خطبة الجمعة (113) 28 ربيع الأول 1424هـ – 30-5-2003م
الشفاعة (4) – الأحوال الشخصية – علاقة الطائفتين الإسلاميتين الكريمتين في البحرين – أمريكا والمنطقة
إن المواجهة لمحاولة تخريب الأعراض والأنساب والخروج بالأحوال الشخصية عن دائرة الحكم الشرعي لن تكون لمرة واحدة، فكلما تجددت هذه المحاولة ستتجدد مناهضتها مناهضة شديدة من هذا المجتمع المسلم بحول الله وقوته.وسيكون المجتمع أشد وعياً بضرورة هذه المواجهة وأبعد من أن يستغفل عن دينه وشريعة بارئه.
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي أرسل الرسول المنقذ، وأنزل الكتاب الحكيم، ودلّ على الصراط المستقيم، وفتح طريق المعرفة، ويسَّر سبل الطاعة، ووفّق لجادة الصواب، وفتح أبواب الرحمة، ودعا عباده للتوبة، ورضي منهم الأوبة. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ربٌّ لا ربَّ معه، ومدبر لا كتدبيره، رحيم لا كواسع رحمته. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صادق أمين على طريق قويم، وخُلق عظيم صلَّ الله عليه وعلى آله المعصومين المطهَّرين.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمارة بالسوء بتقوى الله ما بقينا فلحظة مفارقة التقوى لحظة غي وضلال وسقوط، يعبث فيها الشيطان بالإنسان قلبا وهدفا وإرادة وتصرفا، والشيطان للإنسان عدو مبين. والقلوب اليقظة بالتقوى، العامرة بخشية الله لا يغمرها الضلال، ولا تتيه، وهي في حراسة من تقواها برحمة الله من أن تزيغ، وتقول الكلمة عن أمير المؤمنين عليه السلام”التقوى أن يتقي المرء كل ما يؤثمه”(1) واتقاء ما يؤثم عملا من اتقاء غضب الله شعورا، والإشفاق من طرده قلبا، والتقوى في مواقف الخارج وإن كانت عن معاناة ومجاهدة، تعمر القلب وتجعلها ملكة ثابتة.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واعمر قلوبنا بالتقوى، ووفقنا لما تحب وترضى، وباعد بيننا وبين ما يحل غضبك، ويمنع من قربك، فان غضبك لا يطاق، وهجرك لا يحتمل.
أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات فهذه متابعة أخرى لحديث الشفاعة:
الناس ثلاثة:-
1- ناجون برحمة الله بلا شفيع: بلا إضافة شفيع من ملك أو من رسول أونبي.
الآية الكريمة تقول: } مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {91التوبة
وقد جاء عن الرسول (ص) فيما يتصل بالآية “إن شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي، فأما المحسنون فما عليهم من سبيل”(2)
فالحديث يقسم الناس إلى محسنين، وإلى منزلة غير منزلة المحسنين ويدخل فيهم أهل الكبائر، وأهل الكبائر محتاجون إلى الشفاعة، وأما من كان في منزلة المحسنين فما عليهم من سبيل، ومقابلة هذا النفي بإثبات الشفاعة لأهل الكبائر ظاهرةٌ في نفي حاجة المحسنين إلى الشفاعة إضافة إلى رحمة الله سبحانه وتعالى.
أما رحمة الله فهي شفيع كل إنسان، وكل عبد. لكن أن يدخل عنصر آخر مرد شفاعته إلى شفاعة رحمة الله لا حاجة له بالنسبة لمنزلة المحسنين فيما يظهر من الحديث.
وعن الصادق (ع)”إذا كان يوم القيامة نشفع في المذنب من شيعتنا، فأما المحسنون فقد نجاهم الله”. والحديث صريح في نفي حاجة المحسنين إلى توسط حتى الأئمة عليهم السلام ومعهم الرسول صلى الله عليه وآله ولو بضم الحديث السابق.
وعنه (ع) كذلك “المؤمن مؤمنان: فمؤمن صدق بعهد الله، ووفى بشرطه،- وما أصعب يا أخوة أن نفي بشرط الله، ونفي بعهدنا معه – وذلك قول الله عز وجل “رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فذلك الذي لا تصيبه أهوال الدنيا، ولا أهوال الآخرة، – المنفي من أهوال الدنيا قد يكون من نوع الأهوال التي تحول الحياة بلا معنى، لعدم قدرة النفس على هضم حكمة البلاء، وعلى الصبر على بلاء الله، ونحن نعرف أن المعصومين عليهم السلام يرون في البلاء نعمة، والذي يرى في البلاء نعمة لا تصيبه أهوال الدنيا التي تسطو على النفس في استقرار إيمانها وطمأنينتها بالله. فلربما الأهوال المنفية هي هذا النوع من الأهوال، أما أهوال البدن، وكوارث الدنيا المعروفة فهي تصيب الأنبياء كما تصيب غيرهم – وذلك من يشفع ولا يشفع له، – هذا واضح جدا في نفي أن هذا الإنسان يحتاج إلى من يشفع له – ومؤمن كخامة الزرع، – الزرعة الطرية ذات الساق اللين الذي يتمايل بسبب الريح – تعوج أحيانا وتقوم أحيانا، فذلك ممن يصيبه أهوال الدنيا وأهوال الآخرة، وذلك ممن يشفع له، ولا يشفع”(3) فمؤمن يشفع ولا يشفع له، ومؤمن يشفع له ولا يشفع، والناس مستويات. هذا القسم الأول وهم الناجون برحمة الله بلا شفيع إضافي، وليست هناك من شفاعة إضافية مستقلة، إنما كل شفاعة أخرى هي كما سبقَ من شفاعة رحمة الله سبحانه وتعالى.
2- ناجون بشفيع بعد رحمة الله ولا شفيع بدون رحمته:
عن الرسول (ص) “لكل نبي شفاعة وأنا خبأت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي يوم القيامة”(4) ولكن لا يغرنك هذا فقد تأتي الشفاعة متأخرة بعد عذاب شديد، ودهور في آلام النار.
وعن الرسول (ص):”وأما شفاعتي ففي أصحاب الكبائر ما خلا أهل الشرك والظلم”(5).
3- لا نجاة لهم:
}وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ، حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ، فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ}43- 48/ المدثر
فهذا قسمٌ لا تناله شفاعة أحد ممن يشفِّعهم الله فيمن رضى من عباده فلا سبيل لهم إلا النار، وكفى بها خزيا وعذابا.
عن الرسول (ص) “رجلان لا تنالهما شفاعتي، صاحب سلطان عسوف غشوم، وغال في الدين مارق”. السلطان يظلم، ويرتكب من أذى الناس ما يرتكب وقد أقام نفسه أميناً على الأموال والدماء والأعراض… أميناً على الدنيا والآخرة، وإنما يكون قد أهلك نفسه، وهو ممن لا تناله شفاعة رسول الله صلى الله عليه وآله على سعتها، ومن لم تنله شفاعة رسول الله صلى الله عليه وآله لا تناله شفاعة أمير المؤمنين عليه السلام، إذا تصورنا شفاعة أوسع من شفاعتهم عليهم السلام جاءت شفاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فمن لم تنله شفاعته صلى الله عليه وآله فلا استمساك له بشيء إلاَّ أن يشاء الله، لأن عدم شمول شفاعة رسول الله له معناه أنه قد أخرج نفسه عن رحمة الله التي أعطت الشفاعة الواسعة لرسول الله صلى الله عليه وآله. “وغال في الدين مارق” فلا تزيد في الدَّين لأن التزيد في الدين كالإنقاص منه.
“لا ينال شفاعتي من استخف بصلاته” ليس من ترك صلاته فقط بل من استخف بصلاته كذلك، لم يتعامل معها التعامل اللائق بها ولو في الحد الأدنى.
“لا ينال شفاعتي من استخف بصلاته ولا يرد علي الحوض لا والله” الرسول صلى الله عليه وآله يقسم هنا بأن المستخف بصلاته لا يرد عليه الحوض. ولنا أن نقارن بين اهتمامنا بإعداد مقالة نلقيها، وبين صلاة نؤديها، وبين زيارة نتهيأ لها لأحد الأكابر، وبين قدوم لمسجد أو جامع لنقابل الله بقلوبنا. فليدرس أحدنا نفسه.
“عن مولانا الصادق عليه السلام لما حضرته الوفاة أنه أمر باجتماع قرابته حوله وقال:إن شفاعتنا لا ينالها مستخف بالصلاة”
وعن علي عليه السلام “من كذب بشفاعة رسول الله (ص) لم تنله”. ما معنى لم تنله؟ شفاعة رسول الله صلى الله عليه وآله ممتدة الامتداد الذي هو من امتداد رحمة الله على أن رحمة الله عز وجل لا تحد، وكل شئ من دونها محدود.
لكن النفس قد تسقط عن مستوى الاستفادة، المطر ينزل وكل الأرض تستفيد منه، لكن الأرض المحروقة قد لا تستفيد من المطر، أو الصخر الأصم قد لا يستفيد من المطر أن تنبثق من خلاله الحياة، ونفوسٌ تكون قد سقطت فلم تعد تستقبل من فيوضات الله فيضا، ولا من رحمته رحمة.
وعن الرسول (ص) “من لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شفاعتي”. هذا الشفيع العظيم يدعو على من لم يؤمن بشفاعته بأن لا ينيل الله ذلك الإنسان شفاعته.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وأخرجنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات من أهل غضبك، وأدخلنا في أهل رضاك، ولا تجعلنا نشرك بك سواك، ولا نعدل عن طاعتك إلى طاعة أهل الهوى، ولا نهرب من غضبِ أحد إلى غضبك، ولا نطلب رضى أحد بخسارة رضاك، اللهم أسلك بنا طريق هدايتك وإن استوحشه الكثيرون، واعدل بنا عن طريق الشيطان وإن ألفها العديدون.
واغفر لنا ولأهل الإيمان والإسلام ومن كان له حق خاص علينا منهم ولوالدينا وأرحامنا يا غفور يارحيم يارؤوف ياكريم.
بسم الله الرحمن الرحيم
( قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلاَ أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ، وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)
الخطبة الثانية
الحمد لله ذي المنِّ والطول، والقوة والحول، والفضل والإحسان، والجلال والإكرام، كل جميل مطلق له، وكلَّ قبيح منفيٌّ عنه، لا تلحقه صفات الإمكان، ولا تحدُّه العقول والأوهام، يُقلِّب الليلَ والنهار، ويُغير الأحوال، ولا تغيره الأحوال، ولا تمسُّه الأهوال.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقضي ولا يُقضى عليه، ويكفي ولا يُكفى منه، ويُجير ولا يجار عليه. وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله أخلص في دعوته، وجاهد في رسالته فحماه ربه ولم يسلمه، ونصره ولم يخذله، وأعزَّه بعزه، وأكرمه بكرامته صلى الله عليه وآله وزادهم جميعاً شرفاً ومقاماً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الخاطئة بتقوى الله فهي بابٌ لرحمته؛ يقول سبحانه }أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {(6) وطريقٌ إلى مزيد عنايته، وكريم معيَّته فقد قال عزّ من قائل }….. وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ { (7) معهم يقيهم ويحرسُهم، ويهديهم ويُرشُدهم، ويُذهب عنهم رجز الشيطان ويطمئنهم، ويردّ عنهم كيد الكائدين ويكفيهم، ويؤيدهم وينصرهم، ويحبيهم ويكرمهم، ويُزكّيهم ويُطهّرهم، ويرفع شأنهم ويعزّهم، ولا يدعهم لشر، ولا يُفقرهم إلى خير. ومن فقد التقوى فلا خلف له منها فعن أمير المؤمنين عليه السلام “التقوى لا عوض عنها ولا خلف”.
اللهم اجعل لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين من تقواك حصناً من الشيطان الرجيم، ومن هوى النفس، ومن متابعة أهل الضلال، واجعلنا نستغني بك عمن سواك، مجانبين لمن ضادك، معادين لمن عاداك.
اللهم صل وسلم على البشير النذير، والسراج المنير، خاتم النبيين والمرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، محمد الصادق الأمين، وآله الطيبين الطاهرين. اللهم صل وسلم على علي أمير المؤمنين، وإمام المتقين. اللهم صل وسلم على كريمة نبيك، وزوج وليّك، فاطمة الزهراء البتول. اللهم صل وسلم على الإمامين الرضيين، والسبطين الزكيين الإمام الحسن بن علي وأخيه الإمام الحسين. اللهم صل وسلم على أئمة المسلمين، ونجاة العالمين علي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري الهادين المهديين.
اللهم صلّ وسلم على النور الساطع، والخلف الصالح، والقائد المذخور، والإمام المنصور، القائم المنتظر محمد بن الحسن الأغر.
اللهم عجّل فرجه، وسهّل مخرجه، وانصره نصراً عزيزاً، وافتح له فتحاً مبيناً، ومكّن له تمكيناً، واملأ به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
اللهم الموالي له، الممهد لدولته، المؤمن بمنهجه، وسائر الفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى بارك فيهم، وزد في هداهم، وأنجح مسعاهم، وكف عنهم أيدي أعدائهم، وادفع عنهم أذاهم يا رحمن يا رحيم يا كريم.
أما بعد فالحديث يقف عند أكثر من موضوع:-
أولاً: الأحوال الشخصية:- كلام يسير عن الأحوال الشخصية: وهنا نقاط:-
* لقد أشبع الموضوع كلاماً، ولم يعد خافياً على المتابع ممن كان غير ملتفت ما يمثّله إخضاع الأحكام الشرعية للتصويت في المجلس التشريعي الوضعي من خطورة على دين الله، واستبدال له إلى أحكام مستقاة من قوانين صاغها الكفر في الغرب، ولا زال يصوغها هوى الإنسان وتقديراته القاصرة الخاسرة.
وهو أمر يرفضه كل غيور على دينه وعرضه، محترم لشريعة ربّه، موحّد لله سبحانه؛ فإن من التوحيد التوحيدَ في التشريع – هناك توحيد الخالقية، توحيد الفاعلية، والتدبير، توحيد توحيد، وهناك توحيد التشريع بمعنى أن المسلم عليه أن يعتقد بأن لا مشرع إلا الله، وبأن لا حق في التشريع إلا لله. وهذه مسلَّمةٌ إسلامية عامة لا خلاف عليها، فواحد من أبعاد التوحيد هو أن نعتقد بأن المشرع هو الله وحده، وحين نخالف هذا تهدم المخالفة من توحيدنا شيئاً، فلا يتم التوحيد ونحن نعتقد بحق التشريع لغير الله. فمن التوحيد بأن لا يتخذ الموحِّد مع الله شريكاً في الأمر والنهي، والتحليل والتحريم، ولا يعترف بحق الأحكام الجعلية والقوانين الاعتبارية التي تصوغ أوضاع الإنسان، وتوجه مسيرته في البعد الشخصي والاجتماعي لأحد مطلقاً غير الله وحده.
هناك توحيد يدخلك في الإسلام، وهناك توحيد كامل دقيق، أنا لو اعتقدت بأن ابن عمي أو أن أبي بيده نفع من نفعي، وضر من ضري بغير إذن الله فهذا شرك من الشرك، وليس الشركَ الذي يقام به الحد، ويخرج به الإنسان عن التناكح والتوارث في دائرة المسلمين.
تعم لا يسلم لي التوحيد الحق الكامل، حين أعتقد بأن ابن عمي بيده ضري ونفعي من دون إذن الله، وأن له أدنى استقلالية في ذلك إذ عند ئد نصبت ابن عمي إلهاً في نفسي وفي حياتي.
* إن المرأة المسلمة ليست أقلَّ غيرة من أخيها الرجل على دينها، واعتزازاً بشريعة ربها، وهي لا يمكن أن تعدل بها غيرها من تشريعات بشريّة متعسِّفة، ويمنع وعيُ المسلمة العارفة بقيمة دينها وبالألاعيب الشيطانية التي تستهدف حرف مسيرة الأمة واستلابها أن تُخدع عن علاقتها بربها، وتستسلم لأهواء أهل الأرض باسم الحريَّة الزائفة؛ مُستدرَجةً للارتماء في أجواء الحضارة غير الأخلاقية العفنة، وأحضانها القذرة الفاجرة.
* إن تصحيح وضع الحياة كلِّه ومنه وضع الأسرة يتطلب عودة جادّة لدين الله وتحكيم شريعته العادلة القائمة على العلم واللطف والحكمة واليسر، لا الهروب إلى التشريعات الجائرة الجاهلة القاصرة من صنع الإنسان والتي تشهد ساحة الحياة الواسعة بآثارها التدميرية وفسادها الكبير في الأرض.
وإن من همه أمر الإنسانية وعذاباتها، وتفكك الأسرة وتمزقها فلن يجد مخرجاً من هذا كله لحياة الناس إلا بالعمل على عودة الحياة لدين الله القويم، وشرعته العادلة، والرشد الإسلامي، والأخلاقية الإيمانية. أقول لكم: أن أحكام الشريعة في مجال الأحوال الشخصية، أو في مجال الاقتصاد أو أي مجال وحدها لا تحل المشكلة. المطلوب الشريعة والعقيدة والأخلاقية والتربية الإسلامية جميعاً، فحين نطبق الإسلام المتكامل تنحل المشكلة، وحين نقتطع الشريعة من الجو الإسلامي الكامل، ونطبقها على أي شريحة اجتماعية، وعلى أي مجتمع من المجتمعات ستنجح بمقدار ولكن ليس بالشكل الكامل، وستتأثر سلباً جداً جداً جداً بأجواء التربية الفاسدة والروحية العفنة. ومحال أن تنبني أوضاع عادلة وعلاقات إنسانية كريمة على خط الرؤى الأرضية الهابطة، والتصورات الجاهلية البعيدة عن هدى الله ونور رسالاته القائدة.
* إن المواجهة لمحاولة تخريب الأعراض والأنساب والخروج بالأحوال الشخصية عن دائرة الحكم الشرعي لن تكون لمرة واحدة، فكلما تجددت هذه المحاولة ستتجدد مناهضتها مناهضة شديدة من هذا المجتمع المسلم بحول الله وقوته.
وسيكون المجتمع أشد وعياً بضرورة هذه المواجهة وأبعد من أن يستغفل عن دينه وشريعة بارئه.
* إن المجتمع المسلم يزداد رشداً على الأيام فلا تشغله المطالبة بحق عن المطالبة بحق آخر، ولا درءُ خطر عن درء خطر آخر، وهو يستجيب لإسلامه في المحافظة على حقوق دينه ودنياه، فلا يفرّط بمطالبة احترامه في دينه وأحكام شريعته ولا في المطالبة بحمايته من خطر التجنيس الكيفي والبطالة والفساد الإداري والظلم الاقتصادي والاجتماعي، وكل خطر آخر ونقص في الحقوق الدينية أو الدنيوية.
علاقة الطائفتين الإسلاميتين الكريمتين في البحرين:
1. منذ بعيد وهي من أحسن علاقات الطوائف في الأماكن المختلفة. ولا ندَّعي نموذجيتها. وهي بعيدة بمسافة كبيرة جداً عن ما هو المطلوب في الإسلام. هناك تزاور منذ البعيد، علاقات الجوار محترمة، الزمالة المدرسية، زمالة العمل تربط بين الأشخاص من هذه الطائفة والأشخاص من تلك الطائفة، وقد تقوم صداقات بين رجلين هذا من الشيعة وذلك من السنة أمتن من صداقة تقوم بينه وبين شخص آخر من طائفته، ويحصل تشييع جنازة… يحصل حضور مجلس فاتحة… يحصل حضور مجلس عرس، هذا التفاعل موجود ولكن التفاعل المطلوب الذي يمثل ورقة رابحة ورصيدا كبيرا في صالح الوحدة الإسلامية، والتقدم الإسلامي بعدُ لم نصل إليه، ومطلوب أن نصل.
والعقلاء المتشرعون من الطائفتين المتشرعة كلهم يقولون نعم للإخاء المذهبي، ولا للإلغاء المذهبي، ولا للإكراه المذهبي، ولا للسيطرة المذهبية.
وأنا لابد أن أعتز بمذهبي، وأن أربي ولدي على مذهبي، وأن أربطه بولاء أهل البيت عليهم السلام الولاء القلبي والعملي منذ نعومة الأظفار وهي مسؤولية البيت، ومسؤولية كل مؤسسة اجتماعية أهلية، والسني لا يألو جهدا في تبصير ولده وبنته بالإسلام على الطريقة السنية.
2. التطوير محتاج إلى شجاعة.
3. أهل المذهبين من أهل العقل والدين يقولون: نعم للعدل بين المواطنين ولا للترجيح على أساس مذهبي في وزارة أو دائرة في فرصة علم أو عمل.
4. وهناك عوائق تقلل من حظ الوحدة الإسلامية منها:-
1) نمط العلاقة التقليدية الراسخ، المتمثل في التعامل السطحي الذي وصفناه بعض وصف، والمطلوب تعامل عمقي، تعامل ثقافي، تعامل مشاريعي يخدم المسلمين بصفة عامة.
2) مصالح سياسية. أصحاب المصالح السياسية يعملون للحفاظ على مصالحهم، وقد لا تسلم المصالح السياسية بعض الأحيان في ظل وحدة إسلامية في هذا الشعب أو ذاك الشعب، وهنا يأتي فساد كبير في حياة المسلمين، وشرخ هائل يصل بالمسلمين إلى الفرقة الثابتة والعداوة الشاملة وهو ذنب ترتكبه السياسة بلا رحمة. هذا قد يحصل. وإذا لم يحصل على مستوى السياسة العليا فقد يحصل على مستويات أخرى.
3) المتغربون والمتعلمنون يسؤهم جدا أن تكون وحدة إسلامية بين الشيعة والسنة ممن يتعبدون بالإسلام ويلتزمون خطه، و يدخلون عاملا مفرقاً ولو من منطلق المصلحة السياسية.
أمريكا والمنطقة:
1. لا ديموقراطية على يد أمريكا. حيث “….. لا أيمان لهم”.
2. والإسلاميون هم الرابحون في الديموقراطية ليس ابتداء فقط وإنما كذلك استمراراً، لأن الأمة جربت كل الأنظمة الأخرى، وكل الخطوط الأخرى وقد صدّقت يقينا بأن الغرب عدو لها، ولم يبق أمل لها إلا في الإسلاميين لو أعطوا الفرصة السانحة ليقيموا عدلا في الأرض وأمانا وأخوَّة ليست على مستوى العالم الإسلامي فقط وإنما يستهدفون أن تكون أخوّة عالمية.
3. يخاف على الوضع الأمني في العالم الإسلامي كله وفي منطقتنا بازدياد التدخل السافر لأمريكا في السياسة الداخلية والخارجية للدول الإسلامية وإلى حد المواجهة. أمريكا ستزعزع العلاقة بين الأنظمة والشعوب، ولن تبقي أي ثقة للشعوب في حكوماتها بما ستفرضه على الحكومات من سياسات معادية للأمة، قد تضطر الحكومات إلى متابعتها بدرجة وأخرى إن يكُن بعْضُها راغباً في ذلك أساساً.
أمريكا سترحل في يوم من الأيام ولكن الوضع الأمني سيستمر في تدهوره حتى لو رحلت أمريكا. يطلب للحكومات الإسلامية كلها والحكومات العربية وحكومات منطقتنا أن تضغط على أمريكا ولا تعطيها حق تخريب العلاقة بالكامل بين الحكومات والشعوب.. وإن مَسَّ الدين في هذه المجتمعات أكبر من مس الدنيا، والأمريكي لا يقدِّر ذلك. الذي عاش مع الخمر ومع الرقص إلخ لا يعرف كم هي وحشة الإنسان المسلم من الخمرة، ولا يعرف أن المسلم إذا ارتكب محرما في يوم من الأيام وجد نفسه أنه قد سقط من السماء إلى الأرض، وأن تاريخ الإسلام يشهد بأن المسلمين جاعوا، وخافوا واستشهدوا مسترخصين كل ذلك في سبيل إسلامهم والتزامهم بخط مبدئهم. لا تقدر أمريكا ما في داخل نفسية الإنسان المسلم من تمزق يحصل عند ارتكاب جريمة أمام ناظره، لكن حكام العرب، حكام المسلمين بما هم يعايشون هذه البيئة، وبما لهم من خبرة بهده البيئة، وبما في داخلهم من إسلام يجب عليهم أن يعيشوا هذا الشعور، وأن يقدروا له وزنه، وأن مَسَّ الدين في حياة الإنسان المسلم لا يمكن أن يصبر عليه.
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، وأنقذنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات من كل سوء، وادفع عنا جميعاً كل أذى، واجمع بين قلوبنا على التقوى.. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولأرحامنا وللمؤمنين والمؤمنات ولكل ذي حق خاص علينا منهم يا أكرم من سئل، وياأجود من أعطى، يا رؤوف يا حنان.
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}النحل/90
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – ميزان الحكمة ج . 1 ص 647.
2 – المصدر ج 5 ص 120.
3 – المصدر تفسه.
4 – المصدر ص 119.
5 – المصدر نفسه.
6 – 63/ الأعراف.
7 – 194/ البقرة.