خطبة الجمعة (483) 27 محرم 1433هـ ـ 23 ديسمبر 2011م
مواضيع الخطبة:
الخطبة الأولى: الشكر لله
الخطبة الثانية: الإمام السجاد عليه السلام – الشيخ الجمري – شعب واحد ،وديمقراطية واحدة – ماذا بقي؟
الخطبة الأولى
الحمد لله الأوّل قبل كلّ شيء، ولا أوّل له، والباقي بعد فناء كلّ شيء، ولا آخِر له، المحتاج إليه كلّ شيء، ولا حاجةَ به إلى شيء، القاهر لكلّ شيء، ولا يقهره شيء.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمّارة بالسوء بتقوى الله العزيز الحكيم، المعزِّ لمن اتّقاه، المذلِّ لمن عصاه، المثيبِ لأهل طاعته، المعاقبِ للعصاة من عباده.
لا خوفَ على من أجاره، ولا جِوارَ لمن أخافَه، ولا شقاء لمن أسعد، ولا سعادةَ لمن أشقى، ولا يُخلِّص من غضبه إلاّ رضاه، ومن عقابه إلاّ عفوه.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم إنه لا حول ولا قوّة إلا بك فاحمنا ربّنا من كيد الشيطان، ومكره، ووسوسته، ومن تزيين النفس الأمّارة بالسوء، اللهم واجعلنا ممن لا تراه وأنت العليم بكلّ شيء إلاّ في مواطن طاعتك وعبادتك، والتنافس في طلب قربك ورضوانك يا قريب يا مجيب.
أما بعد أيها الأعزّاء من المؤمنين والمؤمنات فإلى حديث موضوعه:
الشكر لله:
إنَّ واجب الشكر لله من أوضح واضحات العقل السليم، والضمير الحيّ، والوجدان الكريم.
فَلِمَنْ يكون الشكر إذا لم يكن لله الذي منه كلُّ النعم، ولا مصدرَ لخيرٍ عند عبدٍ غيرُه؟
وهل يُرتقب لقلب عبدٍ من عبيد الله لا يهتزّ لإحسان ربّه العظيم، ولا يأبه لشكر نِعَمِه الغامرة أن يعترف بجميل عبدٍ مثله، ويشكر له؟!
وأبعدُ من ذلك أن يُحسن أو يتجاوز عن أحد من خلق الله(1).
النفس التي لا تشكر الله نفس منغلقة على جهلٍ وجحود، لا مكانَ فيها لشعور كريم، ولا شيء من حياةِ ضميرٍ. قُلْ عنها أنها نفس بهيميَّة فارقتها إنسانيتها، وانغمرت في الطّين، ولفّها الظلام.
يكفي النفسَ لأنْ تشكر ربَّها أن تشعر بذاتها، وأنها نعمة من نعمه، وومضة من عطائه. ولا تلتفت النفس لشيء من خير يكون لها، إلاّ وكان عليها أن تشعر بمنِّ الله، وفضله، وإحسانه ورحمته؛ كيف لا وهي تعرف أنها لا تملك لنفسها من نفسها شيئاً، وأنَّ كلَّ من سوى الله سبحانه يشاركها في الفقر، وتجمعه معها الحاجة في ذاته؟!
وكما أن شكر المنعم الحقِّ تبارك وتعالى من أوضح واضحات العقل، فهو كذلك من أوضح واضحات الدين.
ويزخر الكتاب الكريم والسنة الشريفة بالنصوص في واجب الشكر لله سبحانه، وبيان ما عليه أكثر الناس من التخلُّف عن هذا الواجب، وهو تخلّفٌ يفضح الوجدان المتبلِّد لصاحبه، والضميرَ الميّت الذي يحمله، والسّقوط الأخلاقي الذي يُعاني منه.
ومن ذَكَرَ الله منّا فذكره قليل، ومن شَكَرَه فشكره ضئيل. والبالغون في الشكر لا يبلغون حقَّ الله العظيم؛ وكلّ شكر له سبحانه يستوجب الشكر لأنه نعمة من نِعَمِه.
وقد أمر الله تبارك وتعالى عباده بذكره وشكره:{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ}(2).
ولا خير في نفسٍ تعيش الغفلة عن الله، فليس لها إلا الضلالُ والتيه والسقوط، ولا دليل لها إلا الشيطان، ولا قائد لها إلا الهوى، ولا غاية تنتظرها إلا النّار.
ونفسٌ لا تشكر ربها نفسٌ لا جمال فيها، ولا شمَّةٌ من خُلُقٍ كريم.
كفرٌ بالنِّعم، وجحدٌ بالحقِّ، وإنكار للجميل، وطمسٌ للحقيقة أن تغفُلَ النفس عن ذكر ربّها، وألاَّ تشكر أفضاله ونعمه.
وقد يكون من الحيوان ما يشعر بلونٍ من الامتنان لِمُكرِمه، ويُعبّر عن ذلك بلون من التعبير كما في القطِّ والكلب، وعندئذ يكون مُنكر النعمة من النّاس من أحطِّ البهائم في عدم الإحساس بالجميل، وأخسِّها ضلالة بل يكون أضلّ سبيلاً.
عن الإمام زين العابدين عليه السلام:”الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَوْ حَبَسَ عَنْ عِبَادِهِ مَعْرِفَةَ حَمْدِهِ عَلَى مَا أَبْلَاهُمْ مِنْ مِنَنِهِ الْمُتَتَابِعَةِ، وَأَسْبَغَ عَلَيْهِمْ مِنْ نِعَمِهِ الْمُتَظَاهِرَةِ، لَتَصَرَّفُوا فِي مِنَنِهِ فَلَمْ يَحْمَدُوهُ، وَ تَوَسَّعُوا فِي رِزْقِهِ فَلَمْ يَشْكُرُوهُ. وَ لَوْ كَانُوا كَذَلِكَ لَخَرَجُوا مِنْ حُدُودِ الْإِنْسَانِيَّةِ إِلَى حَدِّ الْبَهِيمِيَّةِ فَكَانُوا كَمَا وَصَفَ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ:{إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}(3)”(4).
والشاكر لله إنَّما يشكر لنفسه، وما نَفْعُ شكره إلاّ لها، وفيه تهذيبها وتربيتها، وبالشكر تزداد النعم، وتُدفع النقم، ويُنال الثواب، وتُكسب الجنّة، وما لله من شكر العبد نفعٌ على الإطلاق، وليس له به من حاجة، فهو الغنيّ بذاته، وكلّ خلقه مفتقر إليه.
يقول سبحانه:{… وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ}(5).
وإذا تمّ الشكر على حقيقته من العبد، وعاشه قلباً، ولساناً، وعملاً، فرأى اللهَ سبحانه عند كل نعمة من نعمه عنده، وآمن بإحسانه، ولم يُشرك بالله أحداً في الإنعام، وحمِد الله على ما أنعم عليه، ووضع كل نعمة من نعمه حيث رضاه استحقّ عنده سبحانه منزلة رفيعة ومكاناً عليّاً يصل إلى حدّ الاجتباء وأن يكون العبد مخلَصاً له سبحانه.
{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، شَاكِراً لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}(6).
وما قلّ الشاكرون لله في الناس إلاَّ لأنَّ الشّكر الدائم خُلُق عظيم قلَّ من يرقى إليه لما يعنيه من بصيرة نافذة، ووعي قائم، وذكر دائم، وروح صافية، ونفس عالية، وفهم توحيدي، وشعور ثابت من الذّات بذلّ عبوديتها في قبال عزّ الربوبية لله تبارك وتعالى(7).
اللهم صل وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم إنا نعوذ بك من كفران نعمك، ومن أن نُسيء استعمالها، ونضعها في معصيتك، أو نضنّ بها على دينك، ونعين بها أعداءك. اجعلنا ربّنا ذاكرين شاكرين حامدين برحمتك يا أرحم الراحمين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}(8).
الخطبة الثانية
الحمد لله أصدق الحمد، وأكمل الحمد، وأدوم الحمد. أحمده الحمد الذي هو أهله، ولا أهل له غيره، ولا يعدله حمد، ولا يقف به حد.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله علينا بتقوى الله، والتنافس في طاعته إذ لم يتنافس العبادُ في خير كما تنافسوا في هذا الخير. بل لا خير خارج طاعة الله، وكلّ ما ظنّه الناس خيراً بما فيه معصية الربّ سيلقونه وبالاً وخزياً وعاراً، وسيكون عليهم حسرة وندامة، ويُجزونه عذاباً أليماً.
أمّا ما كان طاعةً وتقوى من الله فذاك ما عاقبته الجنّة والسعادة، وحياة الرّضوان والنعيم.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
ربّنا أصلح لنا سرائرنا، ونقِّنا من كلّ ما نقّيت منه عبادَك الصالحين، وأولياءَك المخلَصين برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى حججك في عبادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم. اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، وعجِّل فرج وليّ أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقرّبين، وأيّده بروح القدس ياربّ العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهِّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وفِّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصراً عزيزاً مبيناً دائماً ثابتاً مقيماً.
أما بعد أيها الأحبة في الله فهذه بعض كلمات:
الإمام السجَّاد عليه السلام:
لقد كَثُرَت عبادة الإمام علي بن الحسين بن علي عليهم السلام وصلاته حتّى لُقِّب بالسجّاد، وذي الثفنات، وزين العابدين.
وما لُقِّب بزين العابدين لكثرة عبادته فحسب، وإنما لأن عبادته عن عقل، ومعرفة بالله، وبحقّ عبادته، ولأنّ عبادته كانت عبادة قلب قبل أن تكون عبادة بدن، وعبادة استلهام، واستنارة، وصعود روحيّ، وعقلي ونفسي، وانفتاح على أسرار العبادة، وأبعادها الكريمة، وفيوضاتها الثّرة، وأنوارها المشِعّة وتشرُّبٍ بها(9).
إنها عبادة استكمال فعلي، واستزادة مقتَبَسة من جلال الله وجماله، تجعله يخرج من كل عبادة يأتيها أقوى وأكبر مما كان، وأشدّ تخلُّقاً بأخلاق الله سبحانه، وأقربَ إلى ربّه وأرضى.
وما كلُّ عبادة بعبادة؛ فهناك عُبَّادُ بدن بلا عقل، ولا قلب، ولا روح، سذّجٌ لا يعرفون معنى العبادة، ولا يُدركون أبعادها، ولا تتلقّى نفوسهم دروسها وإيحاءاتَها، ولا تنفذ في قلوبهم أنوارُها، ولا يخرجون منها بوعي جديد، وخُلُقٍ رفيع، وشعور كريم، وحياة زاكية.
عُبّادٌ يسيئون للعبادة بما يكونون عليه في تعاملهم مع عباد الله بالجفاء، والغلظة، والحقد، والتعالي، واستباحة الدِّماء، والفساد في الأرض، مما يُظهِر أنهم إنما يعبدون إلاهاً آخر من صنع تصوّرهم بعيداً في صفات من صفاته عن صفات الله وأسمائه الحسنى، مُضادّاً لها، متنافياً معها كلّ المنافاة.
بدأ الإمام زينُ العابدين عليه السلام بعد فاجعة كربلاء يستعيد للأُمّة وعيها، وإرادتها، ورشدها، ويرجع بها إلى الطريق.. إلى كتاب الله، وسنّة رسوله صلّى الله عليه وآله، ويُجدّد وجودها على هدى الإسلام، ويُنشئ كتلة إيمانية مؤثّرة، مستثمراً عطاءات كربلاء الحسين عليه السلام استثماراً كبيراً ناجحاً، محققاً الكثير مما حاوله عليه السلام.
الشيخ الجمري:
كان الشيخ واحداً من أبرز صنّاع الوعي الديني والسياسي، والروح الثورية في هذا البلد العزيز.
وكان قائداً سياسيّاً سجّل نجاحاً في أكثر من بُعد، ودفع بمستوى الحراك الشعبي إلى الأمام، واستقطب الجماهير بدرجة عالية في سبيل كرامتها وعزّتها(10)، واستمات في الدفاع عن حقوق الشعب ودينه وعزّته، ومقاومة الظلم والاستبداد، ولم يعدل عن خطّه الأصل إلى الأخير، ودفع من أجل ذلك حيويته ونشاطه وصحته.
شعب واحد، وديمقراطية واحدة:
الشيعة والسنة في البحرين وغيرها إخوة دين، ووطن، وتاريخ، إخوة ماضٍ وحاضر ومستقبل. وكلّنا هنا شعب واحد لا شعبان.
السياسة المغرِضة في كلّ مكان تلعب على الوتر المذهبي، والقومي، وأي وتر آخر لإضعاف الشّعوب وتفريق كلمتها، والاصطياد في الماء العكر.
وهذا غير خافٍ على أحد ممن له أدنى انتباه لسيرة الحكومات الظالمة.
ومن المؤسف أن يغفُلَ البعض عن ألاعيب السياسة القذرة، ويتناغم مع الدعوات الطائفية، ويَقبل أن يكون أداةً من أدواتها.
ونحن نعلم أنَّ الدعوة للوحدة الإسلامية والوطنية مُوجِعة للحكومات الظالمة ومفشلة لأهدافها الخبيثة. والدُّعاةُ لهذه الوحدة من أبغض من يكون لهذه الحكومات(11)، وهم مُلاحقون منها بالتشويه والعقوبة، وقلب الحقائق والكذب والزّيف والبهتان.
وعلينا أن نُؤكِّد دائماً على وحدتنا الإسلامية والوطنية، وليُغضِب ذلك من يُغضِب.
وهذا الشعب الواحد حين يُطالب بالديمقراطية التي تُعطيه حقّ الرأي في دستوره وقوانينه وحكومته وتقرير المصير لا يُطالب بديمقراطية شيعية أو ديمقراطية سنية، فالديمقراطية ليست ذات تصنيف مذهبي، وليست صديقة مذهب معين، وعدوة لمذهب آخر. الديمقراطية في مجالها السياسي لا حديث لها عن المذاهب، ولا مِساس لها بها.
الديمقراطية لإنصاف الشعوب وليس لظلمها، وإذا كان هناك متضرِّر من الديمقراطية فهي الحكومات الفاسدة والمستبدة، وأهل المطامع الظالمة الذين يشاركونها الأثرة والفساد والبغي في الأرض، وتهميشَ الشعوب. وهؤلاء ليسوا قصراً على مذهب معيّن، أو قومية خاصة. يمكن أن يكون هؤلاء المنتفعون بالحكم الفاسد، المدافعون عنه من أيّ مذهب، من أيّ قومية، من أيّ لون. يكفي للحقاهم بالحكم الفاسد ومناصرتهم له أن يكونوا من عبيد الدنيا، وإن سمّوا أنفسهم بمسلمين أو بغير المسلمين.
ماذا بقي؟
ماذا بقي لهذا الشعب من حرية التعبير؟ من حرمة دم… من حرمة مال… من حرمة عِرض… من كرامة… من كلمة.. من أمن… من حرمة دين… من حرمة صلاة… من حرمة مسجد… من حرمة قرآن؟(12) لا شيء من حرمة لهذا الشعب المقاوم للظلم، للقهر، للإذلال، للاستئثار، للاستبداد، للتهميش، لنهب الثروة، للاضطهاد، لانتهاك الدين في نظر حكومة تمارس كل ذلك في حقه.
مسؤولو دول كبرى تتوافد، ووفود حقوقية في مجيء وذهاب، والأمور إلى الأسوأ، والانتهاكات للحقوق والإنسانية والوطنية والدين في تصاعد واتساع.
وقد رأى العالم كيف تُهان حرائر البحرين أخزى إهانة في المركز التجاري للعاصمة، وكيف تُسحب الشابة المقاومة الحرَّة زينب الخواجة على الأرض بصورة مُهينة لكرامة الإنسان(13).
قد رأى العالم كيف يُنزَل العذاب الأليم الحاقد بنخبة من الشباب المناهض للظلم بالآلات الممزّقة للأبدان.
ويحدث هذا وأكثر في وجود لجنة تقصّي الحقائق، وبعد مغادرتها، وفي ظلّ وجود الوفد الأممي، وبعد ما فضحه تقرير بسيوني من انتهاكات استبشع لها ضمير العالم. وكلّ ذلك غيض من فيض مما يعانيه هذا الشعب.
نحن أمام حكومة ترفض الإصلاح، تواصل العنف، تزيد في التضييق. وتقول باللغة العملية القاسية الفصيحة الواضحة وغير المسؤولة أن على شعب البحرين أن لا يتوقع انفراجة، وعليه أن يستعد لحياة صراع دائم(14) هذا هو اختيار الحكومة لنفسها ولهذا الشعب ولهذا الوطن، وهي بذلك تظلم نفسها والشعب والوطن جميعاً(15).
ونقول للدول الكبرى، وللمنظمات الحقوقية الدولية إما أنَّ رأيها بأن الشعب غير محقّ في مطالبه بالحقوقية، والسياسية، أو أنه شعب نشاز من بين كل شعوب الأرض، وليس أهلاً لشيء من الحقوق، وعليها لو كان رأيها كذلك أن تُعلن هذا بصراحة، ولها أن تدعو الحكومة لمزيد من التنكيل بهذا الشعب، وإلغائه، وإقباره(16).
وإما أن يكون رأيُها غير ذلك، وأن الشعب كسائر شعوب الدنيا، وله من الحقوق الإنسانية، والدينية، والمدنية، والسياسية ما لغيره من الشعوب، وأنّ مطالبه في الحرية والكرامة والديموقراطية والأمن والسلام مطالب محقّة، وعندئذ عليها أن تدين السياسة المنتهكة من الحكومة، وتمارس عليها الضغط الذي تجد له أدوات كثيرة بما يُلجئها إلى الإذعان للحق، والاستجابة لمطالب الشعب العادلة.
من يُصدّق أنَّ الدول الكبرى، والمنظمات الحقوقية الأممية لا تملك أكثر من دور الواعظ الذي لا يجد شيئاً من أدوات الضغط لصالح ما يراه حقّاً وما فيه إنقاذ لهذا الشعب؟!(17)
ومن يُصدِّق بممارسة الضغط الذي تملكه الدول الكبرى، والهيئات الأممية لصالح حقوق الشعب ولكن لا تُؤثّر؟!(18)
نقول هذا، وأملنا في الله وحده، ولا تعويل من مؤمن على مخلوق.
وشعبنا لا يأخذ عزمه من موقف الدول، ولا يُثنيه عن حقّه تنكّر من أحدٍ أيّاً كان.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}(19).
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم بك وثِقنا، وإليك التجأنا، وبك استغثنا يا خير مغيث.
اللهم ارحم شهداءنا وشهداء الإسلام في كل مكان وزمان، وارحم موتانا وجميع من تُوفّي على الإيمان، وفُكّ أسرانا وسجناءنا، واشف مرضانا ومرضى المؤمنين والمؤمنات برحمتك يا أرحم الراحمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون (20).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – القلب الذي لا يستجيب لذكر الله قد خلا من الخير، وليست له صلاحية للخلق الكريم.
2 – 152/ البقرة.
3 – 44/ الفرقان.
4 – الصحيفة السجادية، الدعاء الأول.
5 – 40/ النمل.
6 – 120، 121/ النحل.
7 – كلُّ ذلك يجتمع حتّى يدوم الشكر، وإذا اجتمع كلّ ذلك كانت الذات من أرقى الذوات.
8 – سورة العصر.
9 – كانت عبادة انفتاح على كلّ تلك الآفاق، وتشرُّب بعطاء تلك المعاني الكريمة.
10 – وليس للذّات.
11 – إذا دعوت للوحدة آذتك الحكومة التي تريد تفريق الشعب، وألّبت عليك الأقلام والألسن.
12 – ألم يُهاجم المُصلّون وهم يُقبلون على الصلاة؟ ألم تُهدم المساجد؟ ألم تُنتهك حرمة القرآن؟ ماذا بقي من شيء لم تنتهكه السياسة الظالمة في هذا البلد الكريم؟
13 – هتاف جموع المصلين بـ(هيهات منا الذلة).
14 – هتاف جموع المصلين بـ(لن نركع إلا لله).
15 – هتاف جموع المصلين بـ(فلتسقط الحكومة).
16 – هتاف جموع المصلين بـ(هيهات منا الذلة).
17 – وفود الأمم المتحدة، والوفود الأمريكية والبريطانية والفرنسية، والمسؤولون الذين يجيئون من فرنسا وانجلترا هؤلاء وعّاظ؟! يُسمعون الحكومة كلمة؟ كلمة فحسب؟!
18 – أمعقول أنهم يضغطون الضغط الذي يملكونه ثم لا يؤثّر شيئاَ؟!
19 – 7/ سورة محمد.
20 – 90/ النحل.