خطبة الجمعة (601) 9 رجب 1435هـ – 9 مايو 2014م
مواضيع الخطبة :
الخطبة الاولى : انتقِدْها تُنقِذها
الخطبة الثانية : السلطة: لا إصلاح، لا أمن، لا حوار – رسالتنا واحدة
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي يشكر على القليل، ويتجاوز عن الكثير، والذي لا انقطاعَ لنِعَمِه، ولا توقُّف لرفده، ولا خفاء عنده عن حاجات عبيده، ولا شُحَّ في رزقه، وإن وسَّع الرزق أو ضيّق فعن حكمة، ولا يفعل إلّا ما هو الصلاح والعدل.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلَّم تسليمًا كثيرًا كثيرًا.
عبادَ الله ما وُجِدَت نفسٌ في أرض ولا سماء إلّا بقدرة الله، وما استمرّ لها وجود وحياة إلّا من فضله، ورِزْقُ كلّ نفس إنما هو على الله ومن عنده وحده.
فلا تطلبنَّ نفسٌ رزقها من عند غيره فكلّ من عداه مخلوق لا خالق ومرزوق لا رازق، ومن كان الرِّزقُ من عنده كان الشكر له، والطاعة حقّه، وثَبَتَ الخوف وحقَّ من غضبه، ووجبت تقواه. فلنتّق الله، ولنشكره والله يحبّ المتقين، ويَجزي الشاكرين.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التوّاب الرحيم.
اللهم ارحم فقرنا إليك، وذلّنا بين يديك، وتجاوز عن كثير ذنبنا، وتقبّل قليل طاعتنا، وامحُ عنا سيئاتنا، وضاعف لنا حسناتنا، يا عفوُّ، يا غفور، ويا محسن يا شكور.
أما بعد أيّها الأعزّاء من المؤمنين والمؤمنات فالحديث تحت عنوان:
انتقِدْها تُنقِذها:
نفسي إذا جاملتُها فسدت، وإذا أهملتُها وأسلستُ لها القيادَ هلكت. نفسي ونفسك تحتاج إلى مراقبة، وتحتاج إلى محاسبة، وتحتاج إلى تذكير وتوجيه ما بقيت، وإلى تربية ما امتدَّت بها هذه الحياة.
تعتريها الغفلة، وينتابُها النسيان، وتستغرقها اللحظة، ويشغلها القريب عن البعيد، وتذكر السبب، وتنسى المسبِّب، وفي ذلك كلّ الضلال، وكلّ الضياع، وكلّ الخسران، والهلاك المبين.
النفسُ وهي لا حياة لها لحظةً إلَّا بجودِ ربّها ولا نعمة لديها إلّا من نعمه قد تعيش السُخط على الله في غياب التدبّر والتفكّر، وحيث لا تلاحقها المراقبة والنّقد والمحاسبة. إنها لا تنسى ما عليها من واجب الحبّ والشكر لبارئها ورازقها فحسب بل يصل بها الضّلال إلى حال السخط على من لا تُحصى نعمه، ولا يُحاط بآلائه، ولا يمكن مجازاة إحسانه، ولا يَبْتغي عن إحسانه عِوَضًا.
ولنأخذ صورة ومثلًا مُصَغَّرًا جدًّا لما عليه واقع هذه النفس في تعاملها مع من لا ساحل لإحسانه، ولا مدى لإنعامه، ولا ضفّة لِما عليه ذات جوده وكرمه، ولا خير للنفس إلّا به، ولا راعي لها من دونه، ولا راحم لها من بعد رحمته، ولا حامي لها من غضبه، ولا ينقذها منقذ من عقابه.
ولنضع هذا المثل المصغّر بين يدي محكمة العقل والضّمير لِتُعطي رأيها في النفسيّة التي يكشف عن مستواها، وعمّا يرى القضاء العدل في حقّها.
([1])هل يواصل المحسن إحسانه إليها؟! هل يصبر على جحودها وكفرها، وأذاها؟! هل يعطيها الفرصة بعد الفرصة، والفسحة بعد الفسحة التي تُتيح لها أن تتراجع عن غيِّها؟ هل يترك لها أن تُكابر إرادته، وأن تحارب أولياءه وأحبّته؟! هل يُمكِّن لها أكثر مما مكَّن، ويفسحُ لها أكثر مما أفسح؟! هل يدع لها أن تُؤلِّب ضده، وأن تجمع الجموع وتُعدّ العُدّة والعدد لمكابرته ومحاربته؟!
أهذا ما تحكم به محكمة العقل والوجدان الإنسانيّ أم أنَّ لها حكمًا آخر مضادًّا له في المثل المضروب؟([2]) لنرى ذلك كيف يكون حكمها فيمن كفر بأنعمِ الخالق، وتخلّى عن شكره، وضادّه، وحاربه، وجمع ضدّ دينه، وأتى بما يُسخطه.
ومحكمة العقل والضمير عند كلّ إنسان، وداخل كلّ إنسان حسب ما عليه فطرتُه، وما كان عليه أصل تكوينه.
انظر لو أن أحدًا لا مأوى له إلا مأوى وفّرتَه له، ولا ملبس، ولا مأكل ولا مشرب، ولا مأمن، ولا حماية، ولا رفد، ولا رحمةَ بحاله إلا ما هيّأته له([3])، وأنه كلّما تعطيه يُعصيك بما تعطيه، ويستقوي به على محاربتك، وأذى أتباعك وأوليائك، وتأليب الأعداء عليك، وتنفير الناس منك، وإعلان المواجهة الظالمة لك.
وانظر ماذا يقول عقلك وضميرك في نفسيّته، وخلقه، وبِمَ يقضي الحكم العادل في حقه؟! وإذا خِفت تحامُل النفس عليه في هذا الحكم وطلبتَ أن تكون أقرب للعدل فدع للعقل والضمير الإنسانيّ في أيّ إنسان سويّ أن يصدر حكمه العادل في حقّه، وأن يُنصفك في كيفية التعامل خاصة بعد الصبر الطويل والأناة، ومواصلة الإحسان والإنعام.
أمن عاقل، أمن ذي ضمير ينبض بشيء ولو قليل من الحياة يقف مع هذا الجاحد المعاند وينتصر له في محاربته لك، وإنزال الأذى فيمن والاك وأطاعك وأحبّك؟!
أمن عاقل له مُسْكَةٌ من عقل، أو بقيّة من ضمير يلومك أن قطعت إحسانك له، ومنعته الرِّفد الذي يعينه عليك وأن تركسه وهو يريد أن يركسك، وتقمعه، وكل أمنيته وسعيه إلى أن يقمعك؟
وإذا فرغْتُ وفرغ غيري من حكم العقل والضمير في هذا المثل وأشباهه وأضرابه وهو لا يساوي شيئًا فيما يصفه من الإحسان من طرف ومقابلته بالإساءة ممّن تلقّى الإحسان مما عليه إحسان الله سبحانه لعبيده، والإنكار والمعصية، والمحاربة من عصاتهم ومتمرّديهم وفَسَقتهم وفجّارهم وجبابرتهم له ولدينه وأوليائه.
فلأسأل عقلي وضميري وليسأل غيري عقله وضميره إن كان لنا بقية من عقل أو ضمير، وليسأل بعضنا بعضًا عن حكم العقل والضمير بم يحكمان في عبد لا لحظة وجود ولا حياة له، ولا لقمة ولا شربة تجدها معدته، ولا نسمة هواء تحتاج لها حياته، ولا كِسوة تستر عورته، ولا مأوى يَكنّه، ولا دواء يشفيه ويستعينُ به على مرضه وألمه، ولا وقاية تدرأُ عنه، ولا نبضةَ حياة لقلبه، ولا جهاز من أجهزة بدنه، ولا صوابَ يُوفَّق إليه، ولا خطأ يُجنَّبه، ولا هداية ولا رشد ولا بلوغ شيء مما يتمنّى، ولا سببَ من الأسباب بيده، ولا خير يبلغه، ولا شرَّ يُدفع عنه، ولا نعمةَ مما له إلا من الله بارئه ومصوِّره ومدبِّره ورازقه ومعينه وكافيه ومتولّي تربيته ورعايته.
لنسأل العقل والضمير بِمَ يفتيان، بِمَ يحكمان، بِمَ يقضيان في هذا العبد وهو يستمر في معصية الله سبحانه السنين الطوال كلما استمر عطاءُ الله له وإنعامه عليه، ويداوم على معاندته ومكابرته، وقد يجِدُّ كلّ الجد في محاربة دينه وأوليائه، ونشر الفساد في بلاده وعباده؟
هذا والمواعظ تُصبّ في أذنيه صبًّا وآيات الله تُتلى عليه ليلًا ونهارًا، ولا يكفّ منها ما هو تكويني عن مخاطبة العقل والقلب آنًا ما، وكل ما في الكون العريض مذكّر بحاكمية الخالق، والحياة تترى دروسها وبيّناتها مؤكدة حقيقة أنه لا حول ولا قوة إلّا بالله العليّ العظيم، وأنّه لا رادّ لقدره، ولا مَضاء إلّا لما يريد.
وهل يتذكر الإنسان أنّه وصل أحدًا من أحد نفع إلّا بإذن الله، وما ناله منه ضرٌّ إلّا بتقديرٍ ينتهي إليه سبحانه؟!
وهل يعي ويتذكّر أن العبد يعطي العبد اللقمة أو الشّربة ثم لا يملك أن يجعل فاعليةً لها في جسم من يتناولها؟([4]) وأنه لا فاعلية لها إلّا بفعل الله عز وجل، وأنَّ نفعها وضرّها بيده؟([5]) وأنَّ بقاءها ووصولها إلى الغاية التي خُلِقَت من أجلها بقدرته وتحت إرادته، وأن استمرار أي جهاز من أجهزة الإنسان تعتمد عليه حياته، وأن أداءه لوظيفته يحتاج إلى خالقية الله الآن تلو الآن مدة وجوده وقيامه بمهمّته؟([6])
هل نفهم ذلك ونعيه حتى نعرف الفرق بين إحسان الله عز وجل وإنعامه، وما قد يكون من إحسان أو إنعام نسنده تبعاً إلى غيره؟
وحتى نقيسَ بشاعة التمرد والمحاربة للمحسن من الناس ممن وصل إليه إحسانه من بشاعة وخسّة وظلم وجهل وسفه وغرور ممن تمرّد ومما لا يساويه من شيء في المحاربة لله سبحانه والمعصية والمضادة لدينه وهو الذي لا أصل لإحسان من غير إحسانه، ولا وصول لنعمة لأحد إلّا بإنعامه، ولا إحسان ولا إنعام بالدقّة والشمولية والصدق لما عليه إحسانُه، وإنعامُه وهدايتُه وإلهامه.
ما أجهل نفسًا وما أسقطها وهي لا تستغني عن عطاء الله أقلّ من طرفة عين والله يمدّها بكل ما تحتاجه وهي تُهمل شكره، ولا تعرف له حمدًا، ولا تقدّر له رزقًا، وتضادّه على فقرها إليه وعبوديتها التامّة الحقيقية له، ومحكوميتها لقضائه وقدره وتعصيه وتناقض دينه وتعادي أحبّاءه، وتؤذي أولياءه.
اللهم انتشلنا من الذنوب، وأخرجنا من معاصيك كلِّها، وأنقذنا من جهل المخالفة لدينك، واختيار غير ما اخترت لعبادك من طاعتك والتمسُّك بدينك يا أكرم الأكرمين، ويا أرحم الراحمين.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولوالدينا وأرحامنا وقراباتنا ومن علّمنا علمًا نافعًا لدين أو دنيا من المؤمنين والمؤمنات ولكل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة.
اللهم ارحم شهداءنا وموتانا برحمتك يا أرحم الراحمين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}([7]).
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي يخضع الكون كلّه لقضائه وقدره، وكلُّ شيء فيه جارٍ بمشيئته، ومنقاد لحكمه.
وهو الذي من خشيته ترعد السماء وسكّانها، وترجُف الأرض وعمَّارها، وينقاد ذُلًّا لقدرته طغاتها وجبابرتها. ولا مفرَّ لأحد من ملكه، ولا مهرب لأحد من سلطانه، ولا خفاءَ لحركة أو سكون عن علمه، ولا ضياعَ لشيء عن حفظه. من غالبه مغلوب، ومن ناوأه مأخوذ. ومن طلب النجاة والخير من عنده أطاعه وعبده، ومن أراد لنفسه الشّقاء والعذاب عصاه وعانده.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليمًا كثيرًا كثيرًا.
عباد الله ليعرف كلّ عبدٍ من عبيده ما له وما عليه في دين الله يهتدِ، وليأخذ بما أمر به يُصِبْ، ويهجر ما نهى عنه يفلح ويرشد.
ومن سلك غير هذا كان إلى ضلال، وليس له من منتهى إلا الشقاء والعذاب.
فلترحم نفسٌ نفسها، ولتشفق على حالها ومآلها بالتزام تقوى الله التي لا صدق لمن رأى نفسه على تقوى من ربّه الحقّ إلَّا بالاستمساك بدينه الصدق، ومنهجه المنير، وأحكام شريعته الغرّاء.
نسأل الله السداد والرشاد، والتوفيق لخالص طاعته، وصادق عبادته، والنأي عن معصيته، وأن يحملنا على عفوه ويعاملنا بإحسانه إنه العفوّ الغفور الرَّحمان الرَّحيم.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصدّيقة الطّاهرة المعصومة، وعلى الهادين المعصومين: حججك على عبادك، وأمنائك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصّادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن عليّ العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، وعجِّل فرج وليّ أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقرَّبين، وأيّده بروح القُدُس ياربّ العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهِّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفِّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصرًا عزيزًا مبينًا ثابتًا دائمًا قائمًا.
أما بعد أيّها الأخوة في الله فهذه كلمات:
أولًا: السلطة: لا إصلاح، لا أمن، لا حوار:
هذه هي اللغة التي يتحدَّث بها استمرار الاستدعاءات والتوقيفات، والمحاكمات والأحكام الصادرة عنها في طبيعتها المتميّزة في القسوة والشدّة، والبالغة في الكثرة.
وهذه هي اللغة التي يتحدَّث بها واقع السجون، وما يعانيه السجناء داخلها، وما نطقت به أوضاع السجن في جوّ الأيام القريبة السابقة، وما يحدث بين فينة وأخرى في سجن الحوض الجاف.
واللغة نفس اللغة تلك التي تُفهم من منع المظاهرات والمسيرات السلمية، وتجدها في استعمال مسيلات الدموع والغازات السامة بغزارة، وسلاح الشوزن في وجه هذا النوع من المسيرات والمظاهرات والتجمعات.
وأشد من ذلك ما يقوله القتل الصريح وما يلحقه من حبس جثث الشهداء، وحرمانهم من إجراء المراسيم الشرعية لمدة طويلة بقصد السّكوت على الجريمة من قِبَل أهالي الشهداء، وتضييع حقّهم في القصاص من المعتدي. وهو مما يُشجّع الأجهزة الأمنية على القتل العمد واسترخاص دم أبناء الشعب.
وهناك سدٌّ لأيّ باب من أبواب الحوار إلّا حوارًا بنتيجة حتميّة واحدة هي الإقرار الرخيص من قبل المعارضة بشرعية كل الأوضاع الظالمة التي عليها واقع الحكم وممارساته، والتسليم الطوعيُّ الذّليل بها، وكأن هذه النتيجة الخسيسة الظالمة هي مطلوب التحرك الشعبي، وكلّ تضحياته.
أما ما عدا ذلك من حوار فمرفوض من السلطة كل الرفض وبصورة حاسمة ونهائية لحد الآن.
وهذا ما جعل الشعب خاصَّته وعامّته لا يرى إبداء الرغبة من السلطة في الحوار إلا من نوع الهزل والهزء أو اللعب الإعلامي والسياسيّ المضلِّل.
ومن الجانب الآخر فإن المعارضة وعلى لسان الجمعيات السياسيَّة دعت كثيرًا ومن أول الحراك وقبله إلى الحوار الجادّ المنتج، ولا زالت على هذه الدّعوة، وتنتظر إبداء الجدّية من طرف السلطة، وأن يظهر منها إرادة ما يدلُّ على إرادة الإصلاح، والتغيير للأوضاع التي يضرّ بها الفساد ويتغلغل في أعماقها، وفي مقدِّمتها الوضع السياسيّ الشاسع في بُعده عن موازين الحقّ والعدل.
ولا تألُ هذه الجمعيات وكلّ القوى المعارضة جهدًا في التشديد على التزام السّلمية والدعوة إليها، وعلى نبذ العنف وكل مظاهر الإرهاب.
ثانيًا: رسالتنا واحدة:
نحن طلاب العلوم الدينية وعلماء الدين من أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام في البحرين رسالتنا إلى الضيوف المحترمين المدعوين إلى مؤتمر حوار الحضارات وهم لأكثر من اعتبار ضيوف الشعب قبل أن يكونوا ضيوف الحكومة هي رسالة المجلس الإسلامي العلمائي التي خاطب بها ضيوف الوطن الذين يحضرون المؤتمر. فكرها فكرنا وتوجّهها هو توجهنا، وما جاء فيها يمثِّل وجهة نظرنا.
وهذا ما عليه طرح مساجدنا وجماعاتنا وجمعاتنا([8]). فالمحبة والسلام في الأرض، وتلاقي أهل الأديان السماوية على المشتركات، وكذلك أهل المذاهب داخل هذه الأديان، والحوارُ والتفاهم العلميُّ البعيدُ عن الرُّوح العدائية، والجدل العقيم، وتقديرُ إنسانية الإنسان، وحفظ الحقوق هو ما نراه المسلك الصحيح بين النّاس، وهو عين ما تُمليه علينا نظرتُنا الدينية([9])، وفهمنا للإسلام، وتوصياتُ المذهب الذي ننتمي إليه.
ويمكن التأكد من هذا الموقف الثابت لمساجدنا وجماعاتنا وجمعاتنا واحتفالاتنا بالرجوع إلى التسجيلات الصوتيّة المحفوظة لهذه المواقع والمناسبات([10]).
وإذا كان ضيوف المؤتمر المحترمون قد جاءوا لأنه يهمهم ألا يكون اضطهاد ديني في الأرض كل الأرض فإنه لابد أن يهمهم ألا يكون اضطهاد مذهبي في أيّ من بلدان العالم كذلك، والبحرين تعيش حالة صارخة من الاضطهاد المذهبي الرسمي رغم إصرار الشعب على وحدته الدينية وموقفه المشرِّف في التعايش الديني والمذهبي وعدم استجابته لما تطمح إليه السياسة من نزاع طائفي قاتل.
وإذا كان أتباع أهل البيت عليهم السلام في البحرين يعلنون مظلوميتهم ومعاناتهم من الاضطهاد الرسمي السياسي والمذهبي ذلك الاضطهاد المذهبي الذي من مفرداته هدم مساجدهم، والعبثُ في حسينياتهم، والحكمُ بغلق أكبر مؤسسة تبليغية وتعليمية علمائية عندهم، وحرمانهم من التعليم الرسمي لأمور مذهبهم لأولادهم([11])، واستدعاء العديد من خطبائهم وعلمائهم لمجرَّد تبليغهم، وربط أي مشروع شعبي أو علمائي لتعليم أحكام المذهب التعبديّة بالإجازة الرسمية وإلَّا عُدّ مثل تعليم أحكام الصلاة والصوم والحج مثلًا مخالفة قانونية، والمنع من ممارسة عالم الدين ما هو داخل شرعًا في وظيفته حسب ثوابت المذهب، ذلك مثل ما سبّبت به وزارة الداخلية تهجيرها لسماحة آية الله الشيخ حسين النجاتي الذي جاء في تعليل تهجيره أنه يقبض الخمس من المعتقدين بوجوبه وهم أتباعُ مذهب أهل البيت عليهم السلام من غير إجازة رسمية. وهي إجازة لا يُجيزها المذهب في هذا الأمر الديني الخالص ولا يرى لها أيّ اعتبار ولا يرضى بالمساعدة عليها لكونها تشريعًا أرضيًّا في أمر دينيّ خالص، متقرّب به إلى الله سبحانه.
أقول إذا كان أتباع هذا المذهب يضجّون من هذا الاضطهاد والحكومة تنفيه فإنه يمكن لمن يريد الوقوف على الحقيقة مستبعدًا دعوى الطرفين في اتخاذ الحكم الذي يقضي به العدل أن يرجع إلى ما جاء في تقرير لجنة تقصّي الحقائق برئاسة الخبير بسيوني، والتقارير الصادرة من المنظمات الحقوقية المحايدة.
إن الاضطهاد المذهبي اضطهاد ديني واضح بحق وحتى لا يُتَّخذ المؤتمر موردَ دِعايةٍ رسمية للتستر على هذا الاضطهاد والذي إنما حضره الضيوف المحترمون باسم محاربة الاضطهاد الديني ومن أجل حوار الحضارات كان لابد لهم من أن يقولوا كلمة في الاضطهاد المذكور الذي يُعاني منه هذا الشعب بما يعين على رفعه وإنهائه. وإذا فاتهم ذلك فالمفروض التدارك، وإن تفرّقوا.
وبلحاظ واقع الاضطهاد الصارخ الذي تعاني منه البحرين فإنّ على الحكومة أن تشعر بالحرج من استضافتها لمؤتمر حوار الحضارات لا أن تحاول أن تزكّي نفسها بورقة هذا المؤتمر.
الاضطهاد المذهبي في البحرين لا يحتاج الوقوف عليه إلى جهد.
جولة سريعة عابرة في الوزارات، الدوائر الحكومية، الشركات، المستشفيات الحكومية.
التعرف على التركيبة الوزارية… تعيين وكلاء الوزارات، المدراء… الأطباء.
التعرف على البعثات الدراسية.
وجولة على المناطق السكنية، على المساجد، على السجون.
كلّ ذلك يزوّدك بكمٍّ هائل من شواهد الاضطهاد المذهبي الذي ينتشر في كلِّ مرافق الحياة التي تتصل بالسّياسة الرّسميّة.
وأخيرًا إنَّ الأخوة من الضيوف المحترمين لمؤتمر حوار الحضارات ليدركون جيّدًا أنَّ كل من شارك في المؤتمر ممثّلًا دينه فإنّ دينه يحمّله مسؤولية الشهادة الحقّة والقول بما ينصر المظلوم المضطهًد، ولا يُعِين المضطهِدُ الظالم.
وأنَّ أيًّا منا ينطق باسم دينه ومذهبه بما فيه إعانة على الظلم ونصرة للظالم ليسيء إلى دينه ومذهبه مع إساءته لنفسه.
اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم إنّا نعوذ بك من أن نَظلم أو نُظلم، وأن نطغى أو يطغى علينا، أو نرضى بظلم ظالم، وظلم مظلوم، أو نسكت على جور يلحق بقريب أو بعيد.
اللهم ارحمنا شهداءنا وموتانا، وفك أسرانا وسجناءنا، واشف جرحانا ومرضانا، وردّ ربنا غرباءنا سالمين غانمين في عزٍّ وكرامة.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}([12]).
[1]- لو ارتكبت النفس هذا الشيء مع المحسن إليها من غير الله، هل يواصل المحسن إحسانه إليها؟
[2]- الذي سيأتي ذكره.
[3]- كل ذلك من عندك.
[4]- أنت أعطيتني اللقمة، لكن هل تعطيني الاستفادة منها؟ هل تُفعّل الأجهزة التي تصل بهذه اللقمة إلى نتيجتها المفيدة؟
[5]- أنا لا أملك لو أعطيت ولدي لقمة وهي من صنع الله عز وجل ألا تضرّه، أتصور أنها تنفعه لكن يمكن أن تضره، وبيد الله ضرها ونفعها.
[6]- أنعي هذا؟ أنّ للجهاز التنفسي أو الهضمي أو أي جهاز من الأجهزة إنما عمله في كل لحظة من لحظاته بتنزّل وجودٍ من الله، وفيضه منه؟
[7]– سورة التوحيد.
[8]- هذا ليس فكر اليوم، وليس فكر مناسبة انعقاد مؤتمر حوار الحضارات.
ودأبت هذه الجماعات والجمعات على هذه اللغة، ولم تفارقها.
[9]- والدين لا يُفارَق دعوة الخير، والدين لا يتغيّر، والدين لا يتقلّب كتقلّب النفوس المنشدَّة للدنيا ومصالحها المتغيّرة.
[10]- وليس لموقع واحد، ولا لمناسبة واحدة.
[11]- وليس للآخرين.
[12]– 90/ النحل.