خطبة الجمعة (122) 1 جمادى الثاني 1424هـ – 1 أغسطس 2003م
مواضيع الخطبة:
أيها الإنسان اكتشف نفسك بأسئلتك – البحرين اليوم وغدا – أن العراق سيهزِم أو يُهزم – تجزئة خطأ
معنويا؛ البحرين ليست على خطها، ولا كما يريدها أهلها، وغير منسجمة في كثير من واقعها مع نسبتها للإسلام
والإيمان.
الخطبة الأولى
الحمد لله بجميع محامده كلّها، على جميع نعمه كلها، في الأحوال كلها، وهو أهل الحمد أتمه وأكمله وأسناه. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله علّمه وزكّاه، ورحم به، وأنقذ على يده، صلى الله عليه وآله وبارك عليهم جميعاً.
أوصيكم عباد الله ونفسي ناصحاً بتقوى الله، فهي الزاد ليوم المعاد، وهي الجُنَّة من الفساد، والواقية من الارتداد، ومن اتقى كان على هدى، ومن لم يتق صار أمره إلى الضلال. وكيف يجد هدى من لم يراقب الله فيما يضمر وينوي ويفعل، وكيف يضل من كان الله عز وجل نصب عينيه فيما انطوت عليه نفسه، وما أسرّ وأعلن، وقارب وفارق، وأتى وترك.
إنه مهما يكن لامرء من خير فلن يأتي مهديا نقيا مؤمونا ذا شخصية عالية كريمة كما لو كان عارفا بالله ومن أهل تقواه. إن عبادة الله على معرفة به، والإخلاص في طاعته ينتشل من النقص، ويرتفع بالنفس، ويفك العقد، وتتفتح في ضوئه البصائر، وتشف في ظله المشاعر، ويسمو به العمل، ويكبر الأمل، ويهوّن العناء، ويُصدق الرجاء.
عباد الله دعوا عبادة غير الله، فالمعبودون من دونه فانون، ومن هؤلاء المعبودين من يشغله غمّه وهمّه، ومنهم من أقعده مرضه، أو قد دنا أجله، وقد يجزي أحدهم بجهله وظلمه الطاعة جزاء المعصية، ويريه وهمه الصديق الولي عدواً لدوذا، فيناله سخطه، وينزل به عقابه.
اعتبروا عباد الله بالملوك وأبناء الملوك، والجبابرة وأبناء الجبابرة ممن اتخذوا آلهة كذب من دون الله، أوجعلهم الظالمون له شركاء، حيث يُنتزع منهم الملك انتزاعاً، ويتحول عزّهم ذلا، وأمنهم خوفا، وينقض عليهم الموت انقضاضا، وتختطفه المنية اختطافا على حين غرّة، أو بعد سقم مقيم.
فاحذروا أن تعبدوا من يهجم عليه الهم، ويفترسه المرض، وتلم به الكوارث، وتطارده الأيام، ويختطفه المنون، ويذهب ملكه بين ساعة وأخرى، ويحول الأجل بينه وبين ما يشتهي في طرفة عين.
ألا لا تعبدوا إلا الملك الحق المبين الذي لا يحول ولا يزول، ولا تنال منه الدهور.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، ونزّهنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات من رجس الشرك، ودنس الخطايا، واغفر لنا ولهم يا كريم.
أما بعد فيا أيها الإنسان اكتشف نفسك بأسئلتك التي تطرحها عليها، وتستقي إجابتها منها، والأصح أن اسمع إلى أسئلتها الذاتية وما تجيب بها عليها، لتفصح لك عن تركيبها وهمومها وحاجاتها وطموحاتها في الجانب الأعمق من وجودها المتجاوز لما تلح به عليك من الضرورات العابرة في يومك وليلتك.
فإن من اكتشف ذاته كسبها، وأعانه ذلك على أن يسعدها، ومن لم يعرف ذاته وأنكرها خسرها، ولم يدر كيف يتعامل معها.
سل نفسك: هل أنا أحب الخلود؟ خلود السعادة أو الشقاء؟ هل أحب حياة لا تنقضي وملكا لا يبلى؟ هل أريد أن أجد ما أشتهي وأن لا أشتهي ما قبح؟ هل أنا عارف بمحدوديتي، وأن طموحاتي ممتدة واسعة منطلقة ولكن إلى حدود؟ هل أريد أن لا أُظلم أبدا ولا أسلب نعمة من النعم كذلك؟ هل أريد مجتمعا لا أجد منه ما أكره ولا أخاف منه شرا ولا مكرا أبدا؟ هل تراني مشتهيا أن لا أسمع إلا طيبا؟ ولا أرى إلا جميلا؟ ولا أعيش إلا وضعا مريحا؟ ولا أشعر إلا بالارتياح؟ هل أحب أن أكون الكريم على نفسي الذي لا يهون عليها؟ الكريم عند الآخرين الذي لا يسقط في أعينهم؟ هل أتمنى أن لا ينقلب جميلي عند الجزاء قبيحا، وعدلي ظلما، وحسني سوءا؟ وأن لا يكون مني الإحسان ولي الإساءة ومني الخير وللآخرين الجزاء؟
أسئلتك هذه وأمثالها اطلب إجاباتها من نفسك بعد أن تحذف منها كل طارئ عليها من الخارج ولو من أعلم عالم في الأرض وأحب حبيب لك فإنك ستتلقى إجابات ذاتية للنفس عليها. نفسك تجيب أجوبة ذاتية من داخلها على كل أسئلتك السابقة وأمثالها بلا حاجة إلى أن تسمع من التربية والبيئة الجديدة، وإن سمعت من التربية والبيئة من خارجك جديدا فاطرحه تماما واصغِ إلى ذاتك وحدها فإن إجابة الذات التي لم تتدخل فيها التربية إجابة صادقة وبيقين.
عاود هذا النوع من الأسئلة مرات في ظروف مختلفة، وحالات متباينة، وستكتشف – وهذا متروك لتجربتك مع نفسك – أن الإجابة الذاتية للنفس على هذه الأسئلة بنعم، ولو كان كذلك فاستبطن نفسك ثانية لتعرف منها أن هذه الإجابة شخصية خاصة بها أو نوعية يشترك معها فيها الآخرون من بني الإنسان، وأنها من منبع المعنى المشترك بين الناس، والنفس النوعية، وليست راجعة إلى خصائص نفسك بالشخص. ومتروك لك أن تسمع لنفسك إجابتها هذه المرة كذلك.
هذه الإجابات الذاتية هل هي خاصة بك؟ أو أنها إجابات عامة عند كل الناس، نابعة من ذواتهم؟ ستفهم من نفسك أن هذه الإجابات إجابات ذاتية لك وذاتية للآخرين كذلك، ومرد كل هذه الإجابات هي نفس واحدة… النفس التي فطرها الله وبما هي عليه من صيغة الفطرة.
يقيني _ وهو لي _ أن من رجع إلى خالص ذاته بعد طرح كل مضاف من الخارج ومغروسات التربية سيجد أن جواب نعم في مورد أسئلة الذات السابقة نوعي إنساني وليس شخصيا، وجواب نعم إذا كان من منبع الذات النوعية لا الشخصية كانت الآمال والتطلعات المجاب عليها بعيدة عن الحالة المصطنعة والتدخل البيئي، وتعيّن أنها من أصل الخلقة، وغرس الفطرة، وأن قد أبدعتها يد الإله الحق، وجعلتها من تصميم الإنسان وأصل ذاته.
بعد أن تتعرف على أن هذه الأسئلة أسئلة فطرية، وأن أجوبتها أجوبة فطرية مغروسة من يد الإبداع الإلهية، سل نفسك: وهل وجدت في خلق الله فضولاً؟ أو التقيت في صنعه عبثا؟ إنك لست تجد من ذلك شيئا، ولن تجده، والناس لا يخرجون عن عالم بحكمة الصنع في هذا المورد أو ذاك أو جاهل بها، ولم يسجل الاستقراء البشري ما كان عرفيا أو علميا منه صنعا لله عز وجل عبثا أبدا. أما الدليل العقلي فيحيل أن يكن من الله العليم الخبير الحكيم عبث.
إذا فرغت من هذا كله فاسأل نفسك وغيرك هل لهذه الآمال العريضة الذاتية في الدنيا ما يحققها ويستجيب لها؟ الدنيا كلها تعجز بواقعها عن تحقيق طموح واحد من هذه الطموحات المتغلغلة خلقة في كينونة الإنسان، ويؤدي هذا الواقع وانتفاء العبث عن الخالق العظيم إلى أن هذه الطموحات تحقيقها من شأن حياة أخرى قادمة، وهي موجودة عندنا في هذه الحياة لتصنعنا على طريق الآخرة وُتِعدُّنا لها، وحالنا في ذلك حال الإعداد في عالم الرحم للحياة على وجه الأرض والتعامل معها؛ إذ أن من أجهزة البدن التي تتم عندنا في بطون الأمهات إنما تظهر حاجتها عندما نلتقي البيئة الجديدة على الأرض.
نعم، إنه لابد من آخرة تتحقق فيها آمال الإنسانية الكبرى آخرة تكبر هذه الدنيا وتتجاوزها خيرا بما لا يتناهى، وهي التي تعطي هذه الحياة قيمة ووزنا لا تجده لو كانت حياتنا هذه هي الآخرة والأولى.
وإذا آمنا بالآخرة وتحدد عندنا حجم هو للدنيا، وحجم هو للآخرة، وما عليه علاقات الأولى بالثانية حيث الإعداد هنا والحصاد هناك انطرحت على النفس مثل هذه التساؤلات:
هل نحن منسجمون مع تصورنا الإيماني للدنيا والآخرة؟ كم ننفق من مال وراحة وصحة ومواهب وطاقات للدنيا؟ وكم ننفق من ذلك للآخرة؟ كم نحزن، كم نفرح؟ كم نصادق؟ كم نعادي؟ كم نحب؟ كم نبغض من أجل الدنيا ومن أجل الآخرة؟ متى تشتدُّ غيرتنا بدرجة أكبر؟ ونستثار أكثر: عندما ننهب دنيانا أو الآخرة؟ أتراني على الطريق عندما أتعلم كل شيء أحتاجه أو لا أحتاجه للدنيا ولا أتعلم شيئا أحتاجه للآخرة؟ أدقيق أنا عندما أعطي يوم شبابي وقوتي وجلادي ونشاطي للدنيا وأؤجل هموم الآخرة ووظائفها ليوم العجز والمرض والشيخوخة والهرم؟.
ونحن نسمع قوله تعالى:”فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه” يثور عندنا سؤال: كم تحمل الدقيقة الواحدة من العمر من ذرات العمل الصالح أو الطالح؟ وهل دقيقة من العمر وعملها الصالح تدخلنا الجنة؟ ودقيقة وعملها الطالح تدخلنا النار؟ ولم لا، والدقيقة الواحدة من العمر قد تحمل بلايين لا نستطيع عدها من ذرات العمل الصالح أو الطالح؟!
إذاً، ما أكبرقيمة هذه الدقيقة التي لا نكاد نعيرها اهتماما. بل نحن لا نعير اهتماما للدقائق والساعات والليالي والأيام التي نهدرها هدرا. كم أعطينا للفراغ من أعمارنا المحدودة المتصرمة على غلائها والتي لا يمكن أن نسترد منها لحظة واحدة، ولا ترجع عقارب الساعة وحركة الزمن منها ما هو لحظة عين؟! وكم عبئنا من زمن طويل بعمل سوء، ونية سوء، ومشاعر سوء، وأنفقنا من العمر فيما نلقاه خزيا وعارا وعذابا وشقاءا يوم يقوم الحساب؟!
أتراه عاقلا رشيدا من خسر الآخرة لماجنة فاجرة؟ كلمة من ماجنة فاجرة تخسره الآخرة ويبقى عاقلا؟ أو تراها عاقلة من خسّرت الأخرة بتسويل من سافل وتزيين من ساقط؟! أتراه مخلصا لنفسه من باعها لأهل الدنيا وأخسرها الآخرة؟ أليس الصحيح أن أعمل للدنيا كأني أعيش أبداً ولكن بهم الآخرة ومن منطلق قيمها؟ وأن أعمل للآخرة في نشاط للآخرة والدنيا وكأني أموت غدا؟ وأن كلما تعارضتا قدمت الآخرة على الأولى؟
تساؤلات تطرح على النفس المؤمنة وغيرها كثير، والإنسان على نفسه بصيرة، والله الهادي إلى سواء السبيل.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وأسعدنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات بسعادة الدنيا والآخرة، واكفنا شر الدنيا والآخرة، واجعلنا ممن لا يستبدل الأدنى بالذي هو خير، ولا يقدم العاجلة على الأخرى، ولا يقنعه عن رضاك رضا، واغفر لنا ولكل مؤمن ومؤمنة، ومسلم ومسلمة، ولمن كان له حق خاص علينا منهم، ولوالدينا وأرحامنا وأزواجنا وذرياتنا وجيراننا يا كريم يا رحيم.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ
(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، اللَّهُ الصَّمَدُ ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لا يبلى ملكُه، ولا تضعف قدرته، ولا يثلم عزه، ولا يضيق سلطانه، ولا يصفه الواصفون، ولا يرثه الوارثون، ولا يُعقبه المستخلَفون. أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اصطفاه للرسالة، واجتباه للهداية، ونصر به الحق، وأزهق به الباطل صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا.
أوصيكم عباد الله ونفسي بما أوصى به الله عبادَه من تقواه وخشيته ومحبته ورجائه وطاعته، وقد وعد أهل تقواه بغفران الذنب، وستر العيب، ومحو السيئة، وعظيم الأجر فهو القائل في كتابه المجيد “ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته، ويعظم له أجرا” /الطلاق، كما وعدهم تبارك وتعالى بالاستبدال عن العسر يسرا، وعن الكرب فرجا، وعن الضيق سعة، وأن يجعل لهم من كل مضيق مخرجا “…ومن يتق الله يجعل له مخرجا” 3/الطلاق. وكفى بوعد الله وعدا، وبأجر الله أجرا.
عباد الله هل من باحث عن خير يجده عند أحد ولا يجده عند الله، ومن طالب رفعة يملكها له أحد، ولا يملكها له الله؟! وهل من فارٍّ من سوء ينقذه منه منقذ، ولا ينقذه منه الله؟ وهل يجد واجد عند خلقٍ كل ما يجده عند الله؟! وهل يقدر قادر دفع شرٍّ كما يقدر الله؟! ما أحرى بالعبد أن يصرف وجهه عن العبيد مثله إلى الرب، ولا يصرفه عن الطمع في الرب والخوفِ منه صارف من عبد!
اللهم اصرف وجوهنا ووجوه إخواننا المؤمنين والمؤمنات إليك، وأغننا جميعا بك عمن سواك، وصل على البشير النذير، والسراج المنير الصادق الأمين محمد النبي وعلى آله الطاهرين. وصل وسلم على عليٍّ أمير المؤمنين، وإمام المتقين. وصل وسلم على كريمة رسولك المصطفى، وزوج وليك المرتضى فاطمة الزهراء. وصل وسلم على السبطين الكريمين، والوليين الصادقين، والإمامين الرشيدين الحسن الزكي، والشهيد الحسين. وصل وسلم على أنوار الهدى، وأعلام التقى، والحجج على أهل الدنيا السجاد، والباقر، والصادق، والكاظم، والرضا، والجواد، والهادي، والعسكري أئمة الورى. وصل وسلم على الطاهر بن الأطهار، ثاني عشر الأنوار، الإمام القائم، منقذ العالَم المنتظر والمؤتمن، محمد بن الحسن.
اللهم عجل فرجه، وسهل مخرجه، وانصره نصرا عزيزا، وافتح له فتحا مبينا، وأذهب به النقم، وضاعف به النعم، وأظهر به الحق وأزهق به الباطل، وأعز به الأولياء، وأذل به الأعداء يا قوي يا عزيز، يا من هو فعال لما يريد.
اللهم الموالي له، المعادي لأعدائه، السائر على منهجه، الممهد لدولته والفقهاء العدول والعلماء الأخيار والمجاهدين الغيارى أصلح شأنهم كله، وبارك مسعاهم، وسدد خطاهم، وحقق النصر على أيديهم، واقهر بهم عدوك يا ناصر من استنصره، ويا غوث من استغاثه يا قوي يا شديد.
أما بعد أيها الملأ الكريم فمع أكثر من وقفة:-
البحرين اليوم وغدا:-
ماديا؛ تحتاج البحرين إلى عدالة مقاييس بين المواطنين بدرجة أكبر، وموازين حق لا تميز إلا على أساس الكفاءة. وتشهد لهذه الحاجة شوارعها وبيوتها وتوزيع مشاريعها، وأعداد الموظفين والعمال والعاطلين من أبنائها ونوع طائفتهم، وموقع سكناهم، وأسماء عشائرهم، ومستوى مواقعهم الاجتماعية البعيدة عن الكفاءة. والتعويل في هذا الأمر على النظر إلى السطح يمدك بالكثير، ويكفيك عن التأمُّل، وإن كان الاستقراء العلمي أقدر على كشف حجم المفارقة بين ما هو إعلام وما هو على الأرض، وأصرح نطقا بمدى الفوارق. ومن جادل فليقبل بنتائج الدراسات الموضوعية في هذا الميدان.
هذا هو الحال اليوم ونأمل أن تتحسن الأوضاع غداً، وأن ندرك جميعا تصورا وتصديقا بأن العدل أدوم للملك، وأن الظلم ليس مرتكزا حميدا.
ومعنويا؛ البحرين ليست على خطها، ولا كما يريدها أهلها، وغير منسجمة في كثير من واقعها مع نسبتها للإسلام والإيمان. وهي في تسارع مجنون من الخطى غير المتزنة تجاه هاوية الحضارة الغربية الماجنة، وكأنها قد رُشِّحت من قبل الغربيين لأن تكون مدخلا مهما من مداخل التغريب السريع المستعجل في المنطقة. وهي تشهد تغييرا عمليا راكضا في الاتجاه المعاكس للإسلام في كل ليل ونهار، تحتضنه مشاريع مخططة ومدعومة قد تجاوزت مرحلة الخفاء، واختارت أن تكون سافرة جاهرة متحدِّية لتفعل بدرجة أكبر.
فمن حفل مختلط راقص علني في هذه الجامعة أو في تلك المدرسة إلى حفل الجنس الثالث الساقط، إلى قوافل الصداقة الأمريكية البحرينية المغذية للبلد بالفاسد الجديد، إلى جمعيات ونوادٍ في المجمعات السكنية حيث تركُّزُ المؤمنين من أبناء العاصمة تعج بالبارات وما يخالف الآداب وبمختلف المحرَّمات.
وُتستهدف المناطق المؤمنة في العاصمة ومجمعات سكن المواطنين من أهل الشرف والغيرة بصورة مرعبة لتخريب البيئة المعنوية المحافظة عن طريق انتشار بيوت تمارَس فيها كافة أنواع الرذائل كما تقول بعض المخاطبات الرسمية إلى جنب بيع المسكرات في وسط الأحياء السكنية.
وتسمع أن الجنس العاري الفاضح المخزي يعرض عبر شاشة التلفزيون في هذا المجمع التجاري أو ذاك أمام الشباب والشابات وكل عابر وناظر.
وقريبا يأتيك الملتقى القضائي العربي المنعقد في البحرين وستحضره القاضية الأمريكية ابنة نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني، وكذلك زوجة رئيس الوزراء البريطاني بلير لتتعلم البحرين على يد الاثنتين المحترمتين تطوير نظم التشريع القضائي، وتتربى بفضلهما على الشفافية القضائية، فالتشريع الحق من هناك، وكذلك العدالة والتقوى التي تمد القضاء في البحرين وفي كل البلاد العربية والإسلامية بالشفافية الساطعة والنزاهة البالغة.
هذا بعض حديث العلن، وهو إنذار صارخ للغد فهل من رفض؟! وهل من إنكار؟! وهل من مطالبة بحماية الدار قبل غضب الجبار؟!
العراق يهزم أو يهزم؟!
دخل العراق معركة تاريخية جديدة خطيرة عندما احتلَّه الغزاة الأمريكيون والإنجليز، وهي معركة يُقدَّر لها مزيد من الاحتدام إذا أصرت أمريكا على البقاء في العراق طويلا، ووضع يدها على قدراته ومقدراته، وأن تكون السيد المطلق في قرارات هذا البلد الأبي الكريم، وحتى الشريك المقاسم.
والسؤال هو أن العراق سيهزِم أو يُهزم، سينتصر أو ينكسر؟
الأمر معتمد بعد إرادة الله عز وجل على العراقيين أنفسهم، فلن يُمكِّن للأمريكان والإنجليز في العراق إلا صراع أو أكثر من صراعات الطائفية والعرقية، وخلاف أو أكثر من خلافات البيتية والمرجعية. فبرغم ما يؤديه الدولار والصاروخ والمدفعية من دور في المعركة لن يهزم العراقيين شيء من ذلك من دون تلك الصراعات.
وهي صراعات فتاكة في كل أرض ومعركة وزمان، ولا توجد حكومة من الحكومات الوضعية لا تحسن استعمال هذا السلاح لتفتيت الوحدة، وإحكام القبضة، أو تتورع عن استعماله. وكثيرا ما تقع الأمم والشعوب والأقطار في خطئها المتكرر بالاستجابة لمثل هذه المصيدة والأساليب الماكرة من قبل الطامعين وهي تتلقى منها الضربة تلو الضربة، والهزيمة بعد الهزيمة، وتفتك بها دائما، وتُفشل كل قضاياها، ليكتشف أهل الصراعات الداخلية كلهم بعد ذلك أنهم كانوا مستهدفين، وأن قد استغفلوا، وتلقوا ضربة مشتركة، ووقعوا في خسارة فادحة.
تجزئة خطأ:-
جمعيات إسلامية تصب اهتمامها على مشكلات الدنيا، وأخرى تجعل تركيزها على مشكلات الدين. ومسجد ينادي بالصلاح الاقتصادي، وآخر بالإصلاح الخلقي، أو جمعيات كلها تقف مع المطلب السياسي البعيد عن هموم الدين، ومساجد كلها تقف مع المطلب الديني البعيد عن هموم الدنيا. هذه الصورة لو كانت فهي صورة خطأ لا تعبر عن وعي إسلامي ولا تستجيب لهذا الوعي.
الصحيح أن يكون الصوت واحدا مشتركا كما يركز على هموم الدنيا، يركز على هموم الآخرة، وكما يطالب بالإصلاح في هذه المساحة يطالب بالإصلاح في تلك المساحة. والطريقة الأولى تباعد كثيرا بين الدين والدنيا، وتجعل لكل منهما تيارا مستقلا عن الآخر في البلد المسلم لا يفهمه ويعاديه. وتضعف المطالبات وتفقدها وزنها بضعف في هذا التيار وضعف في ذاك، وتخلق في الجيل الجديد إرباكا شديدا في فهم الإسلام، وتقلل من تبلور الفهم الإسلامي في الجيل المنقسم نفسه.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وارزقنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين فهما وعلما وزكاة وحلما، وبصيرة وهدى، وأحسن لنا في الدنيا والآخرة يا خير المحسنين. اللهم اغفر لنا ولأهل الإيمان والإسلام ومن كان له حق خاص علينا منهم ووالدينا وأرحامنا وأزواجنا وجيراننا يا كريم يا رحيم.
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)