خطبة الجمعة رقم (75) 28 جمادى الثاني 1423هـ – 6-9-2002م
مواضيع الخطبة:
في رحاب الصلاة (1) – حاضر هذا الوطن العربي الإسلامي البحرين ومستقبله
أقول عن العلماء بأنهم لو أرادوا أن يعلنوا عن المقاطعة أو المشاركة لكان لهم من أنفسهم ما يكفيهم للتعبير عن رأيهم بكل وضوح، ولا يحتاجون إلى التوكيل في هذا الإعلان أو ذاك، فكل التفسيرات الصحفية في هذا المجال تبقى تفسيرات للآخرين، ويبقى العلماء هم أصحاب الحق في إيضاح وجهة نظرهم متى أرادوا.
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي لا شيء إلا له، ولا مُلك إلا ملكُه، ولا قهر إلا قهرُه، وكلّ الأشياء محفوظة بحفظه، ومحتاجة إلى رحمته.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وإن من شيء إلا ويسبّح له، ويشهد بكريم لطفه. وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلَّم تسليماً كثيراً.
عباد الله اتقوا الله ولا تجعلوا للشيطان على قلوبكم سلطاناً، واطردوه بذكر الله، فإنّ قلباً يكون مسكناً لذكره سبحانه، لا يكون وكراً للشيطان، وإنما صلاح القلوب وفسادها، بأن تكون مساكنَ لذكر الله، فَتَشِفَّ، وتستنير، وتثرى بكلّ خير وطيّب، أو تكون مَحال وسوسة الشيطان فتُظلِمَ وتَقبُح، وتمتلئ بكل شر وخبيث. ومن فسد قلبُه، فسدته حياته، وأفسد على الآخرين الحياة، ومن صلح قلبُه، صلحت حياته، وكان منه لحياة الآخرين الصلاح. والمرء بقلبه؛ فمن خبُث قلبه كان الخبيث، وكلّ خبيث للنار، ومن طاب قلبه، كان الطيب، والطيّب مع الطيبين في الجنان.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، وأهِّلْ قلوبنا لذكرك، والأنسِ بمناجاتك، وأغلق منافذها عن الشيطان الرجيم وجنده الغاوين يا رحيم يا كريم.
أما بعد أيُّها المؤمنون والمؤمنات فهذه جملةٌ من النصوص المتعلّقة بالصلاة نتفيّأ ظلالها، ونتنفس منها النسيم، ونقتبس من هداها هدى للأرواح والقلوب.
1. يقول كتاب الله العزيز المجيد على لسان النبيّ إبراهيم على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام وعلى جميع أنبياء الله ورسله:”ربّ اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي” 40- إبراهيم.
سؤال حاجة، وسؤال فقرٍ يشعر به صاحبه، حاجة إبراهيم عليه السلام هنا حاجة إنسانية ضرورية، حاجة إلى الكمال، حاجة إلى أن يمتلك روحاً شفّافةً، نفساً طاهرة، قلباً مقبلاً إلى الله، أن يمتلك قوىً عقلية مدركةً عالية، نورانية روحية شفافة، قلباً فزِعاً إلى الله، مشتاقاً إليه، متعلِّقاً بجماله وجلاله. فبهذه العدة يكون الإنسان قادراً على إقامة الصلاة وليس أدائها فقط، طلب إبراهيم عليه السلام أن يقيم الصلاة بكلّ حدودها، وبكلّ أدبها، وبما تتطلب من إقبال القلب، وحضور العقل، ولهف الروح، والإنشداد إلى الله سبحانه وتعالى، إبراهيم عليه السلام هنا يطلب مستوىً إنسانياً محلّقاً يتقدم كلّ المستويات من أجل أن يكون مقيم الصلاة، وهو يطلب هذا للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ولأنبياء آخرين من ذرّيته بأن يقيموا الصلاة، “ومن ذريّتي” إنه الإنسان الرسالي، الذي يحمل حِسّ المستقبل، وهمَّ الأمّة المؤمنة، وينظر من الإنسان أوّل ما ينظر إلى إنسانيته وكرامته؛ ينظر إلى الإنسان في روحه حيث يريد لها أن تكون متجلّية، وإلى عقله حيث يريد له أن يكون كبيراً، وإلى قلبه حيث يريد له أن يكون متعلّقاً بالله، وهكذا يكون الإنسان المسلم حيث يُحضّر لمستقبل الأمة فإنّه لا يشغله الجانب المادي من حياتها عن الجانب الأهم وهو جانب العقل والروح، جانب الفطرة الخيّرة، جانب القلب القادر على أن يعبر حدود المادة ليكون موصولاً في ذكر دائم ذائبٍ في الله سبحانه وتعالى.
التحضير المادي يقع في الدرجة الثانية من الهمّ، ويقع مُقدّمة، أمّا الغاية الكبرى فهي إنسانية الإنسان، فلا بد أن يكون التحضير للمستقبل على مستوى الفرد، وعلى مستوى الأمّة لإنسانيةٍ ترتبط بالله، وتمتري من هداه، وتسترفد من عطاءاته ومن فيوضاته غير المنقطعة.
إنّ غير إبراهيم عليه السلام يُمكن أن يدعو الله عزّ وجل بالصحة البدنية ويقف عند هذا، بالعطاء المادي الفيّاض ويقف عند هذا، إبراهيم عليه السلام أكبر من هذا كلّه، إنّه ينظر بهمٍّ كبير، وتركيزٍ شديدٍ جدّاً لما هو عليه من إنسانية تحتاج دائماً إلى التعلّق بالله وإلى أن تشعر بذاتها كبيرة من خلال صلتها بالله سبحانه وتعالى.
2. “مثل الصلاة مثل عمود الفسطاط ، إذا ثبت العمود نفعت الأطناب والأوتاد والغشاء، وإذا انكسر العمود لم ينفع طنب ولا وتد ولا غشاء”. عن الرسول (ص).
الإسلام خيمة رحمة، تُظلل في هاجرة الحياة، تُظلل الأرواح والقلوب، وتظلل العقول عن أن تحترق بنار الجاهلية، كما تظلل حياة النفس المادية، والعلاقات الاجتماعية لتكون رطبة وندية وتكون في حالةٍ من الارتياح. وكل التعاليم العملية للإسلام من دون الصلاة، وقيم الصلاة وأثرها لا تحل المشكلة، ولا تؤدي المطلوب، الحجّ يمكن أن يكون مرّةً في العمر فيعطي ولكن يُنسى، وينسى عطاؤه، والصوم هو شهرٌ في السنة يعقبه أحد عشر شهراً يمكن لها أن تأتي على ما بناه شهر رمضان من خُلُقٍ كريم، وما أنبته من روحية عالية، وما أحدثه من إنقلابٍ إيجاليٍّ في الذات الإنسانية لتحرق كلّ هذا من خلال عمل السيّئات والغفلة عن ذكر الله.
وكذلك هي الواجبات الأخرى. الإسلام كلّه بتعاليمه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بكل بنيته العملية يحتاج إلى الصلاة؛ الصلاة التي تغذّي الروح، وتهذّب النفس، وتزكّي القلب في كلّ يومٍ على الأقل خمس مراتٍ يلتقيها العبد مع الله سبحانه وتعالى ليستمطر ويستعطف ويستهدي ويسترفد ويستضيء، وليؤوب ويتوب، وليتذكر عبوديته الذليلة، وربوبية الرب العزيز العظيم، فتشف الروح، ويتهذب الخلق، وتنكسر الكبرياء، وتضمر الأنا، وينفتح القلب على مصالح الناس، وعلى التجاوب مع الكون كلّه في تسبيح وتقديس وتهليل ليصل القلب بالله عزّ وجل، ويجعل الروح دائماً في محضرٍ من ذكر الله ورقابة الله، ودائماً على خط السير إلى الله.
ولذلك كما إذا انكسر العمود لم ينفع طنب ولا وتد ولا غشاء إذا لم تكن صلاة؛ وصلاة ذات قيمة، فلا اقتصاد ولا سياسة ولا اجتماع يمكن أن يسلم من خلاله الإسلامُ وينبني من خلاله الإنسان. التربية الاجتماعية يجب ألا يكون همّها الأكبر هو الناحية السياسية وإن كان للناحية السياسية شأنٌ كبيرٌ في الإسلام، ولكن لا بد ونحن نحاول أن نبني وعياً سياسياً، وأن نتحرك على الخط السياسي، لا بد لنا ونحن نفعل ذلك أن نستحضر قيمنا، وأن نستحضر الهدف الكبير وهو العبودية والعبادة لله سبحانه وتعالى.
3. “قال – رجلٌ كنيته أبو كهمس – قلت له – أي لأبي عبد الله عليه السلام، وهو الإمام جعفر الصادق: أي الأعمال هو أفضل بعد المعرفة؟ – أي بعد معرفة الله سبحانه وتعالى، ليس معرفة الرياضيات ولا معرفة الهندسة – قال ما من شيء بعد المعرفة يعدل هذه الصلاة”. المعرفة معرفة الله سبحانه، معرفة التوحيد التي تأخذ بالقلب إلى الإيمان بالرسالة وإلى الإيمان بالولاية، هذه المعرفة هي الأهم والتي تُمثل المنطلق الكبير، وهي المؤمِّنة على طول الخط لحركة الإنسان بأن تستقيم وتصمد على خط الهدف، وتكون خطاها ثابتةً راسخة. ماذا يأتي بعد هذه المعرفة؟ إنّه الصلاة. والصلاةُ أكبر شأناً من بين التكاليف. وأنتم تستكثرون وأنا معكم أستكثر أن يكون في مساجدنا الألف أو الخمسة آلاف، أن يكون في مجموع مساجدنا في البحرين ما يمكن أن يكون خمسين ألف مُصلٍّ. خمسون ألف مُصلٍّ أو حتى مائة ألف مصلّ من بين سكان البحرين تعني تخلّفاً في الحسّ الإسلامي، وتعني تهاوناً بالصلاة.
4. “جعل الله جلَّ ثناؤه قرّة عيني في الصلاة، وحبَّب إلي الصلاة كما حبَّب إلى الجائع الطعام، وإلى الظمآن الماء، وإنّ الجائع إذا أكل شبع، وإن الظمآن إذا شرب روي، وأنا لا أشبع من الصلاة” عن الرسول الأعظم (ص).
من كان همّه بطنه، كيف يكون شوقه إلى الطعام حين يجوع؟ أقول من كان همّه بطنه، إذا تسعر بطنه جوعاً، كيف يكون شوقه إلى الطعام؟ أيدري عن شيءٍ في الحياة غير الطعام؟ ألقلبه تعلّق، ألنفسه تعلّق بشيءٍ غير الطعام؟ لا شاغل له أبداً مع شاغل الطعام، كذلك هو العطشان من أهل المادة الذي لا يعالج مأساتهم المادية علوُّ روح، وانشداد قلبٍ إلى الله. هذا حالة الرسول صلى الله عليه وآله مع الصلاة وهو يُكثر منها وليس هو على عهدٍ بعيدٍ منها، حال ذلك الجائع، حال ذلك العطشان. ماذا يعني هذا؟ يعني أن الحضور في ذاته الشريفة للروح، أنّ الهمّ الذي يحمله صلى الله عليه وآله هو همّ إنسانيته، وهمّ جانبه الروحي، جوعة الروح هي التي تطفح عنده؛ على الذات، وتحكم مسارها، وتحرك خطاها، وتبقى عين الرسول صلى الله عليه وآله غير قريرة حتى يدخل في محراب الصلاة ليصعد قلبه أكثر فأكثر إلى الله، ولتتعلّق روحه صلى الله عليه وآله وسلّم بمن لا يرى مصدراً للخير غيره. هذه الصلاة التي حببها إليه الله سبحانه وتعالى “حبب إلي الصلاة كما حبب إلى الجائع الطعام”. توق، جوع، لهف بل حب ولذّة وشعور بالسمو، وشعور بالتقدم، يتوفر عليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في كل صلاة، في كل ركعة، في كل ذكرٍ في كل كلمة، في كل حركةٍ من كلمات وحركات الصلاة. فالصلاة أكثر ما يريحه ويؤنسه (ص) وهو يعيش حالة الشوق والاندفاع إلى الصلاة، ويذوب فيها، وكيف لا يذوب محبٌّ في حبيبه. كلّ شيء ينتهي الشوق إليه بالوصول إليه، أما الله سبحانه وتعالى فهو الكمال المطلق فلا ينقطع الشوقُ إليه.. نجوع ونشتاق إلى ما يسدُّ حاجة الجوع، ونرى في الأكل كمالاً، فنتوفّر على ما يشبع، فتنقطع اللذة، ويحترق الشوق، وتنتهي عملية الانشداد، وربّما آلت إلى نفرة. إذا كان الشخص ممن يتحمّل مع المضايقة ثلاث عشرة لُقمة فإنّ الرابعة عشرة تُحدث له نفرة. أيّ شيء تتصوّره كمالاً وتنسدّ حاجتك منه فيقف طلبك إليه هو كمالٌ كاذب، وهو مطلب غير المطلب الحقيقي الأصل لكل إنسان، ولكل شيء وهو الكمال المطلق؛ والكمال المطلق هو الله. حتى الذين يطلبون فوق البلايين بلايين من المال إنما بتصور أن المال كمال، ولكن لو التفتوا فإنّ المال محدود، وهم يطلبون كمالاً مطلقاً وليس من كمالٍ مطلق إلا الله عزّ وجل. نعم، السعي إلى الله يرفع صاحبه ويضيف كمالاً دون أن يقطع الطريق إليه.
صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله لماذا كانت كذلك؟ لماذا أحبّها؟ لأنّها صلاة عقل وقلب وروح.. ولأن عقله كبير، وقلبه طاهر، وروحه سامية، وهو في الصلاة يحضر بكلّ هذه الأبعاد السامية الشريفة، صلاته ليست حركات معتادة كما عليه صلاتي وصلاة أمثالي.
5. “أقم الصلاة، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر” 45/العنكبوت.
” من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، لم يزدد من الله إلا بعدا” عن الرسول (ص).
“لا صلاة لمن لم يطع الصلاة وطاعة الصلاة أن تنهى عن الفحشاء والمنكر” عنه (ص).
“اعلم أن الصلاة حجزة الله في الأرض فمن أحبَّ أن يعلم ما يدرك من نفع صلاته فلينظر فإن كانت صلاته حجزته عن الفواحش والمنكر فإنما أدرك من نفعها بقدر ما احتجز” عن الصادق (ع). تعليق قصير:
أدنى درجات الصلاة ومستوياتها ينهى عن الفحشاء والمنكر بدرجة. هناك صلاة تامة تنهى تماما عن الفحشاء والمنكر، ولا تبقي أي ارتباط بالفحشاء والمنكر، وهناك صلاة أخرى على درجات وبقدر درجة صلاة أحدنا يكون انتهاؤه عن الفحشاء والمنكر. الحديث يقول:” اعلم أن الصلاة حجزة الله في الأرض..” ويقول بعد ذلك ” فإنما أدرك من نفعها بقدر ما احتجز” قد يحتجز بعض الشيء لأن صلاته على شيء من وزن، وأما من لم تكن صلاته تملك أي وزن لم يزدد من الله إلا بعدا. كأن الطريق بينه وبين الله قد سدّه هو بسوء فعله وإرادته.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد واجعل صلاتنا معراجاً إليك، وسُلَّمَ وصول إلى رضوانك، وطريقاً إلى معرفتك وكرامتك، واغفر لنا ولوالدينا وأرحامنا وجيراننا ومن علّمنا علماً نافعاً أو غفر لنا ذنباً، أو أسقط عنا حقّاً، أو فعل بنا إحساناً من المؤمنين والمسلمين، واغفر لجميع أهل الإيمان والإسلام يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين.
بسم الله الرحمن الرحيم
(قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفواً أحد).
الخطبة الثانية
الحمدلله لانعمة إلا منه، ولا جميل إلا وهو عائد إليه، ولا فضل إلا وهو في الأصل من فيضه، ولا شيء بمستغن عنه، ولا شيء إلا وهو راجع إليه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا يدركه شيء، ولا يحاط منه بشيء. حكم الأشياء بقدرته، وقدّرها بحكمته، ولا مخرج لها عن إرادته.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ورسالته في الناس خالدة، واتباعه على الأمم واجب، وانقياد الأجيال له لازم ثابت. صل الله عليه وآله وزادهم شرفاً وكرامة، وتحية وسلاماً.
عباد الله، أوصيكم ونفسي الأمارة بالسوء بتقوى الله، وأن لا يكون في نفس أحدنا وهو العظيم الذي لا عظيم مثله أهون ناظر لنا في ما نفعل ونترك، وننوي ونعزم. وويل لمن هان الله عليه، فهان على الله القوي العزيز، وإنه لا ملجأ له من الله، ولا عاصم له من أمره. ولو راجعنا أنفسنا لكان منا من لا ترده رقابة الله عن فعل السوء، كما ترده رقابة طفل ينفق عليه ويربيه، أو خادم تخدمه. ومن كان كذلك فماذا يرتقب من شأن عند الله، هذا الذي يهون عليه الله عز وجل بهذا المقدار ماذا يرتقب من عند الله؟ يرتقب أن يكون مقربا عند الله؟ مكرما عند الله؟ وماذا يؤمل من وزن يوم القيامة؟ هذه التي تتوارى عن أبيها بفاحشة، وعن أخيها باتصالاتها الهاتفية المشبوهة، لكن يهون عليها أن يطلع الله عليها وهو الرقيب الذي لا تخفى عليه خافية، ماذا ترتقب من وزن ومن كرامة عند الله؟!
اللهم صل على محمد وأل محمد، ولا تتركنا لأهوائنا، وأنقذنا من لهونا وسهونا وغفلتنا، وافتح ابواب أفئدتنا على ما ينسينا من عظمتك كلّ عظمة، ومن قدرتك كل قدرة ومن أخذك كل أخذ حتى لا نخاف غيرك، ولا يكون وجلنا إلا من عدلك.
اللهم صل وسلم على خاتم النبيين والمرسلين محمد الهادي الأمين، وآله الطاهرين. اللهم صل وسلم على إمام المتقين وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب. اللهم صل وسلم على كريمة الرسول فاطمة الزهراء البتول. اللهم صل وسلم على الإمامين الهادين والوليين الصادقين الحسن بن علي وأخيه الحسين. اللهم صل وسلم على الائمة الراشدين والأولياء المعصومين علي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري الهادين المهديين. اللهم صل وسلم على علامة الهدى، وإمام أهل التقوى الإمام الثاني عشر؛ محمد بن الحسن المنتظر، اللهم عجل فرجه وسهل مخرجه وانصره وانتصر به، وأعزه وأعزز به، واجعلنا ممن نصرهم من نصره، وعزّهم من عزه، ولا تفرق بيننا وبينه يا كريم.
اللهم عبدك المنتصر له، المهتدي بهداه، الممهد له أيده وسدده، واجعل النصر حليفه، والعز لا يفارقه، والفقهاء الصلحاء النافعين، والعلماء المخلصين العاملين، و المجاهدين في سبيلك، والمحامين عن شريعتك أيدهم وسددهم وانصرهم نصراً مبيناً كريماً يا قوي يا عزيز.
أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات فالحديث يتمحور حول حاضر هذا الوطن العربي الاسلامي
البحرين ومستقبله:
أتحدث في نقاط:
أولاً: إنّ لمن على ظهر هذه البقعة من الأرض من حاكم ومحكوم وكل فئات الشعب، حاضراً مشتركاً، ومستقبلا كذلك. وحاضرنا ومستقبلنا اللذان إما أن نسعد بهما جميعا، أو نشقى بهما جميعا من صنع أيدينا، ويأتيان وفقاً لمواقفنا. والوطن سفينة واحدة نركبها جميعاً، ونجاتها نجاة للجميع، وغرقها غرق للجميع، ولا يسع أحداً من ركاب السفينة المشتركة أن لا يهمه أمر سلامتها، وما يعرض لها من خراب، ولا يُترك لأحدهم أن يفسد فيها كيفما يريد حتى إذا خرقها غرق وغرقوا، وهم إذا أخذوا على يده نجا ونجوا كما في الحديث الشريف.
وإذا كان بعض خير الوطن قد لا يعم، وقد يستأثر به، فإن شرّه لا بد أن يعم، ويدخل بالخسران على الجميع.
ومن أسرع ما يعم به البلاء أن تتصدع الوحدة الوطنية، ويتهلهل النسيج الاجتماعي فاقدا الحد الضروري من التماسك والإنشداد. وشحن القلوب بالأحقاد، وسوء الظن، وانهدام الثقة لتحل قاعدة الشك والريبة في التعامل محلها، طريق قصير واصل لأسوأ التمزقات.
ثانيا: الخلاف لا بد منه في البيت الواحد، وفي المؤسسة الاقتصادية ، و الثقافية والاجتماعية الواحدة وفي الدوائر الأخرى من عالم الاجتماع في حياة الناس وقد تختلف أنت مع نفسك، وقد أختلف أنا مع نفسي. أنا هذه اللحظة على رأي وخاطرة، ثم ما أن تمر لحظة واحدة، حتى يكون لي الرأي الثاني، ولا يكاد يكون مخرج في أي من هذه الدوائر من كل أنواع الخلاف، وإن أمكن التقليل من ظواهره وأثارها.
فالتفكير ينصب كثيرا على الالتزام بأدب الخلاف وكيفية تطويقه والتقليل من أثاره، وسدّ أبوابه الحاضرة، والاحتراس من منافذه المستجدة بقدر الإمكان، ولا يصح بحال أن يُتَّجه للتأجيج ، وإشعال الفتن ، وصب مزيد من الوقود على النار.
ومن أهمه أمر نفسه، فليهمه أمر غيره ، وهو يركب معه في سفينة واحدة، ولئن كانت المسافة بعيدة في الانتقال من مجتمع الفوضى إلى مجتمع الاستقرار، فإن المسافة قصيرة جداً للانتقال من مجتمع الاستقرار إلى مجتمع الفوضى، وشيء يسير من المواقف المثيرة والكلمات الاستفزازية من هذا الطرف أو ذاك كاف جدا لأحداث نقلة عاجلة بالمجتمع من الأمن إلى الخوف، ومن الاستقرار إلى الاطّراب ، ومن التلاحم إلى التشرذم والتمزق الشنيع.
ثالثا: إذا كان الجميع حريصا بصدق على أن يكون وطنُ الجميع وطنَ أمان ، وتقدم ورخاء ، ومودة واحترام، وحرية إنسانية عالية واستقلالية فلا بد من عدل ومساواة وحياة قانونية منصفة، وإشعار جاد بالأخوّة، واعتراف بالكرامة، من جهة، ومن الأخذ بأساليب الحوار، والتمسّك بلغة الدين والقانون في المطالبة بالحقوق، وعدم التعدي في الكلمة، وعدم الظهور بمظهر استفزازي قد يثير الظنون بالتساهل في أمر الوطن من جهة أخرى.
إن حسن ثقة الشعب بالحكومة يحتاج إلى مواقف إيجابية تدفع إلى ذلك، وكذلك هو الأمر في حسن ثقة الحكومة بالشعب . وللإنصاف نذكر أنه لأول ما بادرت السلطة إلى نوع من الإنفراج أبدى الشعب تفاعلا فائقا، وأقام البرهان تلوا البرهان على المستوى العملي على وفائه وإخلاصه، وثقته وتعاونه ، ومن مصلحة الجميع أن يستمر التعاطي الإيجابي المثمر .
رابعا: بالنسبة لمسألة الانتخابات القادمة والمختلف عليها في الرأي بين المؤسسات السياسية لا ينبغي مطلقاً أن يؤسس من خلالها لخلاف ضار بين هذه المؤسسات نفسها، ولا بينها أو بعضها وبين الحكومة، ولا على المستوى الطائفي والشعبي العام، ولا بد من ضبط النفس من الأطراف كلها، وتحاشي ما قد يؤدي إلى القطيعة ، والإبقاء على مراعاة الحقوق والواجبات من غير تمييز، والابتعاد عن ردود الفعل المنفلتة، وتحميل المواقف خلفيات لا تحتملها ، وترفضها طبيعة الحوار الذي آل بهذا البعض إلى موقف على خلاف الموقف للبعض الآخر. لا بد أن ينصب الاهتمام على إبقاء الوحدة الوطنية متينة متماسكة في ظل حوار يبحث دائما عن الأفضل، ويحرص بصورة أكيدة على أمن البلد وسلامته وتقدمه واستقلاليته واستقراره في ظل حياة عادلة، وأوضاع منصفة، وأجواء من المحبة والوئام.
خامسا: أقول عن العلماء بأنهم لو أرادوا أن يعلنوا عن المقاطعة أو المشاركة لكان لهم من أنفسهم ما يكفيهم للتعبير عن رأيهم بكل وضوح، ولا يحتاجون إلى التوكيل في هذا الإعلان أو ذاك، فكل التفسيرات الصحفية في هذا المجال تبقى تفسيرات للآخرين، ويبقى العلماء هم أصحاب الحق في إيضاح وجهة نظرهم متى أرادوا. وهم إن يعلنوا عن المشاركة ، أو المقاطعة ، أو يبقوا ساكتين، فليس عبثاً يفعلون ذلك، ولا عن غفلة أو قصور أو تقصير ولكن مراعاة للمصلحة الوطنية العامة، ولحاظاً لعدد من الاعتبارات ، والقرائن الموضوعية المتعددة المتنوعة، وهم حريصون جداً على سلامة الحقوق والوحدة الوطنية الشاملة، وسلامة المركب المشترك وهو الوطن العزيز، وأن تتعمق الثقة بين جميع الأطراف من رسمية وشعبية من خلال المواقف المتجاوبة التي تخدم المصلحة العامة وتقيم وزنا كافيا للحقوق، وتتقيد بالاحترام ، مما يرضى به الله عز وجل، ويباركه دينه، ويعم به الخير الجميع ، من غير أن تتأثر هذه المواقف سلبا بمقاطعة أو مشاركة في الانتخابات المرتقبة.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، ووحّد صفوف المسلمين على التقوى، واهدنا للتي هي أقوم وأرضى، واغفر لنا ولوالدينا ومن يعنينا أمره ، ومن له حق خاص علينا وأخواننا المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات أجمعين ، يا أكرم من سئل ويا أجود من أعطى .
(إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون)