خطبة الجمعة (117) 26 ربيع الثاني 1424هـ – 27 يونيو 2003م

مواضيع الخطبة:

الأمانة (3) – تخطيط استكباري
– الساحة المحلية وشيء من أحّد مشاكلها

 

ولا يؤسفك في هذا
المجال كما يؤسفك موقف إسلاميين لا يظن بهم المرء إلا خيراً، وهم يساعدون على
العملية التقنينية التي لا تعني الدور الصياغي للأحكام الشرعية، وإنما التصويت على
الحكم الشرعي ولا غيره، وتفتح الباب على مصراعيه لأن يحل ما هو غير شرعي محل الشرعي
إن لم يكن اليوم فغدا، وليس الغد البعيد.

 

الخطبة الأولى

الحمد لله العليَّ الأعلى، الأعزِّ الأجل الأكرم، خالق النعم، ودافع النقم، نورِ المستوحشين في الظلم، العالم الذي لا يُعلَّم. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خالق المخلوقين، ورب المربوبين، ورازق المرزوقين، ومالك الأولين والآخرين. وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله هدى السائرين، ودليلُ العابدين، ورحمة الله للعالمين. صلى الله عليه وآله الطاهرين.

عباد الله علينا بتقوى الله ومجاهدة النفس على الحقِّ، ومعاندتها في ما اشتهته من الباطل، فإن الحقّ ثقيل ولا تكاد تصبر عليه أكثر النفوس، وإن كان في عواقبه مريئا، وإن الباطل خفيف تهش إليه أكثر النفوس وإن كان في عواقبه وبيلا. وليس صبر النفس على حقٍّ رُبّيت عليه يعني أنها صبورة على الحقّ في كل الموارد، وليست صلابتها عن باطل صامت عنه تعني أنها صُلبة أمام كل باطل. ومن الامتحان ما يأتي على النفس مرة فيتعاظمها، وما كانت تتعاظمها الامتحانات الكثيرة، وقد يصرعها، وما كانت لتُصرعَ من امتحان قبل في كل الحياة. وقانا الله من زلة القدم، وسوء المنقلب، وصرعة الهوى، وخسران المصير. اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، وأعنّا على أنفسنا يا كريم يا رحيم.
أما بعد أيها الإخوة والأخوات في الإيمان فالحديث لا زال في الأمانة والخيانة:

أرجع أوّلاً لتتمة الحديث تحت عنوان “دين كذب” وهو عنوان تحدثت عنه في الأسبوع السابق.
1. هنا صورتان:

الصورة الأولى:} لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ {مقولة قالها اليهود وهي من القول الكذب على الله. فقد نسبوها لله كذباً، وقالوا بأن الله لم يجعل عليهم في الأميين من سبيل.

الصورة الثانية:} بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ {وفي نصٍّ آخر قرآني } وَالَّذِينَ هُمْ ِلأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ{(1) وذلك في وصف المؤمنين.
وفي حديث:”ثلاث لم يجعل الله عز وجل لأحد فيهن رخصة: أداء الأمانة إلى البرِّ والفاجر، والوفاء بالعهد للبر والفاجر، وبرُّ الوالدين برّين كانا أو فاجرين”.

2. التحريف خيانة كبرى:
نحن نعرف أن الدين المتنزل من عند الله صادق لا كاذب. كما نعرف أن ما ينسب إليه سبحانه أكثر من دين؛ اليهودية، النصرانية، الإسلام وغيرها تُنسب أديانا إلى الله عز وجل.

من جهة أخرى التحريف لكتاب الله، ولدين تنزل من عند الله يُخرجه عن صورته الإلهية، ويشوبه بالدخيل البشري، فتمتزج في هذا الدين الحقيقة والباطل، ولا يعود دين اختلط الحق فيه بالباطل البشري صالحا لأن يُتعبّد به، وهذا التحريف في الدين هو من أكبر الخيانات خطراً وأشدها جرأة، فليس من جرأة بعد الجرأة على الله سبحانه، وليس من زور أخبث من زور يُنسب إلى الله عز وجل، وليس من خيانة أكبر من أن يُضلل العباد باسم الله، وأن تُعمّى خريطة الحياة، ومسارها القويم، وصراطها المستقيم على الأمم حتى تغيم في ناظرها والحقيقة، فلا تهتدي لصلاحها سبيلاً.

كيف نميز بين دين ودين؟ وهل نحن محتاجون في التمييز بين الأديان إلى دراسة كل دين دراسة تفصيلية مستوعبة حتى نقارن بين كل جزئية في هذا الدين وكل جزئية أخرى في الدين الآخر؟ الطريق أقصر من كل ذلك. خذ من كليات الدين وأساساته الثابتة عند أهله بعضا، واعرضها على كتاب في صدرك أصيل، وهو كتاب الفطرة، فإن وجدت من دين ولو كلية واحدة ثابتة عند أهل ذلك الدين، مخالفة لما كتبه الله عز وجل من الحق والنور والضياء في صدرك فاطرح ذلك الدين.

فاجعل ميزانك الفطرة: والمعني بالفطرة بديهيات العقل، وليس واضحات تفكيرك الشخصي، إنما المعني بديهيات العقل النوعي عند الإنسان. هناك بديهيات عقلية نوعية ترتبط بنوع الإنسان، وتحتضنها فطرته الإنسانية، ويملك العقل البشري بها يقينا تاما وإن كان غير مفلسف وهذه من الفطرة. اعرض أي دين على ميزان الفطرة من بديهيات العقل ومن وجدانيات الضمير العام، وليس الضمير المحلي، وليس الضمير الوقتي، وليس الضمير القومي – إن صح التعبير – ، فإنّما ما يمثل ميزاناً حقا هي الوجدانات التي غرسها الله سبحانه وتعالى في فطرتك. غرس في فطرتك الميل إلى الصدق، الميل إلى العدل، الميل إلى الأمانة، فإن وجدت دينا يتناقض مع العدل، ويرّدهُ، ويوافق على الخيانة، ويؤسس للكذب فهو ليس بالدين المتنزل من عند الله سبحانه، ولو راجعتم كتب اليهودية والنصرانية لأراحتكم نظرة أولية، وأعطتكم حكماً سريعاً بأن الديانتين تعرضتا للتحريف.

والآن مع بعض العناوين الأخرى في موضوع الأمانة:

مسؤولية مؤتَمَن ومؤتَمِن:-
كما يتحمل المؤتَمَن مسؤولية يتحمل المؤتمِن مسؤولية. الذي تعطيه الأمانة يتحمل مسؤولية الحفاظ عليها وردها، وأنت الذي تودع الأمانة تتحمل مسؤولية أخرى.

اقرأوا معي:

“من ائتمن غير مؤمن فلا حجة له على الله عز وجل”.
والمعني حجة الاعتذار. يعني لا عذر له عند الله سبحانه وتعالى و}لِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَة {. ومن انتفى عذره كان مستحقاً للعقوبة ولو بضياع أمانته.

وغير المؤمن قد يؤدي الأمانة، ومن ظننته مؤمناً قد يخونها. ونقرأ لهذا ما عن أمير المؤمنين علي (ع):”لربما خان النصيح المؤتَمَن، ونصح المستخان” وهذا يحتمل معنيين: إما أن نصيحك المؤتمن ليس بنصيح في الواقع، وأن من استخنته بحسب ظاهر علمك هو المؤتمن الحق، وتحتمل الكلمة معنى آخر أيضا هو أن النصيح المؤتمن قد يمر به طائف من الشيطان، وهو ممن لم يصل إلى حد التذكر السريع لله عز وجل فيُغلب لحظة، فيخون، وأن الخائن الذي اعتدت منه الخيانة قد يستيقظ له ضمير، وإذا استيقظ ضميره ورجع إلى فطرته أو تذكر شيئا من دينه كان الأمين(2).

“من عرف من عبد من عبيد الله كذباً إذا حدّث، وخيانة إذا ائتُمن، ثم ائتمنه على أمانة الله، كان حقاً على الله عز وجل أن يبتليه فيها، ثم لا يخلفَ عليه، ولا يأجره”.

إذا ائتمنت أميناً بحسب ما ظهر لك، وحدث أن خانك فأنت معوّض من الله دنيا أو آخرة، وأنت مأجور على هذه المصيبة التي لم تتعمدها لنفسك، أما لو ائتمنته وهو خائن فيما تراه فأنت مضيّع لمالك، ومفقرة لك لو لم تعاقب على هذا التضييع، أما الأجر فلا.
وفي حديث آخر “من ائتمن شارب الخمر على الله أمانة بعد علمه، فليس له على الله ضمان ولا أجر ولا خلف”.

إذاً قد يكون الإنسان مؤمناً على مستوى الشهادتين، ولكنه ليس بالمؤتمن لأنه ليس المؤمن الحق، فالمؤمَن الحق من التزم وظائف الشهادتين وأدى حقهما، أما من نطق بالشهادتين وخالف كثيراً من مقتضاهما فإسلامه مقبول دنيا وحسابه يلقاه في الآخرة.

وحديث ” من عرف من عبد…..” يعطي أن نعمك أمانات الله عندك، وليس لك أن تتصرف في هذه الأمانات إلا بإذن مالكها، ومن ذلك أن لا يكون تصرفك بوضع الأمانة في غير موضعها، فليس لك أن تضع شيئاً من أمانات الله عندك إلا في يد أمينة يرتضيها الله. أتقول أن هذا مالي وأضعه أمانة حيث أشاء؟ أتقول هذا عرضي وأضعه أمانة حيث أشاء؟ أنت واهم، فالمال ليس مالك، والعرض ليس ملكك، وكل شيء لله وحده، وأنت إنما تتصرف بإذن من الله في هذه الأموال والنعم والأمانات، وإن خرج تصرفك عن إذن الله كان تصرفك عدواناً. والعدوان صاحبه معاقب عليه. والله عز وجل لا يرضى لأحد أن يأتمن من ليس بمؤتمن في دينه.

ومسؤولية الأمانات العامة أكبر. تقول الكلمة عن أحدهم عليهم السلام “إن أعظم الخيانة خيانة الأمة، وأفظع الغش غش الأئمة”. الغشُّ للإمام الحق أفحش الغش، والإمامُ الباطل حيث يَغشُّ فغشه أفحش غش، والكلمة تحتمل المعنيين. “إن أعظم الخيانة خيانة الأمة،…” هناك أمور ليست لك، لا تخصك وحدك كل شيء لله، وهناك أمور خصك الله بها بعض تخصيص، وإن كان كل ما تحت يدك مما هو لله عز وجل له أثر على الأمة، إذ التصرف فيه بحكمة وشرعيّة يعطي أثرا كريما، التصرف فيه بسفهٍ وبباطل يعطي أثرا ضارا.

وهناك أمور ذات طبيعة عامة تتصل بكيان الأمة مباشرة كما هي قضية الحكم، ومسؤولية الأمانات العامة أكبر، ومن هذه الأمانات وبصورة مختصرة أمانة التعيين، وكذلك أمانة الانتخاب للمواقع العامة، وإن كانت على مستوى جمعية، أو صندوق خيري، فضلا عن الانتخابات للمجالس العامة وللحكومات. أنت بصوتك الانتخابي إما أن تنحر الأمة وإما أن تضعها على الصراط، فهذه الأمانة ليست أمانة شخصية خاصة بك، وإنما هي أمانة أمة، وتفريطك بأمانتك يحمّلك مسؤولية كبيرة، أما تفريطك بأمانة الأمة فمسؤولية تتحملها من وراء ذلك تتجاوز سابقتها بما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى أثراً كبيراً وجزاءً وفيرا كريما أو لئيماً. فمن لؤم جاء جزاؤه لئيما بالنسبة إليه، عدلاً من الله الذي لا يظلم أحداً، ومن كرُم جاء جزاؤه كريما من الله وبالإضافة إليه.

وأمانة الأولاد، وهي أمانة جيل أمانة أخرى ثقيلة، يُلقي ثقلها على كواهل الجميع طوال العطلة الصيفية وطوال العام أن يستيقظوا لأهمية أمانة هذه النفوس، والعقول، والقلوب.

فاختاروا ماذا يُلقى فيها، ماذا يُغرس فيها؟ أتريد ولدك للجنة أو للنار؟ اختر مربّيه لهذه أو تلك فإن اخترت له النار فللنار مربيها، وإن اخترت له الجنة فاللجنة مربيها.

خلقان لا يستويان:-

“إذا قويت الأمانة كثر الصدق” والتفسير لأن “الأمانة والوفاء صدق الأفعال” كما في الحديث. الأمانة ضرب من الصدق. هناك صدق في القول وصدق في الفعل، والأمانة صدق في الفعل ومن كان صادقا في فعله، كان الأولى أن يكون صادقا في قوله. “الأمانة تجر الرزق، والخيانة تجر الفقر” وهذا له فلسفته الظاهرة وفيه غيب، أما فلسفته الظاهرة فإن الأمين يوثق به فإذا كان من أهل التجارة أعانته ثقة الناس على رواج تجارته، وعلى التعامل الواسع معه تعاملا مربحا.

والخيانة تسقط صاحبها تجارياً، والخيانة تكذِّب من الفقير فقره، ولأنه لا يؤتمن على مال حتى لو كان في موقع الفقر لا تنعطف حوله القلوب الانعطاف الكافي، وهناك أمر غيب، }وما أوتيتم من العلم إلا قليلا{ هناك علاقة بين الأمانة والرزق، والخيانة والفقر وهي علاقة جزائية قوانينها الغيبية بيد الله سبحانه وتعالى كما هو حال قوانينها المكشوفة.

“إذا ظهرت الخيانات ارتفعت البركات” والدنيا ليست فقيرة، وانتفاء البركات من انتشار الخيانات، والخيانات ضاربة في الأرض من أكبر رأس فما تحت على مستوى المسؤولين في بلدان العالم اليوم إلاَّ ما ندر .

اللهم صلِّ وسلِّم على محمد وآل محمد، واجعلنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات من أشد حفظة العهود، ومؤدي الأمانات، ومجتنبي الخيانات، والأوفياء بالعقود، واجعل عهدك عندنا مرعيا، ودينك فينا محفوظا، وأمانتك منا مقدَّرة، اللهم واغفر لنا ولكل مؤمن ومؤمنة، ولكل مسلم ومسلمة ولوالدينا وأرحامنا ومن كان له حق خاص علينا من أهل الإيمان والإسلام يا خير من عفا عن ذنب، وأكرم من تجاوز عن سيء يا الله يا رحمن يا رحيم.

بِاِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ
وَالْعَصْرِ، إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْر، إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ.

الخطبة الثانية

الحمد لله الحليم الكريم الذي يُمهِل، العدل القدير الذي لا يهمل، العزيز الجبار الذي يَغلِب ولا يُغلَب، ويَقهَر ولا يُقهَر، بيده أمر كل شيء، وكل شيء إليه يصير وهو العلي العظيم.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، مهتدٍ من اتبعه، ضالٌّ من تخلف عنه، هالكٌ من سلك غير جادته، ملعونٌ من ناوأه وناهض ملته.
اللهم صل وسلم على حبيبك المصطفى، وعلى آله المعصومين الشرفاء.

أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الربِّ العظيم، مالك السماوات والأرضين، الملك الحقِّ المبين، قاضي يوم الدين، وما من نفس اتّقت إلا وكان لها تقواها، وما من نفس فجرت إلا وكان عليها فجورها، وإن تحسب نفس قد فجرت أنها ربحت فهو منها وهم وضلال، ولابد أن يظهر لها وهمها بعد حين، وما أظن نفساً لها تقوى من الله يخالطها أنها خاسرة أن فقدت من أجل تقواها عابراً من شهوات الحيوان في هذه الحياة، ولن يأتي حال على نفس تتحلّى بالتقوى يؤسفها فيه ماضيها كما هو حال لحظة كانت قد خلت من هذا الزاد الكريم، العُدَّة الصالحة المنجية ألا وهي عدة التقوى.

عباد الله لا تكن أهون مصيبة عليكم مصيبةً فيها اضمحلال الدين، وضمور الحق، وضياع المعروف، وانتفاش الباطل، وظهور المنكر، وتركّز الفجور، فإنه ما ضعف الدين، ونُسي الحق، وضيع المعروف، وظهر الباطل والمنكر والفجور إلا واختلَّ أمر الدنيا، وساءت أحوالها، وتحوَّلت بكل نعمها إلى جحيم، وما هان أمر الدين على أمة إلا وهان أمرها على الله، وكانت قريبة من العذاب الأليم.
اللهم اجعلنا والمؤمنين والمؤمنات أغير على ديننا من دنيانا، وأحرص على أخرانا من أُولانا، واجعلنا ممن يدرأ مصيبة الدين وإن كان بمصيبة الدنيا، ولا تجعلنا ممن يفرُّ من مصيبة الدنيا إلى مصيبة الآخرة.

اللهم صل وسلم على عبدك الصادق الأمين، خاتم النبيين والمرسلين محمد بن عبدالله وعلى آله الطاهرين. اللهم صل وسلم على علي أمير المؤمنين، وإمام المتقين. اللهم صل وسلم على فاطمة الزهراء الهادية المهدية. اللهم صل وسلم على إمامي المسلمين، سبطي رسولك الأمين الحسن بن علي الزكي وأخيه الشهيد الحسين. اللهم صل وسلم على مصابيح الدجى، وأئمة الهدى علي بن الحسين السجاد، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري قادة الدين والدنيا.

اللهم صل وسلم على عبدك المرتقب، ووليك المنتظر، محمد بن الحسن الإمام الثاني عشر.
اللهم عجل فرجه، وسهل مخرجه، وانصره نصراً عزيزاً، وافتح له فتحاً مبيناً، ونكِّس به رايات الكفر والنفاق، وحقق به العدل في الأنفس والآفاق.

اللهم الموالي له، السائر على منهجه، الممهّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصالحين، والغيارى على الدين من المجاهدين، والعاملين في سبيلك وفقهم لمراضيك، وانصر بهم دينك، وذُد بهم عن ملَّتك واحفظهم بحفظك، ولا تحرمهم حراستك يا قوي يا عزيز، يا رحيم يا كريم.

أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات..
فإن الأمة المسلمة اليوم أمام منعطف من المنعطفات التاريخية بالغة الخطورة، وتخطيط استكباري حاسم يستهدف وجودها، ويعيش حالة من التطبيق الواسع على أرض الإسلام من أقصاها إلى أقصاها على يد ملايين من الأجهزة والتجمعات والمؤسسات التي تنتشر في كل البلاد الإسلامية لإحداث تصفية سريعة للحالة الإسلامية التي بدأت صعوداً ملحوظاً في القرن الماضي، ومواجهتها مواجهة حدَّية بكل وسائل الفساد والتخريب الفكري والأخلاقي والإرادي والاجتماعي وفي كل الأبعاد دعماً لجيوش الغزو العسكري والاحتلال المباشر الزاحف في توسُّع وازدياد على كل شبر من أرض الإسلام.

رغم كل ذلك فإن يقيننا أن الأمة لن تموت، وأن الدولة العالمية القادمة هي دولتها، وسيكون هذا التحدي المصيري باعثاً جادَّاً من بواعث نهضتها، وشعورها بعزتها وكرامتها، ولن يطول الزمن قبل أن تتمرد الأجيال الناهضة على وضع التغريب والتمييع الذي ينهك مقاومة الأمة، ويسقط رجولة شبابها، ويومنا هذا قد بلغ وعي الصحوة في الكثير الكثير من بلاد الإسلام ما يمثل تحديا كبيرا أسقط فاعلية الآلة الإعلامية الضخمة للمستكبرين المفسدين وأذنابهم في القضاء على هذه الصحوة، التي لا تجد من الآلة الإعلامية والقدرات الأخرى ما يساعدها على التركز والامتداد، ولإجهاض التّام للحرب الثقافية الشرسة التي يشنها أعداء الله على هذه الأمة. وصحيح أن مخطط الهجمة في اتساع، والتجميد والتجفيف والمصادرة لفرص الصحوة الإسلامية وآلياتها مستمرة، وأن أدوات التخريب والإفساد تتطور يوما بعد يوم ولكن كل ذلك لا يفشل هدى الإسلاميين، ولا يحجب شمس دعوتهم، وهناك قلوب ظمآء، وعقول متعطشة، وأرواح ملتهبة في كل الدنيا تتطلع للإسلام… لكلمة الوحي الصادقة… لما يغذي طموحها في أن تسترد إنسانيتها المسلوبة، وكرامتها المغَّيبة، وسعادتها المسروقة من حضارة الطين والفروج والبطون، والشهوات المدمرة، ورعاتها الطغاة الناهبين الماكرين الذين يحتقرون الإنسان ويسحقون قيمه.

ولا يخاف على الإسلاميين ولا يحبط دورهم أكثر من أن تستغفلهم مخططات الفرقة والشتات من طائفية وما ماثلها أو شابهها من شعارات ممزِّقة، تحول معركتهم بينهم، وتجعلهم يعملون وكلاء تبرعيين عن أعدائهم من أشرار العالم في القضاء على كيانهم.

الساحة المحلية وشيء من أحّد مشاكلها
:
تحت هذا العنوان نجد أنفسنا أمام عدد من المشكلات نذكر بعضها:

أولاً: المشكلة الدستورية والخلاف عليها:
ثانياً: مشكلة البطالة وعدم الجدية في معالجتها:

ثالثا: مشكلة التجنيس والهلع من آثارها:

وهي تهدد بكثير من المشاكل في مختلف الأبعاد الاقتصادية والإنسانية والاجتماعية والأخلاقية ليس على مستوى فئة من هذا الشعب إنما على مستوى الشعب كله، وهي محنة وطنية وليست محنة طائفة معينة.

وهي مشاكل يَدَل بَذْلِ الجهود المشتركة المتعاونة في حالة من التفاهم والحوار الهادئ، أو التنسيق العملي لحل إشكالاتها، والوصول فيها إلى نتائج متوافق عليها، قد تحولت إلى مادة يلهب الإعلام الأوضاع بها، ويجرِّم أصحاب الرأي المعارض فيها، وحتى أصحاب الرأي الناصح بمحاولة النظر فيها ومعالجتها. وهذا الإسلوب أبعد ما يكون عن أجواء الديموقراطيات العادية، والحرية السياسية المتداولة.
رابعاً: جاءت المناداة بتقنين الأحوال الشخصية هذه المرة تطرق الأبواب بعنف، وتقتحم بوابة التشريع الوضعي لتنقل أمانة الأعراض والأنساب من يد الشريعة الإسلامية والحكم الفقهي الراجع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله إلى يد المجلس الوطني، وتأتمن عليها أحكام المخلوق بدل أحكام الخالق، وهوى الإنسان المتقلب ونظرته القاصرة بدل علم الله وحكمته البالغة، والنقلة هنا لمن انتبه إلى طبيعتها، وصيروراتها المترتبة، وما ستحدثه من أوضاع تشريعية جديدة، ونتائج عملية يبرأ منها الإسلام هي نقلة حضارية، وغلق باب وفتح باب، والباب الذي تغلقه هذه النقلة هو باب التشريع الإلهي، والباب الذي تفتحه هو باب التشريع الوضعي. هذه النقلة تجعل المجتمع يودع عالما، وينفتح على عالم؛ العالم الذي يودعه هو عالم الحلال والحرام والصحيح والفاسد من أحكام الله في الأعراض والأنساب والوصايا وغيرها، والعالم الذي يستقبله هو عالم الهرولة نحو تشريعات الغرب التي كان منها أن اعترفت فيما اعترفت به من باطل بما نتفق عليه اليوم جميعا أنه من المنكرات الصارخة.

ولا يؤسفك في هذا المجال كما يؤسفك موقف إسلاميين لا يظن بهم المرء إلا خيراً، وهم يساعدون على العملية التقنينية التي لا تعني الدور الصياغي للأحكام الشرعية، وإنما التصويت على الحكم الشرعي ولا غيره، وتفتح الباب على مصراعيه لأن يحل ما هو غير شرعي محل الشرعي إن لم يكن اليوم فغدا، وليس الغد البعيد.

الفضيحة المكشوفة والفندق المستور:-

أولاً: عمت رائحة عفنة لفضيحة قذرة وجيفة منتنة كل أجواء الخليج. والجريمة ممعنة بحدة في السخرية بالدين والإنسان والفطرة والعرف، والذوق السليم. وهذا كله مقصود لإحداث هزة عنيفة تتبعها هزات للوضع الأخلاقي الذي يراد له أن يتسيب بالكامل، ويسابق أردى وضع أخلاقي في العالم
.
ثانياً: عرفنا الجريمة وأن المستهدف بها دين المنطقة… إنسانية إنسانها… كرامتها الإنسانية… رجولة شبابها… قدرتها على الاستمساك الحضاري القويم… غيرتها… شهامتها… إباؤها… عزها شرفها… أصالتها… انتماؤها الإسلامي المشرف… رفضها للغزو الثقافي الخسيس… لكن ما هو الفندق الذي احتضن الجريمة؟ من المخطط لها؟ ما مسؤوليته؟ من الذي مررها من المسؤولين؟ ما مسؤولية الوضع الرسمي الخاص المطلع عليها؟ أهذه سياسة أم بالون اختبار؟ أيمكن أن تسقط جريمة بهذا الحجم وزيراً مسؤولاً في بلد تمثل فيه اعتداءً على شرف أمة وكرامتها وسمعتها، وتهديدا لأغلى ما تعتز به من دين وقيم؟ أم أن الوزير أكبر من كل الأمة وشرفها ودينها وكرامتها؟

هذه أسئلة ضمير شعب، ووعي أمة، وجرح غائر، وكرامة مهدورة، وذات حضارية عامة مهانة، وأسئلة دين وقيم وتاريخ وحاضر ومستقبل.

ولقد علمتنا الحكومات أن الحادثة التي تمس أمنها الخاص تغوص من أجلها قعر المحيط حتى تقف على ما هو أدق من النملة بشأنها. وهذا أمن أمة بكاملها، وشرف وطن، وسمعة أجيال… فهل سيوجد بحث؟! سيُجرى تحقيق؟! ستعلن نتائج؟! ستوقع عقوبات؟! سيرد اعتبار الشعب؟! والمسألة فيما نظن لا تحتاج إلى غوص البحار، وإنما تحتاج إلى احترام الشعب، وموازين عدل لا تجازف الغني، وتزن على الفقير، ولا تقسِّم الناس في إقامة القسط والانتصار للحق إلى وضيع ورفيع.

إننا نطالب بتحقيق موضوعي كامل في هذه الجريمة النكراء، وتحميل أصحاب المسؤولية المقصرين في مسؤوليتهم آثار مشاركتهم فيها، و تهاونهم بإزائها ولا نكتفي بإعلان عن تحقيق إعلامي فقط يمكن أن يطول به الزمن وتنتج حالة من التخدير.

وما حدث من حفل ساقط سافل للمتشبهين بالنساء في حجمه واستعداداته وما جمعه من عناصر هابطة على مستوى الخليج لا يجاب عنه بأن “إدارة السياحة لم تكن تعلم مسبقا عنه”، وكذلك “لم تكن إدارات الفنادق تعلم مسبقا بنوعية الحضور الذي سيحضر حفلاتها”. وهل يمكن أن يحدث هذا بالنسبة إلى اجتماع سياسي غير موافق عليه ولو في قعر البحر لا في فندق مما يسمى بالدرجة الأولى؟! وهل لم يصل الخبر صاحب الجواب إلا عن طريق صحيفة الوسط؟

وماذا نفهم من قول: “عندما تبدأ الحفلة لا أستطيع أن أمنعك”، والكلام عن حفل لمنكرات صارخة وجريمة ترتكب بحق أمة. ألا يعني هذا أن القرار يبارك هذا الوضع أو يحجم عن تجريمه؟! وهل يمكن أن يَرِدَ هذا الاعتذار في حق كلمة تضر بالأمن المادي بوزارة من الوزارات؟! فضلا عن حكومة من الحكومات؟!

وزنوا هذه المقولة من المصرح الرسمي: “ولكن نحن لا نوافق على تعدي هؤلاء على الذوق العام” وهي لا تعطي للدين والحكم الشرعي أي حرمة ولا مراعاة، فإذا كان من احترام باهت مزعوم فهو للذوق العام وليس لأمر الله ونهيه.

أما الجزاء الذي حملته كلمة المصرح فهو شديد جدا ومؤدب جدا: “ادارة السياحة ستصدر تعميما لإدارات الفنادق يلزمها بمعرفة نوعية الحفلات التي تقام في صالاتها” ولم ترد حتى كلمة منع مثل هذه الاحتفالات في هذا الجزاء المغلظ والعقوبة القاسية. وهل ترى أن إدارة الفنادق مع كل هذه الاستعدادات لا تعلم عن نوع الحفل؟ وهل نوع الحفل وتوقيته وتجميع هذا الحشد الهائل من الممسوخين وكل مراسلاته واتصالاته وتحضيراته خفيت على الأعين والأسماع والتحسس والتجسس والمخابرات في كل أوساط المسؤولين؟!

إن الواقع مر، والمستقبل مخيف، والمسؤولية ثقيلة، فلا بد من إنكار عام، وصوت شعبي عام جاهر بإيقاف سيل المنكرات قبل حلول العذاب.

اللهم 0صل على محمد وآل محمد، واجعلنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين من المتطهرين وقنا شر المفسدين، ولا تعذبنا بما يفعل المبطلون. اللهم اغفر لنا ولأهل الإيمان والإسلام ولمن كان له حق خاص علينا منهم ولوالدينا وأرحامنا وجيراننا يا غفور يا رحيم، يا تواب يا كريم.

(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – 8/المؤمنون
2- وقد ينصح المستخان لا لدين وإنَّما لدافع من دنيا. 

زر الذهاب إلى الأعلى