خطبة الجمعة (402) 23 ربيع الثاني – 9 أبريل 2010م
مواضيع الخطبة:
* معرفة الله تبارك وتعالى وذكره. *من أكبر المصائب *إلفات نظر *معاهدة الحد من السلاح النووي *مخيّرون أم مسيّرون؟ *مداهمات كرزكان.
أن نكون قد اخترنا – نحن البحرين حكومة وشعبا – صداقة الإسرائيليين ومودتهم وهم يصعِّدون عدوانيتهم على أرض الإسلام في فلسطين والمسلمين الفلسطينينن، ويهدّدون بشنّ حرب ساحقة على البلاد الإسلامية الأخرى؛ فهذا يعني الشيء الكبير والخطير والمؤلم، ويعني نصرة الكافر على المسلم، والظالم على المظلوم، ويعني العار الدائم، والإثم العظيم عند الله سبحانه، ومضادّة الأمة والإعانة عليها عن قصد وعمد، وهذا ما نأباه لوطننا.
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي خَلَقَ النّور مُبدِّداً للظلمة، ودليلاً للغاية، والروحَ باباً للمعرفة، والعقلَ طريقاً للحكمة، والدِّينَ مزيحاً للشبهة، والجوارحَ آلةً للإعمار، وبيّن معالم الهدى، وأقام أدلّة الرّشاد، ودلّ على قادة السداد من أنبياء مرسلين، وأوصياء هادين مهديّين.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمّارة بالسوء بتقوى الله مالِكِ كلّ نَفْس، وكلِّ نَفَس، وقطرةِ ماء، ونسمةِ هواء، ولقمة غذاء، وما في السماوات والأرض وما بينهما ولا يملكُ أحدٌ غيرُه شيئاً أبداً.
والتَّقوى في طاعة الله عزّ وجلّ، والعمل للآخرة كما أَمَر. ونِعْمَ الموعظة في المقام ما عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام مما وعظ به هشام بن الحكم:”يا هشام إن العقلاء زهدوا في الدّنيا ورغبوا في الآخرة؛ لأنهم علموا أن الدّنيا طالبة مطلوبة، والآخرة طالبة ومطلوبة، فمن طلب الآخرة طلبته الدّنيا حتى يستوفي منها رزقه، ومن طلب الدنيا طلبته الآخرة فيأتيه الموت، فيفسد عليه دنياه وآخرته”(1).
وقد فُسّر طلب الدنيا للعبد برزقها المكتوب له من الله حيث لا ينقص ولا يزيد، ورزق الإنسان ما طعم، وما شرب، وما لبس، وما سكن، وما ماثل. أما ما بدّد فهو عليه لا له، وما خلّف فهو لغيره. {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا}(2)، وطلبه لها بسعيه للتوفّر على أحسن حالاتها، وأما طلب الآخرة لنا فللموت المكتوب علينا {قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً}(3).
وطلب العبيد للآخرة بالسعي الحميد والعمل الصالح الصادق تقرّباً لله سبحانه انتهاءً إلى نعيمها المقيم، وفوزها العظيم.
والدنيا غاية مهدومة، ونهايتها محتومة فطالبها طالب للسراب(4)، والساعي لها ساع إلى نهاية خاسرة. وتقول موعظته عليه السلام في هذا “ومن طلب الدّنيا طلبته الآخرة – نداء قم للرحيل الذي لابد منه – فيأتيه الموت فيفسد عليه دنياه وآخرته” دنياه التي عمّرها، وآخرته التي أهملها، ويأتي الموت ليذهب بفرصتها، وأمّا طالب الآخرة فأكل وشرب ولبس في الدنيا وعاش ما كُتب له، وربح الآخرة الربح الذي لا مثيل له. وأما هموم الدنيا وغمومها ومرضها وفقرها فلا تخصّ مؤمناً دون كافر، ولا يكاد يُعفى منها أحد، ولا ملازمة بين الغنى والكفر، ولا بين الفقر والإيمان. فلتتعظي يا نفس؛ فإن العقل والصلاح والفلاح في الاتعاظ.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولوالدينا وأرحامنا وأزواجنا ومن أحسن إلينا من المؤمنين والمؤمنات، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. وأعنّا على أنفسنا، واسلك بنا سبيل الطاعة، وجنّبنا مهاوي المعصية، ولا تجعل لنا مطمعاً في الدنيا يصرفنا عنك، وتفوتنا به الآخرة، ويُلهينا عن الآخرة، ويلهينا عن المنافسة فيها يا كريم يا رحمن يا رحيم.
أما بعد فهذا حديث عن:
معرفة الله تبارك وتعالى وذكره:
إن أمراً فوق الأمور كلّها ما رُزِقه إنسان وشقي، وهو معرفة الله تبارك وتعالى وذكرُه. ذلك أمر يقطع دابر الشيطان، وينقذ من وسوسة النفس، وضيق الصدر، والهمّ والغمّ، ويُنجي من الذّل والاتضاع، ويصحّح الهدف، ويرتفع بالهمّة، ويمدّ الشعور بالغنى والقوّة والخلود، ويدرأ من الخوف والاضطراب والقلق، ويستقيم بالسلوك، ويُصدِق الأمل، ويحمي من المسكنة، ويقي من الهزيمة، ويشدّ العزم والتصميم، ويثبّت القدم، ويطرد الوحشة، ويُغني عن الأنيس، ويسمو بالقدْر، ويرفع المنزلة، ويمدّ العقلَ بالحكمة، والقلبَ بالهدى، والنفسَ بالطُهر، والروحَ بالصفاء، ويوصل إلى الغاية، ويُربِح الحياة بما يضعها على طريقها الصحيح، وهدفها المنشود.
ومعرفة الله تبارك وتعالى وذكره بما يؤديان إليه من التزام المجتمعات لمنهجه الحقّ الذي نزّله لقيادة مسيرتها لا يُبقي حياتها حياة آلام وأوجاع ونكبات وأزمات، ومشغلة لها عن الهدف الكبير للحياة.
عطاء هذا المنهج قوَّة لا ضعف، وعلم لا جهل، وحركة لا جمود، واستقامة لا زيغ، وغنى لا فقر، وأمن لا خوف، وعدل لا ظلم، وعفّة لا تبذّل، وثقة لا شك، ورحمة لا قسوة، وتعاون على الخير لا الشرّ، ومحبّة لا بغضاء، ونقاء لا أرجاس، وصفاء لا حقد، ورفعة لا خسّة، واحترام لا استهانة، وعلوّ حقّ لا باطل، وغلبة عقل لا جهل، ورشد لا سفه، وهدى لا ضلال، وسعادة لا شقاء.
كل هذا من البركات التي أشارت إليها الآية الكريمة {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ….}(5).
وها هي الحياة آخذة مسرعةً في الانحدار باستمرار كلما ابتعدت عن ذكر الله، ومنهجه القويم، وعربد صوت المبطلين فيها بعواء ونباح، وكلما توسّعت حضارة البطون والفروج، وتفاقم نهم المادة عند الطغاة فساد خُلُقاً سيئا هدَّاماً في عموم النّاس، وكلما استكلبت القوّة الطاغوتية بيد الظالمين من مال وجند وسلاح لتنشر في النفوس الرعب، وتفرض على الرقاب الذّل، وتعيث في الأرض الفساد.
ويُخطئ ممن يظن أن الأرض تعود إلى رشدها، وأن تصلح الأوضاع أو يخفّ الشقاء، وتقرب الحياة إلى صوابها، والإنسان إلى هداه، والغاية إلى السداد، وأن يتبدّل الخوف أمنا، والظلم عدلاً، والفرقة توحّداً، وأن تشهد أوضاع المجتمعات خيراً وهي تسلك مسلكاً غير مسلك الإسلام، وتتجه لغير الله.
والمصلحون على غير طريق الدين الحقّ مفسدون بمقدار ما بعدوا عن طريق الله(6)، وشركاء بمقدار هذا البعد في الجريمة البشعة التي تُمارس ضد الإنسان: معيشتِه وأمنه وعقله وضميره وغايته ودينه وهداه، وصلته بربّه الذي لا غنى له عنه على الإطلاق.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم اجعلنا من المخلصين لدينك، المبلّغين لأحكامك، الداعين لصراطك، الناصحين لعبادك، الساعين بالصلاح والإصلاح في بلادك، المناصرين لأهل الحقّ من أوليائك، المعادين المحاربين لأعدائك… اللهم ثبّت أقدامنا على الطريق الذي ثبّت عليه قدم أنبيائك ورسلك وأئمة الهدى من آل نبيّك صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، واجعل محيانا محياهم، ومماتنا مماتهم، ومبعثنا مبعثهم، ولا تفرق بيننا وبينهم يا كريم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي رفع السماوات بقدرته، وبسط الأرض بحكمته، وملأت كلّ شيء رحمته، ونفذ فيه علمه، وحَكَمَه قهره، وأخضعه بسلطانه، فكانت الأشياء كلها منقادة إليه، تابعة لمشيئته. لا راد لما أراد، ولا مُخلِف لما قدّر، ولا مؤخّر لما قدّم، ولا مقدّم لما أخّر. هو الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاما.
عباد الله ألا فلنتّق الله، ولا يقود إلى التقوى وعلى طريقها إلا المنهج الحقّ، والإمام العدل، ولا يأخذ إلى الجنّة بعد الله وبإذنه إلا هما، فهما السبيل الذي جعله لرضاه محقّقا، وإلى الجنّة موصلا. وكل سبيل آخر ضال عن الهدى، يقطع عن الغاية. ولقد ضيّع الغاية من لم تكن حياته عبادة لله سبحانه، وما نال منها إلا بمقدار ما أنفقه من العمر في العبادة {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}(7).
ربنا اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، ربنا أعذنا من كيد الشيطان الرجيم، ووسوسة النفس، وتزيين الهوى،، واجعل حياتنا كريمة بطاعتك، رابحة بعبادتك، واصلة بنا إلى رضوانك وجنّتك يا أرحم الراحمين، يا من هو على كل شيء قدير.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء والمرسلين الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، على الأئمة الهادين المعصومين المنتجبين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحُفّه بملائكتك المقرّبين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفِّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصرا عزيزا مبينا قائما ثابتا.
أما بعد أيها الإخوة والأخوات المؤمنون الأعزاء فإلى هذه العناوين:
من أكبر المصائب:
من أكبر المصائب، ومن أغبى الغباء أن يحارب شخص.. مجتمع.. أمّة.. أيُّ كيان نفسَهُ، أن يعمل على هزيمة ذاته، أن يغتال وجوده، أن ينتصر لعدوّه عليه، أن يُحرَّك آليّاً في الاتجاه الذي يمحقه، أن ينفصل عن دينه وهُويّته وانتمائه لا بوعي منه، بل هي الاستجابة البلهاء للمكر السيء الذي يمارسه عدوّه ضدّه… أن يخوض المعركة بالوكالة عمن يكيد به ضدّ وجوده بجهده وماله، وأولاده وبناته، وقدراته، ويسعى حثيثاً للتمكين لعدوّه بفتح أبواب القلوب والنفوس وكل مداخلها لأزيائه، وأخلاقياته، وأنماط سلوكه، وعاداته وتقاليده التي هي من النوع الرديء والهابط والخسيس السيء.
ومن المؤسف المزعج أن أقدر أمة على النهوض بالمستوى الإنساني للبشرية وإنقاذها من وحل حضارة الطين والبطون والفروج تعيش حالة من السذاجة والغفلة القاتلة، والاستدراج المهلك، والتقليد الأبله، والتبعية السلوكية الخطيرة، وفتح كل الأبواب والمنافذ لمستورد الجنس والعري والمجون والميوعة والاختلاط المفضوح بلا حدود ولا حشمة ولا تحفظ. وإنها لتستجيب بسهولة وانسياق مجنون لكل بديل سيء حتى في الاحتفالات ذات الطابع الديني فضلاً عن مناسبات الفرح الشخصي والعائلي، وتركض وراء الزيّ الغربي، والقصَّة الغربيّة، والتسريحة الغربيّة، والتقليعة الغربيّة من غير أن يدخل في الحساب في عملية الانسلاخ من الهوية أيُّ عرفٍ أو دينٍ أو حشمةٍ أو كرامة.
إن حالة من التدهور الخلقي المتصاعد في الكثير من المجتمعات الإسلامية تنسلخ بها من هويتها الحضارية وطابعها السلوكي الديني، وتأخذ بها سريعاً في اتجاه الغرب، وتحوّل حياتها إلى صورة من حياته في العلاقة بين الرجل والمرأة، وفي نوع الفن وطابعه، والأعراف والتقاليد بما لها من منبت حضاري ماديّ خاصّ مقطوع العلاقة بين الدّين وأهدافه ورؤاه. آخذ في الاتجاه المعاكس لاتجاه الله.
وهناك ميزانيات ضخمة، وجهود رسمية مكثّفة، وخطط محكمة، ومؤسسات معلنة وغير معلنة، وسياسات اقتصادية مصمّمة، ومواسم باسم الثقافة، ومنكرات باسم السياحة يجري على يد الكثير من حكومات الأمة للتسريع بعملية التغريب والذوبان الحضاري لأمّة الإسلام في الآخر ذوباناً يبدأ بالتحوّل السلوكي، ولكنّه لا ينتهي إلا بالانقلاب في محتوى العقل والقلب والروح.
إن أنماطاً سلوكية، وعلاقات جنسية، وتقاليد وعادات اجتماعية تنطلق من خلفية حضارية يتركز الهم فيها على الأسفلَين من بدن الإنسان، وتتقدم في الإنتاج الفكري، وتقطع أشواطا بعيدة في علم المادة وحتى في علوم أخرى، وتتضخم على يدها المنجزات المادية الكبيرة من غير ارتفاع في النظرة على همهما(8)، ومن أجل السيطرة الظالمة على العالم، والاستحواذ على مقدراته العظيمة، وإلغاء مقدّراته الكريمة لابد أن تنقل معها الخلفية الحضارية المنحدرة التي انبنت عليها وتطال بالمسخ والتشويه والتزوير والإساءة ما عليه إنسان الأمة المستهدفة بهذا الغزو من رؤية كونية سليمة، وعقيدة إلهية قويمة، وروح تتمتّع بالصفاء والنقاء، وتتسبب في تحولات جذرية في نظرة الإنسان لنفسه وربه ودنياه وآخرته، ومقدّساته وأوليات الحياة، وما ينبغي أن تكون عليه من هدف ومنهج.
إن أي مجتمع من مجتمعات الأمة الإسلامية يواصل الانحدارة الخلقية، ويتعامل مع التدهور الخلقي بلا مبالاة ليمارس جريمة كبرى بشعة في حقّه وحق الأمة بكل أجيالهما.
ومن هنا يكتسب الملف الأخلاقي في المجلس النيابي والإصرار على معالجته أهمية بالغة جداً. ويتحمل الشعب وكل فرد من أفراده في احتضانه للأخلاقيات الهابطة، والمشاركة في التسيّب الخلقي، والبعد عن حالة العفة والحياء والشرف والتحفظ الديني مسؤولية ثقيلة بين يديّ الله تبارك وتعالى، ويتسبب في كارثة عامة سيضيق بها الجميع، ويخسر بها المجتمع إسلامه ومعه سلامه وأمنه وإنسانيته.
ولا يمكن توقّع أي حل للمشاكل والأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في حالة الانهيار العام الخلقي في ظل أي طرح سياسي أو اقتصادي مهما توفّر على مقوّمات الصحة في نفسه.
لا أكبر من الحلّ الإسلامي، ولا أنقى منه، ولكن إذا جاء الحلّ الإسلامي على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي من غير تربية إلهية للناس سقط هذا العلاج. فكيف بديمقراطية أو غير ديمقراطية؟!
إلفات نظر:
أوباما وهو ولي الأمر الأمريكي يُعمِل ولايته القانونية بإصدار فتوى بهدر دم إنسان مسلم يحمل الجنسية الأمريكية.
ولا غبار ولا مشكلة في ولايته وفتواه عند الغرب وأتباعه، وكل المشكلة والمصيبة والعجب العجاب أن تكون ولاية شرعية لحاكم مسلم يتولى حكومته عن الطريق الشرعي وبرضى الناس، وأن يُعمِل هذه الولاية في حدود بلده، وحدود حكم الشريعة وشروطها وحدودها. فبهذا يكون عند الغرب والمستغربين دكتاتورياً ومتفرّداً، ويعيّر بالوصاية على الآخرين، ومصادرته لفكرهم وإرادتهم وحريتهم ويُعيّر به الإسلام(9).
أما ولاية أوباما وفتواه بهدم دم أحد ممن يحملون الجنسية الأمريكية فقانونية وديموقراطية، ولا وصاية فيها، ولا مصادرة لرأي ولا حرية.
مرّة يحكم أوباما على الشخص بعد محاكمته، ومرة يصدر فتوى بهدر دمه بلا محاكمة، والحاصل الثاني وبينهما فرق.
معاهدة الحد من السلاح النووي:
من حق أمريكا وروسيا أن تدخلا في سباق التفوّق النووي، وجميل منهما جدّاً، ومشكور شكراً بالغاً ولهما المنّة على العالم أن يعملا على الحدّ النسبي من القوّة النووية الباطشة، لكن بما يمثّل توازناً في الرعب، والوقاية في الطرفين لضمان أمن كلّ منهما من الآخر، وإن كانت هذه القوة بيد أي منهما كافية لأن تحرق العالم كاملاً أكثر من مرة.
وهذان الطرفان حكيمان أمينان عادلان بل رحيمان لا يُخاف من القوة التدميرية الهائلة بيدهما على العالم.
والعالم الإسلامي قاصر ومتهور وعدواني ومجنون، وعقليته عقلية صبيانية لا يصح أن يُعطى سكّيناً، ولابد أن يُتأكّد من تجريده من القوة المكافئة، وأن يُقطع الطريق عليه إلى هذه القوّة من أوّل بداياته المحتملة ولو بعض احتمال.
وإذا ملك شيئاً يسيراً من القوة الرادعة وإن لم يساوِ شيئاً بالقياس إلى ما بيد الدولتين وغيرهما كإسرائيل فلابد أن يكون تحت الوصاية التامة والهيمنة الكاملة فضلاً عن الرقابة الدقيقة كما هو الحال في باكستان.
ومن العجيب المؤسف أن تتكون جبهة عريضة من البلاد العربية والأخرى الإسلامية لتقف موقفاً مناصراً ومرسّخاً لهذه النظرة.
مخيّرون أم مسيّرون؟
يجري كما تفيد الأخبار بين البحرين وإسرائيل تطبيع نووي ورياضي وتجاري ربما ما كان منه ما هو سري ومنه ما هو شبه علني، وعلني لا ينقصه إلا صراحة العنوان.
والسؤال هو أن خطوات التطبيع المتتالية والمتنوّعة مع إسرائيل من واقع الاختيار والإرادة الحرّة المحضة أم من حالة إكراه وإلجاء خارجي؟ التطبيع مظاهره أصبحت مشاهدة لكن أي الخلفيتين ورءاه؟ كلاهما مرّ وكارثة.
أن نكون قد اخترنا – نحن البحرين حكومة وشعبا – صداقة الإسرائيليين ومودتهم وهم يصعِّدون عدوانيتهم على أرض الإسلام في فلسطين والمسلمين الفلسطينينن، ويهدّدون بشنّ حرب ساحقة على البلاد الإسلامية الأخرى؛ فهذا يعني الشيء الكبير والخطير والمؤلم، ويعني نصرة الكافر على المسلم، والظالم على المظلوم، ويعني العار الدائم، والإثم العظيم عند الله سبحانه، ومضادّة الأمة والإعانة عليها عن قصد وعمد، وهذا ما نأباه لوطننا(10).
وأن نكون قد فقدنا إرادتنا نهائيا، وتنازلنا عن ذاتنا، وقبلنا بالذوبان في الإرادة الأجنبية، ودور التعبير عنها فيما نقف، وفيما نقول، وفيما نبني أو نهدم من علائق، وصرنا محكومين لها على عدائها لديننا وأمّتنا وأخوّتنا العربية والإسلامية فمفاد هذا التسليم والتبعية والذوبان في تلك الإرادة الانفصال عن الإسلام، والأمة، والتاريخ، والهوية، والانسلاخ من الذات، واتخاذ معبود من غير الله، وهذا ما لا يمكن أن نختاره لأنفسنا.
مداهمات كرزكان:
الواصل عن مداهمات كرزكان برعب هذه المداهمات، واستفزازيتها، وعديد القوة التي تشنّها، والأساليب البشعة المتبّعة فيها، والتطويق الذي فرض على المنطقة يعطي صورة هجوم شرس على عدوّ قادر متحصّن عنيد مخوف، وينذر بتدشين صفحة سيئة مخيفة سوداء في التعامل الأمني مع المواطنين، وفرض عقوبات جماعية على أهل أي مطلوب والمنطقة التي يقطن فيها كاملة، ويتحدث عن سد كل الأسباب والمنافذ للتفاهم والتهدئة.
وفرق كبير بين ما كان يمكن أن يعطيه العفو عن المتّهمين لو بقي قائما أو حكم البراءة لو لم تعدل عنه السياسة من آثار طيبة في النفوس، وما يفتحه من فرص للتفاهم، وما يبنيه من جسور ثقة، ويخلقه من أجواء آمنة، وبين ما تنتجه هذه المداهمات الشرسة من إفرازات بغيضة ضارة مقلقة معاكسة.
ليس المقام مقام شجب واستنكار وإدانة لأي أسلوب أمني يعتمد العنف، ويصعّد من مستواه، ويولّد ردود فعل سيئة من جنسه فحسب، وإنما يراد بالإضافة إلى ذلك التذكير الجدي بمسؤولية أمن هذا الوطن وأهله، واحترام الحرمات، ورعاية الحقوق الأمر الذي تتحمل الحكومة أن تضرب المثل الحيّ في الأخذ به، وأن تكون قدوة الشعب في الانضباط، وعدم التعدي على حرمات الناس ومساكنهم، وعدم الإضرار بالحقوق الشرعية والقانونية الثابتة.
والمطلوب العدل الذي يبدأ من الدستور، ويشمل كل ممارسة كبيرة أو صغيرة من عمل الحكومة من توزيع المناصب والوظائف والفرص والثروة وكل أمر آخر. وهو عدل تُسأل عنه الحكومة. ومع العدل الأمن الذي نتحمل مسؤوليته جميعاً، وأساسُ الأمن العدل، فالظلم لا يكون أبداً أساساً لأي خير. فمن اختار الظلم فقد اختار غير الأمن.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم أخرجنا جميعا من ظلمات الأرواح والعقول والقلوب والنفوس والأبدان، ونقّنا في لطف وعافية وسلامة من كل مكروهك، وما فيه ضررنا وأذانا، وانصرنا على أنفسنا، وعلى الكفر والظلم والبغي والفساد في الأرض يا قوي، يا متين، يا عزيز، يا رحمن، يا رحيم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}(11).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – الكافي ج1 ص18.
2 – 6/ هو.
3 – 16/ الأحزاب.
4 – يطلبها ليبقى بها، وتبقى له، وهو محال، فطالبها طالب للسراب.
5 – 96/ الأعراف.
6 – العبارة من بداية الفقرة حتى علامة الهامش كرّرها سماحة الشيخ مرتين للتأكيد عليها. فانتبه.
7 – 56/ الذاريات.
8 – أي همّ الأسفلَين.
9 – أليست مفارقة؟! أوباما له حق أن يمارس ولايته، ولا كلام للمسلمين على هذه الولاية، أما ولاية فقيه مسلم بإذن الشريعة وفي بلده، وبرضى شعبه فيُرمى عند مسلمين بألف نعت سيّء!!
10 – هتوف جموع المصلين بـ(كلا كلام للتطبيع).
11 – 90/ النحل.