خطبة الجمعة (95) 21 ذي القعدة 1423هـ – 24-1-2003م
مواضيع الخطبة:
قامة الوجه للدين – الحرب القادمة – لا ديموقراطية مع خنق الأصوات
ومن لوازم كلِّ الأنظمة الديموقراطية على اختلاف مراتبها وخصائصها الصنفية والشخصيَّة، ومنها النظام الملكي الدستوري الذي يشارك الشعب في الموافقة عليه أنها لا تُلغي إرادة الشعب نهائيا، ولا تكمم الأفواه وتسكت صوت المعارضة، بل تفتح له أبواب التعبير، وقنوات النقد السياسي بما يعطيه حرية الحركة في إطار الدستور،
الخطبة الأولى
الحمد لله إلهِ كلّ مألوه، وربِّ كلّ مخلوق، بديعِ السماوات والأرض، لا خالق غيرُه، ولا بديع في الصنع مثله، وارث كلّ شيء، ولا يرثه شيء. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ كل إله دونه زور، وكلُّ معبود سواه كذب.
وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله ما دعا لغير ربّه، وما خضع لمن سواه، صلّى الله عليه وآله الهداة.
عباد الله أوصيكم ونفسي الأمَّارة بالسوء بتقوى الله، وأن لا نشرك به أحداً؛ وما أكثر ما نقع في الشرك الخفي فيما تحتضن منَّا النفس من مشاعر، وفيما نقول، ونعمل ونحب ونبغض، ونصادق ونعادي. وما أشد الحاجة إلى مراقبة النفس، والنظر في المشاعر والخواطر، والالتفات إلى القول والعمل، وما وراءهما من دوافع، والمحاسبة في كلّ هذه الأمور لعل النفس تتخلص من بعض ظلماتها وتصحو، وتؤوب إلى بارئها وتنجو.
اللهم أنقذنا من الضلال، وأخرجنا من الظُّلَم، ونزهنا من الشرك، وأخلصنا لك، وآنسنا بذكرك، وصلِّ على عبدك ورسولك محمد وآله يا كريم يا رحيم.
أما بعد فلنقف عند قوله تعالى:”فأقم وجهك للدين القيّم من قبل أن يأتي يوم لا مردّ له من الله يومئذ يصدّعون”.
نستضيء بنوره، ونتفيء ظلاله، ونأخذ من هديه.
1) إن إقامة الوجه للدين خلوص التوجه له، والإنشداد كلّيّاً إليه، بلا ميل إلى يمين أو شمال، لأن لا جاذبية لشيء آخر يوازي جاذبيته، ولا ثقة بأي طرح كان كالثقة به، بل لا اعتبار بغيره، ولا احتمال للخير في ما خالفه. وهذا هو مقتضى الإيمان الكامل بدين الله واليقين الثابت بأنه من عنده. فلا ركض وراء الشعارات من هنا وهناك، ولا تلتفت للغثِّ الكثير المستورد من شرق أو غرب، أو ما يأتي به بشر أيَّاً كان، ومن أي مكان، وفي أي زمان كان أو يكون، مما يخالف كلمة الوحي وحكم السماء.
2) وذلك كله لأن المأمور بالتوجه إليه هو الدين القيَّم الذي لا عوج فيه، ولا يدخل بناءه خلل، ولا لَبِنَة فيه من الباطل، أو الفكر المهزوز، أو الشعور السقيم، أو التوجه الضار، أو ما ينطلق من وهم بشري، وضعف أرضي، أو هوىً عابث. وهو المنهج المتفرد بالمتانة والسلامة، فلا وجود لمنهج قيّم آخر، ولا طريقٍ مستقيمٍ غيره. ولهذا لزِم أن يكون الإنشداد وإليه مطلقاً حيث ليس في ما سواه منجىً ولا خلاص، ولا سموٌّ ولا فلاح.
إنه دين قيّم لا يقبل السقوط؛ تسقط كل الطروحات وهو قائم لا يفعل فيه الزمن ولا يهِنُ له بناء أن يتقدم فكر الإنسان وتجربته. أصوله تمتد في أغوار الضمير وأعماق الكون وهي مما تقوم به السماوات والأرض. وفروعه لا تعدل عن الحق، ولا تميل عن الصواب، ولا تخطئ المصلحة، وأخلاقه تتبعثر الحياة وتعم الفوضى حين يهمل جانبها. لغته لغة النظام الكوني العام صدقٌ وعدل وانسجام وتوحيد ونداء حقٍّ جلي، وخلق كريم، وتعاون في الخير، ورفض للفوضى والعشوائية والانفلاب.
قيّم هذا الدين كلُّه في قدرته التامة على تحمل أعباء القيادة للمسيرة البشريَّة بما لا يطيق غيره من نظم وطروحات. عطاءاته تتقدم المسيرة البشرية، ولا تتخلف عنها، ولا يمكن أن تبطّئ حركة الحياة الكريمة أو تشلَّها، أو يكون من بينها ما ينحرفُ به المسار عن الحق، ويعدلُ بالنَّاس عن المصلحة والسعادة. الحياة دائماً على خط هذه العطاءات متقدمة لا متعثرة، مستقيمة لا منحرفة، غنية لا فقيرة، على هدى لا ضلال، يغمرها النور لا الظلمة. وليست هناك فراغات في عقيدة أو تشريع أو تربية وخلق في الإسلام يمكن أن تملأ بالبديل فبناؤه تام، وعمارته كاملة، ويتحمل دوره بأعلى كفاءة، وأدقّ أداء.
يتحرك الإسلام بحياة الإنسان على مسارها الصحيح في ضوء علم حضوري كامل لما هو المنطلق الحق، والهدف السديد، والمنهج الصائب، والموضوع كما هو خارجاً وحقيقة، والذي يتمثل في الإنسان، وفي ضوء علم حضوري بكلِّ مالَه من هذا الكون العريض الذي لا يحيط به الإنسان خُبراً، من تأثير على هذا الكائن في حياة روحه وبدنه، وتقدُّمه وتأخره، وما ينبغي أن يكون منظوراً في توجهه وتشريعه.
3) إقامة الوجه للدين ضرورة فردية واجتماعية للإنسان ولذلك جاء الأمر الإلهي الحكيم بها جليّاً صريحاً لا يحتمل التأويل “فأقم وجهك للدين القيّم..”، مدعوماً مع مولويته –مع مولوية هذا الأمر- ببيان الوجه في ضرورته، متوعَّداً على إهماله ومخالفته بيوم يعسر فيه الحساب، ويشتد العقاب، ولا يكفي من هوله أحد، ولا يدفع فيه دافع عن أحد، وأمره خالص بيد الواحد القهّار. تقول الآية الكريمة:” فأقم وجهك للدين القيّم من قبل أن يأتي يوم لا مردّ له من الله –هناك توعُّد- يومئذ يصدّعون”.
4) وذلك يوم تتصدع فيه الوحدة الأسرية والمؤسسيّة والحزبية والقبلية والوطنية والقومية والعنصرية وكل وحدة يشعر من خلالها الإنسان هنا –في هذه الحياة- بالدفء والقوة والحماية والاعتزاز، وتتهدم كل القلاع، ولا تنفع علاقة من العلاقات إلا العلاقة بالله وفي الله “الأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين”، علاقاتنا هذه كلّها تنفرط، وتتناثر وتتلاشى وقد تتحول بل تتحول قطعاً في الكثير منها إلى عداوات يوم القيامة وكل طرف من الأصدقاء على الدنيا وعلى الباطل يلعن الطرف الآخر، ويقول سبحانه “يوم الناس كالفراش المبثوث” فمن أراد أن يتترس غداً فليطلب اليوم ترسا من الإيمان، وأن يحتمي غداً فليطلب اليوم قلعة من التقوى، وأن يتحصّن غداً فليطلب اليوم حصناً من العمل الصالح والنية الخيّرة والتوجه إلى الله، وإلا فلا ترس، ولا قلعة ولا حصن يوم يقوم الأشهاد من النار وغضب الجبار.
اللهم صلّ محمد وآل محمد، واجعلنا من الأخيار لا الأشرار، ومن أهل الجنة لا النار، وأحينا ما أحييتنا على الإسلام، ولا تمتنا إلا على الإيمان واجعلنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات من سعداء الدارين، واغفر لنا ولهم ولوالدينا وأرحامنا وقراباتنا وجيراننا ومن له حق خاص علينا يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين.
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
الخطبة الثانية
الحمد لله الواحد الأحد المتوحِّد، الفرد الصمد المتفرّد، الرقيب الحسيب، المحيط بكلّ شيء علمُه، والمهيمن على كلّ شيء سلطانُه. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين، وتمامُ عِدة المرسلين، صلّى الله عليه وآله أجمعين.
عباد الله علينا بتقوى الله الذي لا أملك منه للنفس وما ملكت، وما به قِوامها، ولكلِّ سبب من أسباب بقائها، ولا يملك أمرَها إلا هو، ولم تكن إلا من فيضه، ولن ترجع إلا إليه.
عباد الله فلنتخذ من الدنيا دليلاً على الآخرة فيما وعد الله به من رحمته، وفيما حذَّر به من نقمته، فهذه الدنيا تجدون فيها من رحمة الله ما يسع المؤمن والكافر، وقد وعد برحمته المؤمنين في الآخرة، وتجدون فيها من شديد أخذه، وأليم عذابه، وما قد يُعجّل به من عقوبته، أو يربي به من ألوان البلاء عبادَه ما لو أصغت إليه القلوب لَرَشَدَت، وانتبهت إليه النفوس لتأدَّبت، وما الدنيا بما فيها إلا مَثَلٌ صغيرٌ عند الآخرة. فهنيئاً لمن صدَّق بوعد ربه الكريم فجدَّ في سبيل الخير طامعاً، وأيقن بوعيده الشديد فتجافى عن الشر حذِراً، وخاب من رأى الأمر لعِباً، واتخذ وعد الله ووعيده هزواً.
اللهم اجعلنا أخوف ما نخاف من عدلك، وأحذرَ ما نحذر من عقوبتك، وأرجى ما نرجو رحمتَك، وأطمع ما نطمع في ثوابك.
اللهم صلّ وسلّم على خاتم المرسلين، الصادق الأمين، وقدوة العالمين محمد وآله الطاهرين. اللهم صلّ وسلّم على أمير المؤمنين علي إمام المتقين. اللهم صلّ وسلّم على الزاكية الراضية، فاطمة المهدية الهادية. اللهم صلّ وسلّم على إمامي الورى، والطريق إلى جنة المأوى، الحسن بن علي المجتبى، والحسين بن علي شهيد كربلاء. اللهم صلّ وسلّم على الأوصياء الأولياء، والأئمة النجباء علي بن الحسين السجاد، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري الأتقياء الأصفياء.
اللهم صلّ وسلّم على المنقذ من الجهالة والضلالة، والمُخلِّص من الشقاء والبلوى، ناصر الدين، وقائد المؤمنين، ووارث علم النبيين، المنتظر والمؤتمن، قائم آل محمد، محمد بن الحسن.
اللهم عجّل فرجه، وسهّل مخرجه، وزين به الأرض بالإيمان، وطمأن به قلوب المؤمنين بالأمان، وادحر به أهل الضلال والطغيان، ونكِّس به رايات الكفر والشرك والشيطان.
اللهم الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والعاملين في سبيلك، وتبليغ كلمتك أيدهم وسدِّدهم وادرأ عنهم، وحقق أمل الأمة فيهم يا كريم يا رحيم، يا قوي يا متين.
وبعد أيّها المؤمنون والمؤمنات هنا موضوعان:
1. الحرب القادمة:-
هذه نُذُر الحرب التي تقف على الأبواب في منطقتنا التي تمثل ثقلاً إسلامياً هائلاً على مستوى التاريخ والإنسان والثروة تتصاعد وتيرتُها في البيانات وعلى أرض الواقع، وكأنّ لهب الحرب بدأ يشتعل ليحرق ويدمِّر، ويفتح الطريق لكل التغييرات المطلوبة للغزاة، ويرسم الخارطة الجديدة للمنطقة بما يُمكِّن من قبضة رسل السلام الأحمر والشيطاني على مقدُرات الأمة ومقدَّراتها بصورةٍ أكثر إحكاماً وأضمن للاستمرار.
ولكن حتى هذه اللحظة المتأخرة يمكن للأمة شعوباً وأنظمة خاصة في ظل الرفض الآخذ في التوسع عالميّاً على مستوى الشعوب والأنظمة المختلفة من منطلقات متباينة أن تقف بتوحدها ورفضها للحرب وتنسيقها مع دول العالم الرافضة حائلاً بإذن الله دون إشعال المنطقة ودخول الأمة في حرب داخلية من الصعب جدّاً أن تُحدَّد نهايتها تبعاً للانقسام بين الأنظمة والشعوب على الموقف من التسهيل والتمكين والمناصرة للعدو الأجنبي الذي يستهدف الأمة كلَّها بالتدمير والسيطرة والإذلال وفرض إرادته الباغية على مسارها ومصالحها.
والاعتذار بالقلق الأمني الدائم في المنطقة والذي يثيره الوضع الرسمي في العراق ليس مقبولاً أبداً سبباً لفتح أبواب هذا البلد المسلم وبلدان المنطقة كلها للعبث الأمريكي الذي لا يقيم وزناً لقيم ولا إنسان. وليس من المنطقي أصلاً أن يُستبدل بطغيان داخلي طغيان خارجي أشدُّ قدرة على الفتك، وأمضى سلاحاً، وأكثرُ عدداً وعُدَّة. وهذا العدو نفسه هو الذي أفشل الانتفاضة الشعبانية المباركة في العراق لتخليص أبنائه وتخليص المنطقة كلها من هذا القلق الدائم، وهو الذي أمدَّ النظام العراقيَّ سياسيَّاً وعسكريَّاً ليكون شرطي العراق وشرطي المنطقة كلِّها من غير أن يعرف الرحمة، أو يرعى إلَّاً أو ذمّة.
وبدعم دول المنطقة –وللأسف- سياسيَّاً وإعلامياً واقتصادياً وعسكرياً للنظام في العراق كما كان ومباركة تملكه واستعماله لسلاح الدمار الشامل كان له الموقع والقوة، وكان له البطش الذي أقضّ مضجع هذه الدول وأبكاها. وما كان مستحيلاً على الأمة بالأمس، وليس بمستحيل عليها اليوم أن تتخلص من النظام العراقي الذي تراه شراً عن طريق شعبه الذي يقاسي منه ما لم يقاسه غيره.
ومن المدمي للقلب أن لا تكتفي الأمة اليوم بموقف التفرج من شعوب مسلمة ثلاثة تُسلب إرادتها بصورة علنية صارخة، وهي الشعب الفلسطيني، والأفغاني، والعراقي حيث طُبق القرار الأمريكي الإسرائيلي فعلاً في أفغانستان وهو آخذ طريقه للتطبيق في فلسطين والعراق بفرض حكومة أمريكية إسرائيلية في الأقطار الإسلامية الثلاثة ابتداءً وإن كانت من أشخاص أفغان أو عرب مسلمين في الاسم، على أن حكم شعوب الأمة كلِّها هو حكم هذه الشعوب الثلاثة فيما تريده لها أمريكا وإسرائيل. فكلُّ الحكومات في البلاد الإسلامية بقاؤها في النظر الأمريكي مشروط بالموافقة الأمريكية التي لا ينالها أحد إلا بالتيقن من إخلاصه للأهداف التي يُعيّنها له الساسة الأمريكيون في كل المجالات ومنها مجال التربية والتعليم، وصناعة الإنسان بما يكفل أن تكون أرض الأمة منجماً تستنزفه المصالح الأمريكية، وإنسانها عبداً ممتثلاً لأوامر السادة، ومأمون العصيان والمقاومة.
2. لا ديموقراطية مع خنق الأصوات:-
لكل نوع من الأنظمة والطروحات السياسيَّة مقوِّماته، ومعالمه، ومقتضياته، وآثاره، فما يسمى بالأنظمة الديكتاتورية، أو الديموقراطية، أو ما هو النظام الإسلامي الذي يمثل نوعاً مستقلاً من الأنظمة، ويباين بطبيعته كل نظام آخر مما تنتجه الأرض، تختلف فيما بينها في كل الأبعاد المشار إليها، وإنما يُعرف الواحد منها خارجاً بما يميزه من ناحية الواقع من تلك الأبعاد المتعددة.
ومن لوازم كلِّ الأنظمة الديموقراطية على اختلاف مراتبها وخصائصها الصنفية والشخصيَّة، ومنها النظام الملكي الدستوري الذي يشارك الشعب في الموافقة عليه أنها لا تُلغي إرادة الشعب نهائيا، ولا تكمم الأفواه وتسكت صوت المعارضة، بل تفتح له أبواب التعبير، وقنوات النقد السياسي بما يعطيه حرية الحركة في إطار الدستور، ويحافظ على الهُويَّة الديموقراطية، ويتطور بها على المسار نفسه، وبآليات من طبيعة هذا المسار.
ومن أجل بقاء الطابع الديموقراطي، وممارسة الحرية السياسية المتاحة دستوريّاً، ومن أجل قيمة ملحوظة لهذه الممارسة لابد من وجود عقلية سياسية اجتماعية متدرّبة حتى يتاح لها أن تناقش الأمور العامة، وتلاحق مساحة الشأن السياسي استقراءً ونقداً واقتراحاً ومطالبةً بوسائل دستورية مكفولة لا يستتبع تحريكُها أي إزعاج رسمي ولا توجيه التهمة لمن يطالب بالحقوق.
وهذا يجعل المؤسسة السياسية الأهلية التي تمارس تحريك العقلية العامة سياسياً، وتقوم بدور الرقابة والنقد والمحاسبة والتوجيه من خارج المؤسسات الرسمية في إطار صلاحياتها الدستورية من متطلبات الوضع الديموقراطي لمن يريد الاعتماد عليه.
فلا معنى للديموقراطية بلا مؤسسات وأصوات سياسية تمارس حريتها في عملية النقد الموضوعي، وتعرية الأخطاء، والمطالبة بالحقوق، والعمل الدستوري على تطوير الأوضاع وتصحيحها باستمرار من غير حاجة إلى توترات ومواجهات لا تجلب إلا الشر على جميع الأطراف.
وحالة التشنج التي تخلقها المضايقة للتعبير الدستوري لبعض الجمعيات تتهافت مع أدنى حالات الديموقراطية، وتفتح باباً واسعاً لمصادرة كل الحريات الصالحة.
والطموح أن تتجه الكتابات والمواقف كلها رسمية وأهلية للتأكيد على الوحدة الوطنية الثابتة ومقوماتها من العدل والإنصاف على مختلف الأصعدة، وفتح الفرص المتكافئة للرقي أمام المواطنين، ومن كل القيم الإلهية الرفيعة التي تنهدّ الجبال الرواسي هدّاً، ويندك أقوى المجتمعات اندكاكاً بغيابها، ولم تضعف إلا وأصاب المجتمع الإنساني التصدُّع والفوضى والاضطراب، ونال الماء واليابسة من غيابها فساد كبير وخراب مروّع ودمار شديد.
هذا كلام على مستوى الديموقراطية أمَّا السعادة الكبرى والحياة الراقية الآمنة الهانئة وكسب الدنيا والآخرة فإنك تبحث عنها حتى الدّوار، ولا يمكن لك أن تجدها إلا في رحاب الإسلام العظيم.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، وأخرجنا من كلّ سوء، وأدخلنا في كلّ خير وإخواننا المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، واغفر لنا ولهم ولوالدينا وأرحامنا وجيراننا وكل من كان له حق خاص علينا يا تواب يا كريم، يا رحمن يا رحيم.
(إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون).