خطبة الجمعة (316) 6 ربيع الأول 1429هـ – 14مارس 2008م
مواضيع الخطبة:
*متابعة موضوع خوف الله *النيابي إلى أين؟ *حريق في مزرعة *الأحوال الشخصية
الوفاق على مستوى كونها الجمعية السياسية المعيّنة لم تشارك للرواتب العالية أو غير العالية والامتيازات الشخصية، ولم تشارك ليكون دورها مساعداً للحكومة على ظلم الشعب، وكذلك هي لم تشارك ليكون دورها التفرّج على ما يجري من ظلم له.
الخطبة الأولى
الحمد لله الملك القدّوس العزيز الحكيم الذي لا يعلو عُلوَّه شيء، ولا يدنو إليه شيء، وهو فوق كُلِّ شيء، بيده الأمر، وإليه المصير.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمَّارة بالسوء بتقوى الله العليّ العظيم، فمن اتّقى وقاه اللهُ الضّلال، ولم يتمكّن من نفسه الشيطان الرجيم ويصرْفه عن الهدى، ويُفقده رؤية الحقّ، وإن طاف منه طائف بقلبه عاد سريعاً له تَذَكُّره لربه، وعاد له هداه {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ}(1).
أستغفر الله لي ولوالديّ ولكم وللمؤمنين والمؤمنات أجمعين، اللهم اغفر لنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وآله الطيبين الطاهرين. اللهم اجعل لنا من تقواك ما تَعمُر به قلوبنا، ويكون لنا حاجزاً عن معصيتك، وسبباً للمداومة على طاعتك، ونيل رضوانك وكرامتك. اللهم افعل بنا ما أنت أهله يا أهل التقوى والمغفرة، ولا تفعل بنا ما نحن أهله من العذاب والنقمة يا أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.
أما بعد أيها الأخوة المؤمنون والمؤمنات الأعزاء فإلى لقاء آخر مع موضوع خوف الله:
{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}(2).
قالوا عن الجنّتين أنهما بُستانان؛ بستان داخل بيته، وبستان خارجه، قالوا أيضا أنهما بيتان؛ بيتٌ له ولزوّاره من المحبّين له، وبيتٌ لأزواجه وخدمه.
وقالوا بأنّهما جنّة الجزاء، وجنّة التفضّل، جنّةٌ قاعدتها جزاء العبد على عمله الكريم، وأخرى قاعدتها التفضّل من الله سبحانه وتعالى والإحسان فوق ما هو معتاد، وإلا فإن الاستحقاق بالمعنى الدقيق للعبد على الله غير وارد.
هذا الرأي ذهب إليه صاحب الميزان استشعاراً من قوله تبارك وتعالى:{لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}(3)، {لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا} هذا بالنسبة للجنة الأولى، {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}، ويرى في ذلك إشارة للجنّة الثانية؛ جنّة التفضّل، ولا يرى فيه شاهدا على أن تكون الجنة الأولى جنّة البدن والمادة، وأن تكون الجنة الثانية جنة روحانية تتمتّع فيها الروح بلذّة فوق ما يُتصوّر، وهي لذّة ذكر الله، ومعرفته معرفة عالية متميزة، والانشداد إليه، التعلّق به، والاطمئنان والرضا به سبحانه وتعالى، فالبدن له أُنسه، والروح لها أُنسها. ونحن لا نشكّ بأنّ الجنة المادية فيها أُنس بالله تبارك وتعالى، إلا أن الأُنس مراتب، وإذا كانت هناك جنّة روح فيعني ذلك أنّ لذّة مسكرة ترتبط بالروح يتمتّع بها أهل الجنّة الثانية.
بينما يمكن أن يقال بأن قوله سبحانه: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} صالح للقرينيّة على هذا الرأي كذلك.
ويمكن أن يلتمس شاهد للمعنى الأخير من الآية الكريمة حيث قوله سبحانه وتعالى {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}، ودوافع البدن إنما تخاف عقاب الله، أمّا ما تأخذه الهيبة من نفس الإنسان من مقامَ ربّه، عظمة ربّه، جلال ربّه، كمال ربّه؛ فإنّما هي دوافع الروح، وتطلّعات الروح.
فكل صاحب عمل صالح وإن كان من دافع خوف عقاب الله وطمع ثوابه له الجنّة الأولى، أما ما يضاف حسب الآية الكريمة وتناسب نوع الخوف وطبيعته من جهة والجنّة الموعودة من جهة أخرى فهي الجنّة الثانية جنّة الروح، فيمكن أن يقال أن الآية الكريمة ليست خالية من الإشارة إلى الجنّة المتميّزة وهي الجنّة الروحانية، وأن الجنتين هما جنّة البدن، وجنّة الروح.
“في قول الله عزّ وجلّ {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}: من علم أنّ الله يراه ويسمع مايقول ويعلم ما يعمله من خير أو شر فيحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال فذلك الّذي خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى”(4).
بمجرد أن يعلم أنّ الله عزّ وجل عالمٌ بخيره وشرّه، ولتوقير الله سبحانه وتعالى يحجزه ذلك العلم عن الشّر ويدفعه إلى الخير. فخوف مقام ربّه سبحانه وتعالى هو خوف قائم على توقير الله عزّ وجلّ، واستعظام عظمة الله سبحانه وتعالى، وقائم على الشّفقة من خسارة رؤية الله، جلال الله، جمال الله، كمال الله، بغضّ النظر عن أيّ لون آخر من العذاب.
“لو خفتم الله حقّ خيفته لعلمتم العلم الذي لا جهل معه، ولو عرفتم الله حقّ معرفته لزالت بدعائكم الجبال”(5).
فهذا الخوف يصنع النّفس، يُجلِّي الروح، تشعّ به رؤية القلب، تمتد به رؤية القلب، تنفسح به رؤية القلب فيزداد الإنسان علماً بحيث يصل علمه أن لا جهل يخالطه مما يعرقل مسيرة العبد إلى الله سبحانه وتعالى.
ومعرفة الله حقّ معرفته تُنتج تلك الروح التي تنسجم مع الحديث المروي عنه:”أقول للشيء كن فيكون وأنت تقول للشيء كن فيكون”، أي أنَّه بطاعتك لي أرفع منزلتك إلى المستوى الذي تريد معه الشيء فيكون لخالص طاعتك، وصدق عبوديتك، وهو إنّما يكون بإذن الله وقدرته.
فأمانيك، وتطلعاتك لا تأتي إلا راقية، ولا تأتي إلا موافقة لحكمة الله، وموافقة لإرادته، فلذلك بجعل على يدك نفخ الروح في الطين، وبجعل على يدك إحياء الموتى، والإبراء من البرص؛ وكل ذلك بإذنه وفضله.
“من خاف الله عزّ وجلّ أخاف الله منه كلّ شيء ومن لم يخف الله عزّ وجل أخافه الله من كلّ شيء”(6).
ما خوف العبد من الله هنا؟ خوفه بمعنى مهابته.وإن من العبيد مَنْ يهاب الله عز وجل هيبة تكفي وحدها لحجزه عن الشّرّ، ودفعه إلى الخير، بلا تطلّع إلى أي ثواب، وبلا خوف من أي عقاب. وامرئ هذا شأنه يكون فيه الجمال المحدود من جمال الله، وتكون فيه الهيبة المحدودة من هيبة الله، وتكون فيها الجاذبية المحدودة من جاذبية الجمال الإلهي، وتكون له المهابة المحدودة من مهابة الله ولكن بالحد الذي يهابه الناس، ويكبر هذا العبد في الأعين وترى أن من ورائه قوّة لا تُقاوَم، وترى فيه الجمال الذي يُخرس الألسن ويكفُّ الأيدي.
ثم إن العبد الآخر ممن لا يخاف الله سبحانه وتعالى يُخيفه من كلّ شيء، وكيف؟ عبدٌ لا يرى قدرة الله وراء كلّ قدرة، وأخذ الله وراء كل أخذ، وفاعليّة الله وإرادته وراء كلّ فاعلية وإرادة، يرى في كل شيء كبر أو صغر وجوداً مستقلا قادرا على النفع والضر فيخاف مَنْعَه النّفع، وإيقاعه الضرر.
حين أراك الوجود المستقلّ الذي تملك أن تضر، وتملك أن تنفع، لك الحيلة على أن تنفع، لك الحيلة على أن تضر، ولا أرى أنك مملوك لله فخوفي يقف عند شخصك، ومهابتي تكون منك، وكل حساباتي إنما تكون لك، أما حين أراك لا تملك حركة ولا سكوناً إلا بإرادة الله، لا تملك فاعلية إلا بفيض من الله، لا تملك قلبك إلا بتمليك من الله عز وجلّ فالخوف مني لا يتّجه لك، والخوف منك لا يتّجه لي، وإنما كل خوفي وخوفك يتّجهان إلى الله سبحانه وتعالى.
{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ}(7). وآيات عديدة بهذا المعنى، وظاهر هذا الخوف المنفي بالدرجة الحاسمة هو خوف الآخرة. والخوف هنا في الدنيا من الناس وكما تقدم لا يكاد يمسّ قلب الخائف من الله سبحانه وتعالى، وإنما هذا القلب صحيح أنه يخاف، ولكن خوفه لا يقف عند العبد، وإنما هو دائماً يتّجه إلى الرب سبحانه وتعالى، ويفر صاحبه منه إليه.
في الآخرة لا حكومة مع حكومة الله سبحانه وتعالى، بمعنى أنّه لا فسْحة تكويناً ولا جرأة لأحد أن يحكم بشيء على خلاف محبَّة الله سبحانه وتعالى ولا جريان لحكم بما لا يرضى؛ فلا خوف على الإطلاق بعد أن يؤمّن الله سبحانه وتعالى عبده الخائف منه في الدنيا.
“من عرضت له فاحشة أو شهوة فاجتنبها من مخافة الله عزّ وجلّ حرّم الله عليه النّار، وآمنه من الفزع الأكبر، وأنجز له ما وعده في كتابه في قوله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}”(8).
“من عرضت له فاحشة أو شهوة فاجتنبها من مخافة الله عزّ وجلّ حرّم الله عليه النّار…) ثمن كبير، والشهوة عابرة، والدنيا تغر وتضر وتمر، وقد سَبَقَ القول مراراً بأن لشهوة عابرة أن تقضي على أكبر شخصية، وأن تُسقط قيمة حياة أكبر إنسان، ويمكن أن تؤول به إلى النار. شهوة يقضي وطره معها في خمس دقائق، لعشر دقائق تكفي لأن تنقله من ضفّة الجنّة إلى ضفّة النّار. ومن قال أنه لا يموت بعد قضاء شهوته الحرام، ولا يملّكه الله لحظة بعدها في هذه الحياة حتى يفكر في التوبة؟!
“… وآمنه من الفزع الأكبر، وأنجز له ما وعده في كتابه في قوله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}” هذا العَرْض الرخيص الذي يأتيك من فاجرة إذا صمدت أمامه نلت هذا الجزاء، وهذا العرض الخبيث الدنيء الماكر الذي يأتيكِ من فتى ثعلب مخادع قبيح إذا صمدتِ أمامه أيتها الشّابة أنالكِ الله هذا الجزاء، وقاكِ ناره، ورزقكِ جنّتين؛ جنّة بدن، وجنَّة روح.
والتحديات في هذا الباب كبيرة، وعمل المضلّين في الأرض وكل الذين يريدون سوءاً بهذه الأمة مستمر ليل نهار من أجل حرف أبناء هذه الأمة وخاصة من فئة الشباب إناثاً كنّ أو ذكوراً، هناك عمل دائب على حرف هذه الفئة عن خط الله سبحانه وتعالى، عن هذا الطريق القصير، ولا نجاة إلا بالصمود والردّ على التحدِّي بتحدٍّ أكبر من المقاومة والمجاهدة والمعاندة والمكابرة.
“قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قال الله تبارك وتعالى: وعزّتي وجلالي لا أجمع على عبدي خوفين ولا أجمع له أمنين(9)، فإذا أمنني في الدّنيا أخفته يوم القيامة(10)، وإذا خافني في الدّنيا أمنته يوم القيامة”(11).
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعل غايتنا التي نسعى إليها رضاك، ودليلنا الذي نتبعه دينك، ووسيلتنا التوكل عليك، اللهم خذ بنا على الطريق بتوفيقك، ولا تكلنا إلى أنفسنا ولا إلى أحد من خلقك طرفة عين فنكون من الهالكين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }
الخطبة الثانية
الحمد لله الملك الجبَّار ذي القُوّة المتين الذي لا يخالط قوَّته ضعف، ولا يمازج علمه جهل، ولا يشوب عدلَه ظلم، ولا يمسّ تدبيره خلل، وليس لسلطانه ابتداء، ولا يأتي عليه انقضاء.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
علينا عباد الله بتقوى الله فما أفلح غير المتقين، فلو كان نصيب لغير من اتّقى فإنما هو غنى يفنى، ولذة لا تبقى، وصحة تذوي، وشهوة تهوي، ليخرج المرء من بعد ذلك من هذه الدّنيا إلى مصير السوء، وعاقبة العذاب، وهوان المنقلب؛ فإيانا وأن ننخدع عن ديننا الحقّ لدنيا الغرور، وعن وعد ربّنا الصدق لسراب المغفلين.
وقد أحل الله وحرّم، وأمر ونهى؛ وما اتقى من حرّم حلال الله، أو أحلّ حرامه، ومن لم يكن أمره عنده أمرا، ونهيُه نهيا. ومن ارتضى لنفسه في كبير الأمور أو صغيرها، وصعبها أو سهلها ديناً غير دينه فلا تقوى له.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وارحمنا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم اجعلنا عبيدك الذين لا يخالفون لك أمراً، ولا يقتحمون لك نهياً، ولا يُحِلُّون إلا ما أحللت، ولا يُحرّمون إلا ما حرّمت، ولا يقولون إلا بما أذنت، ولا يُمضون إلا ما أمضيت، ولا ينكرون إلا ما أنكرت، ولا يعلنون ولا يُسرِّون إلا ما رضيت يا أرحم من كل رحيم، ويا أكرم من كل كريم، يا من هو على كل شيء قدير.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين الصادق الأمين، وعلى علي مير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل وسلّم وزد وبارك على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقرّبين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصراً عزيزاً مبيناً قريباً.
أما بعد فهذه بعض موضوعات يتعلق بها الحديث:
النيابي إلى أين؟
1. يبقى إلى نهاية الفصل الحالي أم ينتهي قبل ذلك؟ توقف جلساته، يُلغى نهائيّاً؟ يبقى وتبقى معه الوفاق؟ أم يبقى مودعة له؟ يبقى بوظيفة جدليّة فحسب، أم يكون له دور نافع؟
موقف الحكومة التي تمتملك غالبية الأصوات بحسب النتيجة الفعلية التي خططت لها، وبسبب تقسيم المحافظات، والدوائر الانتخابية، والمراكز العامة للانتخابات وغير ذلك له دور كبير في تحديد الإجابة على الأسئلة السابقة.
قد تكون هناك تكهنات، استقرابات، لا أقف عندها.
2. هل تريد الوفاق إفشال المجلس؟ لا، وإلاَّ لما شاركت بكل جدّ رغم الصعوبات التي كانت قائمة، ورغم الحجم الهزيل للتجربة البرلمانية التي أنتجها تخطيط الحكومة.
لكن هل الوفاق تصر على بقاء النيابي، وتتمسك به بأي ثمن؟ تتمنى بقاءه، ولكن لا تتمسك به بصورة مطلقة. تتمسك به وهو ذو جدوى، ولاتتمسك به مسلوب الجدوى، وإنّ حراً واحداً من الشعب لن يبكي على تجربة نيابية وعلى المجلس إذا أغلق أبوابه وكان إغلاقه لأبوابه على حال جور أو كساح.
الوفاق على مستوى كونها الجمعية السياسية المعيّنة لم تشارك للرواتب العالية أو غير العالية والامتيازات الشخصية، ولم تشارك ليكون دورها مساعداً للحكومة على ظلم الشعب، وكذلك هي لم تشارك ليكون دورها التفرّج على ما يجري من ظلم له.
هل ستشارك الوفاق ثانية على كل التقادير؟ أو تقاطع على كل التقادير؟ أما على كل التقادير فلا. تشارك على بعض التقادير، تقاطع على بعض التقادير، على أن علة الخروج لا تصلح نفسها علة للدخول، فما يُخرج المرء من الباب لا يُتوقع له نفسه أنه يدخله ذلك الباب.
3. خيار المقاطعة في الفصل التشريعي الثالث لو كان هو القرار فكيف سيكون؟
لا شك أنه سيختلف كثيراً عن الفصلين السابقين.
في الفصلين السابقين حدثت مقاطعة بحجم في الأول، وبحجم في الثاني، والمقاطعة لو كانت هي القرار في الفصل الثالث فستكون مقاطعة واسعة مشهودة بلا ريب.
لماذا؟ بفعل التجربة التي عاشتها المشاركة من الداخل، وما قد تؤدي إليه من يأس من تعاون الحكومة، وهي تجربة ذات مستويين: مستوى العملية الانتخابية وما حملته في طيّاتها، ومستوى العمل داخل المجلس نفسه، والذي قام فيه التعامل على العناد والمكابرة والتمسك بأغلبيَّة مصطنعةٍ هي أغلبيّة نوّاب مع أقليّة أصوات ناخبين بحيث إن النائب الواحد من الأقليّة قد يعادل في أصواته الثلاثة والأربعة من هذه الأكثرية، فهي أكثرية زائفة كاذبة قد أنتجها الجور والاعتساف الذي اتّسم به المخطط الانتخابي.
وكان موقف المقاطعة في الفصل الأول ليس معه رأي صريح من العلماء، أما مقاطعة تكون محلّ القرار في المرة القادمة فستكون بتصريح أكيد من العلماء، وبشكل إجماع من العلماء، وبتوافق بين الوفاق والعلماء والشارع، ومقاطعة بهذا الوزن والحجم لا شك أنها ستتجاوز أي مقاطعة سابقة في حجمها وتأثيرها.
أما المترشّح الذي يطمح بالفوز بالتزكية في حال قرار المقاطعة العام فإنه سيُقدِّم من نفسه شخصاً يقف في مواجهة رأي الشعب، سيظهر من موقفه ذاك العداوة لشعبه، ومن الواضح أن مشاركة مثل هذا الشخص هي من ناحية لبّ الديمقراطية في حكم العدم، فإن مثل هذا الشخص يُمثّل رأيه لا رأي الشعب.
ومع مقاطعة جديدة واسعة نتيجة تفريغ الحكومة للتجربة النيابية الحالية من المضمون المقنع سيُضعف – مع الأسف الشديد – احتمال الاستقرار الأمني الأمر الذي يجب علينا جميعا أن نحذره، ولكن عدم الاستقرار سيقود له موقف الحكومة في الحساب الدقيق وإن عزّ على العقلاء المخلصين ذلك. وبذلك تكون الحكومة قد جرت الوطن إلى مستنقع الأزمات على كل المستويات، وهو ما تكون قد اختارته للناس ولنفسها، مما يعني جريمة كبرى بحق لا ينبغي لحكومة تعي مصلحتها ومصلحة شعبها وتهتم بتلك المصلحة أن تُقدم عليه.
كلّنا حرص على أن تبقى التجربة النيابية قادرة على تقديم ما يُغري الناس بمشاركة أوسع في المرة القادمة، وكلنا حرص على سلامة أمن هذا البلد واستقراره، وأي واقع على خلاف ذلك لن يكون له سبب آخر غير ما عليه واقع تعامل الحكومة الآن من عرقلة لعمل المجلس النيابي، ومن تعطيل لدوره، ويمكن أن يتطور الأمر عندها إلى إلغاء المجلس في يوم من الأيام.
حريق في مزرعة:
نُشر عن حريق في مزرعة لأحد الرسميين في الدولة، وهو عمل لا توقّف مطلقا في استنكاره وإدانته والتحذير من أمثاله وأشباهه. ولكن من الفاعل؟ هذا الأمر مورد الاحتمالات، ولا تعيُّن لأحدها بالتحديد، وإن كان ربط الحدث بعشرات من الملثّمين مع عدم التناسب بين طبيعة هذا العدد والحدث يُشير والله أعلم إلى إرادة التأثير السلبي عل المسار السياسي لبعض قضايا المجلس النيابي القائمة فعلاً، والتشويش على سيره وتعطيله.
الأحوال الشخصية:
هناك إصرار شديد من الغرب، ومن التابعين للفكر المادي الغربي في البلاد الإسلامية جميعا وفي البحرين، ومن طلاّب ترضية الغرب ترضية سياسية تُبقي على الكراسي، على النأي بالأحوال الشخصية في التسمية القانونية المتضمنة لأحكام الأسرة من زواج وطلاق وما يتعلق بهما ولأحكام الإرث عن دائرة الأحكام الشرعية الإسلامية. وهم جميعاً لا يقبلون أي تقنين في هذا المجال لا يفتح الباب على مصراعيه للوصول إلى هذه الغاية المعادية لدين الله ولهوية هذه الأمة وانتمائها.
وقد صار المستغربون فكريّاً في البحرين يصرحون بهذه الغاية في كثير من المناسبات ومعهم الخاضعون لسياسة الغرب، ولهم صوت مرتفع وتضليل كبير في هذا المجال بما يملكون من وسيلة مال ومنصب وإعلام.
ومن المستساغ عندهم جدّاً أن يتجاوزوا قناعة الرأي العام المتمسك بالإسلام ولو تشكل ذلك الرأي من الملايين إذا لم يقف الرأي العام في وجوههم في محاولتهم إلقاء الأحكام الشرعية في البحر وإلغاءها.
ولن يعدم هؤلاء المعادون لشريعة الله عمامة هنا أو عمامة هناك تدعمهم في تجاوز الشريعة، وتكذب على دين الله في محاولة إقناع الناس بما يخالف واضح الدين وثابته.
وعلى الرأي العام الإسلامي المخلص لدينه في كل بلد ألاَّ يخذل دينه عن عمد أو غفلة في مثل هذه المفترقات الخطيرة، والمنعطفات المصيرية المهمّة، وعلى العلماء الأحرار المتّقين أن لا يلينوا في مواجهة هذا المنكر الفاحش، أو يُستغفلوا ويفرِّطوا بأيِّ صورة من الصور في حماية الدين والوفاء بعهد الله الذي حمّلهم أمانته العظمى.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم إنا نؤمن بك، ونتوكل عليك، وكل لجأِنا إليك، وإنه لا ناصر لمن خذلت، ولا خاذل لمن نصرت، ولا معز لمن أذللت، ولا مذل لمن أعززت. اللهم اكفنا شر الأشرار، وكيد الكفار، وطوارق الليل وحوادث النهار إلا طارقاً يطرق بخير من عندك يا ذا الجلال والإكرام، والفضل والإحسان. اللهم أخرجنا من كل هم، وغم، وكرب، وضيق، وسقم، ومرض، وعوز، ومن سوء الدنيا والآخرة يا ولي النعم، ودافع النقم، يا من هو على كل شيء قدير.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – 201/ الأعراف.
2 – 46/ الرحمن.
3 – 35/ ق.
4 – الكافي للشيخ الكليني ج2 ص70.
5 – كنز العمال ج3 ص142.
6 – بحار الأنوار ج67 ص381.
7 – 62، 63/ يونس.
8 – بحار الأنوار ج67 ص365.
9 – الحديث يتحدث عن عهد من الله، وعهد الله صادق.
10 – العبد الذي يأمن من عذاب الله، من مكر الله، من أخذ الله، يستخف بوعد الله، بقدرة الله، بعظمة الله، يتعامل مع شرطي التعامل المنطلق من الخوف، من المهابة، من احترام القوة، ويتعامل مع الله سبحانه وتعالى وكأنه يتعامل مع لا شيء، مع وهم، هذا الذي يأمن من الله في الدنيا يخيفه الله في الآخرة، وأما الذين يخافون الله عزّ وجلّ في الدنيا فهم الآمنون يوم الآخرة، يوم الفزع الأكبر.
11 – بحار الأنوار ج67 ص379.