لقاء خاص بالطليعة: السيد المشعل يتذكر لحظات اسقاط جنسية آية الله قاسم وملحمة الفداء
لقاء أعدته نشرة الطليعة مع سماحة السيد مجيد المشعل حفظه الله، وذلك حول ملحمة الفداء التي مثلت ردّة فعل الناس بعد اسقاط جنسية سماحة آية الله قاسم، وجاءت كالتالي:
سماحة السيد حفظكم الله تعالى.
يسرنا في نشرة الطليعة الإسلامية أن نجري معكم هذا اللقاء، وذلك في اطار توثيق مرحلة انتفاضة الفداء، والتي كنتم فيها سنداً وعضداً وعموداً، حيث تعرضتم للاعتقال على اثرها، وضحيتم وقدّمتم من وقتكم وجهدكم وعلمكم من أجل حماية المذهب ورمزه الكبير سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم، لذا يُشرّفنا أن تجيبونا على هذه الأسئلة التي ستنشر في ذكرى الهجوم الغادر الفاجر في شهر مايو القادم.
١- بدايةً سماحة السيد، كيف كانت البداية، كيف استقبلتم خبر اسقاط جنسية آية الله قاسم؟
ج1- كانت صلاتي – صلاة الظهرين – ذلك اليوم في المقشع، وبعد الصلاة ذهبت للقاء بعض الإخوة من العلماء في جلسة معدّة مسبقاً. ونحن في بداية الجلسة وصلنا اتصال بالخبر “الصاعقة”، فانفضّت الجلسة وقرّرنا الذهاب للدراز عند منزل سماحة آية الشيخ عيسى أحمد قاسم “حفظه الله وأيّده” للتضامن معه. وكانت تلك بداية اعتصامنا مع المؤمنين عند منزل سماحة الشيخ القائد حتّى يوم اعتقالي.
٢- في ذلك اليوم، ألقيتم كلمة ثورية أمام منزل سماحة الشيخ، وقلتم فيها “لا أريد عباءة، أريد كفناً، لا نريد الحياة، لا نريد وطناً من دون عيسى قاسم”، كيف تتذكر ذلك الآن؟ وكيف انطلقت هذه الكلمة التي يبدو أنها تخرج من حرارة الضمير؟
ج2- نعم، كانت لحظات عصيبة ومليئة بالمشاعر الملتهبة، وكانت الكلمات حينها تعبّر عن مستوى الصدمة، ومستوى الانزعاج من ذلك القرار ، بحيث يصعب تصوّره فضلاً عن القبول به، وكان الوضع يتطلّب مثل ذلك الموقف حسب تشخيصي.
٣- في ذلك اليوم أيضاً، طلبتم من الجماهير الانصراف من المكان بناءً على رغبة سماحة الشيخ حفظه الله، ما هي تفاصيل هذا الطلب، وكيف كلّفكم سماحته بنقل طلبه إلى الجماهير؟.
ج3- كانت تلك رغبة وطلب سماحة الشيخ، وكان دوري مجرد نقل هذه الرغبة والطلب للجماهير المحتشدة هناك. وجاء ذلك بعد تداول الإخوة – دون حضور سماحة الشيخ – حول إدارة الاحتشاد الجماهيري العفوي الذي حصل يومها عند منزل سماحة الشيخ، ثمّ لمّا جاء سماحته كان قراره دعوة الجماهير المؤمنة للتفرّق، بعد شكرهم على عواطفهم الصادقة. وكُلِّفتُ بنقل ذلك للجماهير المحتشدة عند المنزل. ولكن كما تعرفون رفضت الجماهير الاستجابة لهذا الطلب.
٤- كان تدفق الجماهير إلى ساحة الفداء يمثّل رسالة قوية غير متوقّعة في ظلّ الأجواء الأمنية القاسية التي كانت تعيشها البلاد، كيف كنتم تقرؤون انتفاضة الشارع العفوية الفدائية؟.
ج4- كانت الصدمة كبيرة، وما كان الشخص يستطيع أن يبقى في منزله، فلم تجد الجماهير سبيلاً للتعبير عن انزعاجها من هذا القرار إلّا بالتواجد عند منزل سماحة الشيخ “حفظه الله وأيّده”. فكان الاحتشاد عند منزل سماحته هو الموقف الأولي الذي يخطر على ذهن كلّ مؤمن غيور . فهبّت الجماهير من كلّ أنحاء البلد لموقع منزل سماحة الشيخ من وحي الصدمة والانزعاج من ذلك القرار المشؤوم، وغصّ المكان بالجماهير المؤمنة رجالاً ونساءً، شيوخاً وشباباً وصغاراً، من مختلف فئات المجتمع، وكان للعلماء حضورهم البارز في ذلك اليوم. وكان الاحتشاد والتفاعل والحراك بمثابة الانتفاضة الثانية، والدوّار الثاني.
5- متى تم استدعاء سماحتكم من قبل الجهات الأمنية؟ ولماذا بقيت معتصماً في ساحة الفداء؟ وكيف تم اعتقالك؟
ج5- وُجِّهت لي عدّة استدعاءات للمنزل، إلّا أنّني ما كنت أذهب للمنزل، ولم أخرج للمنزل إلّا مرتّين خلال 45 يوماً الذي كنت فيها في الساحة، لأنّني كنت أخاف أن لا أوفّق للدخول للدراز بسبب الحصار المحكم على جميع المنافذ، هذا من جهة، ومن جهة أخرى كنت أتجاهل ما أسمعه عن تلك الاستدعاءات.
وفي يوم اعتقالي كان مقرّراً أن يلتقي جمع من العلماء للتداول خارج الدراز وكنت ضمن المدعوين لهذا الاجتماع، وكان موعد الاجتماع الساعة التاسعة صباحاً، فقرّرت بعد صلاة الصبح أن أخرج للمنزل، ثمّ من هناك أذهب للاجتماع، وبعد الاجتماع أرجع للدراز ، وفعلاً خرجت مع أحد الإخوة في سيارته للمنزل، وكان ذلك في حدود الساعة 7 صباحاً، وما أن دخلت المنزل وأردت أن أستلقي قليلاً حتى سمعنا الباب تتطرق بقوّة، فخرج ابني وإذا بالقوات تحيط بالمنزل من كلّ الجهات، والسيارات الأمنيّة والمدنيّة منتشرة أمام المنزل، فسألوه عنّي فأجاب بأنّه في المنزل، فطلبوا منه أن يخبرني بالخروج لهم، فخرجت لابساً الثوب، فلمّا رأوني طلبوا منّي اصطحابهم، فقلت لهم سأدخل لألبس ملابسى، فأرادوا الدخول معي فطلبت منهم عدم الدخول وأنّي سآتي سريعاً ولا داعي لدخول المنزل، فقبلوا ذلك.
على كلّ حال؛ لبست ثيابي وخرجت لهم، وأركبوني في سيارة شخصيّة مع بعض الأشخاص المدنيين، والكامرة كانت تصوّر من حين خروجي لهم.
وأخذوني لشرطة البديّع وأجروا معي تحقيقاً مختصراً، ثمّ أخذوني لمركز شرطة دوار 17 وبقيتُ هناك شهراً كاملاً، وتمّ التحقيق معي هناك عدّة مرّات، كما كانوا يأخذوني للنيابة والمحكمة بين فترة وأخرى، حتى حكم عليّ في قضيّةٍ بسنتين، وفي أخرى بسنة واحدة، ثمّ في الاستئناف خُفِّفت السنة لستّة أشهر، وأصبح مجموعة الحكم سنتين ونصف، وقد قضيتها.
6- حدّثنا عن تجربة السجن؟ وما هي مشاعرك وأنت رهن الاعتقال تجاه ما يجري في الخارج؟ وكيف استقبلتم خبر الهجوم على ساحة الفداء؟
ج6- تجربة السجن تجربة قاسية من جهة؛ حيث الحرمان والتضييق.. ومفيدة من جهة أخرى؛ حيث اللقاء بالشباب والعيش معهم ومشاركتهم في محنتهم، والسعي للقيام بدور تعليمي وتثقيفي في صفوف السجناء، إضافة لبعض الفوائد الروحيّة والمعنويّة وغيرها.
على كلّ حال؛ الاعتقال والسجن أصبح خاصّة الشعب البحريني، فقد عاشه أكثر الشعب بنحوٍ أو آخر، فقد عشناه وجداناً معهم لمدّة من الزمن.
كنّا نتابع أوضاع وأخبار ساحة الفداء، والساحة بصورة عامّة، من خلال الأخبار التي يحصل عليها السجناء من خلال الزيارات.
أمّا بالنسبة لخبر الهجوم على ساحة الفداء فقد سمعناه من تلفزيون البحرين، وكان وقعه على نفوسنا شديداً جدّاً، فما كان منّي وبعض الإخوة إلّا أن رفعنا أصواتنا بالتكبير والشعارات المندّدة والرافضة، فأُخذنا للانفرادي لمدّة أسبوع في وضع مزري جدّاً.
7- سيدنا الكريم، دعنا نعود إلى نقطة البداية، ماذا كان يمثل اعتصام الفداء؟ ماهي قراءة العلماء للحدث؟ وهل ما حصل أمام منزل سماحة الشيخ أفرغ الذمة أمام الله والتاريخ؟
ج7- في الحقيقة إنّ اعتصام ساحة الفداء كان موقفاً ضروريّاً لا بديل عنه، وتكليفاً شرعيّاً لا يجوز التخلّف عنه، لأنّه دفاع عن حيثيّة الطائفة، وعن رمزها الأكبر في البحرين، بل هو دفاع عن الشعبّ وحقوقه الطبيعيّة في العيش بكرامة في وطنه.
أمّا أنّ ما حصل من الجماهير المؤمنة في ساحة الفداء هل كان مبرئاً للذمّة أمام الله تعالى، فهذا ما لا يمكن تشخيصة والجزم به، غاية ما يمكن أن نقوله أنّ الجماهير المؤمنة التي رابطت هناك التزمت بوظيفتها الشرعيّة، وندعوا الله تعالى أن يتقبّل منهم جهودهم، ويشكر مساعيهم، ويرحم الشهداء، ويفكّ الأسرى والمعتقلين، إنّه نِعمَ المولى ونِعمَ النصير.
8- كانت البرقيات والاتصالات والبيانات من قبل المرجعيات الدينية والفقهاء والعلماء والحركات الإسلامية تتوالى في التنديد باستهداف سماحة الشيخ، كيف كنتم تقرؤون هذا المشهد ومدى تأثيره؟
ج8- هذا دليل واضح على رمزيّة سماحة آية الشيخ عيسى أحمد قاسم (حفظه الله وأيّده)،
وأنّه شخصيّة كبيرة على مستوى العالم الإسلامي، وليس على مستوى البحرين فقط. وهو دليل كذلك على مستوى التعدّي والاستهداف الذي أقدمت عليه السلطة بإسقاط جنسيّة سماحة الشيخ، ومحاصرته في منزله، فالسلطة بعملها ذلك وقفت أمام كلّ تلك الوجودات الإسلاميّة الكبيرة، المعارضة لقرارها الظالم، وعبّرت عن عزلتها وانفصالها عن منطق العدل والصواب. ومن جهة أخرى مثّلت تلك البيانات والبرقيّات والاتصالات حافزاً كبيراً للجماهير المؤمنة في ساحة الفداء.
9- تعرّض سماحة الشيخ حفظه الله إلى الحصار والاقامة الجبرية، ولم يقدّم أي تنازل في مواقفه السياسية، ولم يصرّح بما يُعدّ تراجعاً عن مواقفه المبدئية، كيف تقيّمون هذا الأمر؟
ج9- سماحة الشيخ حفظه الله معروف بمواقفه المبدئيّة التي لا تتزلزل أمام مختلف الضغوط، ولا يحتاج لشهادة أحد في هذا المجال. فهو حفظه الله صاحب مدرسة في الثبات والمبدئيّة، تعلّم فيها الكثير من العلماء والجماهير المؤمنة المضحيّة، أرجو أن أكون واحداً من تلاميذ هذه المدرسة.
10- سماحة السيد، نودّ معرفة المزيد من خلفيات الأحداث وما جرى في الدائرة العلمائية، وما هي حقيقة ما جرى، لذا إذا كانت لديكم أي تفاصيل تاريخية تودون البوح بها للساحة، فذكروها هنا.
ج10- أكتفي بما تقدّم، وأظنّ أنّ الكثير من العلماء والشباب المؤمن الذين طال رباطهم في الساحة يملكون أكثر منّي تفاصيل تلك الواقعة.
وأنا استثمر الفرصة هنا لأحيّي تلك المواقف الصلبة، والتضحيات السخيّة لأجل الإسلام، ولأجل رموزه الكبيرة التي دابت فيه، وحملته وعياً وبصيرة ًومواقف، حملته نهج حيات، وربّت المجتمع عليه.
إنّ تجربة ساحة الفداء تمثّل منعطفاً في تاريخ البحرين، ومحطّة مشرقة في تاريخ شعب البحرين الذي يثبت دائماً عمق ارتباطه بالإسلام ورموزه.