خطبة الجمعة (102) 11 محرم 1424هـ – 14-3-2003م

مواضيع الخطبة:

دروس من كربلاء   –   إيقاف تمليك الأراضي   –   إلغاء فوائد القروض للإسكان

معركة الدين في وجه الباطل بأنواعه وألوانه تقع على كاهل كل من الرجل والمرأة مع تقسيم الأدوار والمسؤوليات بحسب النظرة الشرعية للرجل، والنظرة الشرعية للمرأة في الإسلام، وكربلاء خير شاهد.

الخطبة الأولى

الحمد لله على السّراء والضراء، والشّدة والرخاء، ومكروهِ البلاء، وصعبِ القضاء. الحمد لله وإن جلَّ المصاب برزية الحسين الشهيد بكربلاء، الحمد لله دائماً أبداً. إنه الحكيم في كلّ ما قدَّر وقضى. أكرم وليه الحسين المهاجر إليه بالشهادة، وزاده شأناً على الشأن، ورِفعة مع الرِّفعة، وسَبْقاً إلى السَبْق، ورزقه أجراً عظيماً، وأحيا به الدين، وأنقذ به شريعة سيد المرسلين صلَّى الله عليه وآله أجمعين، وفضح أعداءه من المضلِّين المفترين، وحزبِ الشيطان الغاوين.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله؛ بلَّغ الرسالة أمينا، وجاهد دونها صابراً، ووقاها بنفسه وأهله محتسبا. اللهم صلِّ وسلِّم عليه وآله وبارك عليهم جميعاً.

عباد الله أوصيكم ونفسي الأمارة بالسوء بتقوى الله؛ فما أعظم ما تبلغ التقوى بصاحبها “إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ. فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ” 55،54/ القمر. وهي ثمرة الجهاد الطويل، والمثابرة على الطاعة، وعمق المعرفة، وجلاء البصيرة، ففي الكلمة عن أمير المؤمنين عليه السلام “التقوى ثمرة الدين وأمارة اليقين”.

ولا يخرج غيرُ المتقين من هذه الحياة بربح غير ما طعِموا وشربوا، وما قضوا من بعض الشهوات، ودفعوا من ضرورات بما قد لا يبلغُ ما نالَه حيوان. وأي ربح في لذة قد انقضت فاستَتَبَعَت ألماً دائماً وسوءاً مقيماً؟!

اللهم صلّ على محمد وآل محمد، ولا تجعل حظّنا من الحياة متعة عابرة مستتبعة عذاباً جسيماً، وشقاء أليماً، وهواناً عظيماً.

أما بعد أيّها المؤمنون والمؤمنات فإن لكربلاء حديثاً لا ينقضي للأجيال، وإن دروسها الكريمة لتغطي مساحة هائلة من الحياة، وهي مع النظر تزداد عطاء على الأيام.

وهذا من حديث كربلاء في بعض ما تقدمه من دروس:

1. إهمال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يؤدي إلى أكبر الكوارث. قتل الإمام الحسين عليه السلام، تسيير الفاطميات مسبيات كان نتيجة لإهمال وتمهّل في قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما إن تتأخّر عملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا ويكبر المنكر في الأمة ويضمر المعروف، وكلما كبر المنكر، وضمر المعروف كان الناس في كارثة ليست على مستوى الدين فقط، وإنما أيضا على مستوى الدنيا.

الحرب التي نراها الآن، واستئساد الكفر على الإسلام هو من تأخّر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أوساط المسلمين، فلو كان أمر بمعروف ونهي عن منكر لاشتد عود الأمة، وإذا اشتد عود الأمة وقامت على ساق لم تستهدفها الأمم بمثل ما تستهدف الوجود الضعيف. لو كان أمر بمعروف ونهي عن منكر في هذه الأمة لكانت رائدة الأمم كما هي مؤهلة إلى ذلك بإسلامها وتراثها وقادتها.

2. لا تعويل على الولاء الهش، والولاء العاطفي السطحي، فما أغنى الولاء الهش والولاء العاطفي السطحي عند أهل الكوفة عن أن يقاتلوا سيدهم الحسين عليه السلام، والإمام الذي يرونه في الحق إماما.
3. خطورة الإعلام؛ الإعلام الأموي المضلل قتل الإمام الحسين عليه السلام، الإعلام بالترهيب، والإعلام بالترغيب؛ جاءت جيوش الشام، سيضاعف عطاؤكم. مثل هذا الإعلام قادر على أن يقتل أكبر رموز الأمة، وأن يوقع الأمة في أكبر مأساة. فإذا لم يكن الحس الواعي، وإذا لم تكن الحصانة الداخلية وكانت جماهير الأمة مأسورة لكلمة الضلال فإنها لا بد أن تضل، والإعلام الصادق المسؤول أعطى لقضيته عليه السلام الامتداد، وساهم بحق في صناعة النصر، فهذان إعلامان، إعلام قتل الحسين عليه السلام، وإعلام آخر أحيا الإمام الحسين عليه السلام…. أحيا قضيته.

4. إذا قال السيف هنا قتل وتصفيات، قال الدم الزاكي حيث يكون إسلام هنا تضحية مرسومة وفداء مخطط. ولا يكفي أن تكون هناك تضحية ولا يكفي أن يكون هناك فداء، فلا بد أن تكون التضحية دربها مرسوما، ولا بد أن يكون الفداء مخططا له.

5. كن جون المؤمن العبد – ذلك الإنسان الذي يسميه القانون الشرعي عبدا – الحر في مشاعره، القوي أمام الدنيا بإيمانه، ولا تكن عمر بن سعد الفاسق الظاهر في شهرته الحر في القانون، المأسورَ للدنيا في داخله، المهزومَ أمام رغبته. مصيبتك أن تهزم أمام رغباتك. أذل ذليلٍ هو من هُزم أمام شهواته ورغباته، ولن تكون حرا ما لم تكن سيد نفسك.

6. لا تحتجوا على الدين بمن يحمل شيئا من علومه، ولكن قيّموا الدين بمن يحمل شيئا من روحه. المتدين الذي يُحتج به على الدين وللدين هو من يحمل شيئا من روح الدين، وليس من يُحتج به للدين وعلى الدين هو من يحمل شيئا من علوم الدين كما تقول قصة شريح، وكما تقول قصة جون، وكما تقول قصة زهير بن القين.

7. على الأمة أن تتعلم كيف تنتصر حتى لو لم يكن لها سلاح إلا التضحية. يمكن الانتصار بالتضحية حيث يكون التخطيط، وحيث تكون الدراسة الميدانية، وحيث توضع التضحية موضعها، فكر السيد الشهيد الصدر أعلى الله مقامه أن يخطو خطوة مصغرة على منوال موقف أبي عبدالله الحسين عليه السلام، كان يفكر أن يخطب خطبة جهنمية في الحرم الحيدري – حرم الإمام علي عليه السلام – ضد البعث، هو وصفوة من طلابه، كالسيد الحائري والسيد الهاشمي ومن إلى ذلك، فكر في هذا ليحدث زلزالاً في ضمير الأمة لأنه سيستشهد على أثر الواقعة، فكّر وقدّر واستشار ثم توقف.

8. معركة الدين في وجه الباطل بأنواعه وألوانه تقع على كاهل كل من الرجل والمرأة مع تقسيم الأدوار والمسؤوليات بحسب النظرة الشرعية للرجل، والنظرة الشرعية للمرأة في الإسلام، وكربلاء خير شاهد.

9. وعاظ السلاطين لا يتورعون حتى عن قتل أولاد الأنبياء. هذا القول “خرج الحسين عن حده فقتل بسيف جده” صلى الله على محمد وآل محمد. وتطمين على حياة هانئ بن عروة من قصر الأمارة في الكوفة، يتحمل مسؤوليته واعظ من وعاظ السلاطين.

10. الحكم على الأفراد والجهات والسلطات إنما هو بالأفعال لا الأقوال فمتى يكشف المخادعون عن أنفسهم بالقول الصريح؟! ما من دولة من دول العالم إلا وتتحدث عن العدالة، بوش في حملته المحتملة يقول إنما يشن الحرب من أجل الأخلاق، ومن أجل الديمقراطية التي تنقذ الشعوب. الأقوال كلها تتجه للتبرير، كلها تتجه لتلميع شخصية الفرد، شخصية الجهة، شخصية الدولة، والحكم للأفعال. الحكم على عمر بن سعد بعد أقواله الإسلامية لموقفه لا لأقواله. يزيد ما كان يتكلم كلاما غير إسلامي في الغالب، إذا كان يتكلم كلمة غير إسلامية ففي حدود بطانته، أما على العلن إعلامه كله يعلي من شأن يزيد من ناحية إسلامية. فعلينا أن لا نصوغ شخصية أي دولة وأي جهة في نفوسنا من خلال إعلامها، وإنما ننظر دائما إلى المشاريع إلى المواقف.

11. أخطار المتظاهرين بالإيمان كذبا على الأمة المؤمنة أخطار كوارثية هائلة. كان هناك مفصل من مفاصل حركة الحسين عليه السلام، وثورته المباركة قد سبب الخلل فيه كارثة عظيمة، ذلك من خلال دور معقلٍ في دخوله على مسلم، وما دخل إلا بوجهٍ يقول عنه بأنه مخلص وبأنه مؤمن وبأنه حريص على الإسلام. ليس كل من في الصفوف في المساجد مؤمناً حقا، وعملية الاختراق عملية خطيرة جدا، وعلى المؤمنين في كل عصر أن يكونوا على نباهة كافية بالنسبة لهذه المسألة الخطيرة.

12. بقاء الدين برسالييه. الدين يحتاج دائماً إلى رساليين، وحيث لا يوجد رساليون لا يوجد دين، فعلى الأمة دائما أن تخلق الظروف لوجودهم فماذا لولا الإمام الحسين عليه السلام؟ ماذا لولا أهل البصائر وقرّاء المصر، والمرأة الصالحة العالمة الصابرة ممن كان مع الحسين عليه السلام؟! لو لم يكن الحسين عليه السلام سيد أهل البصائر، ومن معه من أهل البصائر لما وصلكم إسلام.

13. معركة الدين مع أعدائه معركة الأمة كلها، وليست معركة فئة خاصة، هي فئة المثقفين أو فئة العلماء، هل من ناصر ينصرنا؟ هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله صلى الله عليه وآله؟ إذا كان الإمام الحسين عليه السلام قد قال هذه الكلمات، إذا استغاث هذه الاستغاثة، إذا أطلق هذا النداء فهو لا يقول تعالوا دافعوا عنّي وعن أهلي، وإنما نداؤه تعالوا دافعوا عن قضيتكم، لأن أول من يحمل قضيتكم هو الحسين عليه السلام، لأن الذين يحملون قضيتكم بكفاءة وإخلاص هم أهل البيت عليهم السلام، وبعد أهل هذا البيت عليهم السلام لا مدافع عنكم، ولا يبقى لكم إسلام، تنتهون.

14. بيت النبوة هم أهل القيادة، فهو البيت الذي لم يتخل عن الدين والأمة في أي ظرف من الظروف القاسية، مرّ أحد عشر إماماً كل إمام منهم كان له الدور المدافع عن الأمة، الصائن لكرامتها، وكان يخوض معركة ولو بنفسه، ما منهم إمام ولو كان مسجونا أو طريدا قد تخلى عن دوره، راجعوا بيوتات الإسلام كلَّها، لن تستطيعوا أن تعثروا على بيت واحد وقف مع الإسلام وأخلص له وبصورة مستمرة دائمة غير هذا البيت الكريم الذي أعدّه الله لحماية الإسلام والذود عنه. أنا لا أدري كيف يبحث المسلمون عن بيت آخر؟!! ويزهدون في أهل بيت النبوة؟!! هنا ك خلفاء راشدون، هناك بيوت، أي بيت؟ أي خليفة أعقب نسلا لا يفارق الإسلام، ويتحمل كاهله مؤونة الأمة والدفاع عنها دائما وأبداً؟! لستم تجدون بيتا آخر غير هذا البيت تحمل المسؤولية الإسلامية على طول الخط وإلى اليوم غير هذا البيت.

15. الأمن في عزّ وشرف ودين، لا يقبل تجزئة بالنسبة للأمة وقيادتها، إذا كان الأمن الذي تطلبه هو أمن في عزّ وشرف ودين فإنك لست قادرا على أن تجده بلا قيادة مؤمنة، وبلا أمن لهذه القيادة، والقيادة المؤمنة لن تجد أمانا لها وحدها من دون أن تأمن جماهيرها، فالقائد المؤمن الذي يبحث عن أمان يخصه دون الآخرين واهم، والجماهير التي تبحث عن أمان لها من هذا النوع – من النوع الذي فيه عز وشرف ودين – مفصولا عن أمان قيادتها واهمة، وموقف العباس عليه السلام يريد أن يقول للأجيال هذا، وذلك حين رد أمان الشمر الذي نقله عن قيادته.

16. الحرب التي تتحول مدرسة للهدى، وللتصحيح ولتخريج الأجيال الواعية الكريمة هي الحرب التي تنطلق من الإيمان والقيم وتتمسك بالعنصر الأخلاقي والهدف النبيل في كل مراحلها حققت نصرا عسكريا أو لحقتها الهزيمة. رافق العنصر الخلقي، رافقت روح الإيمان، رافق الحكم الشرعي وحدِّيتُه كل حروب الرسول صلى الله عليه وآله ومواقف أمير المؤمنين عليه السلام، وموقف الإمام الحسن، وموقف الإمام الحسين عليه السلام يوم كربلاء. لا يخرج المعصوم عليه السلام عن الحكم الشرعي أبداً، نعم، يوازن بين ما هو مهم وأهم، وقد يتخلى عن المهم إلى الأهم، وليس في هذا مفارقة للحكم الشرعي. من أراد لثورته أن تبقى مدرسة للأجيال، وأن تصحح للأجيال دربها، وأن تكون مرجعا من مراجع التاريخ المركزية فليبق على الخط الخلقي والإيماني في كل مفردات ثورته وانتفاضته وإلا فهي ثورة لوقت، وانتفاضة ليوم، وتذهب من بعد ذلك هباء أو تبقى لعنة على صاحبها.

17. إن البشاعات التي ترتكبها بعض الأنظمة الطائشة لا بد أن تنتهي للقضاء عليها، وفي حين أنها تتخذها لإسكات الأصوات، تجدها أخيرا أنها سبب للتفجير الخطير. وهكذا كانت بشاعات بني أمية.

18. لابد من تأريخ الأدوار الجهادية الصادقة حتى يكون هذا التاريخ مدرسة للأجيال، ووظيفة الإمام السجاد عليه السلام والفاطميات والأئمة من بعد ذلك تصبّ في صالح هذا التنبيه.

اللهم صل وسلم على رسولك الأمين، محمد وآله الطاهرين، وامنن علينا وعلى إخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، بأن تجعلنا ممن تحفظ به دينك، وتنشر به عدلك، وتهدي به إلى طاعتك، ولا تجعلنا من حزب الشيطان أبدا، واغفر لنا بمغفرتك وارحمنا برحمتك يا كريم. اللهم اغفر لوالدينا وأرحامنا وجيراننا وكل من كان له حق خاص علينا من أهل الإيمان والإسلام يا غفور يا رحيم.(1)

بسم الله الرحمن الرحيم
(وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3))

الخطبة الثانية

الحمد لله جبار الجبابرة، قاهر القاهرين، حاكم الحاكمين، لايرد قضاؤه، ولا ينقض أمره، ولا يغلب منعه، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيراً.

عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله فهي الذخر ليوم المعاد، والمعبر على المجاز، والطريق إلى مرضاة الرب، وبها يطلب عنده المهرب. فخير ما جنته نفس في هذه الحياة تقواها، وهي زاد نجاتها في مرجعها لباريها.”…. وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ” 197/ البقرة.
أيها المؤمنون الدنيا حقير قدرها، وذلك لمن كانت كلَّ نصيبه، عظيم أمرها فيما تعقبه من جنة أو نار، ونعيم دائم أو شقاء مقيم.

ولا يسعد بدنياه إلا من أفضت به إلى سعادة الأبد، ولن ينال السعادة إلا المتقون.
اللهم لا ينال خير إلا بك، فارزقنا معرفتك، واجعلها طريقنا إلى تقواك، ووسيلتنا إلى الفوز برضوانك. اللهم صلّ وسلّم على خاتم الأنبياء والمرسلين، ورحمتك للعالمين محمد وعلى آله أجمعين.

اللهم صلّ وسلّم على عليّ أمير المؤمنين، وإمام المتقين. اللهم صل وسلم على الهادية المهدية فاطمة التقية النقية. اللهم صلّ وسلم على الإمامين الزكيين، والسبطين الرضيين، الحسن بن علي بن أبي طالب وأخيه الحسين.

اللهم صلّ وسلّم على أئمة الهدى، وأعلام التقى، والحجج على أهل الدنيا علي بن الحسين السجاد، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري النجباء الأصفياء.

اللهم صلّ وسلّم على إمام العصر، الموعود بالنصر، من يملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا، القائم المنتظر، محمد بن الحسن الأغر.

اللهم عجل فرجه، وسهل مخرجه، وبارك مقدمه، وانصره نصرا مبينا، وافتح له فتحا يسيرا، واحفظه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، ومن فوقه ومن تحته يا أرحم الراحمين، يا من هو على كل شيء قدير.

أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات..
فنظرة إلى الحرب العراقية التي يصر عليها الرئيس الأمريكي رغم المعارضة الواسعة حتى داخل أمريكا، وهي معارضة من منطلقات وأهداف منها إنساني ومنها ما هو داخل في الحسابات المادّية الصرفة، فهنا نقاط:
1. من المؤلم أن دول العالم تصطرع حول المسألة؛ تصنع تاريخنا، تختلف عليه، تختلف في أدوارها من صناعته، ترسم لنا خريطة مستقبلنا، تتدخل في حاضرنا، أما الدول الإسلامية فتنتظر وكأنها لا تمتلك أي فعل في الأحداث العالمية من صنع الإنسان، كأنها ليست على وجه الأرض، كأن المسألة لا تعنيها، وكأنها قد أقعد بها العجز إلى الحد الذي يعفيها من أي دور. أمة هي الكسيح من بين الأمم، مؤلم جدا أن يكون هذا، فرنسا والصين وروسيا… الدول الكبرى، والدول الصغيرة تحاول أن تدخل بجدّ في صياغة هذا الحاضر والمستقبل، أما الأمة الإسلامية التي يُخطَّط لحاضرها، ويُخطَّط لمستقبلها على يد عدوها فهي تنتظر وتتفرج، وتُسكت جماهيرها أحيانا عن الكلمة.

2. ما هو المفضل عند أهل الحرب، تصفية النظام أو ترحيله؟ ولماذا؟ في تقديري أن الأفضل عند أهل الحرب هو ترحيل النظام، وليس تصفيته، عدد من الشاهات وعدد من الملوك تفصل عن دورها آنيا وفعلا، ولكن تبقى ورقة مدخرة بيد الاستكبار العالمي؛ يستعملها ويخرجها ثانية ملمّعة مؤهلة إعلاميا لتتولى شأنها الأول من جديد. ورقة نظام البعث ليست رخيصة على الاستبكار في العالم فلن يقصد إلى حرقها نهائيا إلا عند الاضطرار. والمفضل أن تبقى هذه الورقة غير فاعلة إلى وقت ما.

3. ماذا تتصورون لو خيّر أهل الحرب بين بقاء النظام ونظام يميل للإسلام، بعدل الإسلام وسلميته وإنسانيته؟ لو وجد الاستبكار العالمي نفسه بفعل انقساماته، واختلافه على المصالح أنه لا يستطيع أن يرحل النظام ولا أن ينهيه، فإما أن يبقى هذا النظام أو يأتي الإسلام بديلا له. ما هو المطلوب؟ ليس الاستبكار العالمي وحده وإنما معه الكثير الكثير من الدول الإسلامية الذي يفضل بقاء نظام البعث في العراق على أن يأتي نظام يميل إلى الإسلام بديلا له. أعدى عدو في نظر الدنيا اليوم – وهي معذورة، لأنها جاهلة، لأنها ساقطة- أعدى عدو في رؤيتها الساقطة وفي ظل رؤيتها الجاهلية هو الإسلام. فنظام يميل للإسلام في العراق مرفوض نهائيا، وبقاء نظام البعث هناك هو الأفضل عند هذا الخيار.

4. فلسطين والمنطقة كلها أمريكية إسرائيلية عبر البوابة العراقية، لماذا؟ لأن المستسلمين اليوم هم أكثر استسلاما غدا، المستسلمون اليوم أمام الإرادة الأمريكية بعد سحق العراق سحقا والسيطرة التامة عليه هم أكثر استسلاما، وفي ظل هذا الاستسلام النهائي تتحول فلسطين والمنطقة كلها إلى مملكة أمريكية يتصرف فيها الأمريكي كيفما شاء.

5. غيارى الأمة سيكونون أمام حرب طويلة مع الاستعمار الجديد. الأمة لن تفقد الغيارى، والتربية الإسلامية الشعبية المستمرة خلقت جيلا صامدا، الشيء الوحيد الذي يفقده هو القدرة في ميادين الحرب، وهو القدرة الاقتصادية، وهو القدرة من خلال مواقع القرار، لكن هؤلاء الغيارى وكما نجد إصرارهم في فلسطين وفي جنوب لبنان وفي مناطق أخرى وفي كل التأريخ وفي كل الأزمات لن ينهزموا أمام الواقع الأمريكي، ولن يستلموا مع استسلام الأنظمة، سيقاومون إلى أقصى حد، وبكل الوسائل المتاحة، وكما تقدم في حديث سابق سيتعبون ويُتعبون.

6. الحرب الإرهابية التي تشنها أمريكا هي نهاية الإرهاب أم بدايته؟ كثير ممن في العالم يختار هذا الجواب، وهو أن هذه الحرب الإرهابية هي بداية إرهاب عالمي واسع، وهذا هو المظنون لأن الإنسانية لم تمت كلها، وإذا لم تمت كلها وكانت هناك إرادة غير الإرادة الأمريكية حتى في العالم الغربي، وحتى على مستوى الأنظمة الاستكبارية فإن الفتنة ستكبر، والإرهاب سيشتد، لن يكون إرهاباً من الدائرة الإسلامية كما يقولون وإنما سيكون إرهاب عالمي يشارك فيه الكافر والمسلم، وكل حريص على وطنيته، وكل حريص على قوميته.

محلياً:
أرحب بهذين المطلبين وهما إيقاف تمليك الأراضي العامة للبيع، وإلغاء فوائد القروض للإسكان، وعلى مستوى المطلب الأول، كانت لي كلمة في المجلس الوطني السابق هي أن توزيع الأراضي في البحرين يزيد الغنيّ غنى والفقير فقراً، وواقع المسألة هو هذا. هذه أرض عامة للجميع، تؤخذ من الجميع لتغني فردا، ولتكون بابا له لاستراق أموال الناس واستنزاف ثرواتهم. الفقير المحتاج إلى خمسين قدماً في خمسين قدما ليقيم عليها بيتا متواضعا يكون محروما، وعليه أن يدفع أقساطا طَوَالَ عمره لقطعة الأرض هذه، أما من يملك الملايين فأمامه أن يتملك مساحة ألفين في ألفين الأقدام، وليست هي أول مساحة من هذا النوع وبهذا القدر يتملكها من الأراضي العامة ليتبذخ أكثر على حساب الآخرين. المطالبة بإيقاف تمليك الأراضي العامة للبيع مطالبة حقّة، وتكون الحكومة موفّقة حين تستجيب لهذه المطالبة.

وإلغاء الفوائد على قروض الإسكان مطلب لا ينبغي للحكومة أن تتوقف أمامه لأن الناس غرقى في ديونهم بسبب هذه المسألة، وأموال الإسكان هي أموال الثروة النفطية والثروة العامة، وليس أولى بها من هؤلاء الفقراء والمستضعفين والمحرومين.

اللهم صلّ على عبدك وحبيبك المصطفى وآله الشرفاء، واغفر لنا ولوالدينا وأرحامنا وجيراننا ومن كان له حق خاص علينا من إخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولكل ذي حق خاص علينا من أهل الإيمان والإسلام، واجعلنا جميعاً في درعك الحصينة التي تجعل فيها من تريد واحفظنا في ديننا ودنيانا يا كريم يا رحيم يا من هو على كل شيء قدير.

“إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)” النحل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- ملحوظة:-
1- قد لا تخلو الخطب في صورتها المكتوبة الأخيرة من حذف لجملة أو أكثر مما يُلقى في الأثناء شرحاً لمعنى مثلاً، أو زيادة كلمة مغفول عنها، أو حرف طلباً لإيضاح أكثر وما شابه ذلك.
2- أهمل الكلام عن أمرين في هذه الخطبة في الإلقاء سهواً:
* الإسلام يأخذ بالخلق الكريم، والواقعية الضرورية، وتقدير المهم والأهم في المسألة العامة في مختلف الموارد متروك للقيادة أو من يمثِّلها، وهي وظيفة بالغة الأهمية وتحتاج إلى كثير من خيرة، وكثير من فقه، وكثير من تقوى. ومسلم بن عقيل رأى الأهمية بحسب تشخيصه حين عفَّ عن قتل عبيدالله بن زياد في بيت هانئ لجانب الخلق، أو أنه على الأقل رأى الاحتياط في تقديم هذا الجانب لتردده.

* لا حدّ للبذل في الدين ما دام هو الأصلح لبقائه. وليس أعزّ من رأس الحسين عليه السلام رأس بعده، ولا أكرم من أهل بيته أهل بيت. وما لاقى شهيد في الإسلام من أجله ما لاقاه الحسين عليه السلام قبل الشهادة وبعدها في سبيل الله، وما أوذي أهل بيت مختارين تضحية للدين كما أعقبته كربلاء من أذى لأهل بيت رسول الله صلَّى الله عليه وآله وعلي فاطمة والحسن والحسين عليهم السلام أطفالاً ونسوة وعليلاً.

زر الذهاب إلى الأعلى