خطبة الجمعة (174) 28 شهر رمضان 1425هـ – 12 نوفمبر 2004م

مواضيع الخطبة:


 تكملة وقفة مع الآية الكريمة {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}+يوم القدس العالمي +  مشروع قانون التجمعات والمظاهرات والمسيرات  حركة الشارع

* إنّ على جميع المخلصين أن تجتمع كلمتهم لمنع ولادة هذا القانون – قانون التجمعات..- الجائر المعادي للحرية، وحق التعبير البنّاء، والذي يهدد بفوضى أمنية كما فعل قانون أمن الدولة تماما.


الخطبة الأولى

الحمد لله الذي سوّى الأنفس فألهمها فجورها وتقواها، وأرسل الرسل بما فيه خيرها وهداها، ودلّها على تزكيتها وطريق علاها، وأعدّ لها من النعيم ما فيه مناها، ودعاها ورغّبها في السعادة الأبدية، وحذرها وأنذرها من شقاء الخلود.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيرا.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمارة بالسوء بتقوى الله وإعداد النفس لما أعدّ لها ربها الكريم من نعيم مقيم، وحياة خلد وكرامة في الآمنين، وأن لا نذهب الحياة سدى، ونكون للنار حطبا.
أعاذنا الله من قبح المصير، وسوء المنقلب، ومنّ علينا بخير ختام وأحسن عاقبة إنه رحيم كريم. استغفر الله لي ولكم وللمؤمنين والمؤمنات أجمعين إن ربي كان غفارا.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد واهدنا لما هديتهم له، وأدخلنا في الكرامة التي أكرمتهم بها من طاعتك ومعرفتك وحبك وقربك يا أرحم الراحمين.
أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات فنعود لاستكمال الحديث في ضوء الآيات الكريمة الآتية {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}.
بقرينة التزكية والتدسية يكون المستقرب من النفس في الآيات النفس التي تتميز بها انسانية الانسان وهي النفس الكريمة العارفة بربها بطبيعتها، المشتاقة إليه حسبما عليه تكوينها.
فإن المؤهل من النفس لأن ينمو ويزداد زكاة وسموا إنما هي هذه النفس، وهي النفس التي يضرّ بالانسان أن تخفى وأن تدّسى.
والتزكية لها عناصر، وعناصرها الفطرة والمنهج والاستجابة من الانسان للمنهج، بحيث يكون المنهج قويما والاستجابة حقيقية.
والتزكية عملية استنطاق واستنهاض واستفادة واستثمار وتفعيل لطاقات الداخل ومواهبه وهداياته لتنمو وتكبر، وتزداد شفافية ووضوح رؤية، وانطلاقا مباركا في ضوء المنهج الإلهي الكريم.
ليس هناك عنصر تضيفه من الخارج إلى ذاتك وإنما ترعى ذاتك وتروضها وتربيها في ضوء المنهج الإلهي الحكيم لتنمو وتترعرع نمواً صالحاً، ويكون لها البسوق والسمو فيما كانت عليه من استعدادات وقابليلات يحولها المنهج الإلهي الحكيم والتربية في ضوء المنهج إلى فعليات كبيرة، وإلى واقع شجرته راسخة في جذورها، وفرعها سامق رفيع.
فلاح الذات يكون شيئا في خارجها، أم أن فلاح الذات نموها وازدهارها، وتنوّرها؟ حين تضيف الآية الكريمة الفلاح الى ذات الانسان {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} فإن ما يظهر من هذا أن المفلح وهو الإنسان لابد أن يكون فلاحه أولا وبالذات في ذاته، وفلاح الذات لا يكون خارجها، وكل نمو في الخارج، وكل زيادة لا تكون منها زيادة خيرة ، ونماء صالح، وطهارة إضافية في الذات لا تمثل فلاحها.
فلان مفلح قد بلغ غايته، والغاية في الآية الكريمة لم تُحدد، لم تقل الآية قد بلغ فلاحه بأن وصل إلى الغاية الفلانية، فمن إطلاق الغاية يظهر أن الغاية المعنية والمقاس إليها فلاح الانسان هي غاية ذاته، وكل شيء له غاية، وغاية الشيء أن يكمل، أن يتمّ، أن يستوي.
وكمال الانسان أن تتنضج وتسمو روحه… أن يكون أكثر علما، أطهر شعورا، أصلح هدفا، أكبر وأصدق رؤية، أسمى هدفا، وكل ذلك يعني أن النفس الإنسانية نمت فنمت رؤيتها، نمت فسما هدفها، نمت فكبر تطلعها، نمت فحسنت نيّتها، نمت فصلح عملها.
ولا طريق لذلك إلا بأن تسلك النفس إلى بارئها سبحانه وتعالى لأن جهة أخرى للكمال غير جهة الله عزوجل مفقودة على الإطلاق.
الهابط في مستوى ذاته إلى مستوى القرد أو الكلب مثلاً لا تقول عنه أنه قد أفلح. الإنسان قد يكون له قصور وحقول، ويكون على تقدم صناعي، وتقدم زراعي، قد يكون أغنى الأغنياء، ولكن قد هبطت ذاته إلى مستوى قرد لا يعرف غير همّ الأرض، ولا يقدِّر غير قيم الطين، ولا يأنس إلا للشهوة المادية. هذه الذّات بعد أن جاءت مليئة بالقابليات الروحية الكبيرة ، بعد أن جاءت كنزاً ثراً من قابليات الروح واستعداداتها، جاءت مشروعاً غنياً بالهدايات الإلهية، جاءت مشروعاً لأن يكون على خطّ التربية الإلهية ملكاً وأكبر من ملك؛ هذه الذات وقد كان هذا حالها، وثمّ صارت إلى مستوى القرد لا يعرف إلا أن ينزو على إنثاه ، ولا يعرف إلا أن يملأ معدته، ذات لا يمكن أن نقول عنها بأنها قد بلغت غايتها فأفلحت ، وليكن بيدها من الغنى ما يكون .
الهابط في مستوى ذاته إلى مستوى القرد أو الكلب مثلاً ، لا نقول عنه بأنه أفلح وقد أصاب انسانيته النقص بدل أن تبلغ حدّ الكمال من المعرفة والهدى والطهارة والإرادة الصالحة.
فلاح الذات أن تشقّ الطريق إلى غايتها، وغاية كل شيء كمال ذاته، والإعداد للحياة الأخرى وراء هذه الحياة والتهيؤ لاستحقاق سعادتها، إنما يكون تابعاً لما يتحقق من درجة كمال للذات.
لا يمكن لذات انسان صارت بمستوى القرد أن تشعر بالمتعة المعنوية الفائقة ولذة الكمال والمعرفة والهدى والسمو والقرب الإلهي المتوفر لوليّ أو نبيّ من أهل الذوات المتعلقة بالقدس الإلهي والقلوب المشغولة بذكر الله.
أتجدون أن انسانا هبط في نفسه إلى مستوى نفس القرد، هبط بمشاعره، بتفكيره، بطموحاته، بهدفه ، بسلوكياته إلى مستوى القرد، أتجدونه أهلاً لأن يتلذذ تلذذ الأولياء؟ أن يشعر بالمعنوية، وأن يشعر بالسمو وبالقيمة الذاتية، كما يشعر عبد صالح في الأرض؟
والتدسية هي إخفاء وقسر الشيء أن يدخل فيما يضيق عنه، فكيف نتصورها في حق النفس؟ قابليات النفس، قابليات الرقي واستعدادات العلووالطاقات ومواهب الهدى تخفى وتدسّ وتقهر على الإختفاء في النفق الضيق المظلم الذي لا تطيقه النفس بفطرتها المهدية العاشقة للكمال وهو نفق من جهل وعناد ومكابرة وخلود للارض والتصاق بالطين وظلم وطغيان وفحشاء وعديد من منكرات، إنها عملية حشر للنفس، في ما لا يتسع لتطلعها وطموحها ومستواها حسب ما عليه كنوز فطرتها وهداها وشوقها لكمالها الواقع على طريق سعيها لربها الكريم سبحانه وتعالى.
ولنقف مع النفس قبل تلوّثها في شعورها إزاء الأفعال الكريمة الطاهرة وإن كانت مكلفة للبدن، والأفعال الخبيثة الباغية وإن كانت فيها متعته.
هذه النفس قبل تلوثها وهي في نقاء فطرتها، حين تقدم على فعل من الأفعال الكريمة الطاهرة المرضية لله سبحانه وتعالى، ماذا تشعر؟ قد تشعر بكلفة الصعود التي ترهق البدن، لكنها في نفس الوقت تشعر باللذة، تشعر بالسمو، تشعر بالكرامة، تشعر بأنها لا تخسر وإنما تربح.
لا يمكن أن يقال لنفس تقدم على الصلاة لأول مرة وقبل تلوّث فطرتها، أنها تعاني من فعلها من حقارة، أنها تشعر بالحقارة من خلال الصلاة، أنها تشعر بالحقارة من خلال الصدقة، أنها تشعر بالهبوط من خلال التضحية والإيثار لمن هو أهله، النفس في هذه الأمور تشعر بالصعوبة، صعوبة الكلفة، وصعوبة المقاومة لشهوات المادة، ولكنها في نفس الوقت تشعر بأنها صاعدة، بأنها في معراج كمال، بأنها تتقدم خطوة إلى كمالها ، بأنها تسمو من خلال هذه التضحية، ومن خلال هذا الإيثار، ومن خلال هذه الممارسة.
وعلى العكس هذه النفسُ ذاتها، حين تريد أن تقدم على عمل من أعمال الفحشاء، من أعمال البغي، من أعمال الظلم، من أعمال الغصب ، من أعمال النهب لأول مرة وهي في نقائها وعلى أصل فطرتها وخلقتها الأولى، فإنها وفي غمرة اللذة المادية تشعر بأنها في غير الاتجاه الصحيح، وبأنها إلى هبوط، وبأنها تقاوم تطلعها إلى الكرامة ، وتطلعها إلى الكمال.
كما أنها تشعر بعد الفعل الأول بتحقيق النجاح تشعر بعد هذا النوع الثاني من الفعل بواقع الفشل. هذا دليل وآية واضحة على أن النفس لها هداياتها، على أن النفس قد فطرت على الكمال، ولكننا حين نأخذ بها إلى الإتجاه الآخر، حين نهبط بالنفس بدل أن نعرج بها، حين ندخل بها في نفق الظلم ونفق الفحشاء ونفق السوء فإنما ندسّيها ، إنما نخفيها.
والتدسية للنفس في فطرتها الهادية ومعرفتها الكريمة وتطلعها الكبير وشوقها إلى كمالها على طريق الله جريمة يمارسها الفرد مع نفسه، وتمارسها حضارته، حضارة المادة، والثقافة الكافرة، والمجتمع الفاسد، والسياسة الطامعة، والطبقة المترفة التي تتاجر بالدين والانسان والشرف والكرامة ، عبادة للمال وطمعا مجنونا في تكدسه، ويمارسها الإعلام الفاجر الذي تحركه السياسية الجاهلية الظالمة في الأرض، وهوى المتمولين في حق هذا الانسان، وضد انسانيته، واسقاطا لقيمته، وهي أكبر خيانة له، وأبشع جريمة تأتي على معناه، وتسيء مصيره.
أكبر جريمة يواجهها هذا الانسان هو هذه العملية الطاغوتية الظالمة الفاجرة الواسعة التي تكتسح انسانية الانسان، تدسي نفسه الزكية، وتطمر فطرته، وتغيّب نداء الله في داخله، وتحاول أن تجتثّ منه حبه للكمال، وتطلّعه له. والتطلع إلى الكمال تطلع لله سبحانه وتعالى، إنها حضارة سعيها ليلا ونهارا أن تفصل بين الانسان وبين حبه لله سعيه لله وعبادته لله سبحانه وتعالى.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين. ربنا أتمم لنا نورنا، واغفر لنا إنك على كل شيء قدير. ربنا اهدنا لما اختلف فيه من الحق، وألزمنا صراطك القويم، واجعلنا من عبادك الصالحين يا كريم يا رحيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) }.

الخطبة الثانية

الحمد لله القائم بقدرته كل شيء، والمفتقر إليه كل شيء، وهو الغني عن كل شيء، والمهيمن على كل شيء، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا .
أوصيكم عباد الله ونفسي الخاطئة بتقوى الله، وأن إذا قلنا نعدل، وإذا حكمنا على أحد لا نظلم ، وإذا ظننا لا نسرف في سوء الظن، ولا نظنّ سوءاً بمؤمن ما وجدنا محملاً للخير، فإنا قادمون على كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ويوم خطير وحساب عسير، فلنحسن عملا، ولنحذر زللا، ولنقل بعلم وإلا فلنسكت.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وانقذنا من كل سوء، واحمنا من كل بلية ، وارفع درجتنا عندك، واجعلنا من أهدى خلقك، وأقومهم سبيلا.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على نبيك وخاتم رسلك محمد بن عبدالله النبي الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وفاطمة الزهراء الصديقة المعصومة، والحسنين الزكيين الإمامين الوليين.
والأئمة الهادين علي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظرالقائم.
اللهم عجل فرج وليك الامام المنتظر وانصره نصرا عزيزا وافتح له فتحا مبينا، عبدك الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك وسدد خطاهم، وادرأ عنهم جهل الجاهلين، وكيد الظالمين.
الحديث عن يوم القدس العالمي وفي مشروع قانون التجمعات والمظاهرات والمسيرات ثم عن حركة الشارع.
يوم القدس العالمي من أجل وحدة الأمة وعزتها وكرامتها وحريتها وتحرير أرضها السليبة وإرادتها المهزومة بفعل عدوّها وكثير من أنظمة الحكم فيها.
إنّه من أجل ان نكون أمّة واحدة أمام غطرسة المحتل وآلية الحرب المجنونة وهيمنته ووحشيته التي تنكّل بالفلسطينيين وتعربد في العراق، مرة في النجف الأشرف، وأخرى في مدينة الصدر، وثالثة في الفلوجة ، وتستبيح كل شبر في العراق وتمطر الموت والدمار على رؤوس المدنيين الأبرياء في أرضهم وديارهم، وتفرض وجودها البغيض قهراً بقوة الحديد والنار، ولغة الرعب والخراب والموت الذي يطال الطفل الرضيع، والشيخ الهرم الواهن، والمرأة المحتمية ببيتها المرعوب.
وإنه ما من صاحب دين قويم ، وضميرحي إلا وينكر الأعمال البشعة التي يرتكبها عدد من الإرهابيين في العراق من خطف للرهائن المدنيين وتفجيرات يذهب ضحيتها مئات الأبرياء، وذبح كذبح النعاج، واستهداف لشخصيات دينية مجاهدة، ونشر للرعب العام، واستخفاف بقيمة الدم المسلم، ولكن هذا لا يبيح للمحتل الأمريكي أن يستبيح مدناً بكاملها بطائراته، ودباباته، وقذائفه الحارقة، و بدون تمييز بين مقاتل وغير مقاتل.
ونعود ليوم القدس، فإنه لنكون أمة واحدة في كل قضايانا الداخلية والخارجية، فنقول صدقا، ونفعل عدلا، ونحق حقا ونبطل باطلا، ولا يقف بعضنا مع الباطل لأنه ضد الطائفة الأخرى، ولا يتنكر أحد منا للحق ويحاربه لأنه حق صار في صالح الطائفة الأخرى، ونجاهد كائداً، ونردّ عدواً.
إنه من أجل أن نجتمع فتتبعثر اسرائيل، وأن نتوحّد فيتمزق شمل الصهاينة، وأن نقوى فلا ننهزم أمام أمريكا ولا الشرّ كله.
إنه يوم صرخة أمة كاملة لا قومية واحدة من قومياتها، ولا قطر واحد من أقطارها، ولا مذهب دون مذهب، ولا لون غير لون.
نعم هذه دعوة السيد الإمام لأنه كان ابن الأمة كل الأمة ، ابن قرآنها ، ابن سنة نبيها(ص) ، وكان للأمة كل الأمة، بل كان للإنسانية كل الإنسانية، قلب كبير. بصيرة واعية، نفس تعلقت بالله، بحب الله، بحب الخير، نفس كانت تحق الحق وتبطل الباطل، نفس ذات أفق لا تقف به الحدود القومية ولا الجغرفية ولا أي حدّ من حدود الأرض.
ولنتمسك بيوم القدس، ورسالته الوحدوية الواعية المخلصة. وهدفه الكبير، ولنطرق أبواب الوحدة التي ينشدها، وإن شقّ الطريق، ولنطلب الأسباب إليها وإن كابرت الظروف.
يوم القدس بداية يوم تحدي الجماهير المقهورة على مستوى الصرخة المدوية، ليكون من بعد حين يوم الأمة القاهرة على مستوى المعركة المنتصرة الضارية.
رحم الله مؤسس يوم القدس، وبارك دعوته الميمونة، وصرخته الإيمانية، وحقق أمله الكبير.
وبمناسبة يوم القدس العالمي ودعوته الوحدوية الواعية المخلصة يستهجن هذا الشعب ويستنكر على مجلس النواب القائم ما حدث منه من فتح باب يرتقب منه سدّه، لأنه باب فتنة يفرح لها الشيطان وجنده، ويبغضها الله ورسوله وأولياؤه والمؤمنون.
مشروع قانون التجمعات والمسيرات والمظاهرات:
قانون مخالف للإسلام ، للميثاق، للدستور. مخالف للإسلام لأنه يعطّل فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مخالف للدستور والميثاق لنصِّهما على حرية التعبير وعلى احترام كرامة المواطن.
القانون باختصار يقول لك إذا أردت أن تتظلم من ظالمك فاستأذن، وإذا أردت أن تنكر عليه منكره فاستأذنه، وإذا أردت ان تتهم المتهم فلا تتهمه إلا بإذنه. وهو قانون يعطي حقَّ استعمال القوة ضدّ المتظلم منه وبتقديره ذلك المتظلم منه.
في المادة الأولى: الإجتماعات العامة مباحة وفقاً للشروط والأوضاع المقررة في هذا القانون. لكن من قرأ الشروط والأوضاع المذكورة عرف أن النتيجة هي أن الاجتماعات العامة محظورة لا مباحة، إلا أن ترغب السلطة وتقدر أن الاجتماع في مصلحتها كمصلحة تلميع الصورة من الناحية الإعلامية.
وبعد تعريف الاجتماع العام أعطى مشروع القانون حقّ توصيف أيّ اجتماع وإن لم ينطبق عليه التعريف بأنه اجتماع عام لتقدير المحافظ. وهذا يفتح بابا واسعا لملاحقة أي اجتماع خارج التعريف.
واعتبر المشروع في مادته الرابعة بعض الإجتماعات القليلة خارج تعريف الاجتماع العام ومنها الاجتماعات الحكومية، و كذلك الاجتماعات الدينية المحضة. ووصف المحضة للاجتماعات الدينية يجعل نافذة التدخل والملاحقة للاجتماعات الدينية مفتوحة وكما تهوى السلطة.
أقلّ شائبة، كلمة واحدة لا تتفق وذوق السلطة ستصف الاجتماع الديني بأنه ليس اجتماعا دينيا محضا.
المادة الخامسة تربط تنظيم وعقد أي اجتماع عام والدعوة اليه والاعلان عنه ونشر وإذاعة أنباء بشأنه حتى اخبار شخص لشخص آخر بالاجتماع كل ذلك تربطه بالترخيص من المحافظ الذي يقع الاجتماع في دائرة اختصاصه، وهذا معناه أن القاعدة هي حظر الاجتماعات العامة لا إباحتها إلا أن تقدر السلطة أن الاجتماع منسجم مع مصلحتها .
والنتيجة هي مخالفة لفريضة اسلامية ثابتة وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وللميثاق والدستور وللطريقة العقلائية في مسألة النقد والتظلم.
فما من مجتمع عقلائي يقول لك إذا أ ردت أن تتظلم من ظالمك فاطرق عليه الباب وقل له سيدي هل تأذن لي أن أتظلم منك؟ اعطني إجازة لأنكر عليك منكرك، لأبث الشكوى من ظلمك، لأن أطالب بحقي الملغي على يديك، وافقني على أن أنقد تقصيرك، خيانتك، سرقتك، الفساد الإداري، الفساد المالي الذي ترتكبه، قتلك للأبرياء من أخي وأختي وولدي وبنتي.
وتضع المادة السادسة شروطاً لطلب الترخيص رابعها أن يرفق به نسخة من المواد المطبوعة أوالمسموعة أو المرئية التي يراد توزيعها أو عرضها في الاجتماع. فمادة الاجتماع لا بدّ أن يأتي تفصيلها ولونها وذوقها موافقا تماما لذوق السلطة وتقديرها ومشتهاها ، وإلا فلا اجتماع.
إذاً ما أوسع دائرة النقد في هذا الوطن ، وما أوسع دائرة التقويم ، وما أوسع حرية التعبير!!
هذا والمادة الأولى من مشروع القانون تجعل القاعدة هي إباحة الاجتماعات العامة كما سبق، وهذا البند يقول: الأصل والقاعدة منع الاجتماعات العامة إلا أن تقدر السلطة أن لها مصلحة في ذلك.
فالإجتماعات العامة التي تعقد في ظل قانون من هذا النوع ينبغي أن يكون ترتيبها وتمويلها كاملاً من السلطة لأنها لن تكون إلا حيث تقتضي مصلحتها وتؤدي خدمة مطلوبة مشكورة لها.
لماذا التمويل والترتيب والتعب على أبناء الشعب في هذه الإجتماعات؟ هذه اجتماعات حكومية، هذه الإجتماعات التي لا تتم إلا بتقديرالحكومة وبموافقتها عليها لأنها تقدر أن فيها مصلحة ، ينبغي أن تتكفل بكامل ترتيبها ونفقتها.
المادة الثامنة تلزم أن يقدم طلب الترخيص لأي اجتماع قبل خمسة أيام من موعد انعقاده. وهي مدَّة كافية لتمرير أي قرار تعسفي في حق الشعب قبل أن ينبس أحد ببنت شفة حيث إنّ ما ينطبق على الاجتماعات العامة ينطبق على المظاهرات والمسيرات.
المادة التاسعة تعطي لتقدير المحافظ تقدير أن الاجتماع مخلّ بالأمن أوالنظام العام ليرفض الطلب بعقده ، وهذا كاف لسدّ الباب أمام أيّ اجتماع لا تقدر السلطة أن فيه مصلحتها.
وهناك أكثر من منفذ آخر يوفره مشروع القانون للتحكم الكامل في مصير الاجتماعات العامة والمظاهرات والمسيرات حتى بعد انعقادها لتأمين مصلحة السلطة ومصادرة حق التعبير للشعب.
ويرتّب المشروع عقوبات مشددة على المخالفات الكبيرة والصغيرة لمواده.
هذا المشروع أكرر أنه مخالف للاسلام ، للميثاق، للدستور، لما عليه سيرة العقلاء من أن المتهم لا يعطى حق منع الدعوى. المشروع يقول إن تطبيق الاسلام ، تطبيق الميثاق، تطبيق الدستور يتوقف على موافقة المحافظ، ورحمة قوات الأمن.
هذا المشروع عودة لقانون أمن الدولة ، وإنه ليس للأمن وإنما لتخريب الأمن، ونجد الدليل في قانون امن الدولة الذي خرّب الأمن والإقتصاد ، وأخّر الوطن، ومزّق شمل الاجتماع، وهرّب رؤوس الأموال، وأغلق المصارف.
حرية التعبير تصاغ القوانين من أجل حمايتها وتأكيدها ومشروع قانون التجمعات يلغيها ويستأصلها .
إنّ على جميع المخلصين أن تجتمع كلمتهم لمنع ولادة هذا القانون الجائر المعادي للحرية، وحق التعبير البنّاء، والذي يهدد بفوضى أمنية كما فعل قانون أمن الدولة تماما.
وفي التقدير الدقيق، أن النتائج الخطيرة على الأمن والاجتماع والاقتصاد والثقافة في هذا الوطن العزيز لن تحتاج إلى زمن في ظل قانون من هذا النوع بقدر ما احتاجته في ظل قانون أمن الدولة كما تشير إليه معطيات الساحة لهذا العقد من الزمن ، وتطورات الوعي، وشدة التمسك بالحق.
فرحمة بكل الأطراف، بكل البلاد ، وكل من عليها وما عليها ، يا حكومة ، يا مجلس الشورى، يا مجلس النواب.
وسيكون أمراً غريباً، وعاراً فاضحاً لا يغسله ندم ولا إعتذار أن يمرر قانون بهذا المستوى من الظلم، وهذا المستوى من التنكر للحقوق، وهذا المستوى من التخلف عبر قناة تقول أنها تمثّل الشعب.
نعم لسنا مع حالة الانفلات من أي جهة ، ولكنّ هذا المشروع من أشدِّ ألوان الانفلات ، وسيركّز ويعمم حالة الإنفلات. ولسنا مع عدم الإنضباط، لكنّ هذا القانون مقدمة كفر الكثيرين بالإنضباط. لسنا مع الإساءة للامن، لكن هذا القانون أقسى إساءة للأمن. لسنا مع التخريب لممتلكات خاصة أو عامة أو التعدي على النفوس ، لكنّ هذا القانون لتخريب العقول والنفوس، ووأد الإرادة الإنسانية، وفيه استرخاص للإنسان، وتأكيد على عدم احترام القانون مما يؤدي إلى حالات من الإنفلات الخطير .
أتدرون أين الامن؟ الأمن في العدل والإنصاف والمساواة، والصعود المتصل في سلّم الإصلاح، وتسريع خطواته، والإصغاء إلى الأصوات المشفقة على الوطن ، الحريصة على أن يكون حوار لتفكيك الأزمات لا لتعقيدها ، وللإسراع للتخلص منها لا لإطالة عمرها، وحوار من هذا النوع لا بد أن يكون جاداً ومخلصاً ومبرهنا بنتائجه الإيجابية التوافقية على إخلاصه.
حركة الشارع:
حركة الشارع يجب أن تكون منضبطة، منطلقها واضحا، هدفها محددا، لغتها راقية، خلقها كريما، الجهة التي وراءها واضحة قادرة على ضبط إيقاعها ، مجيدة لتوقيتها، وأن تكون حريصة في حفاظها على الأنفس والممتلكات الخاصة والعامة.
وتحرك الشارع وراء كل نداء وكل دعوة يتيح لكل مغرض ولأي جهة وأي مستوى أن يشير بالحركة فتهبّ الجماهير لخدمة غيرأهدافها وتستغل ممن يريد الإفساد والعبث بالأرواح والممتلكات لخفة في دين أو جهل أو طيش، أو لإرادة التشويه والإسقاط والإدانة، وخلق المبررات لمصادرة الحريات وخنق الصوت المطالب بالحق.
وفي هذا السياق يدفعني النظر في أمور الساحة إلى التأكيد بأن اعتقال عبدالهادي الخواجه واستمراره مدعاة لخلاف ما نحب من هدوء الوضع الأمني واستقراره وتمتين الجسور بين الحكومة والشعب، وتخلص الوطن من كل أزماته المعوّقة عن حركة النمو والإزدهار.
والإعتقال للرجل وأسلوب احضاره إلى المحكمة والسياق الذي جاء فيه هذا الإعتقال ، من تعقيد الحوار أو الغائه، والذي سيعقد الوضع بدرجة عالية، ومن مشروع للجمعيات، ومشروع التجمعات والمسيرات والمظاهرات يدلّ على نوع من التوجه السياسي إلى الخلف، وإدراة للوجه عن خط الأمام ولو على بعض المستويات من غير الموقع الأول في المملكة، وأني لأظنه أمراً لا تحتمله البلاد وأنصح مخلصا بعدمه.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين ومن أحسن إلينا إحسانا منهم احسانا خاصا يا كريم .
اللهم إنا نعوذ بك أن نذل ونخزى ، اللهم اجمع كلمة المؤمنين والمسلمين على التقوى، اللهم اجعلنا من أهل الكرامة في الآخرة والأولى يا حميد يا مجيد يا رؤوف يا رحيم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

 

زر الذهاب إلى الأعلى