خطبة الجمعة (484) 5 صفر 1433هـ ـ 30 ديسمبر 2011م
مواضيع الخطبة:
الخطبة الأولى: الظنّ
الخطبة الثانية: اقتلوا شعوبكم
الخطبة الأولى
الحمد لله السميع العليم الذي فتح لعباده باب المعرفة، وهداهم إلى سبل العلم، ودعاهم إلى طلبه، والأخذ بنوره، ومتابعته، ونبذ الجهل، وعدم الإقامة على الشك، أو الاعتماد على الظن. ولا معرفة إلاَّ منه سبحانه، ولا علم إلاّ بهداه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي القاصرة بتقوى الله، والاستجابة لدعوته في طلب العلم، والتقيُّد به، وإقامة الحياة في ضوئه، وعلى هدى من دين الله، وفي مرضاته، فلا نافع إلاَّ العلم، ولا هادي إلاَّ الدّين، ولا نجاة، ولا فوز في غير رضا الله. وحياةُ الجهل ضياع، ولا عوض عن دين الله، والخاسر من خَسِر رضاه؛ إذ لا مغني عنه، ولا موئل لمن غضِب عليه، ولا مُنقذ لأحد من عقوبته.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
أما بعد فموضوع الحديث هو الظن:
من الظّن ما هو ظنّ خير، ومنه ما هو ظنّ شرّ، ولكلّ منهما مجالٌ مقبول، ومجال غير مقبول، والأكثر في الناس إجمالاً أنّهم يسيئون الظن في بعضهم البعض، لا أنهم يحسنونه، فمحسن الظن من النّاس أقل.
ويختلف ذلك باختلاف الأحوال، والموضوعات، والمستويات، والخبرة.
والإسلام يُقيم عقيدته، وبُنية الحياة على أساس العلم، ولا يقبل الشك ولا الظن أساساً لذلك، ولإسلام دعوة إلى حُسن الظنّ في مساحة من مساحات التعامل الاجتماعي بين النّاس.
والإسلام يُقيم عقيدته، وبُنية الحياة على أساس العلم، ولا يقبل الشك ولا الظن أساساً لذلك. وللإسلام دعوة إلى حُسن الظنّ في مساحة من مساحات التعامل الاجتماعي بين النّاس.
والكلام عن الظنِّ في هذا الحديث في مساحة تعامل الإنسان الشخصي مع الإنسان، وبناء مواقفه منه، وكذلك في علاقته بالله عزّ وجلّ، وتقدّس وتعالى.
يقول سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ…}(1).
والظن المأمور باجتنابه إنما هو ظنّ السوء، وسوء الظنّ في نفسه كثير(2)، ويكفي لأن يُجتنب كلّه أن يكون بعضُه إثماً،وظن السوء الذي يمكن أن يكون إثماً في نفسه هو ما أوقع الإنسانُ نفسَه فيه بارتكاب مقدّماته عن اختيار. أمَّا ما يقع في النفس من غير أن تطلب له سبباً، ولم تسعَ في تحصيل مقدّماته فلا تتحمل منه إثماً إلاّ بترتيب أثرٍ محرَّم عليه(3).
ويحضّ الإسلام المؤمنين على حسن الظنِّ في بعضهم البعض، وهو حسن ظنّ بنفسهم المؤمنة لإيمانها الرادع عن الفحشاء والمنكر. يقول الكتاب العزيز:{لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ}(4).
وعن الإمام عليّ عليه السلام:”من عرف من أخيه وثيقة دين وسدادَ طريق فلا يسمعنَّ فيه أقاويل الرجال أمّا أنه قد يرمي الرامي وتخطئ السهام”(5).
فكلّما عظم إيمان الرجل، ورجح عقله، ودلّت سيرته على هداه قبح كثيرا سوء الظن فيه، ولم يُسرَع بسماع كلمة السوء مما يَنال منه.
ومن آثار سوء الظنّ والإفراط فيه أنه يعود بالشر على صاحبه، فمِن ذلك أنّ سوء ظنّه لا يكاد يُبقي عنده ثقةً في قريب أو بعيد أو صديق، ويفسدُ ما بينه وبين الناس لإفساده قلبَه، وتضليل رؤيته.
تقول الكلمة عن الإمام علي عليه السلام:”شَـرُّ النّاسِ مَنْ لايَثِقُ بِأحَد لِسُوءِ ظَنِّهِ وَلا يَثِقُ بِهِ أحَدٌ لِسُوءِ فِعْلِهِ”(6).
وكثرة سوء الظن قد تستتبع إساءة المعاملة مع الناس، وكثيراً ما يفتقد مسيء الظن القدرة على تقدير الآخرين واحترامهم، وذلك مما يُسقطه في عيونهم.
وما أفرط أحد في سوء الظن بالناس إلا وكان الكثير من ظنّه هذا كاذباً.
وقد نتحامل على الغير لما نظنّ به من سوء في حين قد يعلم أحدنا من نفسه ما هو أسوأ مما ظنّه بأخيه، أو مثل ما يظنّه منه من غيره أن يضيره من ذلك شيئ.
وتتصدّى الكلمة عن أمير المؤمنين عليه السلام لهذه المفارقة المعيبة إذ تقول:”إيّاك أن تغلبك نفسك على ما تظنُّ، ولا تغلبها على ما تستيقن، فإن ذلك من أعظم الشر”(7).
من أعظم الشرّ أن نرتّب موقفاً ظالماً للغير على ما نظنّه به من خلل، وننال من سمعته وشرفه مغلوبين للنفس الأمّارة بالسوء بينما نترك أنفسنا على سوئها الذي نعلمه منها دون أن نُصلحها، ونعملَ على إنقاذها من التردِّي والهلاك.
وتقول الكلمة عن المسيح عليه السلام في الشأن نفسه:”يا عبيد السوء؛ تلومون النّاس على الظنّ، ولا تلومون أنفسكم على اليقين؟!”(8).
ولأنَّ إساءة الظنّ كثيراً ما يُرافقها الظلم للغير كان في ذلك إضرار بالدين لمسيء الظن، ولذلك أتى عن الإمام علي عليه السلام:”لا دينَ لِمُسِيءِ الظَّنِّ”(9)، “لا إيمانَ مع سوء الظن”(10).
ولو كانت إساءة الظن بالمؤمن باختيار صاحبها، ومن صنعه بتمهيده لها، وفتح الأبواب لها على نفسه كان فيها نفسِها تجاوز للدين، وتعدٍّ عليه، وإن لم يُرتّب عليها أثراً ظالماً في الخارج.
ومن أظلم الظّلم، وأبشع الإثم أن يُساء الظن لمن لا يعرف منه إلاَّ الإحسان، ولم تسبق من قِبَله إساءة. وهذا ما عن أمير المؤمنين عليه السلام:”سُوءُ الظَّنِّ بِالمُحْسِنِ شَـرُّ الإثْمِ، وَأقْبَحُ الظُّلْمِ”(11).
الهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم إنا نسألك خير الخير ورضوانك والجنّة، ونعوذ بك من شر الشرّ سخطك والنّار.
اللهم إنا نسألك من الخير كلّه ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشرّ كلّه ما علمنا منه وما لم نعلم. ارحمنا ربّنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}(12).
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي تستوي كلُّ الممكنات في قدرته؛ فكلّها مؤتمرة بأمره، مستجيبةٌ لمشيئته، ولا يعسرُ منها شيء، وليس في خلقه لها، وتدبيره لأمرها معاناةٌ ولا محاولةٌ، ولا توقُّف على إمعان وتفكّر، وتبصر وتدبر. جلّت قدرته عن التحديد، وعلمُه عن القصور، وانتظار الزيادة، وعروض النقص. والأشياءُ كلّها حاضرة لديه، محيطٌ بها علماً، ولا تنقسم في علمه إلى حاضر وغائب.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
عباد الله علينا أن نتقيَ الله، وأن نستجيبَ لأمره ونهيه صاغرين راغبين حامدين شاكرين. فهو المالك ونحن المملوكون، وهو الربُّ ونحن المربوبون، وما أمره ونهيه إلا رحمة بنا، وما طاعتنا له إلاّ تكميل لنا. ولا فوز ولا نجاة إلاّ في طاعته، ولا سعادة إلاّ في عبادته.
والراغب عن طاعة الله راغبٌ عن خير نفسه، مضيّع لحياته، راضٍ بخسارة وجوده، وشقاء مستقبله؛ فمن له غير الله، وممن يطلب نجاته، وإلى من يكون لجأه؟!.
اللهم اجعل لجأنا إليك، وتوكّلنا عليك، وأملنا فيك، وارزقنا طاعتك، ومرضاتك يا كريم، يا منيل، يا رحيم.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى حججك على عبادك، وأنوارك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، وعجِّل فرج وليّ أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقرّبين، وأيّده بروح القدس ياربّ العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، المعادي لأعدائه، الممهِّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وفِّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصراً عزيزاً مبيناً ثابتاً قائماً.
أما بعد أيها الإخوة والأخوات الأعزّاء الأحبّة في الله فإلى هذا الحديث تحت عنوان:
اقتلوا شعوبكم:
تحرّك عددٌ من الشعوب العربية في سبيل واقعٍ جديد, وحاضرٍ مشرّف، وغدٍ أفضل ينطلق من إصلاح الوضع السياسي الظالم في الأمة وتغييره, ومن تحقيق الانعتاق من الأسْرِ الخانق الذي تُعاني منه شعوب الأمة على يد الأنظمة السائدة, وحالة التهميش التي تفرضها عليها، والاستخفاف الذي تتعامل به معها؛ إذْ كل جَنَبات الحياة عند الإنسان يصيبها الضرَرُ والتصدّع والتأثّر بسبب سوء الوضع السياسي والخلل الداخل عليه.
تحرّك هذا العدد من هذه الشعوب لاسترداد كرامة الدين والإنسان وحريّته, وإنقاذ الثروات الوطنية من يد العبث والنهب والتلاعب.
وهو تحرّكٌ لا رجعة فيه إلى الوراء، ولا انحسار. وشعوب الأمة التي لم تلتحق بعدُ بحَراكِ الإصلاح والتغيير لاحقةٌ به لا محالة. وقطار التغيير مواصلٌ انطلاقته إلى آخر الطريق، ولن توقفه قوّة غاشمة، ولا تحايل ولا مكر ولا كلّ ألاعيب السياسة, ولا موقف دولةٍ صغرى، ولا دولةٍ كبرى في الأرض كلّها على الإطلاق.
ربيع الثورة العربي، وحركات الإصلاح إنما وُلد كلّ ذلك من رحم الصحوة الإسلامية التي سرت في روح هذه الشعوب، وكلما حضر الإسلام في وعي شعبٍ وشعوره كلما امتنع أن يَردَّ هذا الشعبَ رادٌ عن طريق العزّة والكرامة والحريّة والمطالبة بالحقوق، والتغيير الصالح والانعتاق.
منطلق الربيع العربي مخزونٌ من الشعور بالقهر والإذلال والحرمان والتهميش والكبت، وفقد الأمن. وكل ذلك من عطاءات النظام السياسي العربي الغاشم. منطلقه هذا المخزون وتلك الصحوة التي بعثت الوعي، فأحيت الضمير, وحرّكت الإرادةَ وألهبت الشعور.
والنجاحُ الحقيقي لحركات التغيير والإصلاح، وتحقيقُ مستقبلٍ زاهرٍ كريمٍ رائدٍ للأمةِ مرهونٌ باستمرار هذه الصحوة وتعمّقها، وصِدْقيَّتِها في ميزان الدّين، وشدتها وتوسعها.
مع استمرار هذه الصحوة وتصاعدها يستحيل على أيّ نظامٍ من أنظمة الحكم الظالمة أن يكون في منأى عن المواجهة والمطالبة بالإصلاح والتغيير.
وفي ظلّ الواقع الجديد لشعوب الأمة لم يبقَ أمام الأنظمة الحاكمة المناهضة للإصلاح والتغيير إلا أن تستبدل عن شعوبها أو تستجيب لإرادتها.
يا رجال أنظمة الحكم الظالمة:
إذا أردتم أن يبقى لكم ظلمكم واستئثاركم بكنوز الأوطان، واستعبادكم للنّاس فاقتلوا شعوبكم(13) واستبدلوا عنها شعوبا ميتةً ذليلة، تقبل الأسر والاستعباد. ولن تجدوا بديلاً في الأرض اليومَ من هذا النوع.
شعوبكم العربيّة المسلمة صار يستحيل عليكم بعد صحوتها وعلى من هو أشدُّ منكم وأقسى أن يحكمها بالحديد والنار, ويقتلَ إرادتها، ويُخمِد في داخلها روح الثورة، وطموحَ الإصلاح والتغيير.
سبيلكم الوحيد إذا عزّ عليكم الإصلاح والتغيير أن تحصدوا هذه الشعوب حصداً إلى آخرها إن أمكنكم ذلك، ولا تستطيعون(14) .
وإلاّ فإن أيّ شعبٍ من الشعوب التي حرّكها الشعور بضرورة التغيير على ضوء الإسلام لن تتراجع ما دام الدم سارياً في عروقها. ولن يطول صبر أي شعبٍ من الشعوبِ المظلومة التي لم تهبّ بعدُ على الظلم والسكوت.
وكلّ الاحتياطات الوقائية من التغيير لن تصمد أمام هبّة الشعوب وعزمتها وجدّيتها, واستمرارُكم في الظلم يُفقِد شعوبكم الصبرَ، ويستنهِضُ إرادتها.
على أي حكومة عربية ألا تصدّق نفسها بعد اليوم بأنّها ستبقى صاحبة الكلمة الوحيدة، وسيّدة القرار والموقف؛ تتحكم في مصير شعبها كما يحلو لها، أمّا الشعب فسيبقى مكتوفَ اليدِ، مستسلماً، سهل الانقياد، حاكماً على نفسه بالقصور والمملكويّة والعبودية، راضياً بالانبطاح.
وما هو بشأن البحرين هذه بعض نقاط:
1. لا ينتظر أحدٌ على الإطلاق من الشعبِ أن يعودَ إلى البيوت والمنازل من غير الإصلاح الذي نادى به ويرضاه.
2. السياسة القائمة سياسة تجويع, تغييبٍ في السجون, ترويع للآمنين, استباحةٍ للمناطق السكنية, تخوين, بثٍّ للفتنة الطائفيّة, تهميش, تقتيل, إماتة. والحق أن يُحاكَم كلّ مسؤولٍ عن هذه السياسة.
3. كلّ نداءات الاعتراف بحقوق الإنسان، ورعاية الحقوق الوطنيّة، والإصلاح, والتي انطلقت وتنطلق من الداخل والخارج لم تلقَ أيّ استجابةٍ جديّة من قِبَلِ النظام لحدّ الآن، وعملية الالتفاف على مطالب الشعب، والمراوغةُ التي يُتَعامَلُ بها مع هذه المطالب والنداءات المتكررة بالاعتراف بالحقوق والإصلاح هي السياسة المتّبعَةُ التي لا دليل عن التخلّي عنها من النظام.
4. لن يقبل الشعب أن يكونَ ثمنُ عودة المفصولين من العمل والدراسة فرضَ شروطٍ مذّلةٍ لهم، وبخسَهم شيئاً من حقوقهم الثابتة(15) .
5. لا تعدّ إصلاحاً أيُّ صورةٍ شكليةٍ للإصلاح لا تعتبر إرادة الشعب في وضع دستوره، واختيار ممثليه في المجلس النيابي، واختيار حكومته، ولا تضمن نزاهة القضاء، وعدمَ تسييسه، وتوفير أمن الشعب، وحقَّه في خدمة بلده في أي موقع من المواقع التي يمتلك كفاءتها والرغبة فيها.
لا يوجد إصلاحٌ يستحقّ أن يُسمّى إصلاحاً, ويمكن له أن يعالج الظلم القائم والفساد المستشري بدرجةٍ مقبولة بسقف أقلّ من سقفٍ يعترف بإرادة الشعب ومرجعيّته في الحكم، وحريّة اختياره لدستوره، وحكومته، وممثلي إرادته, وبصورة نزيهةٍ بعيدةٍ عن المغالطة واللفّ والدوران والتزوير، ومن غير قضاءٍ مستقلّ بعيدٍ عن تأثير السلطة التنفيذيّة وهيمنتها.
هناك حلّان لمشكلة العلاقة المتوترة بين الشعب والحكومة؛ حلٌّ يعتمدُ العدل، ويقوم على إنصاف الشعب، ويعيد حقوق المظلومين؛ ويقتصّ من الظالم ويعترف للناس بحريتهم وعزّتهم وكرامتهم، وحقهم في إعطاء الرأي في شؤونهم العامة, واحترام وجهة نظرهم، وألا يُحكموا بإرادةٍ فرديّةٍ أو فئويّةٍ أو عائليّة، وهو حلٌ يتطلّب إصلاحاً واسعاً شاملاً جذرياً، وبصورة عاجلةٍ قبل فواتٍ الأوان.
أمّا الحلّ الثاني فيقوم على الإصرار على تكريس الظلم، وفرض الهيمنة الغاشمة، وإسكات الصوت، والاستسلام لإرادة الطرف الآخر.
والأسلوبُ المُعتمَد لهذا الحلّ هو الأسلوب الأمنيّ المتشدِّد والمُسقِطُ لكلّ اعتبارٍ دينيٍّ أو خلقي أو عرفي حميد، ذلك الأسلوب الذي عاث في جنبات هذا الوطن فساداً لمدّة طويلة, ولم يُعقِبْ إلا مزيداً من الغليان، ومزيداً من ترسيخ القناعة بوجوب المطالبة والإصرار على الإصلاح، ودفعِ غائلة الظلم ومقاومته.
الحلّ الثاني وأسلوبه الذي يعتمده ساقطان, قد تجاوزهما الزمن، وأفشلهما ربيع التحرّك العربي المنطلق من رحم الصحوة الإسلامية, وهما مُدانان بكل المقاييس الدينية والخلقية والعقليّة والعُقلائيّة، وحسب المواضعات الدوليّة، والمصلحة الوطنية، وما يمُتُّ بصلةٍ لقيمة الإنسان وكرامته.
الذين يختارون الحلّ الثاني إنّما يختارون لهذا الوطن الفساد والفُوضى والدمار، وأن يحترق إلى النهاية.
يا أصحاب الحلّ الثاني:
اعدلوا عما أنتم عليه، وكونوا أقرب إلى دين الله، والحقّ، والحكمة، ومنطق العقل، والضمير، ومصلحة الوطن، والاعتراف بكرامة الإنسان, ولا تشطّوا كلّ هذا الشَطَط، ولا تظلموا كل هذا الظلم، ولا تجنّوا الجنون كلّه.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين، وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعزّ بها الإسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، والقادة إلى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة يا أرحم الراحمين.
اللهم ارحم شهداءنا وجميع شهداء الإسلام، وجميع موتانا وكلّ من توفي على الإيمان، وفك أسرانا وسجناءنا والسجناء المؤمنين المظلومين في كل مكان، واشف مرضانا وجرحانا كل المرضى والجرحى من أهل طاعتك يا أرحم الراحمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (16).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- 12/ الحجرات.
2- نظرتَ إلى ظنّ السوء وبغض النظر عن مجموع الظن لوجدته في نفسه كثيراً.
3- هناك سوء ظنّ أسعى إلى تحصيله، وبذلك أكون قد ارتكبت إثماً، سوء ظن في مسلم سعيتُ إلى تحصيله، طلبته طلبا، أكون في ذلك آثماً. هذا في القاعدة العامة. سوء ظنّ يدخل على نفسي من غير اختيار، ويقتحمها اقتحاماً، لا أتحمّل مسؤوليته، لكن إذا رتّبت عليه أثرا محرما كنت آثما.
4- 12/ النور.
هي نفس مؤمنة يشترك فيها الجميع، وإساءة الظن بالمؤمن كأنّما هو إساءة ظنّ بالظانّ نفسه.
5 – نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج9 ص72.
الإنسان قد يرمي وتخطئ السهام، وبمعنى أنّه قد يظنّ الظانّ إلا أنّه يُخالف ظنّه الواقع.
6- هداية العلم في تنظيم غرر الحكم ص624، 625.
7- ميزان الحكمة ج2 ص1785 ط1.
8- تحف العقول ص501 ط2.
9 – هداية العلم في تنظيم غرر الحكم ص365.
10- ميزان الحكمة ج2 ص1786 ط1.
11- هداية العلم في تنظيم غرر الحكم ص366.
12- سورة التوحيد.
13- هتاف جموع المصلين بـ(هيهات من الذلة).
14 – هتاف جموع المصلين بـ(لن نركع إلا لله).
15- هتاف جموع المصلين بـ(هيهات منا الذلة).
16- 90/ النحل.