سماحة آية الله قاسم: “محاربة الإرهاب .. الدليل غير واضح”
بسم الله الرَّحمان الرحيم
الحمد لله والحمدُ حقّهُ كما يستحقه ويليق بكماله، والصلاة والسلام على خاتم رسله وآل رسوله الهداة الأبرار، وعلى أصحابه الأخيار.
محاربة الإرهاب – الدليل غير واضح
في الأرض طغاةٌ كبارٌ استكباراً وإمكاناً، وهم زعماء الاستكبار فيها والمصدر الرئيس لمن يعيث فيها الفساد وينطلق عنه الشر.
وفي الأرض طغاة دون ذلك إمكاناً، ولا يقلون عن زعمائهم فيه استكباراً وعدواناً.
والكل أفسد، ودمّر، ونهب، وقتل، وأرعب. الأوّلون غزوا بلدان الآخرين بظلم وفتكوا ونهبوا واستثمروا خيرات الشعوب وأفقروها ودمّروها، وحصدوا من أرواح العالم الملايين خدمة لطغيانهم.
ومما فعلوا أن أقاموا في البلاد التي سيطروا عليها حكومات عميلة تحكم عنهم بالوكالة لإبقاء الشعوب تحت قبضة القهر الباطش، في ذل العبودية، والتخلف الشامل، درأً لنهضة الأمم والشعوب المستولَى عليها عن طريق الحروب الطاحنة، وبطش القوة.
ومكّن لهم من مكّن من طلّاب السلطة التبعيةِ الذّليلةِ من الشعوب المستهدفة، وكان لهؤلاء العملاء أن مُكِّنوا من قِبَل كبَار الطغاة في الأرض من رقاب تلك الشعوب والأمم.
واستمرَّ صنعُ الحكومات العميلة المعادية لأممها وشعوبها على يد الاستكبار العالمي لاستبدال من يريد استبداله نظراً لمصلحة رعاة هذا الاستكبار وطغيانهم.
وكان نصيب أمّتنا من الحكومات الخائنة للأمة وافياً غير منقوص ممن يعطون الولاء لكبار الطغاة، ويقرّون لهم عملاً بالعبودية.
كان هذا، وكان الفتكُ بشعوب الأمة، وتفكيكُ وحدة الشعب الواحد، ومطاردةُ أحرار أيِّ شعب ممن يمتلك الاعتزاز بحريته، والغَيرة على دينه، ووطنه.
جرى هذا ولا زال يجري على يد الحكومات العميلة للاستكبار العالمي ويعصف بوجود شعوب الأمة، ويحرق أوطانها.
فتّتوا وحدة أمّتنا ومزّقوا شملها، ولا زالوا يفعلون، واستعملوا كل وسيلة تطلَّبَها هذا الهدف الخبيث من قوميّة، وقطرية، وطائفية، وطبقية، وقبليّة، وحزبية وغيرها.
وحاربوا الدّين بكل نوع من الحروب من خارج الأمَّة وداخلها حتى لا تقوم لوحدتها ونهضتها قائمة أبداً.
ومنعوا عن طريق الحكومات العميلة من التقدم العلمي للأمّة مما يناسب إمكاناتها وشأنها، وعلى يد الأحرار من أبنائها، وجعلوها في موقع الحاجة والاضطرار للغرب في كل شأن مهمّ من شؤون الحياة.
وآخر ما تفتّق عن العقلية الشريرة للطغيان العالمي وبمساعدة الكيانات الحاكمة العميلة أن أنشأوا ظاهرة الإرهاب في الأمة باسم إسلامها كيداً بالإسلام وإسقاطاً له، وللمزيد من بعثرة وجود الأمة، ومواجهة بدايات صحوتها، وانتفاض إرادتها الانتفاضة الجدّية.
أنشأوها وغَذّوها بكل ما يجدون من أسباب بقائها وترسيخها وانتشارها قضاءً لمآربهم الخبيثة. والكيدُ هنا كيد بالإسلام بكل مذاهبه، وبالأمة بكل فئاتها وطوائفها وتوسّلاً بشعار الإسلام نفسه.
كل ذلك فعلوه وبمساندة من حكومات لا تلتقي مصالحها الضيّقة الغبيَّة مع مصلحة الإسلام وصحوته، والأمَّة وقوّتها ووحدتها، ولا مع وحدة الشعب الواحد ممن يفرِض نوع هذه الحكومات هيمنته عليه.
فعله المستكبرون الطغاة الزعماء والأتباع وهم آمنون من أي تَبِعة سلبية مما يفعلون، وأيّ شرّ مما يمكرون. وكل همهم في ذلك الكرسيُّ والسلطة والتحكم في مصائر الآخرين كما يشتهون.
واستقبل الغربُ من استقبل، وفتحَ الباب لمن أراد قبل الزحف العام من الهاربين من جحيم البلاد الإسلامية التي تحوّلت إلى جحيم من صنع الاستكبار والحكومات العميلة طمعاً في شراء ضمائر من يستطيع شراء ضميره، وصناعة من يصلح لعمالته، وإيجاد طوابير وعساكر من شباب المسلمين وعقولهم الباحثة عن ملجأ لمواجهة الإسلام وأمّته، وقد نجح في مكره هذا بمقدار أتعب المسلمين.
لكن وقد بدأت صحوة إسلامية عند عدد ممن يعيش من المسلمين في الغرب، وبدأ الاعتزاز بقيمة الدّين والأمة عندهم، وبدأت الظاهرة الإسلامية تطلُّ بمحيّاها الكريم وإشراقتها هناك صار صدر الاستكبار وحكوماته يضيق بالظاهرة الإسلاميّة في دياره، ويحاربها إلى حدِّ أن حارب المنديل الذي يستر شعر الفتاة المسلمة ممن هناك.
وكانت الصَّدمة الكبرى للاستكبار العالمي وحكومات الغرب وحكومات الأمة التي ساهمت في صناعة الإرهاب وأقامت له كياناً قويّاً أفزع الأمة أنْ بدأ هذا الإرهاب يتهدّد وجود صانعيه وحاضنيه ومن أمدُّوه بأسباب القوّة والتوسّع والبقاء، وتركب موجتُهُ رؤوسهم، وتغزوهم في دارهم، وينال لهبُه منهم فصاروا يقيمون المعسكرات على الحدود، ويكثرون من عقد المؤتمرات في مواجهة الخطر الذي يظنونه كما يدّعون من التدفق الهائل من زحوف الفارّين من نار الإرهاب المشتعلة في ديار المسلمين والذي كان من صناعة الاستكبار وعملائه قضاء على أي أمل لنهضة الأمة، وإنهاء لما تبقى من وحدتها…
والغالبية ممن يفر إلى الغرب ومنّته وإهانته وإذلاله طلباً للنجاة من الموت وخروجاً من مأزق الجوع القاتل وجرائم الإرهاب إنما يسلكون في طلبهم النجاة طريقَ الموت الذي حصد منهم ولا زال يحصد الكثير.
ويجد الغرب لتوجساته من ظاهرة الزحوف المستمرة من معذَّبِي الإرهاب والظلم سبباً موضوعيَّاً في بلوغ الظاهرة الحدّ الذي لا يمكن السيطرة عليه وعلى الأعداد الهائلة من طالبي اللجوء من حضارة تُباين حضارته، وأمة عانت من ويلات ظلمهِ لها ما عانت وتعرف أن أزمتها من تصديره، وبدأت تعتز بقوّةٍ بذاتها وحضارتها.
وكلُّ الذين صنعوا الإرهاب هم اليوم مرعوبون منه، ويدّعون الجدَّ في محاربته. ولكن هل تراهم يصدقون في حربه، وإلى أي حدّ يصدقون في ذلك؟ وهل آمنوا فعلاً وبالدرجة الكافية بأن الإرهاب لا بدّ أن يأتي على مَنْ صنعه، ويحرِق فيمن يحرق مُنشئيه ورعاته؟
إن الصدق في محاربة الإرهاب له دلائله، ومن أهم دلائله أن يُعترف لشعوب الأمة بدينها، وكرامتها، وحريتها، وحقها في المشاركة السياسية والإمتناع عن إثارة أسباب الفُرقة فيها، وألا يُطارد أحرارها، وأن تخلوَ السجون ممن تكتظ بهم من هؤلاء الأحرار من المطالبين بالحق السياسي والعدل والحرية، وهذا ما لا يزال الحال على خلافه، وما لا تزال الشعوب تطالب به. وأن تنتهي عملية استئثار الحاكمين بالثروة، ومحاربةُ دين الأمة وتهميشها وإقصائها عن موقع القرار، والتأجيج للرّوح الطائفية في صفوف الأمة.
ومع هذا لا دليل على جدّية الحرب على الإرهاب. ولا تصدق هذه الجديّة إلا بتعديل الوضع السياسي والعدل في معاملة الشعوب.
نسأل الله العليّ القدير النصر والعزّ لهذه الأمة ومستضعفيها، والنجاة لكل مستضعَفِي العالم من كيد المستكبرين.
عيسى أحمد قاسم
27 محرم 1437هـ
الثلاثاء 10 نوفمبر 2015م