خطبة الجمعة (70) 22 جمادى الأولى 1423هـ – 3-8-2002م

مواضيع الخطبة:

العفة  –  ديمقراطية أم حرب ؟  –  توحيد لا شوب فيه ؟

وإننا لنطالب النيابة العامة بتقديم المخرج للشيعة من الإسلام حسب المستظهر من لغة الصحافة المنسوبة إليه إلى المحاكمة لما في ذلك من تحريض على الفتنة الطائفية والعنف والإضرار بالمواطنين الشيعة؛ من أكثر من جانب ولما فيه من تقويض للوحدة الوطنية وزرع روح الكراهية والعداوة الضارية بين المواطنين.

الخطبة الأولى

الحمد لله مرجع الجميل كلّه، ومنتهى الخير أجمعه، ومردّ الفضل كامله. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، سما بالطاعة لبارئه، وفاز بإخلاص العبودية لمدبّره. صلى الله عليه وآله وزادهم شرفاً وكرامة.
عباد الله أوصيكم ونفسي التي تغالبني وأغالبها بتقوى الله والتزام الطريقة المثلى والأخذ بمنهجه الكريم الذي جاء على لسان النبيّ الأمين وآله الطاهرين، صلى الله عليهم أجمعين، وأن نطلب أوفر الحظ بالتنافس على طريق طاعته طلباً لرضوانه، فكلّ مَنْ عداه وما عداه مملوك وهو وحده المالك، وكلّ من سواه وما سواه مرزوق وهو لا غيره الرازق، فممن يطلب النّاس الخير لو عقلوا، ولمن يقصدون في درء الشر لو انتبهوا؟! وهل من يد ملأى بخير إلا من فيض الله وفي تصرفه؟! وهل من يد تملك دفعاً لشر إلا بإقدار من الله وتحت قبضته؟! ألا وحِّدوا الله، ولا تطلبوا الخير إلا من عنده، ولا تلجأوا في دفع الشر إلا إليه.
اللهم صلّ وسلّم على حبيبك المصطفى، وآله أهل التقوى، واصرف همّتنا إليك، واجعل تمسكنا بك، وثقتنا فيك، ورغبتنا في نوالك.

أما بعد فإنّ من الأخلاق التي تبني شخصيةً قويّةً لا تسترخصها الشهوات والرغائب، وتُكتسب بها المناعة من الذوبان والانحدار، وشدّةُ المقاومة للإغراءات، والصبرُ أمام ضغط الدوافع، طلب العفة الذي يعني مجاهدة النفس على الترفع على الدنايا، والصمود دون الاستجابة للمشتهيات التي تعارض الهدف، وتثلم من الشرف، وتنال من الكرامة، والقيمة الإيمانية العالية، والمستوى الإنساني الرفيع.
فالتعفّف دور نفسي عملي إيجابي يمارسه الشخص عن وعي سديد، وقصد رشيد لمجابهة النفس نقاط ضعفها، وحالاتِ التحدي لقدرتها على التزام المستوى الإيماني والإنساني الذي آمنت به، واقتنعت بقيمته المتميّزة.
هذا الخلق الكريم أُكِّد عليه قرآناً وسنّة لأنه يمثل قوّة، ويزيد من متانة الشخصية، ويرفع من مستوى التحمّل، والإيمان له تكاليفه ومسؤولياته التي لا تتحملها إلا نفسٌ عالية، وهمّةٌ رفيعة، والإسلامُ تطاردُ تربيته الدقيقة كل مواطن الضعف والسقوط في الشخصية البشرية لتنقى وتشفّ، وتقوى وتتحمل فلا تسقط ولا تنهار. فمن الكتاب الكريم:-
(وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله………..) 33/ سورة النور
الذي لا يجد نكاحاً وهو يحتاجه في حالة امتحان صعب يتحدى إيمانه، وإنسانيته، وأمانته الاجتماعية، فإما أن يسقط تحت وطأة الحاجة الشديدة، أو يستنفر كلّ قويٍ الوعي، والإيمان، والشعور بالأمانة الاجتماعية، والمكانة الإنسانية، والدور الخليفي في الأرض الذي كلّف به وهو دور إعماري خلقي إصلاحي لا هدّام ولا مفسد ليواجه التحدي بقوة، ويقف على قدم راسخ في لحظة الإعصار، فيطلب للنفس بالصبر والمقاومة أن تعف، وبالتحمل للشدة أن تتنزه وتترفع، كما يصبر على متاعب السباحة للشاطئ إنقاذاً لنفسه من الهلاك.
وتقول آية أخرى في كتاب الله سبحانه وتعالى (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف…) 273/البقرة.
الفقر عند سائر الناس بما يفرضه عليهم من ذلّة ومسكنة، وما يدفعهم إليه من إبداء الحاجة، وإظهار الإعواز، ومدّ اليد، والتضعضع أمام الغني، يمثل حالة من الدونية في الشخصية، والضعف في المعنى الإيماني والإنساني عند الشخص. أما عند المتعفف فالفقر إنما يفرض نفسه على الوضع الخارجي المستور قدر الإمكان من المبتلى به دون أن يجره ذلك لتخضعٍ أو تذلل، ودون أن يسطو على مشاعر العزّة والفخر الإيماني والإنساني في نفسه، ولشديد مقاومته لآثار الفقر دون أن تقع عليها عيون الآخرين يحسبه غير القريب منه ممن لا يمكن أن يخفى عليه حاله غنيَّاً، فهو بذلك محتفظ بقيمته في نفسه، محترم لذاته في داخله، ومحتفظ بقيمته الاجتماعية في أعين الآخرين، فتعففه يحميه من جهة الداخل والخارج معاً، ويهوّن عليه مصيبة فقره.
وفي الكلمة عن أمير المؤمنين عليه السلام (ألا وإن لكلّ مأموم إماماً، يقتدي به ويستضيء بنور علمه، ألا وإن إمامكم قد اكتفى بطمريه، ومن طُعمه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفّة وسداد).
وإنّه عليه السلام مروضهم، ومروض كل الأجيال ومربيهم، يريد أن يبلغ بهم الكمال الذي يطيقون، ويرتفع بمستوى شخصيتهم وإنسانيتهم، فيطلب منهم أن يعينوه على أن يبلغ بهم مستوى كريماً، وموقعاً لائقاً، إيماناً وإنسانيةً بأن يطلبوا العفة ولو عما هو ترف وعما هو حرام، وعن حلال لا قدرة عليه، وإن كان يعذرهم عليه السلام عن رياضته لنفسه عند الغنى والقدرة، وفي مساحة واسعة من الحلال الذي لا مؤاخذة عليه.
ورياضة العفّة عبادة بل في الحديث عن الصادق عن أمير المؤمنين عليهما السلام (أفضل العبادة العفاف)، وعن حِكَم النهج (ما المجاهد الشهيد في سبيل الله بأعظم أجراً ممن قدر فعف، لكاد العفيف أن يكون ملكاً من الملائكة).
فإذا كانت الشهادة تعني تسجيل انتصار كبير على الضعف، يحققه الشهيد في معركته مع نفسه، وإغراءات الحياة، فإن القادر الذي يعف وقوفاً مع هدفه الكريم من الحياة، ومع إيمانه وإنسانيته وشرفه متحدّياً الرغبة والشهوة واللذة والتشفي وكلّ ضغوط النفس والهوى والشيطان لهو مع الشهيد على صعيد واحد أجراً، ولهو على انتصار كبير على الضعف كانتصار الشهيد.
وإذا كانت الرغبات مذلّةً فلا يدرأ عن ذلها إلا التعفف.
(العفاف يصون النفس وينزهها عن الدنايا) كما في الكلمة عنهم عليهم السلام.
نعم، إن استحكام الرغبة وسيطرتها على النفس يدعو إلى الذل، ويقود إلى الخسّة والانحطاط، والعفّة تحمي من هذا، وتحفظ للنفس مكانتها الرفيعة.
وكثيراً ما يسقط بالإنسان من شامخ عزّه، وكريم منزلته، وسماء الإيمان الأجوفان البطن والفرج لكون الدوافع المتصلة بهما من أشد دوافع البدن ضراوة، وأثقلها ضغطاً، وأغلظها بهيمية، وهي دوافع جاء فيها عن رسول الله صلى الله عليه وآله: (أكثر ما تلج به أمتي النار الأجوفان: البطن والفرج).
ولهذا الضغط الهائل لدوافع البطن والفرج كان العفاف في موردهما أفضل عفاف، وأحب عفاف إلى الله بما يمثّل من قوة صمود، وعظمة انتصار للوعي والإيمان والعزيمة فعنه صلى الله عليه وآله: (أحب العفاف إلى الله عفة البطن والفرج)، وعن الباقر عليه السلام: (ما عبد الله بشيء أفضل من عفة بطن وفرج).
وما أكثر الأمم والحضارات التي أسقطها الأجوفان، وبهما كان أسرها واستعبادها وسقوط عزّها وكرامتها؟! وما أكثر الكبار الذين يصغرون جدّاً أمام الحاح الأجوفين، وينسون قيمتهم بالكامل وما يستقبلهم من فضيحة في الدنيا وشقاء في الآخرة في لحظة من لحظات هيجان وفوران الأجوفين؟! فتماسك وامسك نفسك ولا تمكن منها رغائب الأجوفين.
اللهم صلّ وسلّم على محمد وآل محمد وحصّنا من الضعف، واحفظنا من سحر الشهوات، وملّكنا أنفسنا، ولا تملكها إيانا يا كريم. الله اغفر لنا ولوالدينا ولأرحامنا وذوي قرابتنا ومن كان منا على صلة من نسب أو سبب أو جوار أو كان له حقّ خاص علينا من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، ولعامة أهل الإيمان والإسلام يا غفور يا رحيم.

بسم الله الرحمن الرحيم.
(والعصر إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحقّ وتواصوا بالصبر)

الخطبة الثانية

الحمد لله الشاكر على الطاعة وهي من توفيقه، والعافي عن المعصية بعد تحديره، على أنّه إنّما يُعصى بنعمه، ويستكبر المملوكون على أمره ونهيه، وسبيلُهم في ذلك آلاؤه، التي رزقهم إيّاها تفضّلا، وجعلها طريقاً إلى جنّته تكرُّماً.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا قادر على مناوءته، ولا مُضادّ له في ملكه، ولا حدّ لقدرته، ولا مناهضة لقهره.
وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله لا رسول بعده، ولا تنزُّل لكتاب بعد الكتاب الذي تنزَّل من ربّه العظيم عليه. صلى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً.

عباد الله أوصيكم ونفسي الخطّاءة بتقوى الله، وأن نرعى حقّه في عباده، فلا ننال من عبدٍ مهما كان بما لم يأذن به الله، بل لا نستبيح من شيء من أشياء الكون إلا بما حكم، فالمُلك كلّه لله، ولا تصرّف في شيء إلا بإذن مالكه، والله عدل لا يفوت علمَه شيء، ولا يفلت من قدرته أحد، وهو آخذ لكلّ ذي مظلمة بما ظُلم من خصمه أو يعفو، وعفو المحاويج يوم القيامة بعيد.

اللهم لا تبتلنا بمعصيتك، ولا تثقل ظهورنا بمظالم عبادك، وحطّ عنا أوزارنا بمغفرتك. اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على عبدك الذي وصفته بالخُلِق العظيم، ونصرته بالنصر المبين، وقمعت به الكافرين والمشركين الظالمين محمد النبيّ وآله الطاهرين. اللهم صلّ وسلّم على عبدك الزاهد، ووليّك العابد، وأخي رسولك المجاهد علي بن أبي طالب. اللهم صلّ وسلّم على أمتك الرضيّة، الصديقة الزكيّة فاطمة الهادية المهديّة. اللهم صلّ وسلّم على سبطي رسولك، وإمامي رحمتك، ودليلي طاعتك، وسببي جنّتك إمامنا الحسن بن علي، وإمامنا أخيه الحسين. اللهم صلّ وسلّم على شموس الهداية، وأعلام الولاية، أئمة الحقّ، وقادة الصدق علي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري الهداة الأخيار، الأولياء الأبرار.
اللهم صلّ وسلّم على وليّ العصر، والقائد للنصر، الذي من تولاه ربِح، ومن عاداه خسِر، الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن المنتظر. اللهم عجّل فرجه، وسهّل مخرجه، وانصره نصراً عزيزاً، وافتح له فتحاً يسيراً واجعلنا جنداً له ونصيراً. اللهم الموالي له سدِّده وأيّده وانصره، وقوِّ في الحقّ عزيمته، وضاعف في نصر الإسلام همّته، وفقهاء الإسلام وعلماءه ومجاهديه أيدهم وسددهم وزدهم توفيقاً ويسّر عليهم تيسيراً.

اللهم لا تردّ أكفّنا الضارعة إليك بخيبة المخزيين، ولا بيأس المطرودين، وارحم استكانتنا إليك، وفزعنا إلى رحمتك، وتعلُّقنا بكرمك يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.

أما بعد أيُّها المؤمنون والمؤمنات فحديثي عن مسألتين:
الأولى يحملها هذا السؤال: أديموقراطية أم حرب؟ والثانية عنوانها توحيدٌ لا شوب فيه.
المسألة الأولى:

أديموقراطية أم حرب؟

تشهد صحافة البحرين هذه الأيام مقالات، ومقابلات، وخطباً منقولة من بعض المساجد تُشعرك بمجموعها بوجود استنفار وتحضير شديدين لمواجهة عدوّ شيطان عملاق عفريت مارد يريد تخريب الوطن من الداخل وتخريب كلّ انجازاته، وبعثرة وجوده، وأنّ وراء هذا الشيطان أعواناً له من مردة الجنّ والإنس، وامداداتٍ تستوجب حشد كلّ الطاقات في مواجهتها. تشعرك الصحافة بأنّ البحرين –حرسها الله- تُقبِلُ على حرب طاحنة –لا سمح الله-. وما هو الموضوع كلّه على حقيقته؟ جماعة من أبناء المجتمع الذين مدوا يد المباركة لأول بادرة إصلاح في الوضع السياسي، وصوّتوا على الميثاق، وتناغموا إلى أقصى حدٍّ مع خطّ الإصلاحات، وأكدوا عليه، وسعوا جاهدين للتبشير به، والتلاحم معه، ثم اختلفوا مع طريقة التعديلات الدستورية وناقشوها بعض مناقشة، وعلى أساس من ذلك صاروا يتنظّرون في مسألة المشاركة في انتخابات اكتوبر المقبل. والكبير والصغير يعلم أنّه ما جدّ في أمر الوحدة الوطنية غيرُ ذلك، والكلّ لا زال يحرص على تماسكها وبقائها قويّة فولاذية لا تُفل. ولو علمنا غير هذا لأنكرنا وندّدنا وحذّرنا وما مسّنا من فتور.
وتدهش للتلويح بربط الموقف السياسي الدستوري وهو مسألة المشاركة والمقاطعة للإنتخابات بأحداث 11سبتمبر، والتهديد بتطبيق عنوان الإرهاب، وإنزال أشدّ العقوبة، وأقسى العذاب، وتدهش لأمر الصحافة وهي تكمّم الأفواه، وتُلزِم بالصمت وعدم النطق ببنت شَفَه، وعدم طرح أيّ مطلب، أو مناقشة أيّ أمر بلا تفريق بين خطوط حمراء دستورياً أو خضراء، و إلا فمن قال كلمة، فقد خان الوطن، وخرج من الولاء، واستحقّ اللعنة السوداء، وليس له إلا الموت والفناء.
أيتها الصحافة لا تُخرجي البلد من الأمن إلى الخوف، ولا تُمزّقي وحدة الوطن، ولا تدّقي طبول الحرب بين الأخوة الآمنين، وإذا كنت مشفقة على أمن الوطن واقتصاده وتقدّمه كما هي الدعوى فما ترتكبينه من إثارة الفتنة، واستعداء الأخ على أخيه يُمثّل نقضاً صارخاً لدعوى الشفقة على الوطن وأهله، وإنها لتجارة وتجارة دنيوية أن تفعلي ذلك من أجل ربح أكثر ومن أجل استغلال أكبر. فإن الحرب تبدأ من خطأ الكلام، وفاحش اللفظ، وسيّء القول ولا أسوأ مما تفعله الصحافة بالوحدة الوطنية هذه الأيام.
من تشتمون، ومن ترمون، وعلى من تستعدون، ومن تتوعدون وتتهدون؟ من صوَّتوا للميثاق، واستقبلوا العهد الجديد بالأهازيج والأناشيد والاحتفالات البهيجة، والمسيرات المؤيدة؟ ومن قالوا قبل نعم لاستقلال البحرين؟! ومن لهم أخوة برهنوا على أشرف المواقف في غزو الكويت، وفي غزو لبنان، وفي الوقوف المخلص في خندق واحد مع الأشقاء الفلسطينيين ضدّ إسرائيل؟ ومن هم أصدق عند اللقاء دفاعاً عن الوطن من كثير من المنتفعين بأجواء السعة والرخاء؟! ومن يمتد وجودهم على ظهر هذه الأرض إلى ما قبل أيام الإسلام العظيم؟! من العرب الأقحاح، ومن لم يعرفوا لهم وطناً في الأرض كلها غير هذا الوطن؟! ولا يفكرون في وطن غيره؟!
فلتق صحافة الحرب الموهومة شرّها هذا البلد، ولتكفّ عن إثارة الفتنة حتى لا يحترق وطننا بنارها. وهل من بين أطراف الفتنة الداخلية مهزوم ومنتصر؟ لا فالكلّ من هذا الأطراف مهزوم والكلّ خاسر. تلك هي الجزائر، والصومال، وأفغانستان، وقبلها لُبنان شواهد شاخصة على أن الفتنة الداخلية لا ترحم أحداً ولا تستثني أحداً ولا تفتك بأحد دون أحد، وحتى أعتى قوّة لا تُسجل انتصاراً ساحقاً في الفتنة الداخلية؛ فتلك هي أرض فلسطين المغتصبة تحار فيها إسرائيل ذات القوّة الضارية الباطشة كيف توفر فيها الأمن للظالم دون المظلوم، وللقوي على حساب المستضعف.
دعوا الناس في هذا البلد الطيب يعيشون أخوة متحابين آمنين، ولنطلب الأمن والخير للجميع، والاستقرار للوطن كلّه شعباً وحكومة من خلال الحوار الصادق، والعدل والإنصاف والمساواة والاحترام المتبادل بين الحاكم والمحكوم.
وكيف تجمع الصحافة بين ما تشير إليه من التخطيط لأن تكون البحرين المركز السياحي الأمثل في المنطقة على تعبيرها وبين ضرب طبول الحرب والاشتغال بالتحضير للأجواء الملتهبة وكأننا نُقدم على أمّ المعارك؟ وهل إثارة الفتنة، وإثارة أجواء العِداء والتهديد والتوعّد لغير موجب هو الطريق للإستقرار والتقدم والإنتعاش الإقتصادي؟!
وتخطئ الصحافة حين تتصور أنها تدفع للمشاركة في الإنتخابات بهذا الإسلوب الإستفزازي الذي يسبّ ويشتم ويتهدد ويتوعّد، فإنّ هذا الأسلوب أقرب إلى الإقناع بعدم جدوى المشاركة حتى لمن لا يرى المشاركة ابتداء لانطباق “أنت مسبية على كل حال” فدعوا الأجواء هادئة، ولا تستفزوا النفوس، ولا تشرعوا الحراب لنشر الخراب.
إنّ أجواء الانتخابات لا تُقنع بالمشاركة حتى تُشعر المواطنين بالأخوة والمواطنية المشتركة واحترام الرأي وإمكان الوصول إلى الحقّ من خلال لغة الحوار والدين والقانون؛ الشيء الذي يتنافى تماماً مع لغة التطاول والفوقية والتهديد والوعيد.

توحيد لا شوب فيه:-

المسلمون كلّهم موحّدون، ومنهم أتباع أهل البيت عليهم السلام، وتوحيد هؤلاء الأتباع وهم الشيعة الإثنا عشرية نقي خالص لا شوب فيه؛ ففي هذه المدرسة لا اثنينية، ولا تعدد على مستوى الذات الإلهية المتعالية، ولا تعدد في الصفات خارجاً، ولا بين الذات والصفات كذلك، ولا مثلية ولا تشبيه، ولا تجسيم ولا تعطيل، ولا جبر ولا تفويض وإنما هو أمر بين أمرين، والجبر مستلزم للظلم، والتفويض مستلزم للعزل، ولا محدودية من مكان أو زمان أوغيرهما. وكما تقول هذه المدرسة بتوحيد الذات والصفات تقول بالتوحيد في الفاعلية والخلق والتدبير والرزق، والتوحيد في التشريع، والتوحيد في العبادة والطاعة وأن لا عبادة لغير الله، ولا طاعة لأحد إلا بإذنه ومن أجله. وإجمالاً ليس من حيثية من حيثيات التوحيد الصادق الدقيق إلا وتُلزم به عقيدة هذه المدرسة التي تعتمد كتاب الله وسنة المعصومين عليهم السلام هادياً ودليلاً، ولا تخرج على فطرة الروح والعقل ومسارهما القويم.
وتقرر هذه المدرسة شرط العصمة في الرسول صلى الله عليه وآله وتشخصه فيه كما في سائر الرسل تقرره وتشخصه في الإمام من بعده بأدلة قاطعة ساطعة وتؤمن تمام الإيمان كسائر المسلمين باليوم الآخر وثوابته العقيدية المشتركة. وهل في هذا الإسلام من غبش أو كدر حتى يتبرأ منه من يُفهم من كلامه بأن الشيعة على ملة وقيم –والملة الدين-، وهو على ملّة وقيم أخرى؟ وأيّ قيمة من قيم الإسلام وأخلاقه الكريمة لا تحتضنها مدرسة التشيع الحقّّ وتُصر عليها؟! وهل يستبيح الشيعة من مسلم دماً أو عرضاً أو مالاً، أو يخرجون على خُلُق من خلق القرآن العظيم والسنة المطهّرة؟! وليُعلم بأن مريدي الفتنة لن يبلغوا مأربهم إنشاء الله وسيقابلهم هذا الشعب شيعة وسنة بوعي توحيدي وحدوي يبطل سحرهم.

وإننا لنطالب النيابة العامة بتقديم المخرج للشيعة من الإسلام حسب المستظهر من لغة الصحافة المنسوبة إليه إلى المحاكمة لما في ذلك من تحريض على الفتنة الطائفية والعنف والإضرار بالمواطنين الشيعة؛ من أكثر من جانب ولما فيه من تقويض للوحدة الوطنية وزرع روح الكراهية والعداوة الضارية بين المواطنين.

اللهم صلّ على محمد وآل محمد واكفنا شرّ الفتن ووحد صفوف المسلمين على التقوى، واغفر لنا ولوالدينا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات أجمعين.

(إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلّكم تذكّرون).

زر الذهاب إلى الأعلى