خطبة الجمعة (209) 15 جمادى الثاني 1426هـ – 22 يوليو 2005م
مواضيع الخطبة:
صلاح السرائر+ ثوابت سياسية + تصوّرات ومواقف
الحكومة ومع الأسف الشديد تُبدي موقفاً استعلائياً ضد قضية الحوار، وتسكت طويلاً عن الإصلاحات الجذرية، وتميل أحياناً إلى أسلوب البطش والقوة بانفعال غير لائق.
الخطبة الأولى
الحمدلله المولى الذي لامولى يعدله، العزيز الذي لاعزيز مثله، الخالق الذي كلُّ شيء مخلوقٌ له، المعطي الذي لاشيء إلا وهو سائله، المغيث الذي لامغيث بالأصل غيره.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمّارة بالسوء بتقوى الله الذي لايخفى عليه شيء، ولايغيب عنه موجود، ولايفوته مطلوب، ولايضل علمُه شيئاً، ولايُهمل من أحد طاعة، ولاينسى من أحد شكراً، وهو خير المحسنين، ولايجزي على الطاعة أحدٌ مثله. ألا إنّه من كان على هدى وتقوى من الله فقد أمِن وأُمِن، وكان من المفلحين. وقد بلغ السّمو في النفس، والصفاء في الروح، والنقاء في القلب، والراحة في الدنيا، والسعادة في الآخرة من اختار مركب التقوى، وزان بها نفسه.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله وآله الطاهرين. واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم زيّنا بالنُّهى، وارزقنا زاد التقوى، والاستقامة في الخلأ والملأ، وادفع عنا البلاء، وأكرمنا في الآخرة والأولى ياحنّان يامنّان ياكريم.
أما بعد أيها الأعزاء من المؤمنين والمؤمنات فالإنسان ظاهر وباطن، وما أجمل أن يتوافق الإثنان جمالاً رائعاً وطهارة ونقاء واستقامة وهدى، وماأروع أن يكون المرء نموذجاً إنسانياً كبيراً في ظاهره وباطنه، وأكثرُ من ذلك روعة وجمالاً أن يكون ملء السمع والبصر رفعة معنوية، وإشراقة خلقية كريمة، وإنسانية جليلة في ظاهره، على أن يفوق باطنه كلَّ جمال الظاهر وجلاله.
وإذا كان جهاد الكثيرين في هذه الحياة من أجل المال والجاه وأمور لاتخرج عن هذا السياق، ويجمعها الاتجاه المادي في هذه الحياة فإن جهاد الكُمَّل من الناس أنيباء ومرسلين وأئمة هدى صالحين إنما كان من أجل داخل رائع، ونفس كبيرة في واقعها، وإنسانية نموذجية، وذوات عملاقة تتمتع بسَبْق الكمال، وجمال السمو، وطهر الصفاء، وجلال المعنى بما يجعلها النُّخبة الممتازة من بين الأجيال البشرية كلها، وشموساً للمعاني الإلهية الجذابة التي تموّن المسيرة الصاعدة في دنيا الإنسان.
وإنّ لنا لسرائر لها مكنوناتها ومحتواها فمن محتوى كريم رائع جليل مشرِّف، إلى محتوى خبيث كريه لئيم مخزٍ ساقط مخجل، وسرائرنا نملك اليوم أن نتستر عليها بمقدار، وغداً تُفضح سرائر خبيثة لتُخزي أهلها، وتتجلّى سرائر مشرقة فيهنأ أصحابها بكرامة الله. كل السرائر يوم رجوعها إلى الله ربّها مبتلاة، وينكشف مكنونها، وتظهر على الحقيقة، ويبرز منها المستور، وتتهتّك الحُجُب عنها، فيشعّ داخل بجماله، ويسيء داخل أهله بقبحه وهو ينكشف أمام الأشهاد من كل الخلائق. يقول الله تبارك وتعالى في سورة الطارق {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ}(1).
ولتكن لنا وقفة مع صلاح السرائر في ضوء باقة من الأحاديث عن المعصومين عليهم السلام في عدد من العناوين نأخذ منها الأقلّ لأن الاتجاه أن تأخذ الخطبة الثانية من وقت الخطبة الأولى لهذا اليوم:
1. ربحك في جمال ذاتك: هذه ثلاث كلمات مما ورد عنهم عليهم السلام:
“طوبى لمن صلُحت سريرته، وحسنت علانيته، وعزل عن الناس شرّه” طوبى: الخير الكثير أو الجنة لمن صلحت سريرته. قد بلغ خيرا لايبلغه أحد من صلحت سريرته، وأين من صلحت داره، أو صلحت سيّارته، أو صلح بستانه، أو جمل ثوبه ممن صلُحت ذاته، وشعّ داخله بالنور، وأنار قلبه.
لك أن تتصور الفرق الهائل الكبير بين أن يصلح أحدنا في ذاته ويكون الجمالَ الرائع في داخله، وبين أن تحسن أشياؤه أما الذات فقبيحة.
“صحة الضمائر من أفضل الذخائر” وليس من صحة الضمائر أن يكثر العلم الذي لايتحول إلى مشاعر، والذي لايصوغ الذات، ولايرتفع بمستواها، وإذا تفاوتت الذخائر قيمة فليس من ذخيرة ترتفع قيمتها كما هي ذخيرة الضمائر الصحيحة.
الضمير الصحيح هو ضمير صاغته معرفة الله، والشوق إلى الله، والذوبان في الله.
وفي الكلمة عن الصادق عليه السلام:”ماينفع العبد يُظهر حسنا ويسرّ سيئة أليس إذا رجع إلى نفسه علم أنه ليس كذلك؟ والله تعالى يقول:{بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ}(2) إن السريرة إذا صلحت قوية العلانية”.
أن يرانا الناس على حسن وجمال من خلال الأفعال الظاهرية، وأن نقتنع بذلك على علم منّا بقبح الذات هذا يعني سذاجة، وهذا يعني سقوطاً، وهذا يعني تغريراً وقوعاً في تغرير النفس.
الفحمة حيث يراها النّاس جوهرة لألاءة لايرتفع مستواها، والجوهرة حيث يراها الناس فحمة لاتتنزّل عن جمالها وعليائها، وحيث يكون الإنسان جميلا في داخله فذلك ما ينبغي أن يسرّه، وذلك ما ينبغي أن يعطيه الاطمئنان والسعادة، أما أن يعاني من القبح، وتكون نفسه هابطة ثم يراها الناس نجما رفيعا فذلك ما لاينفع.
“أليس إذا رجع إلى نفسه علم أنه ليس كذلك – أي ليس حسناً – {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ}(3) ولا أحد منّا إلا وهو أعلم بنفسه، من صديقه، وأخيه، وحبيبه.
2. اكتشف نفسك: ألي عقل؟ أأمتلك بصيرة؟ موازيني صحيحة؟ ذوقي سليم؟ رؤيتي سديدة؟ أم أن كل ذلك قد تشوّه؟ وأن كل ذلك قد أصابه خسف؟ لئن كانت سريرتي خبيثة، ساقطة فأنا لست صاحب بصيرة، وليس لي من الحكمة شيء. البصيرة حيث يُرزقها إنسان، والبصيرة حيث يُنعم الله عز وجل بها على إنسان لابد أن تنتهي به إلى أن يصلح سريرته قبل أن يصلح أي شيء آخر في دنياه.
تقول الكلمة عن أمير الفكر، وأمير البيان أمير المؤمنين عليه السلام:”صلاح السرائر برهان صحة البصائر” أتريد أن تعرف أن هذا الرجل حكيم أو غير حكيم؟ أتريد أن تزن بصيرته؟ أتريد أن تعرف مدى عقله؟ انظر فإن كان منصرفا إلى إصلاح ذاته وإلى تنقية سريرته فهو ذلك الرجل الكبير الحكيم البصير وإن شغلته الدنيا عن نفسه، وتلهّى بأشيائه يصلحها مهملا داخله فهو من لاعقل له.
أكتفي بهذا المقدار لضيق الوقت.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وآله النجباء، وسلم عليهم جميعا تسليما كثيراً.
أستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين والمؤمنات أجمعين. اللهم ارزقنا نقاء الروح، وجمال النفس، وطهر القلب، وقوة الإيمان، وحسن النية، وصدق العزيمة في الخير، واعمرنا بحبك وشوقك وذكرك وشكرك ياحنان، يامنّان، ياكريم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)}
الخطبة الثانية
الحمدلله الحي الذي لايموت وكل من سواه يدركه الموت، الدائم الذي لادوام إلا له، الباقي وكل من عداه فان، القويّ وغيره ضعيف، الغني وكل شيء محتاج إلى غناه، المالك وكل شيء مملوكٌ له، ولاحول لشيء ولاقوة إلا به.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزداهم تحية وبركة وسلاماً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمارة بالسوء بتقوى الله وأن نطلب الحكمة فإن الحكمة ضالة المؤمن، وقد ضيَّع الحكمة من عصى الله وتعرَّض لسخطه، وما أنصف نفسه من اختار لها النار. وكيف يكون حكيماً من جعل حياته جسراً لمحرقته يوم القيامة، وأين العقل من رجل ألهته دنياه عن آخرته، ولحظته عن عاقبته؟! الحيوان هو الذي تشغله اللحظة عن المستقبل، وكل حياتنا الدنيا لاتساوي لحظة في عمر الأبد. ألا فلنطلب خيرنا في طاعة الله، وسعادتنا في السعي لنيل رضوانه.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، وارزقنا عقلاً كاملاً، ولُبّاً راجحاً، وديناً قويماً، وبصيرة هادية، واختياراً رشيداً حسناً يارحيم ياكريم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصدّيقة الطاهرة المعصومة.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، وعجل فرجهم. اللهم عجل فرج ولي أمرنا القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقرّبين، وأيده بروح القدس يارب العالمين، اللهم انصره نصراً عزيزاً، وافتح له فتحاً مبيناً.
عبدك وابن عبديك الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والعاملين في سبيل الله، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك.
أما بعد أيها الأعزاء من مؤمنين ومؤمنات فمع حديث اليوم تحت عنوانين:
1. ثوابت سياسيَّة:
2. تصوّراتٌ ومواقفٌ:
ثوابت سياسيَّة:
هذه ثوابت في موقفنا السياسي:-
1. لانستطيع أن نتخلى عن قيمنا والأحكام الشرعية في الحركة والسكون في موقفنا السياسي كغيره؛ تمثل ذلك في معارضة أو موافقة، فإن هذا التخلي سنخسر معه وجودنا وحياتنا الحقيقيين.
2. نحترم الدماء والأعراض والأموال وحقوق مختلف الطوائف والفئات على حدّ احترام الدين لها.
3. نتمسك وإلى الأخير بالمطالبة بالحقوق الدينية والسياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية وسائر الحقوق لأبناء الشعب كل الشعب. وإذا تحدّثنا عن فئة أو منطقة أو طبقة قبل أخرى فإنما ذلك بلحاظ مسيس الحاجة الفعلية التي قد تعاني منها هذه الطبقة أو الفئة. فنحن لا نقر ظلم أي فئة ولانسكت عن حق أي طبقة.
4. نقدم التعاون مع الآخرين في خير الدنيا والوطن والأمة على الاختلاف والمنازعة.
5. في ظروف الاختلاف، وفي المطالبة بالحقوق نتمسك بالحوار، ثم بالوسائل السلمية الأخرى، ونرفض أساليب العنف والتخريب.
6. تتحرك أساليبنا السلميَّة في إطار الدين مع الالتفات إلى مقرَّرات الميثاق والدستور مع الإنكار على كل قانون في نقاط جوره. وتُشكِّل الموقف السياسي عناصرُ متعددة وتتدخل فيه حسابات عديدة قد تبرر بمجموعها بعد استبعاد العنف أن نقبل الكلفة الثقيلة التي تُحتّّم الضرورة تحمُّلها، وقد لاتستوجب المقتضيات قبول كلفة أقل في فرض آخر.
المنظور ليس ما نتحمّله من كلفة. قد أقبل أن أموت في سبيل هدف، وقد لاأقبل أن تُبتر مني أصبع واحد في سبيل هدف آخر(4).
ونحن ندور مدار التكليف الشرعي بغض النظر عن الكلفة خفّت أو ثقلت، مع عدم اللجوء إلى العنف وإنما نحن نتحدث عن كلفة يفرضها الطرف الآخر.
7. ننادي بانضباط حركة الشارع والتزامها بمرجعية سياسية مأمونة دينياً وموضوعيَّاً، ووعياً سياسيَّاً، وتحمّلا للأمانة الثقيلة انسجاماً مع المقرّرات الدينية الثابتة التي لامناص لمؤمن منها.
8. هدفنا تحسين الأوضاع الحقوقية للشعب وتفعيل حركة الإصلاح الحقيقي لا إيجاد سلسلة من الأزمات مع النظام القائم. على أن الجانب الرسمي في بعض تشكيلاته وفي بعض الظروف قد يتعمّد خلق بعض الأزمات للتّخلّص من الإحراجات الحقوقية الملزمة، ولتحويل المسار السياسي، وتوجيه دفة الأحداث بما يحدث انقلاباً على الحقوق بدرجة أكبر، ويبرر لتوجيه ضربات مقصودة. وإذا حدث هذا فضرره ليس على الشعب فقط وإنما على كل رُكّاب السفينة.
9. نرى ولحد الآن جموداً كبيراً غير متوقع في الحالة الإصلاحية، وتعطّلاً بيّناً في حركة الإصلاح الموعود، ونطالب بحلحلة الوضع بلغة الحكمة والعدل والإنصاف والإصلاح فيما يتعلق بملفات كثيرة رئيسة منها: الملف الدستوري، ملف التجنيس، التمييز، الملف الخلقي، والثقافي، والحرية السياسية والإنسانية الشريفة، وملف التعطّل عن العمل، ومعالجة وضع الأجور بصورة عادلة، والعمالة الأجنبية الفائضة، والفساد المالي والإداري، والضمان الاجتماعي المجزئ، والتأمين ضد البطالة مع العذر، والناحية الأمنية، وحرية الصحافة النظيفة الملتزمة التي تراعي دين الأمة وقيمها وضوابطها الشرعية وحرماتها.
10. نؤمن بالقيمة العالية للوطن والحفاظ على استقلاله ومصالحه ووحدته وانتمائه الديني والتاريخي، ولانجيز لأنفسنا أن نخل بشيء من ذلك، ونطالب النظام كما نطالب أنفسنا بهذا الحفاظ وهذا الالتزام بالدرجة نفسها أمام القوى الكبرى.
ونحن مع الوحدة الوطنية، ولانريد أن ندخل في مواجهة مع النظام، ولامقاطعة له، ولاقطيعة معه، أمَّا المقاطعة لهذه المؤسسة أو تلك من مؤسساته تصحيحاً للأوضاع فهي أمر آخر مختلف تماماً عن المقاطعة أو القطيعة مع النظام. فقد نقاطع هذه المؤسسة أو تلك المؤسسة كما نحن مقاطعون للمجلس النيابي، ولكن هذا ليس في سياق مقاطعة النظام نفسه. وتحكم علاقتنا مع النظام ومشاريعه، وكل مؤسساته، وفي كل الفروض والحالات ثوابت الدين ومصلحة الوطن والشعب.
11. نملك وعياً إسلاميّاً عامّاً ومذهبيّاً خاصاَ في إطار الإسلام ومن عطاء مدرسة أهل البيت عليهم السلام، وفقههم الدقيق، وتقواهم العالية يُحرّم علينا أن نعمل على فرقة المسلمين، وزرع الخلافات العملية بينهم والانتقاص من حقوقهم، فضلاً عن الاستخفاف بدمائهم وأعراضهم وأموالهم، ومسّها بأقل أذى، وأدنى سوء.
ويدفعنا هذا الوعي إلى العمل على وحدة المسلمين ورعاية الحقوق فيما بينهم، وتناصرهم في الحق والدفاع عن حمى الإسلام وكرامة المسلمين ومصالحهم بعيداً عن الظلم والتجاوز على حقوق الآخرين من المِلل الأخرى وشركاء الخلق، وأجناس المخلوقات.
أما المذهبية العقيدية والعبادية فمتروكة لمسؤولية الأفراد ومداركهم وأفهامهم في حرية من بيان الرأي العلمي لكل المذاهب في أسلوب غير عدواني، ومراعٍ لأدب الإسلام وأخلاقياته الرفيعة.
تصوراتٌ ومواقفٌ:
1) إذا ذهب فكر الحكومة إلى أن استعمال القوّة المفرطة أو القوة من غير حق سيحقق حلاً على طريقة التركيع فهو خطأ بيّن بدلالة الكثير الكثير من شواهد الساحة العالمية والمحليَّة.
وللشهادة العادلة أقول: بأن الحكومة ومع الأسف الشديد تُبدي موقفاً استعلائياً ضد قضية الحوار، وتسكت طويلاً عن الإصلاحات الجذرية، وتميل أحياناً إلى أسلوب البطش والقوة بانفعال غير لائق.
2) قبل كل شيء لسنا دعاة فوضى وحياة بلاقوانين فهي أصعب حياة، ولاتلتقي مع قناعاتنا الدينية والموضوعية أبداً. ولكن القوانين ثلاثة؛ عادل ينبغي للناس أن يأخذوا به عن طيب خاطر، وظالم يمكن الصبر عليه إلى حدّ، وظالم لايمكن الصبر عليه على الإطلاق.
وكل من الثاني والثالث يجب إنكاره ورفضه والعمل ضده، وهما من أبشع أنواع الظلم وأقبحه.
والتصنيف لقانون الجمعيات وقانون التجمعات أنهما من الفئة الثالثة فيتوجب العمل الجاد لمنع ولادتهما واكتسابهما الشرعية الوضعية الكاملة، وإن قطع الأول مرحلتين على طريق ولادته القانونية المشؤومة التي نتمنى أن لاتجد النور فتطمس كل معلم لحياة الحرية الكريمة، وتنشر الظلمة القاتمة.
إن هذا النوع من القوانين الذي يؤسس للظلم ويركِّزه، ويضيف إليه تكميم الأفواه، وإخضاع الرقاب والتركيع، وإخماد كلمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويأسر الإرادة الكريمة للإنسان، وصوت الضمير الحي؛ من المشاركة في الظلم أن يسكت النّاس عليه.
ومجرم في حق نفسه، وحقّ وطنه، وحق الإنسانية من يستطيع إحباط هذا النوع من القوانين ويقصِّر في ذلك. والوسائل دائما سلمية.
وموقفنا أننا لسنا مع التمرد ضد مطلق القوانين ولكن يتوجب علينا القول بأن علينا جميعاً أن نعمل بكل الوسائل السلمية الضاغطة على إجهاض أي قانون جائر يراد له أن يولد لتثبيت الظلم وإضفاء الشرعية على الممارسات الباغية، ولإدانة المطالبين بالحق، والمنكرين على الخطأ، وأن نعمل كذلك على إقبار حزمة القوانين التي ولدت وهي من هذا النوع.
3) أنا مع غلق الجمعيات السياسية أبوابها مدة معيّنة احتجاجاً على قانون الجمعيات وهي خطوة قانونية عاقلة ومعبّرة وذات اتجاه صحيح جدّاً.
وأنا كذلك مع هذه الجمعيات حين تختار أن تُحِلَّ نفسها إذا رأت أن وجودها سيكون شكليّاً بسبب القيود المثقلة باسم القانون، والمفترسة للحرية والملغية لهامشها الضيّق، وسيكون مجرد واجهة كاذبة لديموقراطية مفقودة على الأرض، ومخنوقة بشبكة من القوانين الجائرة.
وليس من قانون في أي بلد يمكن أن يأخذ مجراه العملي، ويجد تطبيقه في حياة الناس إذا رفضه الشعب رفضاً عمليّاً قاطعاً وقانونا الجمعيات والتجمعات حقيقان بأن يوءدا قبل أن يولدا.
4) المظاهرات والمسيرات والاعتصامات مسموحة أو ممنوعة؟ إذا كانت ممنوعة فعلينا أن نطالب بالسماح بها والحقُّ معنا في هذا الأمر من الدين ثم من الميثاق والدستور ومستوى الشعب ومعاناته.
وإذا كان مسموحاً بها فأين تكون؟ المؤسسات الحكومية ممنوعة لقدسيتها – بيت الشعب ممنوع لئلا تهان كرامة الشعب – الشوارع ممنوعة حتى لاتتعطل حركة المرور – السوق ممنوعة لئلا تتأثر حركة الاقتصاد سلباً – أماكن السكن ممنعة حتى لاتقلق راحة الأهالي الذين لاقلق لهم إلا من هذا الوجه. المساجد ممنوعة لئلا ترجّسها الشكاوى من ظلم السياسة وهي لاتترجس من السياسية وخطب تقديسها وتركيزها وتثبيتها.
بقيت المقابر فتظاهروا بقربها واعتصموا فيها ولكن سيُقال لكم لقد آذيتم الموتى فاتقوا الله ولوذوا بالصمت في البيوت.
ونحن وإن لم نكن مع المسيرات حيث تكون بلا حساب ولادقة ولاتدبّر ولاضوابط، ولاقيادة حكيمة عارفة محيطة بالحكم الشرعي، ونريد للأجواء أن تميل إلى الهدوء ما أمكن في غير ضياع للحقوق وسكوت على الظلم والتلاعب إلا أننا ننبه على هذه الحقيقة.
وهي: أنك إذا أقمت على كل طريق إشارة حمراء، وفرضت أن تستمر هذه الحالة فإن كل أهل المركبات المتعطّلة سيضيقون ذرعا، وستنطلق حركة السير بلاحساب حتى لو كانت تصادمات وحوادث، فاحذر أن تغلق كل الطرق، وإذا أقمت على كل معبر حاجزاً، وضاق الناس بالحواجز وخافوا على حياتهم فإن الأعرج والضعيف سيُغامر بأن يُحاول القفز على الحواجز، وإن تهدده السكوت.
فلنحذر من حالات الخنق، وحالات التضييق، حالات الأسر، ومن كثرة الإشارات الحمراء، ومن إقامة الحواجز على كل المعابر فإن هذا الوضع ينتهي إلى نتيجة تضر بالوطن والمواطن بكل فئة.
5) على جمعية الوفاق وسائر الجمعيّات أن تحتضن بدرجة أقوى فاعلية وجدّيّة واهتماماً قضية العاطلين عن العمل وتدنّي الأجور والتأمين ضد البطالة بصورة مستعجلة إذا بقيت هذه الجمعيات عاملة ولم تختر أن تحل نفسها بضغط الظروف القائمة.
وعلى الأبناء العاطلين المطالبين بحقوقهم أن يتعاونوا في هذا المجال مع العمل المؤسسي ما أمكنهم ذلك، وأن لاتكون لهم اجتهاداتهم المنفردة عن خط العمل السياسي الإسلامي.
وعلى الحكومة أن تفتح الطريق لحلول مستعجلة وأخرى طويلة المدى لهذه المشاكل عن طريق التفاهم مع العمل المؤسسي وبسرعة وبلاتسويف احتواءً للمحتملات غير المرغوبة، والتطورات السيئة.
أين العلماء؟ سؤال قد يطرح عن شفقة أو براءةٍ أو إضرار. ولايطرحه في العادة إلا بعيد عن العلماء أو غافل أو متغافل.
وبعيداً عن دعوى العصمة للعلماء، فهي غير موجودة، وأداء الواجب على أتمّه وكما ينبغي، وهو ليس بحاصل، وعن دعوى التنزيه عن القصور والتقصير للمجموع العلمائي، أو لأي واحد من هذا المجموع وهي دعوى لا أحد يذهب إليها، أستطيع أن أقول واثقاً عن الحالة العلمائية بصورة مجملة لاالتفات فيها إلى بعض الأفراد أن العلماء لهم حضور في كل الساحات وفي كل المعتركات الثقافية والسياسية والاجتماعية، وأنا لا أتحدث عن شخص معيّن، إنما أتحدث عن المجموع العلمائي فإن المجموع العلمائي لايعيش حالة الغيبوبة، ولايعيش حالة اللامبالاة، ولايقبع وراء الجدر بعيداً عن حركة المجتمع.
هم في قلب المعترك الثقافي والاجتماعي والسياسي ولكن ليس دائماً على الطريقة التي يراها الإنسان العادي وتنتجها ذهنيته، ويصمِّمها نظره للأمور، وتقديره وموازناته ومقارناته، وينتهي إليها فهمه.
وقد لايستسيغ العلماء الأخذ بالدعاية العريضة والإعلام الواسع لمواقفهم في حين أن عليهم إذا عقلوا أن يتّهموا أنفسهم دائماً بالقصور والتقصير.
وأنا أتحدث هنا – كما سبق – عن حالة وليس عن شخص بعينه، فقد يكون الشخص مصداقاً للتخلي عن عذر أو غير عذر عن واجب التواجد الكافي في الساحات الجهادية المتعددة؛ أمّا رمي العلماء جملة وتفصيلاً بهذا الأمر فهو من الغبن الفاحش.
وسيظل العلماء المخلصون من بين الصفوة الخالصة من الأمة يحرسون حدودها ويذودون عن حِماها، ويثبّتون أصالتها من غير أن يكون أكبر همّهم أن ينالوا من دنيا النّاس؛ والنّاس لايملكون لأنفسهم من دون الله نفعاً ولا ضراً.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين وتب علينا إنك أن التواب الرحيم، وارزقنا عقلا كاملاً.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين. اللهم إنا لانجد مفرّاً إلا إليك فاقبلنا، ولاعوناً سواك على أنفسنا وعلى كل مضل فأعنا، ولا ساتراً من دونك فاسترنا، ولاطبيباً شافياً غيرك فاشفنا، ولامؤمِّناً غيرك فآمنا. اللهم اجعلنا في درعك الحصينة التي تجعل فيها من تريد يارؤوف يارحيم ياكريم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – 8، 9/ الطارق.
2 – 14/ القيامة.
3 – 14/ القيامة.
4 – والهدف الواحد قد تقتضي كل الملابسات أن يضحى من أجله عاجلاً بكل شيء، وقد تقتضي غير ذلك. والمسألة أدق بكثير من أن تدركها عقول الكثيرين، أو يقضي فيها إسلاماً بلا فقاهة كافية، وخبرة وافية مع توفر عناصر أخرى.