خطبة الجمعة (192) 14 صفر 1426هـ – 25 مارس 2005م
مواضيع الخطبة:
ولادة جديدة + المطالبة والمناهضة + الولاء من أين يبدأ وإلى أين ينتهي؟
1. ولا معنى لوجود هذه المرجعيَّات من مواثيق ودساتير وقوانين إذا مُنع الاحتكام إليها والمطالبة على أساسها. والصعوبة أن تكون هذه
المرجعيَّات نفسها أو بعضها محلاً للاختلاف
2. في كل صباح للإنسان ولادة وعمر جديد، وفرصة متاحة، وعليه مسؤولية ضخمة، ودور كبير. ومع استقبال عمرنا المضاف عند كل صباح يمكن أن يستيقظ الجانب الروحي فينا، ويمكن أن يموت
الخطبة الأولى
الحمدلله الذي لا هدى إلا هديُه، ولا حكم إلا حكمُه، ولا قضاء إلا قضاؤه، ولا عدل إلا عدله، ولا عزَّة إلا به، ولا نصر إلا منه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيراً.
أوصيكم عبادالله ونفسي بتقوى الله التي من أخذ بها سَعِد، ومن تخلَّى عنها شقي، ولا سعادة فيها شقاءُ الآخرة، ولا شقاءَ فيه سعادتُها. وما اكتملت سعادة الدنيا لامرئ بلا إيمان، وما شقي فيها من أحيا قلبَه ذكرُ الله.
وقد أفلح من استثمر حياته في طاعة الله، وقد خاب من باع حياته للشيطان، وما صدق أحدٌ عهدَه مع الله وهو يسعى في الأرض بالفساد، ويقطع ما أمر الله به أن يوصل، فليصل المؤمنون ما جاء أمر الله بوصله، وليقاطعوا ويقطعوا ما جاء أمره بقطيعته وقطعه. وكلُّ حقّ، وعدل، وهدى، وخير، وخلق كريم، وفضيلة، وعفة موصول في الدين، وكلُّ باطل، وظلم، وضلال، وشرٍّ، وخُلُق لئيم، ورذيلة مقطوع في حكمه.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، واجعلنا وإياهم ممن لاتراه إلا في مواطن طاعتك، ولا يتخلَّف عن موارد رضوانك، ولايأخذ أمره ونهيه إلا منك ياأكرم الأكرمين، وياأرحم الراحمين.
أما بعد أيها الأعزاء من المؤمنين والمؤمنات ففي كل صباح للإنسان ولادة وعمر جديد، وفرصة متاحة، وعليه مسؤولية ضخمة، ودور كبير. ومع استقبال عمرنا المضاف عند كل صباح يمكن أن يستيقظ الجانب الروحي فينا، ويمكن أن يموت، ويمكن أن يتجه العزم إلى رقيٍّ أو هبوط. وكم من متحوِّلٍ من طريق جنة إلى نار، أو من طريق نار إلى جنة مع انبثاقة صبح جديد؟!
فلنحرص على أن نكون أنقى روحاً، وأزكى نفساً، وأطهر قلباً، وأصحَّ إرادة، وأسلم عزماً، وأروع نيّة، وأقوى في ذات الله مع كل صباح، وأن نتخذ من كلّ يوم مرقاةً لكمالنا ومرضاة له، وأن لاتكونَ أيامُنا تراجعاتٍ وتقهقرات إلى الوراء في هذا الطريق.
وما أجمل أن نواجه كل صباح جديد بوعي وبصيرةٍ من وعي وبصيرة أهل العصمة، وبتعاليم من تعاليمهم:
قيل لعلي بن الحسين عليهما السلام: كيف أصبحت يا ابن رسول الله؟ قال: أصبحت مطلوباً بثمان خصال: الله تعالى يطلبني بالفرائض، والنبي صلى الله عليه وآله بالسّنة، والعيال بالقوت، والنفس بالشهوة، والشيطان بالمعصية، والحافظان بصدق العمل، وملك الموت بالروح، والقبر بالجسد، فأنا بين هذه الخصال مطلوب”(1).
وكأنه (ع) يقول: وفي طول ذلك عليّ أن أكون العاقل الحكيم الحريص على مصلحته؛ فأُقدّم الخير على الشر، والحق على الباطل، والنافع على الضار، والباقي على الفاني، والأهم على المهم، وأن أُصغي للهادي لا المضل، والأمين لا الخؤون، والناصح لا الفاضح، وأن أُعطي لكل ذي حقّ حقّه، وأتعامل مع كل شيء بقدره، وأن لا أُفرِّط في أمر دنيا ولا آخرة عارفاً ما لكلٍّ منهما من وزن، وما هي عليه من قيمة.
وقيل للباقر عليه السلام: كيف أصبحت؟ قال: أصبحنا غرقى في النعمة، موقورين(2) بالذنوب، يتحببُ إلينا إلاهنا بالنعم، ونتمقَّت(3) إليه بالمعاصي، ونحن نفتقر إليه، وهو غنى عنا”(4).
هذه نظرة محاسَبة على الإنسان أن يعيشها عند كل صباح تُركِّز في قلبه حبَّ الله، وتدفعه إلى شكره، ويُفعم بالحياء منه، ويشعر بضخامة خطأ نفسه، وعمق سفهه، وشدّة ما يثقل ظهره من ذنبه، وعظيم الخطر الذي يستقبله شعوراً يُحدث الثورة على الواقع السّيء لذاته، ويثير عزيمة التصحيح في داخله، واستثمار ما بقي من عمره في خيره، والإعداد الجادِّ لمستقبله.
ومن أصبح فلا يُصبح واحداً ممن تعرّضت إليهمُ الأحاديث الآتية:-
1. عن الكاظم (ع):”من أصبح لايهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم” وفي لسان آخر “… فليس منهم”(5).
إنه لايراد الاهتمام بأمور المسلمين يوماً دون يوم، ولا مدة دون مدة، وإنما هَمُّ مسألة الإسلام والمسلمين همٌّ يوميٌّ ودائم في كل من البعد الفردي والاجتماعي. والتفكير في مصلحة المسلمين، والعملُ على رعايتها، وتفقُّد الحالة الإسلامية في كل شؤونها، وفي كل الدوائر الاجتماعية من الأسرة حتى الأمة للنهوض بالمستوى الخاص والعام من مستوى الحي والقرية والمدينة والوطن والأمة في إطارها الكبير مسؤولية تواجه كل مسلم قادر وبحسب قدرته.
والنفي في الحديث حيث يقول “فليس بمسلم أو فليس منهم” لالنفي مطلق الإسلام أو الانتماء إلى المسلمين والبعضيَّة منهم، ولكنه لنفي أن يكون هذا المسلم مسلماً حقيقياً بالكامل، وأن عضويته في المجتمع المسلم عضوية جادة كما ينبغي. وتستطيع أن تقول إنه ليس للنفي التام عن الإسلام، وعن العضوية في المجتمع المسلم، ولكنه لنفي وصف التمامية والكمال لإسلام هذا المسلم وعضويته.
وهذا التخلف عما أراده الله سبحانه من نضج وكمال للإنسان المسلم، وعن دوره اللائق بانتمائه مسقطٌ لشأنه بدرجة كبيرة إلى حد أنه يُشبه كونه غير مسلم أو ليس من المسلمين.
فالهم الاجتماعي، والدور الفاعل لتصحيح وضع المجتمع المسلم، والنهوض بمستوى الحالة الإسلامية، وحل مشكلات المسلمين ليس مسألة ترفية وإنما هي من صميم هذا الدين ووظيفة الإنسان المسلم القادر فعلاً أو قوة.
2. عن الرسول صلى الله عليه وآله “من أصبح وهمته غير الله أصبح من الخاسرين المعتدين”.
الاهتمام برضى الله وبطاعته يضع صاحبه على طريق الكمال، ولاربح لأي ذات مهما كان لها من أشياء الدنيا إلا بمقدار ما تستوفيه من الكمال الذي تطيقه حسب مواهب الله فيها. ولا طريق غير طريق الله يُطلب منه الكمال. فأي طريق يُدبرُ بصاحبه عن الله أو يميل به عنه غير واصل، فالسالك له خاسرٌ وأي خاسر؟!
وهو معتد كذلك، وأول عدوان له وظلم على نفسه التي حَرَمها من غايتها، وأسقط مستواها، ولايُتوقع من سالك لغير الله، متخلِّق بأخلاق أعدائه، منصرفٍ إلى الدنيا إلا أن يكون معتدياً علي غيره، ظالماً حقَّه، متجاوزاً حدود ما شرّع له ربّه، ولا عدل ولا استقامة ولا خير في ما خرج على شرع الله، وباينه.
3. وعن الصادق عليه السلام “من أصبح مهموماً لسوى فكاك رقبته، فقد هوَّن عليه الجليل(6)، ورغّب من ربِّه في الوتْح الحقير”. والوتح هو القليل الحقير من كل شيء.
أكبر الخطر أن تكون العاقبة النار، وأن يسترقّ العبد فيها ذنبُه، ولا يُبقي من نفسه لنفسه كرامة يستحق بها الجنّة عند ربه، وأن يسحق التعلُّقُ بالدنيا ذاته حتى تهون، ولاتكون إلا وقوداً من وقود النار.
وإذا ضؤلت قيمة الجنة في نفس الإنسان، وخطرُ النار من همٍّ بأي خير أو شر آخر فقد هوّن عليه الجليل(7)، وقلّل الكثير، وصغر العظيم بتقليل ما عليه عظيم أمر الجنة والنار. في المقابل قد كبّر صغيرا، وعظّم حقيرا، واستكثر قليلا إذ كل خير من خير الدنيا بإزاء خير الآخرة قليل، وكل خطر من أخطارها بإزاء خطر النار ضئيل.
والراضي بخير الدنيا عن خير الآخرة قد رضي بما هو دون، والطالب لها الزاهد في ما بعدها قد طلب القليل الحقير وأعرض عن الكثير الجليل، ونسي أن ما أعده الله لأوليائه في الآخرة حقيرة أمامه الدنيا كلها ولو اجتمعت لواحد لايزاحمه عليها مزاحم، ولا يُهدَّدُ فيها على الإطلاق.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى، وعلى آله الطيبين الطاهرين. واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين. اللهم لا تجعلنا وإيّاهم ممن تُنسيه الدنيا الآخرة، أو يعدِلها بها خيراً أو شرا، ونعمة أو نقمة، واجعلنا ممن نجيتهم من وسوسة النفس، وكيد الشيطان الرجيم، فكان سعيهم إليك، وطلبُهم مرضاتك، وجائزتهم كرامتك ياأرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}
الخطبة الثانية
الحمدلله ربِّ العالمين. تبارك الله أحسن الخالقين. لا إله إلا هو ربّ العرش العظيم.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاما.
أوصيكم عباد الله ونفسي الخطّاءة بتقوى الله ومجاهدة النفس على لزوم الطاعة، والبعد عن المعصية، فما راضَ النفسَ على التقوى كالمجاهدة يَقصِد بها العبد وجه الرب. ومن تخلَّى عن ترويض نفسه فقد اختار لها العطَب؛ فإنها لاتنجو مهملة، ولا تفوز مسيَّبة. ولا ترويض يصل بالنفس إلى نضجها، ويضعها على طريق غايتها إلا ما كان متفقاً مع طرائق الدِّين، وأحكام الشريعة الغراء وآدابها.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ووفّقنا وإياهم لمجاهدة النفس، ومحاربة الشيطان، وملازمة السُّنة، ومجانبة البدعة، واجعل جهادنا بالغاً، وسعينا مفلحاً.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على خاتم أنبيائك ورسلك محمد الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة.
وعلى الأئمة الهادين أئمة المسلمين الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي القائم المنتظر.
اللهم عجل فرج ولي أمرنا القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين. اللهم انصره نصرا عزيزا، وأيده تأييدا كبيرا.
اللهم عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك.
أما بعد أيها الملأ الطيب من المؤمنين والمؤمنات الأعزاء فهذه بعض كلمات:-
المطالبة والمناهضة:-
عنوان يختلفان، وقضيتان مفترقتان؛ تفترقان هدفا، وتفترقان وسيلة، وتفترقان رد فعل.
أ. هدفاً: على مستوى الهدف المطالبة هدفها تطبيق المواثيق والدساتير والقوانين استكمالاً للحقوق المكفولة، وطلباً للإصلاح والتطوير.
أما المناهضة فهدفها الإسقاط والإلغاء.
ب. وسيلة: وعلى مستوى الوسيلة فالمطالبة تعتمد الوسيلة السلمية التي لاتعتمد التخريب والتعدّي على الأرواح والأموال والأشخاص والشخصيات، وتأخذ بالأسهل فالأسهل.
والمناهضة قد تقوم على وسائل التخريب والإتلاف والإضرار، وتصل إلى حد المحاربة.
ج. رد الفعل: وعلى مستوى رد الفعل، فإن رد الفعل على المطالبة حوار ومناقشة وأقصاه المجادلة.
أما المحاربة فتواجهها المحاربة.
2. ثم إن قيمة المواثيق والدساتير والقوانين إثبات الحقوق والالتزامات المتبادلة لتكون محلاً للمساءلة والمطالبة.
ولا معنى لوجود هذه المرجعيَّات من مواثيق ودساتير وقوانين إذا مُنع الاحتكام إليها والمطالبة على أساسها. والصعوبة أن تكون هذه المرجعيَّات نفسها أو بعضها محلاً للاختلاف.
فهنا يبقى الطرفان بلا مرجعية متوافقٍ عليها.
3. مظاهرة سترة للمناهضة أو المطالبة؟
1) هي خارجة قطعاً بحسب كل التأكيدات عن المناهضة هدفاً ووسيلة. وإنما هي واقعة في حريم المطالبة.
2) والجمعيات تؤكد استيفاءها للشروط القانونية وتتمسك بحقها في تسييرها على هذا الأساسي.
3) والحكومة تعترض بالظروف الأمنيَّة الخاصة وتصرُّ على ذلك. فنحن أمام مسألة اختلاف بين الطرفين.
4) من جهتنا وددنا أن يتفق الطرفان على أساليب أخرى ولكن الأمر خارج اليد.
وكأن الظرف لايسمح وفي هذه العجالة بالاتفاق على وجهة نظر واحدة بين الأطراف.
5) على هذا نحرص شديداً على أن لايصل التجاذب بين الطرفين إلى حد التصادم، وأن يعمل الجميع على ضبط النفس، وأن لاتحدث قطيعة بعد هذه المظاهرة بينهما فضلا عن أن تصل الأمور إلى حالة من المواجهات.
حريصون كل الحرص على أن تبقى الطرق مفتوحة أمام الحوار، وأمام الأساليب الأكثر هدوءا وإن حدثت هذه المظاهرة.
6) وليتذكر الكل من حكومة وشعب بمن في هذا الشعب من فئات وطوائف جامع الدين الواحد، والوطن الواحد، ومصلحة الحاضر والمستقبل المشتركة، وأمانة الحفاظ على سلامة السفينة الواحدة، والسقف الواحد، والعش الواحد.
7) وعلى عدد من العناصر أن لا تَسأم ولا تيأس بناء على النقطة التي وصلت إليها الأمور من البحث عن طرق أخرى بديلة أحفظ للمودّات، ومن محاولة إقناع الجميع بها للخروج من الحالة الراهنة، والاتفاق على ما يوحِّد كل القوى الحكومية والشعبية في طريق واحد يحقق المصلحة الوطنية المشتركة.
أؤكد كثيرا على أن المظاهرة إذا حدثت ينبغي أن لاتكون نقطة افتراق نهائية.
الولاء من أين يبدأ وإلى أين ينتهي؟
1. الولاء المطروح بمعنى المحبة والطاعة والنصرة.
2. وقضية الولاء قضية محسومة عند من له دين. ولا شأن لنا بمن لا دين له، ولا يرى من عظمة الله وحقِّه ما يكفي.
أما من له دين ويرى من عظمة الله وحقه العظيم ما يكفي فإن ولاءه أولا وبالذات هو لله وحده لاشريك له، وكل ولاء يدين به هذا العبد المتديّن هو ولاء منبثق من ولاء الله، ومنتهٍ إليه.
3. والولاء لله ولاء للحق والعدل والخير والجمال المعنوي الأسمى.
والمؤمن يعيش حالة الولاء وعدم الولاء، فلكل مؤمن حالة من الولاء، وحالة من عدم الولاء. إنه يعيش الحالتين مع نفسه فيوالي من نفسه خيرها، ويعادي منها شرّها، ولذلك يتوب عن السيئة، ويهبط في نظر نفسه كلما ارتكب من ذنبا، فأنت وأنت مؤمن تُوالي نفسك وتعاديها، ولايكون أحدنا مؤمنا حقّا إذا كان ولاؤه لنفسه على الإطلاق؛ حيث يرضى منها الخير والشر، والحق والباطل، والهدى والضلال. وإنما تُحب نفسك، وترضى عنها، وتسكت عليها حين تكون على خط الله، وإنك لتقف أمامها منتفضا ثائراً حين تجد منها ميلا إلى خط الشيطان.
والمؤمن يعيش هاتين الحالتين؛ حالة الولاء وعدم الولاء مع أهله؛ مع زوجه وولده وأخيه وأخته وحامته؛ فيحب منهم خيرهم، ويبغض منهم شرهم، ويناصرهم على هداهم، ويواجههم على باطلهم إخلاصا لهم ومحبة وشفقة.
وهو يعيش هاتين الحالتين مع مؤسسته، ومع قريته، ومع مدينته، ومع وطنه وأمته؛ فيحب من وطنه ولوطنه الخير، ويبغض من وطنه ولوطنه الشر، وهكذا بالقياس إلى أمته. ومرتكزه الأساسي في عيشه لهاتين الحالتين هو ولاؤه لله تبارك وتعالى.
نفس المؤمن مصنوعة جميلة، مهديّة، متعلّقة بالخير فلاتحب إلا الخير، ولاتجد منها للشر إلا بغضاً؛ ذلك من منطلق حبها لله تبارك وتعالى.
4. أما عن العلاقة بأمن الوطن فما من عاقل إلا ويسيئه ويزعجه ويغيضه ويرعبه أن يُعتدى على وطنه، وأن يُمسّ أمن الوطن وكرامته، وليس عاقلا من ساعد على ذلك، وكيف لعاقل أن يهدم بيته على رأسه؟! أو أن يُحوّل حياته وحياة أهله فيه إلى جحيم؟!
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولأرحامنا وقراباتنا وجيراننا وأصدقائنا ومن أحسن إلينا من المؤمنين والمؤمنات إحسانا خاصا ياكريم يارحيم.
اللهم أصلح شأن المسلمين، وآمن أوطانهم، واقمع أعداءهم، واقطع دابر الكافرين والمنافقين. اللهم تولّنا في الدنيا والآخرة بخير ما تولّيت به عبادك الصالحين من الحفظ والرعاية والكفاية والكرامة ياأرحم الراحمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – ميزان الحكمة/ ج5/ ص250.
2 – موقورين: مثقلين.
3 – كأننا نطلب مقته وغضبه.
4 – المصدر السابق ص: 251.
5 – المصدر ص:252.
6 – أي العظيم الكبير.
7 – هوّن على نفسه، جعل ما هو جليل هيّناً.