خطبة الجمعة (286) 15 جمادى الأول 1428هـ – 1 يونيو 2007م

مواضيع الخطبة:

متابعة موضوع الفتنة + فاطمة المثل عليها السلام + العمل الإسلامي بين الارتجال والتخطيط + اعتصام اليوم

فاطمة القدوة والمثل للمرأة التي تبحث عن الشخصية الإسلامية النموذجية للمرأة، وفاطمة القدوة والمثل للمرأة التي تبحث عن الشخصية القويّة التي تسبق ملايين الرجال، وفاطمة القدوة والمثل للمرأة التي تبحث عن انطلاقة إنسانية عملاقة في التزام، وعن التزام واعٍ في انفتاح.

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي لا يملك العقل إنكار وجوده، ولا إدراكَ ذاته، ولا تصوُّرَ عظمته، ولا حد لجلاله وجماله. كل العقول مسلِّمة له، عاجزةٌ عن الإحاطة به، خاسئة عن إدراك كنهه، منقادة إليه، مستضيئة بنوره، مسترفدة هداه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي القاصرة الغافلة بتقوى الله، والاستغناء به عمَّن سواه، والانصراف بالهمّ والحاجات والآمال إليه عمن عداه، فلن يجد أحدنا من يضع عنده حاجته أكرم من الله، أو أرحم، أو أغنى. وكلُّ غني مقصودٍ للحاجات محتاجٌ إلى الله، ولا يجد أحدٌ غناه إلا منه. فكيف بالعبد من عبيد الله يقصد المحتاجين بحاجته وبابُ الغني المطلق مفتوح لداعيه، وعطاؤه مبذول لراجيه كلَّ الليل وكل النهار؟! إذا أردت أن ترفع يدك إلى كريم فلا ترفعها إلا إلى الله، لا تمد يدك إلى إلا الله لأنه أكرم كريم.
اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمَّن سواك، واكفنا أن نطرقَ غير بابك، وأن نلجأ إلى من سواك، ونؤمل غير كرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم كُفَّ النار عن وجوهنا جميعاً، وأقر أعيننا ببشرى الجنة والرضوان يا كريم يا رحيم، وصلّ اللهم على محمد وآله الطاهرين.
أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات من أهل طاعة الله فإلى مائدة من الكتاب والسنة المرويَّة في مواصلة للحديث في موضوع الفتنة:
“(من خطبة أمير المؤمنين عليه السّلام بعد مقتل عثمان) ألا وإنّ بليّتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيّه صلّى الله عليه وآله، والّذي بعثه بالحقّ لتُبَلبَلُنَّ بلبلة، ولتُغَربلُنّ غربلة… حتى يعود أسفَلُكم أعلاكم، وأعلاكم أسفلكم، وليَسبِقنّ سبّاقون(1) كانوا قصّروا، ولَيُقصّرن سبّاقون كانوا سبقوا…”(2).
كما في ظلّ الحكم الأقلّ وزناً وعدلاً ابتلاء وفتنة فكذلك في ظلّ الحكم الحقّ الآخذ بالعدل كله فتنة، كما تبتلي طائفة من الناس بصورة أشدّ في ظلّ حكم ناقص العدل أو منحرف عن الحقّ بدرجة وأخرى، فكذلك تبتلي طائفة أخرى من النّاس، وتُفتن الفتنة الأشدّ في حكم الحقّ والعدل ، فمن الناس وهم كثيرون من لا يصبر على الحق، ومن الناس من يضيق صدره بالباطل، وفي حكم الباطل فتنة، وفي حكم الحق فتنة.
والمرتفعات تتحول إلى المنحدرات، والمنحدرات تتحول إلى مرتفعات، قمم تنسف، ووديان تتحول قمماً إذا حكم الباطل بعد الحق، أو حكم الحقّ بعد الباطل.
من كان تعملقه في ظل الباطل لابد أن يتقزم في ظل الحق، ومن كان تقزمه في ظل الباطل لا بد أن يتعملق في ظل الحق. لكل حكم رجال، وفي ظل كل حكم وجوه، وأهل الباطل وجوه في الحكم بالباطل، وأهل الحق وجوه في الحكم بالحق.
وإذا كان هناك من يسقط في ظلّ الحكم بالباطل فكذلك هناك من يسقط في ظل الحكم بالحق. والمجتمعات التي لم تتربّ، والنفوس المنصرفة عن الله عزّ وجلّ كم يُخاف عليها أن تسقط في ظل الحكم الحق، ومن هنا فإن يوم القائم عليه السلام صعب وأي صعب؟! إنه صعب على كثير من المؤمنين فضلا عن غيرهم.
وتقول الكلمة عن الصادق عليه السلام:”والله لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم حتّى تغربلوا(3)، لا والله لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم حتى تمحّصوا…”(4).
فهو الاختبار القاسي، اختبار التجارب والأحداث والتشابكات والملابسات، يأتي الاختبار على مستوى الفكر، ويأتي الاختبار على مستوى تحمّل النفس وصلابة الإرادة، فيسقط الكثيرون.
وماذا هو الذي يمدّون إليه أعينهم؟ قد يكون يوم النصر، ويوم الظهور، وأكبر نصر تتطلع إليه عيون من عناهم الإمام عليه السلام هو نصر يوم الظهور ظهور القائم عجل الله فرجه وسهّل مخرجه، ومما تمدّ إليه أعين المؤمنين وتتمنّاه النفوس هو المنزلة في الجنّة، ولا نجاح في يوم الظهور، ولا تحقق ليوم الظهور إلا بعد الامتحان العسير، ولا تُنال الجنة إلا بجهاد مستميت.
“والله لتمحصّنّ والله لتميّزنّ، والله لتغربلنّ حتّى لا يبقى منكم إلاّ الأندر…”(5) عن الصادق عليه السلام.
هذا هو الواقع، وهذه هي الحياة، الحياة مكابدة، الحياة معاناة، الحياة مجاهدة، اللقمة لا تُنال إلا بجهاد، وحبو الطفل لا يصل إليه إلا بمكابدة، وأن يقوم أحدنا على ساقيه ليمشي يحتاج إلى تجارب نجاحٍ وفشل ومعاناة وصبر، فكيف بها الجنة، وكيف به النصر الكبير، وظهور الإسلام على العالم كلّه؟!
يُقسم الإمام عليه السلام ويؤكّد باللام والنون في (لتمحصّنّ)، (لتميّزنّ) ويضيف التأكيد على التأكيد بحتمية الابتلاء، وبحديدية قانون الابتلاء، وباستمرارية وعمومية قانون الابتلاء، فالإسلام لا يحتضن الأمنيات الفارغة، ولا يقبل الأماني الكاذبة، إنما الإسلام دين جدٍّ وجهاد وكفاح.
“سمع أمير المؤمنين عليه السّلام رجلاً يقول: اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الفتنة. قال عليه السّلام: أراك تتعوّذ من مالك وولدك، يقول الله تعالى:{إنّما أموالكم وأولادكم فتنة} ولكن قُل: اللّهم إنّي أعوذ بك من مضلاّت الفتن”(6).
ومن حتمية الامتحان وشموليته أن يكون حتى من خلال النعم التي نحتاجها، ونتهافت عليها، أمنية الولد، أمنية المال، أمنية نعم أخرى لا ننفكّ نسعى إليها وهي مما نُمتحن به، فكيف الخلاص من الامتحان؟!
“لا يقولنّ أحدكم اللّهم أعوذ بك من الفتنة، لأنّه ليس أحد إلاّ وهو مشتمل على فتنة(7)، ولكن من استعاذ فليستعذ من مضلاّت الفتن، فإنّ الله سبحانه يقول {واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة}…”(8).
وما هي مضلات الفتن؟ هل هناك فتنة مضلّة بطبيعتها، وفتنة غير مضلّة؟ هذا التقسيم هل هو بلحاظ ما عليه طبيعة الفتنة؟ أو بلحاظ ما عليه موقف النفس؟ هذا التقسيم إنما هو بلحاظ ما عليه موقف النفس ومقاومتها وليس بلحاظ ما عليه طبيعة الفتنة، فإن في كل فتنة تعرّضا للضلال، وتعرّضا للسقوط، فمضلات الفتن هي التي تغلب العقل والصبر والدين والشرف وتحرف عن الله عز وجل، وكل هذا كائن إذا كانت النفس ضعيفة، والإرادة منحطّة.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اعصمنا عند كل شدة، واحمنا من الزيغ، وقنا زلة القدم، وأعذنا من مواقف الندم، ولا تكرثنا في دين أو دنيا، ولا تحبط لنا عملا، ولا تخسر لحسناتنا ميزاناً، ولا تقطع في الخير منّا أملا، وارحمنا جميعا كملا برحمتك يا أرحم الراحمين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً (3) }

الخطبة الثانية

الحمد لله الملك الحقّ الذي لا ينقضي ملكه، ولا يحدُّ سلطانه، ولا يُردُّ حكمُه، ولا يقاوم قهره، ولا يُساوى عدلُه، ولا خروج لأحد من مملكته، ولا منازِع له في أمره.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله وأبناء عباده علينا بتقوى الله، وأن لا نتّخذ الحياة لهواً وعبثاً، فإنَّ لله حقّ الطاعة والتقوى، وما من عقل يحكم بغير هذا، وما من وجدان يقضي بخلافه، وإنّ للحياة الدنيا لمنتهى وغاية، فما هي للبقاء، وما تخطئ ذلك إلا عين أضرّ بها عماها، ثم إنّ من كانت الحياة في نظره سدى ولا حكمة لها، ولا هدف للإنسان منها قد خُلق من أجله فهو والأموات سواء.
اللهم ارزقنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين بصيرة الدِّين والدُّنيا، ولا تجعلنا من سائمة النّاس وعُمي القلوب، وأربحنا الحياة والآخرة، ولا تجعل حياتنا هدراً ولا سرفاً، ولا أعمارنا خسارة ولا تلفاً.
اللهم اغفر لنا ولأهل الإيمان والإسلام وتب علينا توبة لا نقترف برحمتك بعدها ذنباً، ولا نرتكب بتوفيقك خطيئة، وذدنا بلطفك عن معاصيك في عافية تامة من عندك يا كريم يا رحيم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج وليَّ أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك وسدد خطاهم على طريقك، وانصرنا ربّنا نصرا عزيزا كريما مبيناً.
أما بعد أيها الأعزاء من مؤمنين ومؤمنات فهذه محاور يُستوفى منها ما سمح به الوقت.
فاطمة المثل عليه السلام:
فاطمة القدوة والمثل للمرأة التي تبحث عن الشخصية الإسلامية النموذجية للمرأة، وفاطمة القدوة والمثل للمرأة التي تبحث عن الشخصية القويّة التي تسبق ملايين الرجال، وفاطمة القدوة والمثل للمرأة التي تبحث عن انطلاقة إنسانية عملاقة في التزام، وعن التزام واعٍ في انفتاح.
فاطمة النموذج الأوّل للمرأة من صناعة الإسلام العظيم، وعلى اليد المربّية للنبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، وهي المعصومة التي لا تُباين مسيرتها وأقوالها ومواقفها الإسلام في شيء، ولذلك لا تجد المرأة المسلمة ذات الطموحات الكبيرة نموذجا تقتدي به على خط الإسلام لصناعة الشخصية الناجحة من نفسها في كل الأبعاد أروع من فاطمة الزهراء عليها السلام.
والمرأة التي لا ترى لنفسها شأنا ولا يتحقق لها معنى ولا كرامة في نفسها إلا بتسلّق المواقع السياسية الرسمية، وكذلك الرجل تردّ عليهما سيرة فاطمة عليها السلام بأن السياسة ليست حرفة من الحرف ، وإنما هي مسؤولية رسالية يمارسها الإنسان المسلم رجلاً كان أو امرأة كل حسب حكمه في الشريعة المطهّرة، وأنّ التأثير السياسي والمشاركة السياسية الفاعلة والتصحيح السياسي لا يتوقّف دائما على المناصب الرسمية ولا يُسدّ بابه أمام المخلصين في كل مواقعهم، وأن سموّ الذات، وطلب الدور الفاعل المؤثّر في حياة المجتمعات ليس طريقه الوحيد الاشتغال بالمسألة السياسية وبصورة رسميّة. وكم أثّر الشهيد الصدر أعلى الله مقامه في حياة العراق السياسية والاجتماعية؟! وكم أثّر الأئمة عليهم السلام وهم بعيدون عن الحكم في حياة الأمة وفي توجيه خط السياسة فيها ولو على مدى المستقبل البعيد؟! وكم صنعوا من وعي ورشد سياسي ناضج في صفوف الأمة وقادة من قادة الحركة فيها؟!
وعلى المسلم رجلاً كان أو امرأة أن يعلم بأنه ليس من الصدق أو الأمانة أو الإخلاص للإسلام، والحفاظ على مكانته ملء أي موقع قيادي في إطار ضيّق أو واسع، أو ممارسة أمر بمعروف ونهي عن منكر، أو نقد، أو تنظير باسم الإسلام من غير معرفة إسلامية كافية وتقيُّد في الدور الذي يمارسه بالإسلام.
عندنا ركض من الرجال ومن النساء وراء المواقع السياسية وباسم الإسلام في حين أنه ربما لا نحمل حتى القليل من المعرفة الإسلامية التي تتطلبها هذه المناصب والمفسد له.
وإنه لمن التشويه للإسلام، واستغلاله وتضليل المجتمعات الإسلامية أن نتحدث باسم الإسلام ولكن بثقافة غير ثقافته، وفهم غير فهمه، وفقه غير فقهه، وبرؤية غير رؤيته، فإن شيئاً لا يصيب مقتلاً معنويّاً للإسلام كما يصيبه هذا الصنع.
وهو الأمر الذي يعمل عليه أعداء الإسلام العالميّون هذا اليوم خارج بلاد الإسلام وداخلها، وهذا كما هو جارٍ في السياسة جارٍ في حقول الثقافة والاجتماع وغيرها.
إن فاطمة عليها السلام عندما تحدثت في الشأن السياسي أو أي شأن آخر إنما تحدّثت بوعي الإسلام، بوعي الكتاب والسنة، وحاكمت القضايا على أساسهما. وهذا هو الإخلاص للإسلام، والصدق مع الإسلام.
العمل الإسلامي بين الارتجال والتخطيط:
ألف خطوة ارتجالية وفي اتجاهات متعددة، واستهدافات مبعثرة لا تنتج، وقد توقع انتكاسات خطيرة، والارتجال فجاجة، وغياب تفكير، وفوضى وانفعالية، ونظرة غير مستقرة، وتشوّش ذهن، وضبابية هدف، وعدم معرفة بالطريق، وحالة ارتباك عقلي ونفسي، وهمّ عابر، ومزاجية متقلّبة، واستجابة ظرفية غير مدروسة، وخيارات مضطربة، ويمكن أن تكون مواقف بلهاء أو متهوّرة. هذه هي الارتجالية.
والتخطيط على خلاف ذلك وهو مؤهل من داخل طبيعته مع صدق الإسم، وعلى مستوى الاقتضاء، أن ينتج ويقترب بالساعي إلى هدفه، مع تجنب المنزلقات والانتكاسات ما أمكن، والتقليل من احتمالات الفشل المتكرّر.
والإسلاميون عموماً والمحلّيّون منهم في هذه الساحة خاصّة متّهمون بالارتجالية والعشوائية والانغمار فيهما، وفقد التخطيط والنظرة البعيدة والعمل المتكامل.
ما هو التخطيط؟
باختصار شديد: وضوح في الهدف، وضوح للمشكل، وضوح لتعقيدات الوضع والملابسات الموضوعية للحالة الخارجية، مرحلية الأهداف الجزئية والعمل، بأن يُفتّت الهدف الكبير إلى أهداف صغيرة جزئية، وتُمرحل هذه الأهداف ويُمرحل العمل على أساس مرحلتها، تنسيق المشاريع، تحديد فريق العمل.
ولا يخفى أنه قد تكون الخطة مكتوبة وقد تكون الخطة غير مكتوبة، فقبائل قبل كانت تخطط لأهداف سياسية وغير سياسية وكانت تتحرك عن خطة محددة من غير تدوين، فما كانت تستطيع التدوين، ولكن لم تتحرك على غير هدى من خطّة.
قد لا تكون عند من يتحرك خطة مكتوبة، ولكنه لا يسير سير الأعمى، وهكذا مرّ أقوام كانت لهم خطتهم ولكنها لم تكن مكتوبة.
وهناك خطة مركزية تتحكم في كل مؤسسات المجتمع أو في طائفة من مؤسساته، ويمكن أن تكون هناك خطة غير مركزية تحرّك في اتجاهها المعاناة المشتركة والوعي الارتكازي العام بدرجاته المتفاوتة، هل توجد خطة عمل للإسلاميين في البحرين في المجال السياسي بالتحديد؟
نقاط:
– واضح أن الإسلاميين الشيعة بالتحديد لا يستهدفون أصل النظام، ولا يخططون للمقاومة على طريق إسقاطه.
– هدفهم وقد شاركوا في التجربة النيابية الناقصة معلن وأنهم يستهدفون الوصول بالوطن إلى الملكية الدستورية بمضمونها الحقيقي، والتعددية السياسية التي تتيح للمجتمع مسألة تداول السلطة بأسلوب سلمي وفي إطار هذه الملكية.
– إنهم ينافسون على إبقاء الخيار خيارا إسلاميا عند الشارع. وهذا خطّ عريض مهمّ وأساس جداً وهو أن الاشتغال على ترويج الديموقراطية في غياب تربية إسلامية للشارع معناه خسارة الإسلام، والساحة التي تشتغل بالتحضير السياسي في غياب من تحضير الوعي الإسلامي المتنامي ساحة لا تختار الإسلام على مستوى المستقبل القريب فضلا عن المستقبل البعيد. إذا صار شارعك علمانيا، وسقط الوعي الإسلامي عند الشارع، أو ضعف الهمّ الإسلامي عند الشارع، وتضاءلت الغيرة الإسلامية عند الشارع فالمجلس النيابي نفسه والحكومة المنتخبة وكل شيء سيكون علمانياً وبعيداً عن خطّ الاسلام. وأنت تطالب بالديموقراطية، عليك أن تحرص على ضمانة الخيار الإسلامي، وذلك بضمان التوجه للإسلام عند الشارع، ووعيه للاسلام وقيمته العالية وقدرته الفائقة على الحل.إذا صارت مؤسساتك سياسية فقط فقد خسرت كل شيء.
– لابدّ من المنافسة على إبقاء الخيار خيارا إسلاميا عند الشارع حتى تخدم الديموقراطية الشعب عبر الخيار الإسلامي الأنجح والأضمن والأنظف.
– الوسائل عندهم سلمية، ويُعمل دائما على تطوير الدستور والقانون الذي يُحاصر هذه الوسائل ويحرّم عدداً منها على سلميتها. والعنف مستبعد من بين الوسائل المختارة للتطوير، وهذه قضية معاشة في ذهن كل الإسلاميين العاملين في الحقل.
– تم اختيار العمل العلني المكشوف فلا سريّة في العمل، وليست هناك خطّة معلنة وخطة غير معلنة، وتجدون أن المؤسسات الإسلامية في المجتمع نوعان: ثقافية في الغالب، وسياسية وهي أقل.
– والأولى للحفاظ على الإسلام وتنمية الوعي الإسلامي، والارتباط بالناحية الشرعية في الخيارات الفردية والاجتماعية، وهذا ما التُفت إليه مُبكّراً، وقد كان من الضروري جداً التحضير التربوي الاسلامي قبل التحضير السياسي، ، وضمان مجتمع يتجه اتجاها إسلامياً قبل الحديث الخاص بالسياسة.
– والثانية للعمل السياسي الدستوري القانوني، ومن مسؤولية هذا النوع من المؤسسات إلى جنب ما يطالب به من حقوق سياسية وينميه من خبرة وقدرة على الممارسة الناجحة في هذا المجال، أن يثبّت الخيار الإسلامي ويرجّحه في نفوس المنتمين إليه وكذلك سائر أبناء المجتمع.
– لابد من تكامل المؤسسات التي تشارك في حل المشكلات الاجتماعية، ولابد من توافر مؤسسات أخرى وتكامل كل المؤسسات سياسية وثقافية واجتماعية لتشارك في حلّ المشكلات المتنوعة لهذا المجتمع وفي وضح النهار وعلى أساس قانوني وديني وعرفي إسلامي.
– لا يتوقع من هذا التخطيط أن يعطي نتائج كبيرة بين عشية وضحاها، ولا يتصور متصور أنه يعمل بحرية تامة، ومن غير مضايقات مؤلمة، ومهاجة منظمة شرسة بإمكانات هائلة من الحكومة. وأنتم تجدون الهجمة الشرسة على مؤسساتنا كلها ومنها مؤسسة المجلس الإسلامي العلمائي المصلحة المسالمة والتي تحاول الانفتاح على الجميع، ولا تدخل في المهاترات التي توتّر الساحة وتضر باللحمة الوطنية.
اعتصام اليوم:
تتبنى جمعية العمل الإسلامي اعتصاماً مجازاً هذا اليوم، ويأتي هذا الاعتصام احتجاجاً على مشكلة الفقر الاختياري(9) التي يعاني منها الشعب، والتي تجد مناشئ تقع مسؤوليتها على كاهل الجهات الحكومية لقصورها وتقصيرها وسياستها غير الحكيمة وغير العادلة حيث تدفق العمالة الخارجية خارج حاجة السوق، والاستيراد الواسع للخبرات غير الضرورية، وما يسببه ذلك من بطالة يعاني منها المواطنون، وحيث التجنيس المفتوح والامتيازات الكبيرة للمجنّسين، وانخفاض الأجور للطبقة العاملة ولكثير من المواطنين من مدرسين وغيرهم، ومشاريع الخصخصة غير العادلة، وغلاء الأسعار والتمييز الظالم، والاستيلاء من نفر محدود على مساحة كبيرة من الثروة العامة.
فمشكلة الفقر في البحرين مشكلة تحت السيطرة لولا الإهمال والتعمد السيء من جهات رسمية، والتلاعب بالمال العام، وعدم الاكتراث بالمواطن.
لهذا ينبغي أن تكون مشكلة الفقر المشكلة التي يقف في وجهها الغني والفقير، والسياسي وغيره، لأنه إذا سُمح للفقر أن يتمدد أو يبقى فإنه لا يبقي على راحة ولا استقرار لأحد وهو من أخوف ما يُخاف منه أن يحدث الزلزال الجارف في أي مجتمع من المجتمعات.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
يا من لا يخيّب أمل آمليه، ولا يقطع رجاء راجيه، ولا تكذب ظنون الخير فيه، ولا ترد الأكفّ الضارعة إليه خائبة، يا قاضي الحاجات اقض حاجاتنا للدنيا والآخرة مما نعلم ومما لا نعلم، مما نذكر أو لا نذكر فإنك العليم الذي لا ينسى، ولا تخفي عليه خافية في أرض ولا سماء، يا قدير يا غني يا رحمن يا رحيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – في النهج: سابقون.
2 – ميزان الحكمة ج 7 ص 385.
3 – الغربال هو المنخل، والذي يفصل الرديء عن الطيب، والخبيث عن الصالح.
وتأتي على الناس أحداث دقيقة فيها لهم غربلة شديدة حتى لا يبقى منهم على الخطّ إلى الصالح، ولا يبقى أحد مستوراً إلا أهل الإيمان الحقّ، والكثيرون يسقطون وتفتضحهم الأحداث ويتجلّون عن وجودات خبيثة رديئة. وكم يبقى على الطريق من بعد هذا الغربال؟!! لا يبقى إلا القليل.
4 – المصدر نفسه.
5 – المصدر نفسه.
6 – المصدر ص 386.
7 – ألست على صحّة؟ ألست على شيء من المال؟ أليس لك شيء من موقع اجتماعي؟ ألست تحمل شيئا من علم؟ وإلخ. فأنت من خلال كل هذا تشتمل على فتنة، وأنت أمام امتحان من خلال علمك، من خلال مالك، من خلال صحتك، من خلال جمالك، من خلال موقعك الاجتماعي، من خلال كل نعمة من نعم الله عندك.
8 – المصدر نفسه.
9 – هناك فقر اضطراري وفقر اختياري، والفقر عندنا فقر اختياري.

زر الذهاب إلى الأعلى