بيان كبار العلماء بشأن قرار وزارة العدل الأخير
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله وحدَه، وصلواته وسلامه على خاتم أنبيائه ورسله وآله الطَّاهرين.
ليس من أمانة أثقل من أمانة الدِّين والحفاظ عليه، وعلى كلِّ حكم من أحكام شريعته.
وليس من عقوبة سوء يلقاها المؤتَمَنُون عليه كالعقوبة التي يلقاها المؤتَمَنُون عليه من تضييعه.
وكلُّ مسلم يحمل ثقل هذه الأمانة، ويتحمَّل المسؤوليَّة الباهظة لتضييعها، وأشدُّ من شدَّد عليهم في رعاية الأمانة، وتحمُّل المسؤوليَّة هم علماء الدِّين، فهم أوَّل النَّاس، وأشدُّهم مسؤوليَّة في هذا الأمر.
وفرائض الدِّين وفروعه الرَّئيسة من: صلاة، وصوم، وحجٍّ، وزكاة، وخمس، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، والموالاة لمَن أمر الله تعالى بولايتهم، ومعاداة من أمر بمعاداتهم فرائض حتميَّة، وتقع في الأهميَّة الدِّينيَّة بعد العقيدة مباشرة، وتضييع شيئ منها تضييع للدِّين.
وقد دلَّ على أهميَّتها النَّصُّ القرآنيُّ، ونصوص السُّنَّة، والسِّيرة المطَّهرة لنبيِّ الإسلام (صلَّى الله عليه وآله)، وعترته (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).
ولا يرضى اللهُ سبحانه بيقين تامٍّ لأنْ يكون أيُّ حكم من أحكام شريعته المعصومة تحت هيمنة قانون من وضع العباد، ولا تحت سلطة تحكم بهذا القانون، ولا أنْ تكون أمانة تطبيق هذه الأحكام في عهدة قوانين هذا واقعها، ولا في عهدة من يقدِّمها عملًا على القوانين والأحكام الإلهيَّة، وكذلك لا يمكن أنْ يعطي حقَّ الإشراف على هذا التَّطبيق لجهة من هذا النَّوع.
وكلُّ السُّلطات الأرضيَّة التي تعطي نفسها حقَّ التَّشريع – الذي قد يلتقي، أو لا يلتقي بأحكام الدِّين – يلزم أنَّها تقدِّم ما تسنُّه من قوانين في مجرى سياستها على ما هو الحكم الشَّرعيُّ الإلهيُّ.
وليس من تضييع للدِّين وأحكامه مِن أنْ يسلِّم المسلمون، وعلماء الأمَّة إلى السُّلطات الوضعيَّة بما تريده من تحكيم القانون البشريِّ على أحكام الله تعالى، وأنْ يعترفوا لها بحقِّ إدارة الشَّأن الدِّينيِّ، والرَّقابة على تطبيق الأحكام الشَّرعيَّة المتَّصلة به، وهي في رقابتها إنَّما تخضع لمقتضيات ذلك القانون، والسِّياسة القائمة عليه.
وهذا الأمر البيِّن المضادُّ لمصلحة الدِّين، وسلامة أهدافه الإلهيَّة، وبقاؤه على نقائه، وصفائه، وأصالته يقف حائلًا وسدًّا منيعًا أمام أيِّ عَالِم من علماء الدِّين له شيئ صحيح من فهمه، وشيئ ملحوظ من تقوى الله تعالى أنْ يستجيب لإرادة السِّياسة فيما تطمح إليه من التَّدخُّل في أمر الدِّين.
وواعجباه، كيف ترفض السِّياسة في الأمَّة الإسلاميَّة، أو في أيِّ بلدٍ من بلدانها بأنْ يتدخَّل دين الله تعالى في السِّياسة، وتحرِّم ذلك عليه، وتضع حدًّا من عندها لحاكميَّة الله وسلطانه؟!، ثمَّ يزداد الأمر عجبًا وإفزاعًا للضَّمير المسلم أنْ تعطي لنفسها حقَّ التَّدخُّل في أمر الدِّين والشَّأن الدِّينيِّ، وتسعى لأنْ يكون حتَّى أمر الحقوق الشَّرعيَّة كالزَّكاة تحت هيمنتها!!
أيُّ ألوهيَّة هذه؟!
ألوهيَّةٌ وهميَّة أكبر من الألوهيَّة الحقَّة لله تعالى، وحقُّ ربوبيَّة أعظم من حقِّ ربوبيَّة الله تعالى، وواجبُ طاعة على الخلق أشدُّ من واجب الطَّاعة عليهم للخالق.
فهل يوافق هذا الفكر ما عليه إسلام المسلمين عامَّة المسلمين، فضلًا عن علمائهم في الدِّين، وأيِّ مسلم من خاصَّتهم؟
عصمنا الله تعالى من شرِّ الفتن، ووقانا الوقوع في أيِّ ضلالة، ومن الدُّخول في مخالفة دينه القويم.
والحمد لله أوَّلًا وآخرًا.
الأربعاء ٢٥ ربيع الأوَّل 1437هـ
6 يناير 2016 م
الموقعون:
السيد جواد الوداعي
الشيخ عيسى أحمد قاسم
السيد عبدالله الغريفي
الشيخ عبد الحسين الستري
الشيخ محمد صالح الربيعي