي ممارسات حسينية ويرضاها الحسين ويقررها الحسين عليه السلام وهي تمثل فكرة ووجدانه وعقيدته وفكره وهي تمثل الإسلام، فماذا يتوجب هنا؟ يتوجب هنا أن نفهم الحسين عليه السلام قبل أن نأخذ بأي ممارسة باسم إحياء ذكراه، نحن نسيئ للحسين عليه السلام ونسيئ للقرآن ونسيئ للإسلام ونسيء لله عز وجل عندما يأتي إحياؤنا أو أشياء منه أو شيء واحد منه بعيدًا عن فهم الحسين، عن روحية الحسين، فهم الحسين تقوى الحسين، إيمان الحسين، شرعيَّة الحسين عليه السلام.
وكلما اقتربنا من شخصية الإمام الحسين عليه السلام  -وهي الشخصية البعيدة عنّا أفقًا هي في السماء ونحن في الأرض- كلما اقتربنا من هذه الشخصية فهمًا وجاء إحياؤنا بما يرضاه الإمام الحسين عليه السلام كلّما توفّرنا على شرفٍ كبير، وتوفّرنا على خدمة كبيرة للإسلام وللإمام الحسين عليه السلام.
علينا أن نكون أمناء جدًا، وحريصين جدًا على أنْ نبلغ في إحيائنا مستوىً يعطي صورة قريبةً قربًا ما عمّا عليه مستوى الحسين عليه السلام، عمَّا عليه شخصيته العملاقة التي يحتاج العالم كل العالم أن يتعرف عليها ليضع كلّ إمكاناته وكل إرادته وكل وعيه على طريق الحسين عليه السلام، النّاس ستعشق الحسين عليه السلام، والعالم كله سيعشق الحسين عليه السلام، عندما نجيد تقديم صورةٍ عن الإمام الحسين عليه السلام فيها مقاربةٌ لشخصيته.
ونحن نُسيء للحسين عليه السلام كثيرًا حينما نقدّم صورة مزوّرة، صورة مشوَّهة، وصورة قاصرة جدًا عن واقع شخصيَّة الإمام الحسين عليه السلام باسم أنّها شخصية الإمام الحسين عليه السلام.
نحنُ في الأربعين كشيعة محبّين لأهل البيت عليهم السلام نكون عظماءَ جدًا، وأصحاب دورٍ عظيمٍ جدًا فيه عطاءٌ للإنسانيّة كلّها عندما نستطيع أن نقدّم صورة عن الإمام الحسين عليه السلام فيها مقاربة لشخصيته الحقيقة.
وعلى العكس سنكون محاسَبين، وسنكون مسييئن للإمام الحسين عليه السلام وللإسلام لو أحيينا الإمام الحسين عليه السلام بأخلاقيّة غير كريمة، وبمستوى اجتماعي غير لائق، وبمستوى ثقافي غير لائق، وبممارسات غير صحيحة من ناحية شرعية أو فيها تشويهٌ من الناحية الشرعية.

في القرآن الكريم آيات، وهيَ حسب مفادها وأسباب نزولها لا تسمح للمُسلم أنْ يتجاوزَ في فهم الإسلام. إذا أراد أن يفهم الإسلام بالصورة الكاملة إلاّ بأن يقف عند أهل البيت عليهم السلام في القرآن، ورأي القرآن في أهل البيت عليهم السلام، وموقع أهل البيت عليهم السلام الذي يراه القرآن لهم في الدِّين، وإمامة أهل البيت عليهم السلام في القرآن. ستأتي صورة الإسلام ناقصة جدًا ومختلة جدًا وغير كفؤة بالدرجة التي عليها الإسلام حينما يُدرس الإسلام بعيدًا عن مطالعة القرآن، وبعيدًا عن مطالعة السنَّة للتعرف على الموقع الإلهي لأهل البيت عليهم السلام ومنهم الإمام الحسين عليه السلام.
إذا أردنا أنْ نعرف الإسلام لابد من الرجوع إلى المصدرين العظيمين الكريمين: القرآن والسنَّة المطهرة، وما لم تمتد مطالعتنا للقرآن الكريم والسنَّة المطهرة لِمَن هُم أهلٌ للتعرف على مَن هُم أهل البيت عليهم السلام،  وعلى موقع أهل البيت عليهم السلام.
في القرآن الكريم آياتٌ تتضمّن بيان هذا الأمر، بمفادها وبتوصيفها وبطرحها الكلّي ومِن ضمن ذلك أسباب نزولها، وبالفحص عن مصاديق هذه الكليّات التي يطرحها القرآن نبحث عن مصاديق هذه الكلياّت خارجًا فلن نجدَ لها مصاديقَ عُليا ومتقينة الصِّدق كأهل البيت عليهم السلام.
من هنا نعرف هذا الضّلع المهم جدًا في تركيبة الإسلام، فالمُسلمون كل المسلمين يكونون قد حرَموا أنفسهم أمرًا عظيمًا جدًا وهو فهم الإسلام الفهم الحقيقي، وبما هو عليه واقع الإسلام وبصورةٍ شاملة حينما يهملون الوقفة الطويلة المتأملة في القرآن والسنَّة الكريمة وسيرة أهل البيت عليهم السلام للتوصّل إلى مقام هذا البيت الكريم الذي لا قيام للإسلام إلّا به.
لو أنْقَصتَ الإسلام النبوّة ما وجدت الإسلام، ولو فهم المسلمون النبوّة في وظائفها دونَ ما هي عليه لم يفهموا الإسلام، ولو لم يفهم المسلمون مقام رسول الله صلى الله عليه وآله ما فهِموا الإسلام، ولو لم يتزوّدوا بعطاء رسول الله صلى الله عليه وآله وبعطاء السنَّة من قوله وفعله وتقريره لما فهموا الإسلام، يأتي في هذا الدّور مِن بعد رسول الله صلى الله عليه وآله أهل بيته عليهم السلام. تكون الصورة ناقصة مجزوئة بعيدة عن فهم الإسلام الكبير، وبعيدة عن الحقيقة الإسلاميّة التي هي أعلى حقيقة، ويكون هذا هو الحاصل حينما نلغي دراسة أهل البيت عليهم السلام وفهم أهل البيت عليهم السّلام، ولا نقف عند القرآن ولا نقف عند السنَّة ولا نقف عند عطاء أهل البيت عليهم السلام  ولا نقف عند التفحص عن مصداقيتهم الحقيقة لما يصفه القرآن الكريم من أوصاف الإيمان وإمامة المسلمين.
فمن مسؤولية كلّ مسلم أن يعطي من وقته الكثير، الجامعات الإسلامية، كل المراكز العلمية، كل الكتَّابِ والعلماء .. واجبٌ من واجبات الإسلام الأصيلة والأصلية أن يتوقفوا كثيرًا، وأن يعطوا كثيرًا من أجل فهم أهل بيت الرسالة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
ونحن إذا أردنا أن نحيي الأربعين وعاشوراء في كربلاء، ونتحدث باسم الحسين عليه السلام فوا ظلماهُ للإمام الحسين عليه السّلام حينما نتحدث عنه عن جهلٍ به، وعن تقييمٍ غير صحيحٍ به، وما أظلمنا للحسين عليه السلام حينما ننسب إليه أيّ فعالية، وأي كلمة، وأي شعار، وأي ممارسة بعيدة عن ساحة جمال الحسين عليه السلام.

الهَدَف الكبير
ماهوَ الهدف الكبير من إحياء ذكريات الإمام الحسين عليه السلام  في ذكرى الأربعين أو غيرها؟ لا هدف لمسلم في أي لحظة من لحظات حياته، وفي كل ممارسة من ممارسات حياته، وفي أي حركة وأي سكون وأي علاقة إلا رضا الله تبارك وتعالى.
الإسلام من أجل معرفة الله، الرسول صلى الله عليه وآله من أجل معرفة الله، والأئمة الأطهار عليهم السلام من أجل معرفة الله، دِماؤهم كانت من أجل معرفة الله، شهادتهم كانت من أجل معرفة الله، متاعبهم ونَصَبُهم كان كلّه في ذات الله تبارك وتعالى، ومن أجل أن نعرف الإسلام، ومن أجل أنْ نرتبط بالإسلام، ومن أجل أن نَصِلَ إلى رضوان الله تبارك وتعالى وهذا واضحٌ كل الوضوح.

هَدَف الحُسين هدَ في
هدف الحسين عليه السلام يجب أنْ يكون هدفي، وهدفي يجب أن يكون من هدف الحسين عليه السلام، وليس للإمام الحسين عليه السلام هدفٌ إلا أن يعرف الله أكثر فأكثر، وأن يعبد بصورة أشد وأشد، وأنْ يقرُبَ إلى الله وأن ينال شرف رضوان الله سبحانه وتعالى، فهل اصطنع لي هدفًا غير هذا الهدف؟ وهل أتبنّى هدفًا غير هذا الهدف؟ هل أقف بهدفي عند الحسين عليه السلام أو أن يكون الحسين عليه السلام معبري إلى الهدف الأعظم الذي عاش من أجله الإمام الحسين عليه السلام  وأحببته من أجله وأضحّي من أجل تبنّي هذا الهدف بنفسي له؟ والهدف هو الوصول إلى رضوان الله تبارك وتعالى.
الأهداف المُقدميَّة والتوصليَّة للهدَف الرّئيس
هناك أهداف مُقَدمِيَّة لهذا الهدف، أهداف توَصُليَّه. نطلب أهدافًا في هذه الحياة جزئيّة، وهذه الأهداف هي مقدميّة لرضا الله تبارك وتعالى. وأنت تستهدف أن تبني بيتًا، وأنت تستهدف أن تتزوج، الرّاتب، الوظيفة … هذا هدفٌ قصير، أهدافٌ قصيرةٌ يجب أنْ تكون مُوظفَة على طريق الهدف الرئيس وهو الوصول إلى رضوان الله تبارك وتعالى. كلّ حياتنا حين تصح العقول وترشد النفوس وتفيق القلوب يجب أن تكونَ وصلة إلى رضوان الله تبارك وتعالى بكل أنشطتها وبكلّ حركاتها، وبكلّ ممارستها، وتكون هذه الممارسة مطلوبة لرضوان الله تبارك وتعالى.

الأهداف التوصلية للإحياء بخصوصه
شيعة أهل البيت عليهم السلام على مستوىً من الانشداد والارتباط بأهل البيت عليهم السلام، وهذا المستوى غير كاف، لا مستوى وعينا بأهل البيت، ولا مستوى تبع إرادتنا لإرادة أهل البيت عليهم السلام، اقتدائنا بأهل البيت عليهم السلام. عندنا شيءٌ -ولنقل عندنا شيء كمجموعه- مِن كمال أهل البيت عليهم السلام، لكن لا زلنا بعيدين عن ساحتهم بعدًا كبيرًا.
والإحياء من أجل ماذا؟ مِن أجل إعطاء إنشداد عمليٍّ فكريٍّ ونفسيٍّ وإراديٍّ وعمليٍّ أكبر بمسيرة أهل البيت عليهم السلام، نطلب أن تكون  قيادة أهل البيت عليهم السلام لحياتنا بدرجة أكبر، بدرجة أقوى. هناك قيادة لأهل البيت عليهم السلام لحياتنا اليومية ولحياتنا العامّة ولكن بدرجة قليلة وصغيرة جدًا، والمطلوب أن نرفع مستوى حضور قيادة أهل البيت عليهم السلام وفاعليّة القيادة والرسالة لحياتنا.
الإحياء يُفترَض أنْ يكونَ موسمًا فيه دفعة قوية جدًا للتوجّه بالوعي الشّيعيّ، وللإرداة الشيعيّة، والممارسة الشيعية، والمعاملة اليومية للإنسان الشيعيّ، يجب أن يكون فيه دفعة لكل هذا بأن يلتحم بقيادة أهل البيت عليهم السلام بدرجة أكبر وأشد وأمتن.
كانت زيارة الإمام الحسين عليه السلام في وعي الكثيرين استجابةً لما ثبت استحبابه وبتصوُّر ثواب الفرد الذي يكتسبه من هذه الزيارة، واليوم الزيارة أخذت بُعدًا أكبر من هذا، أنتَ اليوم إذا ذهبت للزّيارة لا ترجع منه بثواب الزّيارة فقط، والشّيعة اليوم لا يرجعون بثواب الزيارة فقط وإنمّا يحملون الإسلام ورايته ويقدّمونه دعاةً للإسلام، ويعطون ممارسة حيّة عن التوجيه الإسلامي، وعن التربية الإسلامية، وعن الفكر الإسلامي، وهذا إمّا أن يُفَعِلوه فيرجعوا بثوابٍ عظيم وثواب لجهاد في طاعاتٍ متعددة، أو يرجع البعض -والمستجار بالله- مسييئن للإمام الحسين عليه السلام بتشويه صورة الإسلام ولصورة الإمام الحسين عليه السلام وبما نفرضه من عنديّاتنا وأهوائنا واجتهاداتنا على الأربعين وعلى الإسلام وعلى الحسين عليه السلام وعلى الله تبارك وتعالى. يجب أن نحذر فنحنُ عبيد ويجب أن نتقيّد بما يتقيّد به العبد من أمر سيّده والسيّد الله تبارك وتعالى الذي لا سيّد مثله.

١
الإنشداد الفكري والواجداني لشيعة أهل البيت عليهم السلام بالإمام الحسين عليه السلام وثورته ودروسها وتعاليمها وخط أهل البيت عليهم السلام والإسلام وهذا مطلب، وهذا هدف من أهداف الزيارة، ويجب أن نجعله في وعينا -وخاصة للمشرفين على الإحياء- أنّ من مهمة الإحياء هو إحداث إنشداد فكري وجداني لشيعة أهل البيت عليهم السلام  بأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، يجب أنْ يكون التحضير لهذا الهدف في هذه الزيارة.
٢
تثبت الرَّفض الفكري والنّفسي والعملي لأي خط مناوئ لأهل البيت عليهم السلام، فالناصبي نناوئه، ونناوئ الكفُر بصورة واضحة جلية، نناوئ الظلم. وهذه المناوئة يجب أن تتركَّز ويجب أن تكون مناوئة واعية مخلصة للمناوَئ تستهدف إنقاذه من ضلاله ومِن جهله، ونريد تثبيت هذه المناؤة فأنا رافضي ولكن أرفض بغض أهل البيت عليهم السلام، وأرفض الكفر والجهالة ،وأرفض كل خطأ يراد أن يراد أن يُدخلَ في الإسلام وفي الفكر الإسلامي، وأقبل كل شيء في الإسلام وأرفض كل شيء يخالف الإسلام، وهذا الرَّفض بهذا المعنى وليس بمعنى أني أسبّ فلانًا وأشتم فلانًا وأرفض المستوى الإنساني والمستوى الديني لفلان وأنكره، ففلان لديه مستوى إنساني لابدّ أن أعترف به، وآخر لديه مستوى ديني سواء اتفق معي أو اختلف ولديه التزام ديني فيجب أن اعترف له به، فلا أنكر على أحد حقانيته ولا أجحد حقّ أحد، ولكنّي أرفض الباطل. هذا الرّفض للباطل يجب أن يتركّز نفسيًا وفكريًا على المستوى العمَلي، فالمفروض من إحياء الأربعين أن يتحمل هذا الأمر وأنْ تأتي عملية الإحياء بأن يرتفع هذا الرفض بمستوى الإنسان الشيعي.
٣
عندنا وعي الأمة كل الأمة المسلمة أوسع من الشيعة فواضح جدًا ونحن نحرص على سلامة الإسلام وكل المسلمين. يُراد لوعي الأمّة جمعاء أنْ ينفتح على المنزلة على الخاصة بأهل البيت عليهم السلام، ألأهل البيت لهم منزلة خاصة في الإسلام أم ليس لهم منزلة خاصة؟
المنزلة الخاصة التي يراها المسلمون  كل المسلمين لأهل البيت عليهم السلام -إلا مَن نَصَب- هي منزلة وجوب مودتهم، ولكن هل هذه المنزلة التي يراها المسلمون هي المنزلة الواقعيَّة في أعلى درجاتها التي قرّرها القرآن الكريم لأهل البيت عليهم السلام؟ وهذه صورة منزلة أهل البيت في القرآن وهي منزلة الإمامة إمامة الدين والدُّنيا وهذا ما لا يفهمه كثير من المسلمين ولا يؤمنون به. صحيح، يرون أنّهم صالحين للإمامة، أنا مع ذلك، لا أرى أخًا مسلمًا -غير النّاصبة- لا يرون لأهل البيت عليهم السلام صلاحيّة الإمامة، لكن الخلاف هل أنَّ إمامتهم واجبة أو أن إمامتهم جائزة؟ صالحة فقط؟ المختلَفُ عليه هو وجوب الإمامة للأئمة أهل البيت عليهم السلام، لا أنّ علي بن أبي طالب لو صار خليفة المسلمين ينكر خلافته أحد، أبدًا.
هناك من يقول أن الإمام علي بن الحسين عليه السلام أنّه إمام حقًّا، وأنّه أهل للإمامة، ولكن لا يعترف أنّه إمام واجب الإمامة، والكلام كل الكلام في وجوب إمامة أهل البيت عليهم السلام، وأنها في المرتبة الثانية من وجوب النبوة لرسول الله صلى الله عليه وآله أو لا؟ القرآن الكريم حسب ما يُقراء بالقراءة الصحيحة والسنَّة وسيرة أهل البيت عليهم السلام  تقرّر أنّ إمامتهم واجبة وليس أنهم أئمة صالحون فقط، وهذا الأمر في إحياء الأربعين وإحياء عاشوراء وكل الممارسات المذهبية يجب أن تتخذ من هذا هدفًا وهو إلفات نظر المسلمين الكرام إلى أن إمامة أهل البيت عليهم السلام ليست الإمامة الصالحة فقط، وليس أهل البيت عليهم السلام  هُم النِّفَر الذين تصلح إمامتهم للمسلمين فقط، وإنما إمامتهم واجبة، وأنّه لابدّ منها، وهذا هدفا ثان، ونرى هذا الهدف هدفًا مقدميًّا لرضوان الله تبارك وتعالى.

٤
هدف آخر لزيارة الأربعين، وهو أنَّ المسلمون يتساهلون الآن في أمر الزعامة للأمة والتساهل قائم اليوم وربما قام غدًا، وهو التساهل في موقع الزَّعامة للأمة الإسلامية والفصل بين زعامة الدِّين والدُّنيا وإذا جُمعت الزّعامتين لشَخص ما كان يلزم أن يكون عالمًا بالإسلام كل العلم، ولا معصومًا العصمة العملية ولا الفكرية، حتى تكون له الأهليّة لإمامة الإسلام والمسلمين، وهذا الوعي ليس موجودًا، وهذا الشرط لا تُدرَكُ أهميّته، ويقبل كثير من المسلمين حكومات وضعية قائمة الآن، وهي حكومات تنتمي للإسلام والبلاد الإسلامية وتحكم المسلمين. فهل مقبول يا  مسلمون أم غير مقبول يامسلمون من ناحية إسلامية؟
هناك كثير من المسلمين شيعة وسنة يرون أن هذه الحكومات الوضعية غير مقبولة من ناحية إسلامية، وهي وضع شاذ ومنحرف عن الإسلام، لكن مامدى تغلغل هذا الفهم وهذا الوعي وجديته وفاعليته ومحركيته في نفوس المسلمين وبأي درجة؟ ثم هذا بالنسبة للشريحة الواعية من المسلمين، وماذا عن الشريحة الأكبر من المسلمين، هل يعون ضرورة أنّ الزعامة للأمة الإسلامية يجب أن تكون إسلامية حقّا؟ الكثير لا يعي، ويرى الأمر عاديًّا جدًا أن تقوم حكومة هنا وهناك من الحكومات الوضعية، وأن يسلّم لها. من ناحية إسلامية خالصة هذا غير صحيح.
مسؤولية مسيرات الأربعين ومواكب الأربعين وكل الفعاليات الأخرى في الأربعين هي إعطاء هذا الوعي: أنَّ الحكومات الوضعيَّة المُخالفة للإسلام تحكم بقانونٍ وضعي، وتستبعد الإسلام، وتحلّ محلَّ القانون الإسلامي قانونًا آخرًا وتتصرف في الإسلام والمؤسسات الإسلاميّة التصرف الذي يتوافق مع القانون الذي تضعه وهو القانون الوضعي، والقانون الوضعي مستفادٌ مِن فكر أمريكيّ وفرنسيّ وأوربي .. وغير ذلك. وهذا الوضع لحدّ الآن يمتلك استقرارًا، ويمتلك قبولاً مستقرًا في نفوس غالبية الأمّة، وهذا خطأ واضحٌ جدًا.
مسؤوليَّة الأربعين أن تصحّح هذا الفهم، وأن تستبدل عن هذا الفهم بالفَهم الإسلاميّ الأصيل الصحيح، وأنَّ وضع الأمّة الآن مِن حيث قيام الحكومات الوضعيّة المنافية للإسلام وضعٌ شاذٌ منحرف يجب السعي والعمل الدوؤب مِن أجل الوصول بالأمة إلى وعي جديد يعود بها إلى فهم الإسلام والأخذ به ورفض هذا الوضع الشاذ المضر بالأمة والقاضي عليها.

٥
من مسؤوليَّة الإحياء لذكرى الإمام عليه السلام  إبراز روح الوحدة الإسلامية، لا نكون شيعة تقابل السنة وسنة تقابل الشيعة، أو أن يبني السنة وجودهم ويسحقوا الشيعة، أو أنّ الشيعة يبنوا وجودهم ويسحقوا وجود السنة، لا يسحق هذا لذاك أو يسحق ذاك هذا، ولا أبني نفسي وأُهمل الآخر، ويبني الآخر نفسه ويهمل شأني، فهذه ليست أمة واحدة! ولا يستطيع أحد أن يقول بأنّ القرآن يعترف ويفرض علينا أنْ نكون أمّتَين، وأنّ كل أمة يجب أن تواجه الأمّة الأخرى، أو لا تكترث بمصيرها.
نحن أمة واحدة، ويجب أن يعطي إحياء الأربعين هذا الطابع في نفس كل مسلم ومسلمة، وأن ما يشتتنا ليس هو الإسلام، وإنما الجاهلية، والعصبيات الجاهلية، وأطماع الطامعين، ودسائس الفكر الكافر ومؤامراته.
يجب أن نفهم أنّ وحدتنا التي يحرص عليها الإسلام مستهدفةٌ من القوى الطاغوتية العالمية، وعلينا أن ونواجه مواجهتهم بالإصرار على وحدتنا الإسلامية، ومن يتبع أهل البيت عليهم السلام أولى بأن يلتفت إلى هذا ويعمل عليه وهو وجوب توحيد الأمة ورصّ صفوفها لمصلحة الإسلام كل الإسلام، ومصلحة المسلمين كل المسلمين.

٦
يجب أن يكون في الإحياء وقفة ضد مؤامرات التجهيل والإفساد والتحلّل والتمزيق، وأن يكون الإحياء مدرسة عملية تقدم للعالم في الأبعاد المختلفة دروسًا كريمة عالية من الإسلام، تفتح واعيته وتثيرعنده شهيّة وجدانه الكريم، وأخلاقه الكريمة. النَّفس البشرية تحمل فطرة توحيدية وتحمل شوقًا إلى الله، لو صحّت هذه الفطرة، ولو لم يغتالها المغتالون، ولو لم يغتالها الإنحراف والفسوق، لبقت تضغط على صاحبها بأن يتّجه إلى الله سبحانه وتعالى، وهذا الوجدان الكريم لو وجد مَن يعطيه الإفاقه ومن يفتح قوَّة له على نور الله سبحانه وتعالى لطلبَ الله تبارك وتعالى، وسعى إلى الله عز وجل، وضحّى في سبيل الله عز وجل، وأعطى كل حياته لله تبارك وتعالى.
مسؤوليَّة الإحياء أنْ يكونَ مدرسة عملية تقدّم للعالَم في الأبعاد المختلفة دروسًا كريمةً عاليةً من الإسلام، وأُظهِر في ممارساتي صورةً عن الإسلام. الصورة الإسلامية تجتذب أم لاتجتذب؟ … هذه المُمارسات وهذا الإحياء يبرز صورة عن اجتماع الإسلام المتقدّم، عن المستوى الثقافي المتقدم، عن الصِّدق، عن التعاون في الخير، عن التعاون على الباطل، بنظافة شارع، نظافة قلوب، علاقات اجتماعية حميدة، نظامٌ وتنظيم باهر …. نتقدم بثقافة إسلاميّة واعية، بصورة حضارية إسلامية للعالم، أيُحدِث عشقًا للإسلام ويُحدِث حسن ظنٍّ أوّلي بالإسلام ويدفع للبحث عنه؟
مطلوب أن نعطي صورة حيّة ما استطعنا عن جنبات عديدة وكثيرة مما تعطية التربية الإسلامية والوعي الإسلامي والفكر التوحيدي، ونقول هذا هو إسلامنا وهذا نحن الذين جئنا صناعة إسلامية، ومن صناعة الإسلام، وإذا أردتم أن تنظروا للإسلام فانظروا إلى ممارستنا، والعالم فعلاً ينظر إلى الإسلام مِن خلال ممارستنا، فإن جئنا بممارسات خسيسة نقول بأنّ الإسلام خسيس، وإن نأتي بممارسات متقدمة ووعي كبير ونظافة وطُهْر وتعاون وانفتاح على العالم نقول هذا هو الإسلام.
ندَّعي أنّ الإسلام يتحدث مِن خلالنا، فكيف سيأتي الحديث الإسلاميّ كما يزعمه سلوكنا وكما تزعمه ممارساتنا؟ فعلينا أن نتقيَ الله تبارك وتعالى، وإذا أردنا أن نخلص للإسلام نبرز صورة مشعة عنه تجتذب عقول العالم وقلوب العالم.

٧
إذا أجدنا تقديم صورة حيَّة مشعة صادقة عن الإسلام من خلال ممارساتنا الإحيائية لشعائر الدّين ومنها شعيرة ذِكر أهل البيت عليهم السلام ماذا سنعطي؟ سيعرف العالم أن الإنسانية والحرية والكرامة والخلق الكريم والعدالة والصدق والإيثار هذا كله وأكثر منه مما هو من جنسه ومن مستواه لا يجتمع في الأرض، ولا يُنال منه واقعًا إلا في ظل الإسلام العظيم. ستقولون للعالم كلّه بأنكم إذا أردتم إذا أرتم هذه الصفات مجسدةً في الإنسان فعليكم بالإسلام، سيقولون هذا الإسلام والإسلام صنع هذا الإنسان بكل هذه الصفات.
هذا الذي قلناه حتى يعرف العالم أن هؤلاء المحبين تدفعهم عقيدتهم وتربيتهم الدينية لإنقاذ الإنسانية بكل تنوعاتها من مأسي الطاغوتيةّ التي أبتُليت بها، حين يرى العالم وجماهير ومستضعفي العالم أننا حريصون على إنقاذ العالم من الطاغوتية ومن الحكم الظالم ومن فرعونيّة الفراعنة، سيقدروننا ويقدرون الإسلام وستتعاطف شعوب كثيرة من العالم مع المسلمين والإسلام.

٨
ومما ينبغي تحصيله من عمية الإحياء الضخمة في مثل عاشوراء والأربعين رفع المستوى العملي للأخوة الإيمانية داخل المذهب الشيعي نفسه، الموسم يجب سواء الأربعون أو عاشوراء وكل المناسبات يجب أن تكون موسمًا لبناء علاقات قويّة وإيجابيّة وتلاحم أشد من أجل الحق وليس تآمرنا على أحد بباطل، إخلاصًا للشيعة أنفسهم وإخلاصًا للمسلمين كلهم وإخلاصا للعالم، حينما أقول تلاحم وتناصُر وتعاضد فمن أجل الخير ورفعة المسلمين ورفعة العالم كله.
هناك طلب قوة من أجل الهدم وبناء لنفسي وهدم للآخر ومرة تطلب القوة من أجل أن تقوى ويقوى بك الآخر، طلب القوة التي يرضى بها الإسلام ويرضى بها أهل البيت عليهم السلام هي قوة ترفع بها من قوتك وترفع من مستوى غيرك. صحيح أني أحاول أنقذ الآخر من خطأه وهذا نفع وليس إضرارا.
أمريكا تفتح بلدانًا وأقطارًا وتستولي على أمم، ولكن ليس لتقوى هذه الأمم وإنما لتستولي عليها من أجل أن تستبد بخيراتها ومن أجل أن تستبعدها وتستثمر أرضها وتستفيد من كنوزها، ولكن الإسلام ليس كذلك، الإسلام حتى في جهاده الإبتدائي يريد القضاء على الطاغوتية وليس على الشعوب ويريد أن يرتفع بالشعوب ولا يريد أن يستغلها الأخرى، يريد أن يرفع من مستوى الإنسان في أدنى الأرض إلى أقصاه، وأن يصحّح مساره، وأن يسعده دنيًا وآخره، لا يريد أن يستغلّه ويستغلّ ثرواته، أفريقيا وهي غنية بالثروات الإسلام لا يسعى للسيطرة على ثروتها وإنما من أجل رفعة إنسانها.
حين نقول إنه موسم للمزيد من التلاحم والمزيد من تراصّ الصفوف ومزيد من محاولة رفع الوعي ورفع الهمة والتوجيه الواعي وكسب المعرفة الموضوعية فكل ذلك ليس من أجل الشيعة وحده وإنما أجل الإنسانية بكاملها.

٩
هناك تدفق كثير من المؤمنين في يوم الأربعين، وهذه الحالة مرَّة تقتصر على العزاء ولطم الصدور فقط ونرجع، ومرة تكون لنا فعاليتنا الأخرى التي تبني علاقات من مؤتمرات وملتقيات ثقافية وندوات ومشاورات والتفكير في شؤون المسلمين وكيفية تصحيح الأوضاع وكيف يُرتَفعُ بمستوى الأمة وهذا الموسم يجب أن ينال مثل هذه الممارسات والفعاليات وتكون لقاءات فكرية عالية من مختصين مختلفين ويجب أن توضع خطة سنوية لرفع المستوى وكل ما تقدم يتسع له إحياء الأربعين في هذه الأيام.

كيفَ تُحقَّق هذه الأهداف؟
هذه أهداف تفصيلية جزئية وكلها تصب في صالح الهدف الكبير وهو الوصول إلى رضوان الله تبارك وتعالى وتحقق هذه الأهداف؟
-هذه الأهداف يحتاج كل منها إلى فريق مختص يعمل على إعداد خطة لهذه الجنبة أو تلك ولهذا الهدف أو غيره من الأهداف التي ذكرت ومن الأهداف التي لم تذكر.
-يحتاج إلى فريق يعد الخطة وفريق ينفذها.
-يحتاج إلى أن يظهر المُحييون للذكرى للمظهر الإيماني الذي يفرضه الوعي والتقوى والحكمة ورعاية حق الدِّين وحقّ المؤمن على المؤمن حتى نصل إلى هذه الأهداف، والمؤمن والمحيي الذي يحضر مرة يأخذون على أنفسهم أن يعيشوا حالة الإيمان قلبًا وعملاً وأن يبرزوا وجه الإيمان وعطاء الإيمان والأثار والبركات التي تكون في ظل الإيمان وهذا عن طريق الممارسات المدرسة وكل ذلك عن طريق التقيد بأمر الله سبحانه وتعالى ونهيه في ممارساتنا بلا تكلف، الإسلام ليس فقط صلاة وصيام وإنما هو نظام وتعاون والإسلام رفع مستوى اقتصادي ورفع مستوى اجتماعي ووعي شامل، فحينما نأتي بهذه الصورة فإنا على طريق تحقيق الأهداف التي مر ذكرها.
– مطلوب للظهر الإيماني أن يبرز في سلوكنا وعلاقاتنا وعشرتنا وفي وجودنا كوجود مجموعي. وهناك حق المؤمن على المؤمن لابد أن يظهر وليس إهمال المؤمن للمؤمن وسبه وشتمه في الإحياء، المطلوب إظهار رعاية المؤمن لحق المؤمن والمسلم على المسلم والإنسان على الإنسان، فقد يكون هناك نصرانيا أو يهوديا أو بوذيا فنتعامل معه التعامل الإنساني.

مرة نعطي إنعكاسا عن الإسلام بأن نتعامل مع الإنسان تعاملا غير إنساني ومرة نعطي إنعكاسا بأن المسلم يتعامل مع الإنسان المسلم ومع غير المسلم تعاملا إنسانية فيعترف له بحقوقه الإنسانية ويعترف بكرامته الإنسانية، فيجب أن نكون في صورة تتكلم عن الإسلام بأنه لا يعادي الإنسانية وأن الإسلام أحرص ما يكون على حرمة الإنسان من حيث إنسانيته وبمستوى إنسانيته.
أهل البيت عليهم السلام لهم حق ثابت على الأمة كل الأمة وعلينا نحن الذين ندَّعي التعبد بما جاء عنهم من حكم فنمحق أن لا ننقص من وزنهم وزن الإمامة الدين والدنيا فنعرف لهم هذا الحق فكرا ونعرف لهم عملا وأن تكون حياتنا كلها منقادة لهذا الفهم وهذا الاعتراف الفكري بأن لهم إمامة الدين والدينا وهذه منزلة.
وأئمة أهل البيت عليهم السلام لا يرضون بإنقاصهم حقهم أي حق الإمامة لأنه حق الله تبارك وتعالى ولا يرضون بالتزيد في حقهم والمغالاة ولقد كانوا أشد على من غالا فيهم منهم على من عداهم، فلقد كانوا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين شديدين على من أعدائم من ينكرون حقهم وشديدين في الحق وشدتهم على الباطل فلا يرضون ممن أنكر عليهم حقهم وجحد عليهم حقهم وقدم عليهم غيرهم ولكنهم إعلانهم بالعداوة لمن غالا فيهم كان أوضح وأشد.
فنحن الشيعة -أخص الشيعة- من واجبنا أن نعيش حالة الاعتراف الفكري والعملي في أقصى درجة نستطيعها بأن أهل البيت عليهم السلام  هم أئمة حق هادون مهديون لا تجوز مخالفتهم في أمر كبير أو صغير وينضاف على هذا أن لا نحاول أن نتزحزح بهم إلى شيء خاص بالله تبارك وتعالى فهذا حرام كل الحرمة فأهل البيت عليهم السلام يعادوننا ويتبرؤن منا ويلعنونا أهل البيت عليهم السلام حينما نثفهم بصفة من صفات الله تبارك وتعالى فالحذر الحذر.
ومما يخدم تلك الأهداف تكثيف الزيارة والمشاركة في المواكب وكل الخدمات التي يتطلبها عملية إنجاح الإحياء وتغطي احتياجاته.
أن يكون كل المؤمنين حراسا أمنيين في كل حسينية وموكب وشارع ونقطة من ساحات الإحياء في كل مكان من كربلاء وكل بلدان المؤمنين ويكون ذلك بقاعدة “كل وما يمكنه”.

مسألة ملحقة:
ينقل أنه يحدث في البحرين شيء من الاختلاف بين الرواديد المحترمين أنفسهم وفي داخلهم بعض الاختلاف أو بين البعض منهم وآخرين من أصحاب الفضيلة المشايخ من حيث طريقة الأداء عندهم في الردات، فهذا يقول أن هذه الردت تلحينها خارج عن المباح وعما هو حلال وواحد يقول أنه داخل في الحلال. هذه مسألة تطرح بين حين وآخر هناك أن هناك تعدي عن الحد الحلال والمباح أو غير متعدي.
المسألة على مستوى الحكم الشرعي الكلي الذي يتكفل بالتميز الوصفي بينما هو مباح وحرام ووضع حد لما هو حلال وما هو حرام من التلحين فهذه الوظيفة اجتهادية أو من لم يجتهد يأخذ بالتقليد في هذا الأمر ومن لم يكن مجتهد رجع فيها إلى مقلده ومع رجعه إلى رأيه في المسألة لا لوم عليه.
من أقلده يقوول أن هذه التلحينة ليس من الألحان الحرام وليست من ألحان أهل الفسق والطرب وليست من مجالس أهل الفسق وهو ياخذ بهذا، فهذا في نفسه لا لوم عليه. قلت هذا ويلتفت مع ذلك أن الرادود لا يرددوا رداته بينه وبين نفسه فليس جالسا في حجرته ويردد الردات باللحن الذي يراه حلالا ومباحا وهذا في خط مختلف، وأحيانا جالس مع من يشترك معه في التقليد أو يقلد فقيها آخر ويرى رأيا مثل رأي مقلَده فهنا لا مشكلة كذلك فيمن يتواجدون في الحسينية مثلا وهم يرجعون لمثل يرى مثل رأي مقلَدي.
إذا جاء باللحن بينهم وبهذه الشكل فلا لوم عليه لأننا نؤمن كلنا بأن هذا اللحن حلال، ولكن ليس هذا هو وضع العزاء والمواكب وإنما وضعها أن هذا الرادود يقلد فقيها  واحدا وهناك عشرة مقلَدين أو أكثر من ذلك يرجع إليهم المعزين، فهل أستطيع أنا الرادود الذي أقلد من يبيح لي هذا التلحين وهذا النغم هل أستطيع أن أفرض نفسي على عشرة آلاف أو عشرين ألف في الموكب يقلدون مقلَدين مختلفين؟ هل هذا صحيح؟
أنا لا أره صحيحا أن أفرض على الآخرين فأنا لست لوحدي فالأحسن الأخذ بالمشترك من الألحان وهناك ألحان كثيرة مجازة ومتفق عليها فلأستغني عن هذا اللحن وأذهب البيت وأنشد لوحدي. وصحيح لكي نقضي على الفتنة وعلى الاختلاف فليتنازل الأخ الرادود الكريم عن مثل هذا التلحين المختَلفُ عليه ويأخذ بالمجمع عليه وهذا اقتراح مني للأخوة الكرام أخوتي الرواديد.
واضح جدا أن فرض النفس سيخلق تصدعات في العزاء وسوء ظن واتهامات ولغط وتفرق وتمزق وربما أكثر من ذلك، فما أغنانا عن هذا كله حيث يستغني الأخ الرادود الكريم عن الأخذ بالتلحين المختَلفُ عليه والمسبب للفتنة وجزاه الله خير الجزاء. وفي هذا احتياط للرادود نفسه وصحيح أن مقلَدي يبيح هذا التلحين ولكن يوجد ثمانية أو عشرة مقلَدين يقولون بأن هذا اللحن يدخل في الحرام فلن يضرني شيئا أن أتركه وأليس الاحوط لديني أن أتركه.
ففي أي مسألة كالنكس في الوضوء مثلا أن مقلَدي يجيز ولكن يوجد ثلاث أو أربعة مقلَدين لا يرون به ولا يجوزنه فل يجب أن أمس بالنكس وأعناد بأني يجب أن أطبق ما يراه مقلَدي؟ مقلَدك يرى بأن المقلَد الآخر صحيح فخذ به، وفي كل الأحكام من صلاة ووضوء كلما أخذت بالأحوط من الأحكام كان أفضل لك وأن لم يكن احتياطا وجوبيا.

خطاب للخطباء والرواديد وشعراء المنبر الحسيني
أسمحوا لي بأن أخاطب الأخوة الأعزاء من خطباء المنبر الحسيني ورواديد وشاعر المنبر الحسيني ومع الأسف أن شعراء المنبر الحسيني لحد الآن لم يوجدوا بشكل ملحوظ فنحن محتاجون لشعراء للمنبر الحسيني فالمنبر الحسيني لا زال يعيش في كثير من الأبيات النبطية على عطاء الفكر السابق والثقافة السابقة والمستوى السابق والتصور الموضوعي السابق والنفسية السابقة والتربية السابقة والإرداة السابقة وجوانب كثيرة ارتفعت من المستوى الثقافي وإرادة الإنسان المؤمن ارتفعت بدرجة ما وإلتفاته ووعيه الموضوعي وكل هذا ونحنما زلنا نعيش على أبيات القدماء جزاهم الله خير الجزاء أعطوا ما كانوا يملكون وفيه الصحيح الكثير ولكن في سبق من الطرح الشعري بعض الهنات وبعض الضعف وبعض التجبين والتهويل والبعد عن الواقع وكل هذا فيه.
أنظر إلى ردت الأمس وردت اليوم في ردات المواكب وقايس بينها فلا زلنا نحتاج إلى تصحيح ورفع مستوى فلقد دخلت إيجابيات جديدة  وربما دخلت معها بعض سلبيات، وبعض الرواديد أدائهم يبعث على النوم والمطلوب منكم أن تحيوا النفوس. بارك الله فيكم جميعا فلكم الجميل ولكم المنُّ والكثير من الكلمات عندكم تحيي وأسلوبكم قد لا يروق للسابقين ولكنكم جيل جديد ولكم أسلوبكم.
نحتاج إلى شعراء منبر حيني تغطي حاجة الأبيات النبطية لكن بفكر جديد وحتى لو كانت أشعار عربية تأخذ طور الشعر النبطي فهذا أمر حسن ويرتفع بمستوى الطرح ومخاطبة القلب ومخاطبة الفكر والمعالجات الموضوعية الخارجية.
والكلام هنا ليست إزاحة للقديم وإحلالا للجديد مكان القديم وإنما الأخذ من القديم ما حسُنَ منه ومن الجديد ما حسُنَ منه وستكون هناك فرصة أكبر للإنتقاء ةلا شك أن الموجدين يملكون شيئا جديدا مفيدا بلا أدنى إشكال. ونفس اللغة يجب أن يرتفع مستواه بأن نقترب من العربية أفضل، على أنكم تعترفون بان مستوى الإرادة عند كل شعوبنا ارتفع بمستوى معين والفهم الموضوعي الخارجي ارتفع ومعرفة الإنسان اتسعت وعولجت قضايا معينة وتلك اختفت واستجدت قضايا ويوجد موضوعات كثيرة تعج بها الساحة الثقافية والخلقية والاجتماعية والسياسية وكل هذه الساحات لها موضواتها الجديدة ومشاكلها الجديدة ومتطلباتها الجديدة وكل هذه مهملة، فلما يأتي شعر جديد ويعمل على هذه الجانب سيغطي بعض النقص.
الأخوة الخطباء والروايد الأعزاء وشعراء المنبر الحسيني صاروا يشاركون بقوة واختاروا لأنفسهم هذا الموقع الشريف الكريم وهو موقع المشاركة والإسهام في صناعة وعي الأمة وإرادتها وسلوكها وهم اليوم لا يشاركون بقصد إدرار الدمعة فقط وحتى إدرار الدمعة ومن أجل البناء ومن أجل ربط وشد النفس إلى جبهة الحق وهذه الدمعة تحمل معنيين فيجب أن تعطى هذه البعدين وهذا من مسؤولية الذاكر المصيبة وصورة المشهد المؤلم.
الدمعة تحمل بعدين ارتباطا وانشدادا وحبا والتحاما بالحق وبرموز الحق وسخطا ونأيا وحنقا ومواجهة لجبهة الباطل وأهل الباطل هذه هي الدمعة وأرادها أهل البيت عليهم السلام  لهذين البعدين فأي دمعة خالية من هذين البعدين فلا قيمة لها، فأنا أبكي كثيرا على ولديوعلى زوجتي وعلى أمي مجرد عاطفة، قد يضربون طفلا أمامي وأريد أن أنقذه فقد تبكي لأجله وقد يكون لك ثواب عاطفة كريمة بدرجة ما.
لكن أهل البيت عليهم السلام  ليسوا محتاجين أن نذرف دموعا عليهم وإنما الدموع من أجل أن تصنع دينا والتحاما بالدين وارتباطا بجبهة الحسين عليه السلام وانفكاك عن جبهة يزيد، تبكي لأن أمة ترك الحق إلى هذا الحد فهذا هو سبب البكاء.
دور الأخوة الكرام دور يرفع من شأن صاحبه بين المؤمين ما صدق وإذا صدق هذا الدور سواء كنت رادودا أو خطيبا أو شاعر فإذا صدق مع هذا الدور كان من شأنه أن يرفعني بين المؤمنين لارتباط المؤمنين بهذا الدور ولتقديرهم لهذا الدور وليس للذات نفسها فينعكس على صاحبه.

نقطة أخيرة
وفيما يرتبط بما يعرض من مشاهد وأفلام للأطفال لتعريفهم بعاشوراء واحداثها إذا كان هناك طفل أو طفلين يتأثران من مناظر معينة فينظر إلى القيمة الإيجابية لعرض هذا المنظر فإذا كانت له قيمة إيجابية عالية أو متوسطة ومؤثرة ومربية وتثير ضد الباطل وتعطي التحاما أكثر بالحق فلنجعل هذين الطفلين في البيت وإما إذا كان هذا المنظر له تأثير نوعي يراعى الموضوع.
والحمد لله رب العالمين