خطبة الجمعة (605) 7 شعبان 1435هـ – 6 يونيو 2014م
مواضيع الخطبة :
الخطبة الاولى : البركة
الخطبة الثانية : أزمة الوطن – ما أنفع ذلك كله!! – مفخرة من مفاخر الإسلام
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي تكفّل بما خلق، و شرّع لكلّ حاجات العباد بما يضمن سعادة أولاهم وآخرتهم، ويديمُ البركات عليهم، ويُقيم الخير فيهم، وجعل لهم منهاجًا واضحًا، وصراطًا مستقيمًا يأخذ بهم إلى الكمال، وينتهي بهم إلى العاقبة الحسنى، والغاية الكريمة، وهو الرّحيم بعباده الذي لا يبلغ أحدٌ شكرَه، ولا وفاءَ من مُطيعٍ بحقّ طاعته، وواجبِ عبادته.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليمًا كثيرًا كثيرًا.
عباد الله لنَصُنْ النفس عن المعصية لله، نُصِنها بذلك عن الانحدار، وَنَقِها عن الخسار. ولنُزِنها بطاعته ترقَ وتَسْمُ وتسعد.
فانحدار النفس وخسارها محتوم لمن سلك طريق معصية الله، ورقيُّ النفس وسموّها وسعادتها أمر مضمون لمن سلك صراط طاعته. إذ لا حقّ إلّا هو، ولا خير لأحد إلّا من عنده.
فالتقوى التقوى لمن أراد الرَّحمة بنفسه، وطلب لها الخير، ودَفْع الشر.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولوالدينا وجيراننا وقراباتنا وللمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
يا من لا تعويل إلّا عليه، ولا هدى لمن لم يهدِ، ولا منجى إلّا بلطفه ورحمته نسألك تمام الهدى، وتمام اليقين بكلّ دينك الحقّ، وسبوغ نعمائك ودوامَها، وأن تبارك لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات ما آتيتنا من فضلك من خير الدّنيا والآخرة إنك عظيم المنّ والتفضّل والإحسان يا جواد يا كريم.
أما بعد أيّها الأعزّاء من المؤمنين والمؤمنات فالحديث في موضوع البركة([1]):
ماذا تعني البركة؟
أصل البَرْكِ صَدْرُ البعير وإن استُعمِل في غيره، ويقال له بِرْكَة، وبَرَكَ البعير: ألقى رِكَبُه واعتُبر منه الملزوم….([2])“([3]) ويعنى به الثبوت.
وعند إلقاء البعير رِكبه([4]) على الأرض يكون له توسع وانتشار، وثبات وتمكُّنٌ على الأرض.
وفي المصباح المنير: مادة بركة: برك البعير وقع على بَرْكِهِ وهو صدره، وهذا البروك فيه ثبات وتوسّع وانتشار، ويقال عن محبس الماء بِركَة، والماء فيها يكون له ثبات وسعة بمقدار محيطها.
والبَرَكةُ في معناها تشتمل على هذين البُعدين: السَّعة والانتشار في الخير من جهة، وكذلك ثباته ودوامه من جهة أخرى([5]).
ويقول ابن منظور: البَرَكَة: النماء والزيادة. والتبريك: الدعاء للإنسان أو غيره بالبَرَكَة([6]). وبارِك على محمد وعلى آل محمد، أي أَثبِت له وأدم ما أعطيته من التشريف والكرامة.
وقال الزجّاج: تبارك تفاعل من البَرَكَة، كذلك يقول أهل اللغة، وروى ابنُ عباس: ومعنى البَرَكَة الكثرة في كل خير”([7]).
وكان على ابن منظور أن يقول عن “وبارك على محمد وعلى آل محمد أنه طلب من العبد المؤمن من الله أن يزيد من الشرف والكرامة مما منَّ به على محمد وآله، ويُوسِّع منه، ويثبته ويديمه.
ويقول صاحب موسوعة معارف الكتاب والسنة: أنَّ كلمة البركة استُعملت في الكتاب والسنّة في نفس المعنى اللغوي تمامًا. وقد استُخدِمت هذه الكلمة ومشتقاتها في القرآن ثلاثًا وثلاثين مرة فيما يتعلق بخالق العالم، القرآن، الملائكة، الأنبياء، الإنسان، السماء، الأرض، الكعبة، المطر، وغير ذلك([8]).
من هو المبارك المطلق؟
المبارك المطلق هو من كان خيرًأ محضًا وكمالًا مطلقًا في ذاته، وكان مصدر كل خير يتلقّاه موجود، ويُخرِجُ شيئًا من عدمه، وخيرُه ثابت لا يزول، ولا ينثلم، دائمٌ لا ينتهي ولا ينقص. وليس من هو كذلك إلَّا الله وحده لا شريك له.
البركات نوعان:
بركات ماديّة، وبركات معنويّة، وهما متلاقيان، وبينهما تعاط وتكامل، ولا تدافع بينهما ولا تنافر، ولا انفصال.
النَّماء الماديّ النافع الزراعيّ والصناعيّ والتجاري، والتحسُّن البيئي والعمراني، وارتفاع المستوى الصحّي، وكلُّ طيِّبٍ مادي يخدم حياة الإنسان، وغنى الطبيعة، ووفرة الماء، وهطول الأمطار المحيية، وغزارة هذه وسعتها، ودوامها واستمرارها بركاتٌ من البركات المادية الموهوبة من الله المفاضة بكرمه على عباده.
وسلامة العقول، ونموّ التفكير وصحّته، ونضج الوعي، وطهر الروح، وانشراح الصدر للإيمان، والتمسُّك بالدين الحقّ، والأخذ بالمنهج الإلهي الحكيم، ورضا النفوس، واطمئنان القلوب، والسَّلام والأمن، والمحبّة الطاهرة والصفاء نِعَمٌ وبركات من بركات الله في الناس، ومن مِنَنِه العظيمة عليهم. عندما تغزر هذه النعم وتنتشر هذه المنن وتبقى فهي أعظم رحمة وأجل بركة من البركات في الأرض.
ولا تعُمُّ البركات المادية، ولا تتسع، ولا تثبت إلا حين تغنى الأرض ببركات المعنى، وتصحُّ العقول، وتطهر القلوب، وتشِفّ الأرواح، وتنقى السرائر، وتطيب النيَّات، ويسود الإيمان، ويُسلِّم الناسُ للمنهج الحقّ الذي رضيه الله منهجًا لهم وصراطًا قويمًا.
وكلُّ النماء الماديّ لو انفصل عن البركات المعنوية لتراجع، وأصابه الانحسار. ولا بركةَ لنماء ماديّ يؤدي إلى شقاء الإنسان وفتنته، وذلك ما هو حاصل حتمًا عند انحسار بركات المعنى.
فالنَّماء الماديّ لا يتّسع، ولا يزكو، ولا يثبت ويدوم، ولا يكتسب معنى البركة حينما ينفصل عن البركات المعنويَّة فيُنتج الخوف بدل الأمن، والسُّخط مكان الرضا، والظلم محلَّ العدل، والضَّلال بعد الهدى، وكلّ ما يستتبع من ويلات وشرور.
يقول القرآن الكريم:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}([9]).
الإيمان وتقوى الله أعظم بركات المعنى ومفتاحها جميعًا فإن تأخذ بهما الإنسانية في هذه الحياة تتدفَّق عليها بركات المادة وتدوم، وإن تكفر وتكذّب بالله، وتتخلّ عن تقواه ومنهجه الحقّ تكثر ويلاتها وكوارثها، وتكن حياتها للشَّقاء لا للسَّعادة.
{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا}([10]).
بالعودة للإيمان ومنهج الله والتوبة من الناس إليه سبحانه تعود لهم الخيرات وتغزر البركات وتزدهر أوضاع حياتهم وينعمون. وإن يبقوا على ضلالهم يزدد سوءهم سوءًا، وشقاؤهم شقاء، ويبقوا دائمًا في انحدار.
والبركات المعنوية، والمنهجُ الإلهي الحقّ يُثيران في الإنسان روح العمل الصالح، والإنتاج النافع، ويضعانه على طريق النموّ الفكري، والفاعلية العمليّة، واكتساب خبرة الإنتاج والبناء، وقدرة الإعمار.
وإلى ذلك يوفّران له خُلُق العفَّة عن الظلم، والتنزُّه عن الأَثَرَة، والاستعلاء على الشّح، ويزوّدانه بخلق الإيثار والبذل والعطاء، وبغنى النفس. ونماء الفكر وعطاؤه، واستقامة النفوس واعتدالها سببان أكيدان بعد توفيق الله لنماء الثروة في الأرض وغزارة الإنتاج وتقدُّم الصناعة البناءة، وللعدل في توزيع الناتج والنهوض بحاجات المحتاجين من ذوي الأعذار.
هذا إلى الإمداد الغيبي بمختلف البركات لمن آمن بالله وأحسن عملًا([11]).
ولنقف وقفة وإن كانت قصيرة أمام هذه الآية الكريمة عسى أن ننتفع بشيء من عطائها {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً…}([12]).
السماواتُ والأرض غنيّتان بالنعم الماديَّة المسخَّرة للنّاس، تفيضان بإذن الله منهما عليهم دائمًا. وقوانين الكون المادّي جعل الله منها ما جعل لنفع الناس واستكشافهم للمزيد منها زيادة في النفع والتطور والازدهار.
وقد أسبغ الله على عباده نِعَمًا معنوية باطنة مذخورة في طبيعة الإنسان، ونعمًا ظاهرة مشهودة لوعيه في خارجه.
نِعَمٌ معنوية باطنة من عقل قويم مدرك منتج مبدع، وفطرة سليمة قويمة عارفة بالله، متطلّبة لمنهجه، وأصولٍ علمية وعملية تضع الإنسان على طريق النشاط الصّالح، والعمل المثمر لخيره في الدنيا والآخرة.
ونِعَمٌ معنوية ظاهرة نجدها في الوحي الإلهي والكتب السماوية المنزّلة بالحقّ هدى ورحمة للناس على يد الأمناء من رسل الله تبارك وتعالى لتربية النّاس على خطّها وهداها. ونجدها في الآيات الكونية الهادية للنّاس المربّية لهم والتي لا يخلو منها ليل أو نهار.
وكل ذلك بركات، وما على الإنسان إلَّا أن يُحسن استفادته منها كما تدلُّ على نوع هذه الاستفادة طرائقُ الدّين، ومنهج السّماء لتزداد وتتضاعف، وتغنى الحياة الغِنى العظيم ويسعد هذا المخلوق في هذه الحياة والحياة الأخرى الحَيَوَان.
وإذا أراد الإنسان أن يشقى دنيًا وآخرة، ويقع في الخسارة والعذاب فليُسء التعامل مع ما سخّر الله له مما في السماوات والأرض وأسبغ عليه من نِعَمٍ باطنة وظاهرة.
اللهم صل ّوسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللَّهم كما أنعمت علينا بنعمة الإيمان فلا تُفرِّق بيينا وبينها، وزدنا منها، وباركها لنا، ولا تختم حياتنا إلا بها، وامددنا بوافر نِعَمِك، وعظيم إحسانك يا محسن يا جواد يا كريم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}([13]).
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لا عَدْل لتشريع عَدلَ تشريعه، ولا شيء من عدل لأحد إلّا من عدله، ولا إصابة لحكم إلّا أن يكون من حكمه، ولا وجود لحقٍّ على خلاف ما هو الحقّ عنده. وكل علم من فيض علمه، وكل فهم بتوفيقه، وكل رشد بتسديده. لا معطي لخير إلّا هو، ولا دافع لشرّ سواه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلم تسليمًا كثيرًأ كثيرًا.
عباد الله إن تكن الدُّنيا فيها لذائذُ فإنَّ فيها كذلك متاعبَ ومنغّصات. وكما تغنى بما يُغري فإنها مفعمة بما فيه عظات بليغة، ودروس قاسية، ولسان اعتبار.
فما أحرى بالعاقل أن ينتهز فرصتها، ويستعين بنعمها على إصلاح نفسه، وطلب كماله، ويحذر من فتنتها، والذوبان فيها، وأن لا يضحّي بالنعيم الأبدي من أجل لذة تنقضي وتبقى تبعتها، وتعظم ما تعقبه من خسائر وفضائح تخزي دنيًا وهي أشدّ خزيًا في الآخرة.
عباد الله فلنأخذ بنور منهج الله، ولا نفارق شريعته، ولا نستبدل عن تقواه، ولا ندخل في معصيته نكن قد رَبحنا الدّنيا أصدق الرّبح، وأخذنا بطريق الفوز في الآخرة.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم بارك لنا دنيانا واجعلها دنيا إيمان، وعمل صالح، ورشد وهدى وعزٍّ وكرامة، ومركبًا لآخرة آمنة، وعاقبة كريمة، ومنقلب سعيد، ونعيم مقيم يا من لا ضيق في قدرته، ولا قصور في رحمته، ولا حد لإحسانه يا حميد يا مجيد.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى خاتم النبيين والمرسلين الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصدّيقة الطّاهرة المعصومة، وعلى الهادين المعصومين: حججك على عبادك، وأمنائك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصّادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن عليّ العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، وعجِّل فرج وليّ أمرك القائم المنتظر من آل محمد، واجعلنا من أنصاره وأعوانه في غيبته وحضوره، والممهدين لدولته، والمستشهدين بين يديه يا أرحم الرّاحمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهِّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفِّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصرًا عزيزًا مبينًا ثابتًا دائمًا قائمًا.
أما بعد أيّها الأحبّة في الله فهذه بعض عناوين:
- أزمة الوطن:
ليس في مقدور أحد اليوم من النّاحية الموضوعيَّة أن يُنكر أن الوطن يعيش أزمة حادّة أراد حلّها أو بقاءها أو أن تأخذ في التفاقم والازدياد إضرارًا منه بنفسه وبالوطن والآخرين، وإن توهَّم إنما كيده على من يراهم أعداء له فحسب.
والأزمة هذه لها طرفان؛ فهي أزمة بين الشعب والحكم، وحلّها الحلّ الصائب المنهي لها يحتاج إلى أن يكون حلًّا عادلًا، وإلى موافقة الطرفين نفسهما، أمّا الظلم فهو أساس المشكل فكيف يضمن حلّها، وأمَّا عدم الموافقة من طرف على الحل وإذعانه إلى ما هو حلّ حق أو باطل فحتمًا لا يعني إلا استمرار الصراع فما استمرّ طرف على صراعه إلّا وشاركه الآخر الردّ بمثل ما عليه موقفه.
فأيّ حل على هذا لابد أن ينتهي إلى الموافقة من طرفي الصراع.
أمّا الجمعيات الممثلة للمعارضة الشعبية فهي جزء من الشعب والمعارضة، وليست الشعب كله، ولا كلّ المعارضة.
فلو لم تلتفت هذه الجمعيات أو بعضها إلى ما يُرضي الشعب المعارض من الحل، وأقدمت على اتفاق موقَّع بينها وبين السلطة من دون موافقة الشعب، ومن دون أن يرضى به فالنتيجة أن تُعزل شعبيًّا لانفصال إرادتها عن إرادته، وأن تبقى حالة التوتر وحالة الاصطدام التي تريد الفرار منها وطي صفحتها.
وأمر آخر يترتَّب على ذلك فإنَّ مرشحي هذه الجمعيات على تقدير مفارقتهم لإرادة الشعب لن يصل أحد منهم إلى المجلس النيابي بانتخاب الشعب، ووصولهم جميعًا إلى العضوية النيابية أو بعضهم، أو كان من غيرهم لن يعني مطلقًا ممن وصل تمثيله للشعب، وإنما سيكون في نظر الشعب في عِداد الموالاة.
وبهذا يتحتّم على الباحثين عن الحلّ لأزمة الوطن أن يركّزوا على الحل الذي يُتوقع له أن ينال الموافقة من الشعب، وأن يَبُتَّ فيه وأن تنال ثقته فيه.
وإذا كان يتعذر أن يُجمع الناس على أمر واحد فلا طريق في مثل نجاح هذا الحل من ناحية عملية إلا بنيله على موافقة الأغلبية ولو المطلقة على مستوى الشعب.
- ما أنفع ذلك كله!!:
مُضِرَّةٌ هي هذه الأمور:
1)الانقسامات بين الحكومات وشعوبها، وأن ينشأ ويستمر الصراع بين أي حكومة وشعبها، وأن تخضع حياة الأوطان لهذا الصِّراع.
2)أنه إذا اقتضت الأوضاع الظالمة من صنع حكومة أن يدخل الشعب في صراع مع حكومته طلبًا للعدل، فأن تتمزق المعارضة مضرّ جدًّا، وأن تدخل صراعًا فيما بين أطرافها، وينشأ التعارض بين قواها وفصائلها.
3)أن يكون التعبير عن الخلاف بين أي حكومة وشعبها عن طريق العنف واللجوء إلى أساليب القوَّة المادية الباطشة.
وسفهًا أن يُظنَّ أن العنف ضد الشعوب واضطهادها على يد الحكومات المسيطرة عليها وسيلةُ أمان لحكومة أو وطن، وضمان لاستمرار الظلم وبقاء الظالم.
وإذا تُوهِّم أن ذلك طريق ناجح لهذه الغاية غير الإنسانية في زمن غفوة الأمم والشعوب فإنّه لا ينبغي توهّمه مطلقًا في زمن يقظتها وصحّة إرادتها.
4)أن يسود التوتُّر في علاقات دول الإقليم، أو علاقات الأمّة.
5)أن يحدث التجاءٌ من بعض هذه الدول للاحتماء من البعض الآخر بالعدو المشترك والذي يُعلم تربّصه بها، واستهدافها منه جميعًا، وإن اقتضى توصّله للقضاء عليها أن يسلك إلى ذلك طريق المراحل، وأن يخوض معركته معها عبر ما تملكه هي من قدرات، وما تُخلِّفه الصراعات بينها من فواصل واسعة وعميقة على مدى زمن بعيد مما يُمكّنه من إحكام القبضة عليها، وتفويت أيّ فرصة نجاةٍ لها من أسره.
ونافعٌ جدًّا:
1- أن تكون العلاقة بين أي حكومة وشعب محكومة للحق والعدل بما يُوفِّر حياة الاستقامة والتقدُّم والأمن الشامل المشترك وأجواء الانسجام.
2- أنه إذا اضطر الأمر من خلال الظلم المتفاقم على يد حكومة لشعبها أن توجد في وجهه معارضة أن تكون قوى هذه المعارضة وفصائلها موحَّدة حتى إنهاء الظلم، وأن يبقى طلب العدل جامعًا بينها بعده.
3- أن يُلجأ إلى الحوار المنتج المتحرك في إطار ما هو الحق والعدل في الخلاف بين الحكومات وشعوبها، وأن يُلتزم من قِبَل الطرفين بالأساليب السلمية في حالات الاختلاف، والتنازع.
4- أنه إذا نشأت توترات إقليمية يتصدّى لها حكماء الطرفين بمحاولات التخفيف والتهدئة حتى تتحوّل إلى علاقات إيجابية نافعة.
5- أن تتوحد الجهود الإقليمية وجهود الأمّة كلّها من أجل حمايتها وحماية مكاسبها، وبنائها البناء الصَّالح القويّ في مختلف مجالات الحياة وميادينها.
وكونُ الأمَّة كذلك هو ما تتطلّع إليه شعوب الأمّة الواعية، والمخلصون من أبنائها، ويُحمّلون أمانته جميع أنظمتها السياسية والحكومات المنبثقة منها.
مفخرة من مفاخر الإسلام:
في أمّة الإسلام أمَّةِ الخير عمالقة في الخير من صنع الإسلام، وعمالقة في الشر على خلاف صنعه.
والإمام الخميني واحد من أشمخ عمالقة الخير في الأمّة بعد المعصومين عليهم السلام، وأرسخهم قدمًا في العلم والإيمان، وأشدّهم بأسًا وثباتًا على الحقّ، وصفاءً في الروح، وتوقّدًا في الذهن، وتفانيًا وتضحية في سبيل المبدأ، وسعيًا بجدٍّ وإخلاص من أجل وحدة الأمة.
كان القائد الإسلامي الكفؤ المنقذ، وكان من توفيق الله لهذه الأمة أن عرّفها إيّاه وهداها للالتفاف به في بعضها أيّما التفاف.
وإذا قلنا بأن الإمام الخميني رجل عظيم فإن العظمة في سبب من أسبابها الرئيسة إنما ترجع إلى المبدأ الذي ينتمي إليه الإنسان والمدرسة التي يتخرّج على رؤيتها وأخلاقيتها ومنهجها وكل خصائصها.
والعظمة سموٌّ في الذات فكرًا صائبًا، ورؤية كونية معمّقة، وخلقًا كريمًا، وقصدًا طاهرًا، وروحًا مشِعّة، وقلبًا زكيًّا وإرادة في الخير صُلبة، وطموحًا شامخًا وهمّة عالية.
وإنسان بهذه العظمة والسمو لا تنتجه انتماءات الأرض، ولا يصنعه إلّا الانتماء إلى السماء. لا تُعطي مثله إلا المعرفة بالله، والتعلّق به، وحبُّه ورجاؤه وخشيته، والاستغناء به. إنَّما تعطي مثله الاستضاءة بمنهج الله وتمام الخضوع إليه.
وإنسان بهذه العظمة وهذا السمو لابد أن تنشدّ إليه نفوس الطيبين والباحثين عن الجمال والحقيقة، والعاشقين للكمال.
وإنسان بهذه العظمة والسمو لا يأتي دوره في الناس والحياة إلا كبيرًا صالحًا هاديًا منقذًا.
وهكذا كان الإمام الخميني قدَّس الله سرّه.
والسيد الإمام الذي لا يتسع لروح العالية أُفق الأرض وتطلعاتها وما هو أبعد مدى فيها لا يمكن أن يُؤطَّر بإطار جغرافي أو قومي أو عنصري، وأن يتّسع لروحه إلَّا الانطلاق إلى السماء، والانتماء إلى الدين الحقّ، والانشداد العبودي الخالص القائم على الحب والعِشق للخالق العظيم.
وهو بهذا يكون لكل الأمة، ولكل عبد من عباد الله فيه صلاح.
السيد الإمام ليس ابن المكان الذي وُلِد وتربَّى فيه، ولا ابن العرب الذين يرجع إليهم في أصله، ولا ابن قريش القبيلة العريقة التي يعود نسبه إليها فلئن كان ينتمي أرضيًا لكل هذا كما هو الحال فعلًا، لكنه بروحه العالية، وقلبه المفعم بالإيمان، وشخصيته النموذجية الطاهرة، وواقعه المجيد إنما هو ابن لعبوديّته الصادقة لله سبحانه، وللدّين الحق، ومنهج الإسلام. وفي انتمائه رحمه الله للأمة الإسلامية الحقّ الصدق أرضى انتماء له في الناس.
إنه ابن هذه الأمة والمخلص لها والبار بها، وأُفُقه الإنساني يبقى مفتوحًا إلى المدى الأبعد والأكثر امتدادًا.
وقف مع القضية الفلسطينية وهو الشيعي الإيراني الوقفة الصادقة في دوره الفقهي، وفي دوره الثوري، وأمام حكمه، ولم يتأثّر موقفه الحازم في نصرة فلسطين الإسلام والفلسطينيين بما كان عليه موقف عدد من الأنظمة العربية في مضادته.
ووقف الموقف المعاند المكابر للاستكبار العالمي غربيه وشرقيّه، وفي وجه كل الطاغوتية في الأرض، وهو يحكم دولة فتيّة تحتاج إلى أن تقوم على ساق.
وقف منتصرًا لقضايا المستضعفين في العالم من كل الأديان والانتماءات انطلاقًا من إيمانه بالحق وكفره بالباطل.
لم يتراجع عن خطه الإسلامي وهدفه في إقامة الحكم الإلهي في الأرض أمام كل تحديات الداخل والخارج مجتمعة ومستشرِسة.
ما عدل به عن سيرة زهده وتقشّفه أن حكم وملك.
حقَّ على الأمة الإسلامية كلها، وعلى مستضعفي العالم تخليدُ ذكرى هذا الرجل والاستلهام من سيرته، والتسليمُ لعظمة المدرسة التي أنجبت هذا النموذج الرساليَّ الفذ، وهذه الشخصية الجليلة الكريمة.
اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
ربّنا لا تكلنا إلى أنفسنا ولا إلى أحد من خلقك طرفة عين، ولا تخذلنا أبدًا يا كريم يا رحيم.
اللهم ارحم شهداءنا وموتانا، واشف جرحانا ومرضانا، وفك أسرانا وسجناءنا، ورد غرباءنا سالمين غانمين في عزّ وكرامة.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}([14]).
[1]- ونحن الآن في أشهر البركة.
[2]- حيث يبرك الجمل بصدره على الأرض، يضعه على الأرض… هذا البرك يعني الثبات، ويعني الانتشار. صدره ينبسط وينتشر لبركه، وصدره يثبت ويرسخ على الأرض ببركه..
[3]- مفردات ألفاظ القرآن ص119 “بَرَك”.
[4]- وفي لغة أخرى (رَكبه).
[5]- فالخير الدائم المنتشر هو بَرَكَة.
[6]- هنا تقول: بارك الله فيك ولك، أن تدعو له بالبركة.
[7]- لسان العرب ج10ص395 “برك”.
[8]- موسوعة معارف الكتاب والسنة ج8 ص12.
[9]- 96/ الأعراف.
[10]- 10-12/ نوح.
[11]- فبالإيمان تحصل الأسباب الموضوعية للنماء. وبالإيمان واتباع منهج الله تتنزّل بركات من فيض الله فوق كل حساب.
[12]- 20/ لقمان.
[13]– سورة التوحيد.
[14]– 90/ النحل.