سماحة آية الله قاسم: الحسين (ع) باق، وكربلاء مستمرة
بسم الله الرَّحمان الرَّحيم
الحسين (ع) باق، وكربلاء مستمرة
محرَّم الإمام الحسين عليه السلام ليس داخلاً في ذهن أحد من العلماء أن يكون للفتن، ولا للاضطرابات السياسية والأمنية، ولا تمزيق الوحدة الوطنية، أو الإضرار بممتلكات عامة أو خاصة، وهو على مستوى الممارسة من جماهيره بعيدٌ كلّ البعد عن هذا الاتجاه، وكذلك هم خطباؤه، وإدارات حسينيّاته، ورواديده، ومواكبه، ومختلف فعّالياته.
وعاشوراء بطبيعتها ولو اقتصر إحياؤها على ذكر ما ثبت من كلمات الإمام الحسين عليه السلام ومواقفه وتضحياته وكذا ما كان من أصحابه، ثم ما جاء على لسان أعدائه وأيديهم لأمدّ الأجيال بالوعي واليقظة في كل الجوانب ومنها جوانب الصراع في مختلف الأزمان، واختلاف الأمة، والنزاعات بين الحكومات والشعوب، وزوّد أبناء الأمة بروح العزيمة، والإرادة التي لا تقرّ الظلم ولا تصبر عليه.
وهذا ما يعني بالضبط أن عاشوراء بلا وعي، ولا إرادة إيمانيّة حرّة، ولا إسلام حيّ، ولا إيقاظ للأمة، ولا دفع لها على طريق الحق ومناصرته، ومدافعة الباطل ومقاومته لا وجود لها.
وإرادة ألّا يكون لعاشوراء هذا المردود إرادة ألّا تُحيا عاشوراء، ولا تكون ولا تذكر على الإطلاق.
أمّا إرادة أن تكون عاشوراء لعون ظالم على مظلوم ؛ ولتبرير سياسة الظلم، وإقرار الفساد فهو مما يتناقض تماماً مع طبيعتها وإمامها وهدفها وعقليتها وتضحياتها ومبدئيتها الإيمانية الناصعة، وهو ما يعني خيانة كبرى لأمانتها لا يقدم عليها إلّا من باع دينه بدنياه وقدّم رضا المخلوق على الخالق، وطاعته على طاعته.
والمؤمنون بعاشوراء العارفون بقيمتها لا يقبلون أبداً أن ينسوها، أو يسمحوا لأحد أن يستغلها الاستغلال السيء الذي ينحرف بها عمّا كانت له بكل تضحياتها من خدمة الدين، ورضا الخالق.
وعاشوراء لا تقبل المحو كما هو الدين الحق الذي كانت من أجله حيث يستحيل على أهل الأرض من المعادين له أن يقضوا عليه.
فهناك أمنيتان لو تمناهما أحد، أو تمنى إحداهما كان عليه أن ييأس من تحقق أمنيته: القضاء على عاشوراء، وتضحية عشّاقها بها تحت الضغط، وتراجعهم عن إحياء لضخامة التضحيات. فمحو عاشوراء مستحيل بما كتب الله للحق أن يبقى ويظهر، وبما عليه المؤمنون من معرفة لقيمة عاشوراء، وإصرار على إحيائها ولو بأغلى الأثمان.
وقد أثبتت تجارب التاريخ ومحاولات طمس ذِكرِ عاشوراء، والإمام الحسين عليه السلام أن ذلك وبرغم قسوته وصعوبة مواجهته قد باء بالفشل وليس هذا فحسب بل زاد من شدة الالتفاف بقضية الإمام الحسين عليه السلام، وضاعف من التضحيات من أجلها.
وما قَهرت السياسة الظالمة المؤمنين بالحسين عليه السلام وثورته عن إحيائها الإحياء العام أو زيارة قبره الشريف يوماً إلا عاد ذلك بصورة أقوى وأشدّ وأوسع وأوعى، وليس بموقف صدّام حسين من هذه القضية وما جاء من رد فعل الأمة بعده ببعيد عن ذاكرة الجميع، وقد سبقته مواقف قبله مثل موقفه فاشلة خائبة.
وستبقى السياسات الدنيوية التي تعادي وعي الأمة ويقظتها وانتصارها لقيم الحق والعدل وهي قيم دينها وتطالب بحريتها وحقوقها مستمرة في محاولاتها اليائسة ولو للتقليل من وهج عاشوراء وفاعليتها الإيجابية العميقة في عقول أبناء الأمة ونفوسها وإرادتها وستبرهن في كلّ مرة على فشلها. وستبقى كربلاء المشعة، وسيبقى المؤمنون على وفائهم لها.
ونسأل الله الكريم العزّ لدينه وللمؤمنين والخير والأمان والحفظ والسلامة لوحدة المسلمين .
عيسى أحمد قاسم
19 محرَّم الحرام 1437هـ
الإثنين 2 نوفمبر 2015