عاشوراء – كلمة ليلة العاشر من محرم الحرام 1424هـ بمسجد الخواجة في المنامة
المطلوب من جماهير الأمة أن تكون حاضرةً
وعياً.. أن تكون مرهفةً حسا، أن يكون شعورها حاضراً فاعلا، وان يكون لها مقياس دقيق
يعطي انذاراً مبكراً بالنسبة للمعارك الأكثر خطراً، المعارك الخفية، معارك الثقافة
ومعارك التغيير النافذ للعقول والنفوس والارواح. معركة أمريكا.. معركة الغرب..
معركة الطغاة في كل العالم.. معركة الكفر العالمي
أعوذ بالله من الشيطان الغوي الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إنا نؤمن بك ونتوكل عليك ونستهديك ونسترشدك لا اله الا أنت، لا شريك لك أبداً…
السلام على الشهيد بكربلاء، السلام على محزوز الرأس من القفا، السلام على من علق القرآن من خلاله على القنا، السلام عليك يا أباعبدالله، يا قائد مسيرةٍ لا تنتهي، يا زعيم الأبد، يا رجل التاريخ، يا ثورة لا يقف أمامها الاستكبار، يا ملهم العزة والصمود، هذيْ الأفئدة المؤمنة لو سمعت إشارة من تلميذٍ من تلامذتك، من فقيه من فقهاء مدرستك، بأن تتقدم إلى الموت كما تقدم علي الأكبر، كما تقدم العباس، كما تقدم جون، لتقدمت إلى الموت واثقة مطمئنة، واثقة بالدرب، مطمئنة بالربح، دربك يا أباعبدالله دربٌ لا أربح منه، والشهادة تاج تبذل من أجله الأعمار، والثمن أرخص من المطلوب…
كل يوم كربلاء، كل يومٍ عاشوراء، حيث يكون حسين وحسينٌ لا يغيب وحيث يكون يزيد وللشيطان أتباعٌ وأحزاب؛ في أي موقعٍ كان الحسين، وكان يزيد لابد أن تكون كربلاء، ولابد أن يكون عاشوراء، وأي أرض تخلو من حسين؟! وأي أرض تخلو من يزيد؟! حسين يتجاوز حدود الأمة، فكل صوتٍ ينادي بالعدل كل صوتٍ ينادي بالكرامة، كل صوتٍ ينادي بالحرية في شرقٍ أو غرب هو من صوت الامام الحسين (ع)، وهو تلميذٌ من تلامذة أبي عبدالله (ع) على هذا الخط.
حين يكون حسينٌ وحده تكون الدنيا من لون، وحين يكون يزيدٌ وحده تكون الدنيا من لونٍ آخر، الدنيا مصنوعةً من الإمام الحسين (ع) دنيا رخاء، دنيا سلام، دنيا هداية، دنيا تقوى، دنيا أخلاق، دنيا عزة وكرامة وشموخ، دنيا مزرعة للآخرة، أما حيث تكون الدنيا من صنع يزيد فهي شقاءٌ ينتج الشقاء وهي اضطراب وقلق وطبقية ومأساة وانقسام، انقسام يصل حتى النفس الواحدة، وفوضى ومواجهاتٌ ساخنة، وسرقات، واغتيالات، وعنف، وارهاب مستكبرٍ، بالنسبة إلى مستضعف الدنيا من صناعة يزيد القبر خير منها، والدنيا من صناعة الإمام الحسين (ع) دنيا المحراب ودنيا الذكر ودنيا الصلاة، جنةٍ من أرقى ما في الجنة..
كل ارضٍ كربلاء، كل يومٍ عاشوراء؛ معارك متنوعة؛ معركة عسكرية في هذه الأرض أو في تلك الأرض، معركة ثقافية في أرض، معركة اقتصادية في أرضٍ أخرى؛ أنواع من المعارك قد تجتمع وقد تتفرق ولكن لا يمكن أن تخلو منها الدنيا حين لا تكون الأمور بيد الحسين (ع). حين يكون الحسين (ع) ومن موقعه الشعبي تكون المواجهة، وتكون الحركة، ويكون الصدام حتى يُنتهى إلى الحق وموت الباطل، وحيث يكون الحسين وحده ويكون قراره هو النافذ تكون الدنيا بتلك الصورة الرائعة الراقية، وحيث يكون يزيد وحده وبيده الأمور وله الطاعة تكون الدنيا شقاءً ومقدِّمة لشقاء الأبد. المعركة متنوعة وبعض المعارك تلتف إليها الجماهير، وبعض المعارك يمكن أن تخفى على الجماهير، والمعارك التي لا تظهر للعيان أخطر على مستقبل الأمة والإنسان والدين من معركة مكشوفة. الآن تتحفز المشاعر، الآن تغلى النفوس، الآن يتوق الناس للشهادة لأن هناك قرعَ طبولٍ للحرب. هذه الحرب المكشوفة تستثير ملايين الناس، تحشد همم الناس على طريق المواجهة، أما المعركة غير المرئية كالمعركة الثقافية، الغزو السلوكي، الغزو الفكري، الغزو المفاهيمي، الغزو الذي يحول العادات بصورة غير مرئية، هذا الغزو لا يواجه إلا من النخب… من النخب الأكثر وعياً… من النخب الأشد إصراراً على متابعة الساحة وقرائتها قراءةً مبكرة، العيون التي تكتشف مخاطر المعارك الهادئة غير المكشوفه عيونٌ قليلة وبصائر قليلة، أما الحرب المكشوفة فلا يحتاج التعرف عليها إلى عناء.
المطلوب من جماهير الأمة أن تكون حاضرةً وعياً.. أن تكون مرهفةً حسا، أن يكون شعورها حاضراً فاعلا، وان يكون لها مقياس دقيق يعطي انذاراً مبكراً بالنسبة للمعارك الأكثر خطراً، المعارك الخفية، معارك الثقافة ومعارك التغيير النافذ للعقول والنفوس والارواح. معركة أمريكا… معركة الغرب… معركة الطغاة في كل العالم…. معركة الكفر العالمي، معركة يوميةٌ مع كل من يحاول ان يجد موطئ قدمٍ على درب الاستقامة، معركةُ مستمرة طوال الوقت تواجهك بالكلمة المسمومة، بالمشهد المسموم، بالفكرة المسمومة، بالتقليد الجديد الذي يسلخك عن هويتك، تواجهك بهذا وتصب على رأسك وفي روحك كلَّ ضر وخبُث أربعاً وعشرين ساعة… عليك أنت وولدك وبنتك وأخيك الصغير، وفي الأغلب لا يلتفت ملايين الناس إلى مثل هذه المعركة، وما المعارك الدموية العسكرية إلا مقدمة لتهيئ لمعارك أكبر وهي من النوع الفكري والثقافي والروحي.
أيها الأخوة الكرام.. لا تعادوا أمريكا يوما وتصالوحها دهرا، ونحن نفعل ذلك… نحن نعادي امريكا يومَ أن تشهر أمامنا السيف، ويوم ان تتحدانا بالقنبلة، أما يوم أن تصدِّر لنا أفكارها الساقطة وأخلاقياتها المهترئة فنحن نفتح باعنا نستقبلها بكل سرورٍ وبكل ترحيب. انه موقفٌ خطأ، انه موقفٌ ساذج، انه موقفٌ أبله، من المؤسف إن ترتكبه الأمة، وان تقع في مستنقعة.. نريد مواجهةً دائماً مستمرةً لأمريكا.
مقاطعة سلع، مقاطعة فكر، مقاطعة تقاليد، مقاطعة موضات، إنه عدو لا يصدر لك إلا السيئ المكشوف، أو السيئ المبطن، فاحذر أمريكا، احذر اسرائيل، تكن أقرب إلى خط الحسين الأمين النظيف الصادق.
كربلاء، عاشوراء، قادة كربلاء، إمام كربلاء، إمام عاشوراء، الحسين من جهة ويزيد من جهة، مسألة تاريخية مستمرة. الكفر يقاتل، والإيمان يقاتل، الكفر يخوض معركته مع الإيمان، والايمان يخوض معركته مع الكفر، لكن المختلف هو منطلق المعركة. منطلق المعركة عند الكفر أن يتمتعوا كما تتمتع الأنعام، وإنْ تُحرق الأرض، وإنْ يُحرق الإنسان، ومنطلق المعركة عند الإيمان أن تحيا الأرضَ، أن يحيَا الإنسان وإن كان الثمن أغلى رأس… رأس الحسين (ع). هذا هو الفرق الجوهري، والمعركة مستمرة، ولو ساد الإيمان، وكانت الأمة المسلمة موقعها المادي هو موقع أمريكا، وكانت الأمة الأولى في الأرض عسكرياً واقتصادياً، لبقيت معركة الإيمان والكفر، ولكن القيادة الإيمانية كما تخوض المعركة من موقعها الشعبي من منطلق إحياء الأرض والإنسان تبقى على منطلقها الكريم البناء، وهي في أعلى درجات القوة، وأعلى درجات السيطرة. لم يتغير خط رسول الله (ص) بين يوميه، بين يوم فقرهِ ويوم غناه… يوم ضعفه ويوم قوته… يوم أن كان الطريد ويوم ان كان الحاكم، لقد استمسك بالحق لا يغادره أي لحظة من لحظات العمر. لو كانت أمريكا مؤمنة لكانت أيضاً تواجه، لكنها تواجه الانحراف، وتواجه الظلم وتواجه الطبقية، وتواجه عبودية الإنسان للإنسان، أما أمريكا بأخلاقيتها النفعية فهي إنما تواجه الإيمان، تواجه الصحوة، وتواجه العزة والكرامة، وتواجه روح الشموخ، وتواجه روح الحرية ولا تسعى في الأرض إلا فسادا.
إننا نقدم على معركة أمة وليس على معركةٍ خاصةٍ بالعراق، الرأس المطلوب في المعركة لأمريكا هو رأس الأمة، قرانها، كعبتها، فقهاؤها، رموزها الفاعلة. مطلوب أمريكا ليس الأرض فقط، وليس الثروة النفطية، ولا الثروة الزراعية، ولا الموقع الاستراتيجي فقط، كل ذالك من أجل أن تكون أمريكا هي الإله من غير حقٍّ وهي الشيطان الأكبر بدرجةٍ اكبر، ولتنهي كلمة الله في الارض، “يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ” 32/ التوبة وإذا كانت المعركة معركة أمة، فجماهير الأمة لا يمكن عزلها وتعطيل دورها، ومن الحرام بيّن الحرمة أن يُعطل دور جماهير الأمة، وان يزج أصحاب المظاهرات والمسيراتِ في السجون.. وان تواجههم الأنظمة حتى بالرصاص الحي في بعض البلدان والحالات.
أيها الأخوة الكرام القضية قضية أمة، والأمة في جماهيرها العريضة قد عطل دورها القتالي منذ بعيد، وسلبت الروح القتالية، وروح المواجهة الصارمة، لو لا كلمة الحسين (ع)، وروحه الجهادية التي هي من روح رسول الله، من روح امير المؤمنين (ع) ومن عطاء الكتاب الكريم. وحين نتحدث عن روح الحسين (ع)، فإنما هي قبسة من روح جده الاعظم (ص).
بمواكبكم، بحسينياتكم، بمساجد الأمة، بمدارسها الأمينة، تبقى روح النضال، وتبقى روح العزة، وتبقى روح التضحية، ولا يمكن في أي عصرٍ من العصور ولا في أي لحظة من اللحظات أن يضحى بروح التضحية. يجب الحفاظ على روح التضحية وعلى روح الفداء في كل اللحظات، فإنه حين تموت روح التضحية تكون الأمة قد ماتت. لا نرضى أبدا أن تموت في نفوس الشباب، وفي نفوس الأجيال روح العزة والكرامة، وروح الانتماء الأصيل، وروح التضحية من أجل المبدأ على خط الإمام الحسين(ع).
ونحن – أعني جماهير الأمة الإسلامية في أكثرها – بحسب واقعنا الفعلي لا نجيد أن نحمل السلاح، ولم نتوفر من خلال التربيات الرسمية العامة في الأمه على روح المواجهة القتالية الفعلية، لكن يبقى للأمة دورٌ آخر في المواجهة، سعياً لامتلاك القدرةِ الفعلية على المواجهة في كل الميادين. تمتلكون الآن روح المواجهة الثقافية، روح المواجهة الفكرية، روح العناد والمكابرة لكل ما هو أمريكيٌّ ضار، ولكل ما هو مستورد مغلّف بالألوان الزاهية، ومغلف بالعناوين الراقية من فكر أمريكا ومن تقاليد أمريكا وعادات أمريكا. إنّكم لو انهزمتم عسكريّاً و صمدتم ثقافيّاً واستطعتم تحقيق الغلبة على أمريكا في المجال الثقافي لسقط الهدف، هدف الهجوم العسكري على الأمّة. وهذه معركة مفتوحة، معركةُ المواجهة الثقافيّة معركة مفتوحة، العجوز فيها جنديّ، والصبي فيها جندي والشاب فيها جندي والشابة فيها جندي. إذا كانت المعركة العسكريّة لا يخوضها بكفاءة إلا الشاب المفتول العضل، المدرّب على السلاح، فإنّ المعركة الثقافيّة يستطيع أن يخوضها كل أبناء الأمّة، وكل بنات الأمّة، وهذه المسيرات، وهذه الاحتجاجات لونٌ من المواجهة، ولونٌ من إسقاط الهدف الأمريكي.
الدنيا اليوم تتظاهر لتسفِّه فكر أمريكا، و لتسقط شخصيّة بوش من خلال إسقاط فكرته، ومن خلال إسقاط قيمة نواياه، ومن خلال إسقاط مشروعه. حين يسقط مشروع بوش في العقول والأفئدة – ولو من خلال المظاهرة – فإنّ هذا يعني سقوط، الخطّ الماديّ، خطّ الطغيان، خطّ الاستكبار، خطّ الظلم، ونحن نستطيع أن نسهم كثيراً في إسقاط خطّ الظلم وخطّ الفساد في الأرض من خلال هذه الصرخات، ومن خلال هذه النداءات، ومن خلال هذه المواجهات.
يا جماهير أمتنا المؤمنة، يا سنّة يا شيعة، يا مسلم في كلِّ مكان، يا مسلم في كلِّ زاوية، واجهوا أمريكا بوعي الحسين (ع)، بصموده، بإرادته، بروحه التضحويّة، بعناده، بصبره، بإصراره، واجهوا المشروع الأمريكيّ الغازي للأمّة بكلكم، بكل مشاعركم، بكلِّ ما تستطيعون. يا جماهير أمتنا المؤمنة، لا يمكن الاستسلام للغزو، لا يمكن الاستكانة أمام من يريد أن يذبح الأمّة.
نداءٌ من الحسين (ع)؛ قولوا للجيوش الغازية لن تهزموا الحسين. نداءٌ من الحسين (ع)، يقول لأمّة جدّه صلى الله عليه وآله كلها قولوا للجيوش الغازية (لن تهزموا الحسين)، قولوا لهم من خلال وعيكم، من خلال صمودكم، من خلال عزيمتكم، من خلال معركةٍ طويلة الأمد مع الجيوش الأمريكيّة المهاجمة، و مع الثقافة الأمريكيّة، ومع كلَّ مستوردٍ أمريكيّ.
قولوا لهم لن تقتلوا الإباء، لن تطفئوا الهدى، لن نستكين، لا نقلّد ولا نميع، سننتصر للإسلام، وسننتصر به.
قولوا للدنيا لسنا مع النظام العراقيّ الذي قتل الفقهاء والعلماء، والذي يتَّم مئات الألوف، وشرّد الملايين وطغى وظلم، وقولوا للدنيا لسنا مع الظالمين الأمريكان، ولسنا من الظالمين من أوروبّا، لسنا مع هذه الحرب العدوانيّة التي لا تستهدف النظام العراقيّ، إنّما تستهدف مزيداً من الإذلال للشعب العراقيّ وسحقه واستنزاف خيراته، وتستهدف في الأخير رأس الأمّة… كتاب ربّها وسنّة نبيّها (ص). قولوا نحن مع الحق، نحن ضدّ أيّ ظلم. وإنكم سينتصر بكم الإسلام حين يكون نفسكم طويلا، وحين لا تفترون أبداً عن طلب مزيدٍ من الوعي، ومن الثقافة الإسلاميّة، والالتصاق بالقرآن والإنشداد إلى محمّد، إلى عليّ، إلى فاطمة، إلى الحسن، إلى الحسين (ع) وإلى الرموز الإسلامية على خط محمد عليه وآله السلام.
وغفر الله لي ولكم والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته.