خطبة الجمعة (187) 9 محرم 1426هـ – 18 فبراير 2005م
مواضيع الخطبة:
الحياة والموت + عاشوراء + المرجعية الدينية وحدة هدف وتعدد موقف
أريد لشبابنا أن يكونوا وهم في قمة الثورية كلهم استعداد للمسالمة إذا اقتضت مصلحة الإسلام، وكلهم تهي ؤ للثورة والتضحية وهم في أجواء الدعة والسلم إذا جاء نداء الإسلام.
الخطبة الأولى
الحمدلله الذي لاشريك له في خلقه، ولامضاد له في ملكه، ولاشبيه له في عظمته. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمَّارة بالسوء بتقوى الله، وأن نتذكر أن كلّ نفس ستجد يوم القيامة ما عملت في هذه الدنيا من خير أو شر، وماهما بمستويين، فشتّان ما بين عمل ينتهي بصاحبه إلى الجنة، وعمل ينتهي بمرتكبه إلى النار.
وكيف يشتبه الخير بالشر؟! وكيف يشتبه النور بالظلام؟! فما من شر إلا وتنكرت له نفس الإنسان قبل إفسادها. وما من خير إلا واطمأنت له النفس قبل انحطاطها. ومن أفسد نفسه بنفسه فلم تطمئن إلى خير، ولم تنفر من شر فلا حجة له في ذلك عند ربّه العدل الحكيم.
اللهم أرنا الحقَّ حقاً فنتبعه، والباطل باطلاً فنجتنبه، اللهم حبِّب لنا الخير حتى تسهل علينا مؤونته، وبغِّض لنا الشّرّ حتى لايحلو عندنا زيفه. اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وبارك لنا ديننا ودنيانا، وأنقذنا مما أنقذت منه عبادك الصالحين.
أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات فالحياة ليست للبقاء، والوقتُ ليس للفراغ، والعمل بالباطل ليس من هدف الحياة. الحياة يعقبها الموت، والوقت للعمل الصالح، والفراغ فيه حسرة، وعمل السوء عاقبته النار، والنار شقاء للبدن، وشقاء للنفس، وشقاء للروح، وهو شقاء لاتحيط به تجربة الحياة، ولا تبلغه التصورات فيها.
والحياة مليئة بالتجارب فلنتعلم منها، والفرص تمرُّ مرَّ السحاب فلا نهملها، وقوافل الخلق التي عبرت ممر الدنيا لاتُعدُّ ولاتحصى فلنتعظ بها، وقد عُمِّر أناس، وغمرتهم النعم، وطابت لهم المعايش، وغرقوا في اللذات. ومرّ أقوام كانوا على علم من علم هذه الدنيا، وفهم بأمورها، وقامت عليهم الحجة، وأُفسح لهم في المهلة إلا أنهم نسوا حظّاً من الآخرة فباغتهم الأجل ولا زاد لهم من عمل صالح فذهبت حياتهم بلا ربح مقيم، ولا نتيجة يُعبأ لها. وحيث يكون المنقلب سيئاً تكون نعم الدنيا نقما، وخيرها وبالاً.
ولنسمع إلى أمير المؤمنين عليه السلام في تذكيره وتحذيره في النهج من الخطبة الثالثة والثمانين (83) “عباد الله أين الذين عُمِّروا فَنَعِموا، وعُلِّموا فَفَهِموا، وأُنظِروا فلهوا، وسُلِّموا فنسوا؟! أُمهلوا طويلا، ومُنحوا جميلا، وحُذروا أليما، ووعدوا جسيماً.
احذروا الذنوب المورِّطة، والعيوب المسخِطة” انتهى المقتبس من كلامه عليه السلام.
لا الذي عُمِّر بقي، ولا الذي نُعِّم دامت له لذائذ نعمته، ولا الذي عُلِّم وفُهِّم ما يُصلِح به حياته خلّده علمه وفهمُه، وأنقذه من يوم منيته.
وكم هم الذين أُنظِروا فضيَّعوا؟! وأُمهلوا فلهوا ولعبوا؟! وكانت المهلة للتدارك، والإنظار للانتفاع.
وكم هم الذين أُعطوا القوة، وأُعفوا من الأسقام، وعظمت بيدهم الفُرصة، وكانت العاقبة الغُصة حيث لم يضعوا القوة مكانها، ولم يستعملوا النعم استعمالها، ولم يعرفوا للصحة قيمتها، فيستعينوا بها على كسب الآخرة، وربح الأبد؟!
ألم يُحذّروا من جبار السماوات والأرض ونحُذّر أليماً؟! ألم يوعدوا من الملك الحق ونوعد جسيماً؟!
ألم تكن الآيات كافية؟! والبينات وافية؟! والحجج كثيرة؟! والبراهين غفيرة؟! والعظات وفيرة؟! والدروس بليغة؟! بم أجابوا ربهم، وبم نجيب؟! وأيَّ مفر وجدوا، وأي مفر نجد؟! وبم دفعوا عن أنفسهم، وبم ندفع؟!
الآيات تامّة، والبراهين قائمة، والعظات جمَّة، والعبر وافية.
يقول عليه السلام كما في الخطبة نفسها “جعل لكم أسماعاً لتعي ما عناها – لتحفظ ما همّها -، وأبصاراً لتجلو عن عشاها”. وفي السياق نفسه “وقدّر لكم أعماراً سترها عنكم – فمتى ينتهي العمر؟ لا تعلم -، وخلَّف لكم عبراً من آثار الماضين قبلكم من مُسْتَمْتَع خَلاقهم – ما كان يُستمتع به من نعم الماضين، تقوم عليه آثار فينا من ماضيهم -، ومُستَفْسَح خناقهم. أرهقتهم المنايا دون الآمال، وشذبهم – أي قطعهم – عنها تخرُّم الآجال”.
نعم، كان لماضين سعة من دنيا، ومدد في عمر، وحول وطول، وقد خلَّفوا من ورائهم لذلك آثاراً، وأقاموا عليه مما بنت أيديهم دليلاً لكنَّ مناياهم مع ذلك لم تبقهم كما يؤمِّلون، ولم تترك لهم أن يُتّموا ما كانوا يرجون، وتخرُّمَ الآجال وانقطاع المدة قد حال بينهم وبين ما كانوا يشتهون. فمن كان منهم أملُه في الدنيا، وعمله لها فقد خاب ما أمّل، وخسر عملاً، فما يغني زرع وصناعة وبناء بعد موت لمن كان عمله لغير الله؟! وما يُجدي جاه وشهوةٌ لجثة هامدة في قبروعظام أو رميم؟ وماذا يُعطي من جمال أو جلال وطهر ورَوْح ومسرة وطمأنينة ورضا من كلمات إطراء تجري على الألسن لروح غادرت هذه الحياة، فعلِمت أن ليس لها من قدر عند الله، وأن ليس يُغني عنها منه شيء، وأن وزنه الحق، وما يقوله الآخرون من دون ذلك باطل؟!
واسمعوا أيها الشباب، ويا أهل الصحة والقوَّة، والغضارة والنضارة والجمال من كلمات أب الحسنين عليه وعليهما السلام في الخطبة ذاتها “فهل ينتظر أهلُ بضاضة الشباب – رقة الجلد ونعومته – إلا حوانيَ الهرم؟! – سيحني الهرم الظهر، سييبّس العظم، سيجعّد البشرة – وأهلُ غضارة الصحة – النعمة والسعة – إلا نوازلَ السَّقم؟! وأهلُ مدَّةِ البقاء إلا آوِنة الفناء؟“
النفس تتلفّت إلى لجأ، وتبحث عن مُنقِذ، وتطلب سنداً، ولكن لاعاصم من أمر الله، ولا مخلص من قدره، وكل نفس مُنتهية إليه وفي ذلك يقول عليه السلام “وهل دفعت الأقارب، أو نفعت النواحب – ستبكينا البواكي، وستنتحب علينا النواحب، وماذا يجدي من ذلك؟ – وقد غودر في محلَّة الأموات رهينا، وفي ضيق المضاجع وحيداً“.
فليبك الباكون، وليضجّ الضاجون إلا أنه لاجدوى ولا نفع، ولا أنس، ولا راد لما جاء به الأجل المحتوم.
إذا كان الأمر كذلك، وهو لايكون غير ذلك، وإذا كنا موقوفين محاسبين مجازَين فلنتق الله، ولنرحم هذه النفس الهلوعة، والقلب الواهن، ولنطلب عفو الله ورحمته بسلوك طريق طاعته، ومفارقة معصيته، والتقرب إليه، والاستغناء عن خلقه به، والتنبه إلىكيد الشيطان ومراوغته، ووسوسة النفس والتفافها.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين. اللهم خذ بقلوبنا إلى محبتك، وبإرادتنا إلى متابعة دينك، وبجوارحنا إلى طاعتك، واجعل باقي مدتنا في سبيلك ياأرحم الراحمين، وياأكرم الأكرمين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4)فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ (5)}
الخطبة الثانية
الحمدلله كلُّ شيء خاشع له، وكلُّ شيء قائم به، غِنَى كلِّ فقير، وعِزُّ كلِّ ذليل، وقوَّة كلِّ ضعيف، ومَفْزَع كلّ ملهوف.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمارة بالسوء بتقوى الله، وتجنب ما يصدّ عن ذكره من لهو الحديث، ومجالِس الفِسْق، ومتابعة الشهوات، والتعلّق بأهل الدنيا، والاشتغال بأمانيها، وبمراقبة النفس ومحاسبتها وتأديبها وتكميلها فإنها إن ساءت لم ينفع المرءَ أن يَغْنَى وأن يعظُم في أعين الناس، وإن حسنت وزانت كان في حسنها ما يكفيه عن مدح المادحين، وعِوَضٌ عما فات من هذه الحياة، وكانت أكبر ربح يمكن أن يتحقق في دنيانا على الإطلاق.
اللهم إنا نعوذ بك من نفس خسرت هداها، وقَلْبٍ فقد بصيرته، وروح جفَّت منابع الخير منها. اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين، وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة المعصومة.
وعلى الأئمة المعصومين حججك على عبادك الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المنتظر القائم المهدي.
اللهم عجل فرج وليك الإمام القائم المنتظر، وحفه بملائتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين. اللهم انصره نصرا عزيزا، وافتح له فتحا مبينا.
عبدك الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين ادرأ عنهم، وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك.
أما بعد أيها الملأ المؤمن الكريم فمع الوقفات التالية:
- عاشوراء:
عاشوراء بدمها الزكي، وبأشلائها الكريمة المتناثرة، وبمواقفها البطولية الباسلة، وبتضحياتها السخية المعطاءة، وبمسيرتها التاريخية الطويلة العامرة، وبتخطيطها الهادف، وبأخلاقيتها العالية، وبانضباطها الكبير، وبآهاتها الحارة، وبدمعها الغزير، وبصرختها المدويَّة، وبندائها اللاهب، وبوعيها العميق، وبدروسها الإيمانية الثَّرة… كربلاء بكل هذا من أجل معرفة الله ورعاية حقه، واحترام شريعته، واستقامة الدين في الناس وهو المستقيم في نفسه…
من أجل أمة قويمة تُحكِّمُ في حياتها كتاب الله وسنة رسوله والمعصومين من آله عليه وعليهم السلام، ولاتعبد غير الله، ولاترضى من دونه إلاهاً ولا حَكَماً…
أمة تكون المستوى الجذّاب في الأرض رسالية وإنسانية، وعدلاً وإحساناً، وعلماً وهدى وإيماناً، وخلقاً كريماً، وطهراً وعفة ونزاهة، ورقيّاً وتقدُّماً، ونشاطاً خيّراً، وفاعلية طيبة، وجدّاً واجتهاداً، وشجاعة وبسالة… تكون المثل الأعلى من بين الأمم، رائدة لها على طريق النور والخير والفضيلة والكرامة.
فنصرة الحسين عليه السلام بكل صورها وألوانها وجزئياتها ومصاديقها لاتكون نصرة حقّاً حتى تكون خطوات على هذا الطريق، ومحاولات من أجل هذه الغاية، وحتى تكون خاضعة لقيم الدين وضوابط الحكم الشرعي، ولن ينال عمل عند الله أجراً وإن كان من عمل الخير ظاهراً ما قُصد به الإضرار بالمؤمنين، ومن قصد بإحسانه غير الله فليطلب من غير الله أجره.
- المرجعية الدينية:
سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني مرجعية من المرجعيات الدينية العليا، ويرجع إليه ملايين المسلمين في تلقّي أحكام دينهم من كتاب الله وسنة المعصومين عليهم السلام يقيناً بعلمه وورعه. وشأنه الكبير ثابت واضح في الأوساط العلمية المتقدمة، وعلى مستوى المرجعيات الدينية قبل أوساط القواعد العامة للمؤمنين.
وبهذا فهو يمثِّل رمزية كبيرة للوجود الديني المؤمن بكامله، وعلى جميع مستوياته. وكلمة السوء الموجهة إليه موجهةٌ إلى كل ملايين المؤمنين.
وكثيراً ما تعني محاولات تحطيم الرموز الدينية الصادقة محاولةَ تحطيم الدين نفسه، والمقصود بتلك المحاولات أولاً وبالذات إنما هو الدِّين، والعداء بصورة أساس له لا للرمز فعلى تقدير انتهاء رمزيته لاتلاحقه محاولات النيل من شخصيته.
والأمة التي تعتز بدينها وهُويتها وانتمائها لابد أن تعتز برموز هذا الدين، وهي تشعر بعمق الجرح الذي يمس ذاتها الدينيَّة عند النيل من هذه الرموز. وسكوت الأمة على إهانة رموزها الدينية قَبول ضمني بإهانة دينها، وسحق كرامتها، أو دليلٌ على غيبوبة خطيرة، وسبات أشبه بالموت تعيشه هذه الأمة، على أن المؤمن إذا ردّ على السوء لا يظلم.
وسماحة السيد السيستاني وفيٌّ لأمانته وسيبقى الأمين كما هو بإذن الله على دينه ومصلحة أمته، وستواصل قيادته الدينية الحكيمة انتصاراتها آخذة بالعراق الكبير بكل مكوناته من نصر كبير إلى نصر أكبر إن شاء الله.
- وحدة هدف وتعدد موقف:
نهج الإسلام في نهج رسوله الكريم والأئمة المعصومين عليهم السلام، ومبادئ هذا النهج ثابتة، وقيمه لاتتغير، وموضوعه الدائم توحيد الله، وعزة الإسلام والمسلمين، والحفاظ على مصلحتهم، أما الأساليب وتشخيص الموقف العملي من الأحداث وطبيعة المواجهة، ولون الجهاد فهو أمر متحرك، والخيارات قد تكون مفتوحة، وقد تحددها الظروف والإمكانات، والأخذ بالأسلوب الموافق لمصلحة الرسالة والأمة يعتمد على الخبرة والحكمة والصدق والإخلاص، والمعصوم هو القمة في كل ذلك، ومن بعده الفقهاء العدول من أهل الخبرة والمستعينين بأهل الاختصاص، والرسول صلى الله عليه وآله حارب وصالح وهادن، وعلي عليه السلام امتنع عن البيعة أو كُرها أو قسرا ثم أشار وأعان بما فيه خير الدين والأمة، والحسن حارب وصالح، والحسين لم يكن أمامه لمصلحة الدين والأمة إلا أن يحارب ويُستشهد، وكان للأئمة الباقين جهادهم العقيدي والفقهي والاجتماعي والثقافي والسياسي، وبناؤهم للكتلة الإيمانية الصالحة، ونشر العلم، والإبقاء على الهوية الإسلامية العامة للأمة، وإسقاط الشرعية الدينية عن غير حكومة القرآن والسنة.
وكل هذه الخيارات تنتظمها أهداف واحدة، ومنطلق واحد، ورؤية نوعية مشتركة ما كانت تسمح أن يعدو معصوم خيار المعصوم الآخر لو كان ظرفه ظرفه.
فلا تهافت في الإسلام، ولا في خيارات المعصومين عليهم السلام، فكل خيار من خياراتهم جاء في موقعه المناسب الذي يجعله لا يحمل خطأ، ولا تساهلاً في مصلحة الإسلام والأمة، ولا تخلّفا عن مقتضى الواجب.
وفي سنواتنا المحدودة وجدنا مواقف متعددة من مجاهدين صادقين، وفقهاء أفذاذ، وجدنا الشهيد الصدر الأول ومكابرته لحكم البعث، وعناده المستميت حتى استُشهد، والسيد الإمام وثورته الدامية وتضحياتها الكبيرة، ودولته المباركة ومواجهتها المستمرة لأمريكا والكفر العالمي، والسيد الخامنائي القائد والمرشد للجمهورية الإسلامية والتزامه خط الإمام الخميني بأصالته وإبائه وكبريائه الإيماني، والصدر الثاني وانتفاضته العارمة ضد البعث التي أدت به إلى الشهادة، والسيد موسى الصدر وحركة المحرومين على يده، والسيد عباس الموسوي وصموده وصلابته، والسيد نصر الله ومقاومته ومقارعته لإسرائيل، وحرصه على لبنان موحّد تتعايش كل طوائفه ومكوناته في عدل وأمان، والسيد السيستاني وإصراره على خيار الانتخابات مقاوما لرغبة أمريكا في التأجيل والتسويف والتضييع، وهو مقدمة لوضع الوجود الأمريكي في العراق في وضع سياسي حرج أمام الشعب الأمريكي والعالم، ومن أجل إنهاء حالة العنف الداخلي، وتوحيد الجبهة الداخلية ضد الاحتلال الأجنبي ومقاومته بالقوة لو أصر على إطالة أمده.
وهذا الخيار اجتمع عليه مجاهدون قد أبلوا بلاء حسنا لعشرات السنين في وجه الطغيان الصدامي تنتظمهمتشكيلات سياسية متمرّسة ذات خبرة طويلة، وأخرى عسكرية خاضت مواجهات دموية مع الظالم، وأعطت الكثير من التضحيات السخية مثبتة جدارتها المتفوقة في مواقع الكفاح.
فالخيار لم يأت من خور، أو نقص في الخبرة، أو حب في الراحة، أو لين في القناة، أو وهن في العزيمة، أو استرخاص لكرامة الوطن، فهؤلاء قوم فوق كل ذلك، وما قدموا يوما حب الحياة على مصلحة الإسلام.
وأريد من شبابنا أن لايكونوا يوما ثوريين غير مستعدين على الإطلاق للمسالمة عند مقتضيها، وفي آخر موادعين مسالمين غير مهيئين أبدا للثورة عند موجبها.
كن ثوريا مستعدا للمسالمة، وكن مسالما مستعدا دائما للثورة.
أريد لشبابنا أن يكونوا وهم في قمة الثوريّة كلهم استعداد للمسالمة إذا اقتضت مصلحة الإسلام، وكلهم تهيؤللثورة والتضحية وهم في أجواء الدعة والسلم إذا جاء نداء الإسلام، وهكذا كان المؤمنون الواعون الخلّص، والنوع الآخر – وإن كان مؤمناً بالمعنى الأعم – كان يخلق المتاعب للنبي الكريم صلى الله عليه وآله والأئمة من أهل بيته عليهم السلام، ولا زال يفعل ذلك مع القيادات المخلصة على هذا الخط.
ومن يُشخّص؟
القواعد العامة تمد قيادتها عبر القنوات المعقولة بكل ما لديها من خبر وخبرة ونصح، والقرار لايُتّخذ في الشارع، وإنما تتخذه القيادة بمشورة صفوة أهل الخبرة، وبعد أن تتجمع كل الخبرات والأخبار والمداخلات.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولوالدينا، ومن أحسن إلينا من المؤمنين والمؤمنات إحسانا خاصا. اللهم ارزقنا بصيرة الدين والدنيا، واهدنا سواء السبيل، واجعلنا من أهل طاعتك وطاعة أوليائك يارحيم ياكريم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}