خطبة الجمعة (120) 17 جمادى الأول 1424هـ – 18 يوليو 2003م
مواضيع الخطبة:
سورة الزلزلة (2) -عودة الشيخ الجمري لأرض الوطن – الوفاة المؤلمة لسماحة
الشيخ الوائلي – تعديلات قانون الصحافة
ولقد كان الوائلي رحمه الله صاحب إسهامات كبيرة متواصلة في هذا الميدان المهم، فهنيئاً له ما كان من
مشاركاته الجليَّة في إعداد أكثر من جيل من أجيال الإيمان، وهي مشاركات ستبقى مدرسة مربية بعد وفاته.
الخطبة الأولى
الحمد لله المتفرد بالألوهية، المتوحد بالربوبية، المفتقر إليه كل شيء، المفارق لكل ما خلق ومن خلق بإمكان ما عداه ومن عداه، وكماله المطلق. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ولم يكن له ولي من الذل ولا شبيه في جلال أو جمال، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أخلص العبودية لبارئه فكرم، ووفَّى بحق الرسالة فعظم. صلّى الله عليه وآله وزادهم شرفا وتحية وسلاما.
عباد الله علينا جميعا بتقوى الله ومن اتقى الله في عباده وبلاده أصلح، ومن لم يتقه كان من المفسدين، ومن طلب الإصلاح على غير طريق الله وشريعته العادلة لا يهتديه، فهو إن أصاب في موقع أخطأ في مواقع، وإن أصلح في مورد أفسد في موارد، وإن كان لما يختطُّه نفع في جانب يكن له الضرر البالغ في جوانب، فلابد من تقوى ومن معرفة؛ التقوى تدعو إلى الخير، وتكف عن الشر، وبالمعرفة يكون التمييز بينهما.
وكيف لا يتقي اللهَ خلقُه الضعفاء، وعباده المملوكون؟! من يستكبر على الله يتّضع، ومن يطغ يكن من الهالكين.
اللهم صل على محمد وآل محمد، ولا تذلنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين بالكبر، ولا تهنا بالمعصية، ولا تهلكنا بالطغيان، واجعلنا ممن عرف عظمتك فتواضع لك، وجبروتك فذل بين يديك، وقدرتك فأصابته الرعدة من خشيتك، وأخرس لسانه جليل هيبتك، ونظر إلى رحمتك فانتعش أمله في لطفك ومغفرتك، وأطلق مكنونَ مناجاته رجاءُ صفحك وعفوك وكرمك يا جميل الصفح يا أكرم الأكرمين.
أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات فهذه عودة للسورة المباركة سورة الزلزلة:
زلزال أرضي وزلزال كوني عام:
تتحدث السورة الكريمة في مطلعها كما سبق عن زلزال أرضي هائل، حتى استحق أن يضاف إليها على خلاف كل الزلازل الأخرى، ومع هذا الزلزال الأرضي المهول زلزال كوني مرعب لا يبقي قلب عبد في مستقره إلا من رحمه الله.
أمامنا هذا المستقبل؛ زلزال أرضي وزلزال كوني عام، وإذا كان هذا هو المستقبل الذي ينتظرنا وينتظر حضارتنا على الأرض فلابد من حساب لذلك اليوم في هذه الحياة.
أقرأ معكم أيها المؤمنون آيات وردت في الزلزال الأرضي والزلزال الكوني العام: “إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا، وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا…” ” وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ، وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ “، ” وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ “، ” يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ، تَتْبَعُهَا الرَّادِفَة “، ” وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا “، ” وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ “، “كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا “، ” يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنْ الأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ “، ” يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتْ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلاً “.
هذه الآيات جئت بها غير منتظمة، وهناك عمل ثانٍ لابد أن يتكفل بوضع الآيات في سياق واحد متسلسل بحسب قوة الحدث وتقدمه أو تأخره، هذه الآيات الكريمة تعرض ظواهر مختلفة للأرض يوم القيامة، وكأنها تمثل مراتب من الزلزال.
أما عن الزلزال الكوني العام الذي تشارك فيه السماء الأرض، ويشارك فيه البحر اليابسة، فمن آيات هذا الموضوع “إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ “، “إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ “، ” َإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ، وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ، وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ “، ” فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ، وَخَسَفَ الْقَمَرُ، وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ “، ” السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً “، ” وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا ” هذا هو مستقبل أرضنا، ومستقبل كوننا المادي الذي نتشبث به، ونعمل من أجل البقاء فيه ليلا ونهارا.
هذه الأرض التي يأتي يوم عليها أن ترفض بإذن ربها من فيها وما فيها، وتلقي بكل أمواتها وكنوزها، في يوم من الأيام يخرج الناس من بطن الأرض لا أمواتا ولك أحياء، ولكن أن تتصور وأنت واحد من بين بلايين لا تعد أن الأرض في كل شبر منها تقذف بأهلها، وإذا كل الساحات وكل العرصات وكل الفضاءات تمتلئ بأناس مولودين مذهولين مرعوبين فزعين لا رابطة بين أحد منهم وأحد آخر يجد منها أنسا. الواقع فوق ما يصفه البلغاء فضلا عن أمثالي، والوقت وقت محدود، لكن خذ على نفسك حبيبي أن تعيش مع هذه الصورة لا الآن، ولكن كلما كاد غرور أن يصيبك، وكلما خاطبك أهل الضلال بأن تنصرف عن الله وعن طاعته، قف مع هذه الصورة تأملها، عشها على وسادة النوم، وعند اليقظة، هذا حديث رب الكون، وليس أصدق من الله قيلا.
الإنسان يوم الزلزال:
” إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا، وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا، وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا ” الأرض التي احتضنتنا أحياء وأمواتا، الأرض التي كانت تمدنا بالغذاء وأسباب البقاء، الأرض الأم المحضن الدافئ، الأم التي ارتبطنا بها، انشددنا إليها، يوم زلزالها تقذف بنا قذفاً وننهي احتضانها لنا من برَّ ومن كفر. ما لها تخرج كل كنوزها، كل أثقالها ياللهول، يا للرعب أين أسباب الحياة؟! أين الزاد الذي تختزنه الأرض للأجيال، أين الملجأ الذي كنا نجده فيها على ظهر منها أو في بطن؟! ثم أهو مشهد واحد مرعب؟! لا، وإنما هي مشاهد تحتشد دفعة واحدة حتى لا يبقى لب ولا قلب إلا وتزلزل إلا من رحم الله.
” يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ ” بعد الأرض، بعد كهوفها، بعد قصورها، بعد أكواخها، بعد ظهرها، بعد بطنها، أين المفر؟ لو كان يمكن أن يصار إلى سماء، أسماء؟! لو كان يمكن أن يصار إلى بحر أبحر؟! أمن قوة؟! أمن حول؟ أمن جبل عاصم؟ أمن قلعة تحمي؟ ” َقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ ” وهو على يقين بأنه لا مفر إلا إلى الله.
ولكن ما شأن من لم يبقِ له صلة بالله؟ وأعطى كل حياته لأعداء الله، ولمنهج غير منهج الله، وناصب الله العداء كل حياته؟! “كَلاَّ لاَ وَزَرَ، – لا شيء يحمي – إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ، يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ “.
وفي آيات الزلزلة: “وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا، يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ” كم عند الأرض من أخبار؟ أخبار ملايين السنين، والقرون العديدة، أخبار تخزي الإنسان، أخبار تذل الإنسان، أن تحدث الأرض أخبارها عن الناس؟ عن فحشائنا، عن قبائحنا، عن سوآتنا؟ أنا المكرم عند فئة من الناس أتكشف بكل سوآتي؟! تصوروا أيها الأخوة أن أحد الأشراف في هذا المسجد الكريم ممن لا يحتل عند الشرفاء إلا المنزلة الرفيعة والمقام المحمود وإذا به يتعرى في اللحظة شخصية ساقطة. أيحتاج إلى شيء آخر يسبّب له الوفاة إذا كان يحمل درجة من الشرف؟ المرء مع نفسه إذا كانت به بقيا إنسانية، إذا رجع إلى سجل حياته، ووقف على سوءة من سوءات حياته أخزي وذل في نفسه وسقط، فكيف أن يقف على خبره أهل المحشر؟! ” يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ “، ” يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا “.
ومن مشهد الإنسان يوم الزلزال ما ترسمه هذه الآيات الكريمة:
“قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ، أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ ” نعم لابد من ذلك بعد اليقين بأن لا حول ولا طول، وبعد اليقين بأن السجل التاريخي المخزي سينشر، وأن الحساب آت، والوعيد قد صدق. ” فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ، يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ” هل هناك علائق أقرب وأشد وأمتن وأكثر تماسكا من هذه العلائق؟ وهل هناك إخلاص يدّخر في الأرض لأهل الأرض أكثر من إخلاص لأم وأب وأخ وصاحبة وبنين؟ لكن ذلك اليوم يقول عنه تبارك وتعالى:” يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ “، ” يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ” فراش مذهول، مرعوب، يتطاير وكأنه لا يعرف له وجهة للذعر والرعب والهول، مبثوث وليس جماعة، كل فرد مشغول بنفسه، ولا تمثل البلايين هناك صفا واحدا ولا أمة واحدة ولا جبهة متحدة. تقف في قبال الله. وهل تملك أن تتوحد؟ وهل يُجديها شيئاً توحدها؟ أيخالطها شعور المواجهة لله وهي ترى أن ليس لها من ملك ولا حول ولا طول، وأنه لا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا به؟!
” وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ ” تصور أن القبور تلقي بمن فيها في حالة بعثرة، والمبعثر شيء لا مبالاة به. ألا يحمل لفظ بعثرة ظل اللامبالاة؟ وظل القذف والرمي للشيء الرخيص؟ “أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ، وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ”، ” وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا “،”كَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا”، ” فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ، فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ، عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ “، “يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ “. إذاً فارق درب الكفر فكرا، فارقه شعورا، اكفر به عملا، قاطع الكفر في كل منعطف من منعطفات حياتك، في كل موقف من مواقفك، الجأ اليوم إلى الله تجد منه ملجأً غداً، وإذا لم تلجأ اليوم إلى الله فلا تطلب من الله أن يكون لك غدا عنده ملجأ.
اللهم صل على محمد وآل محمد، ونبّه قلوبنا وقلوب اخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين بذكرك، وأيقظها بخشيتك، وقنا وإياهم ووالدينا وأرحامنا ومن كان له حق خاص علينا من أهل الإيمان والإسلام عذابا يوم الزلزلة، ويوم الطامة، والغاشية، والصاخة والقارعة.
اللهم اغفر لنا ولهم جميعا يا غفار يا رحمن يارحيم
بِِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ
(الْقَارِعَةُ، مَا الْقَارِعَةُ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ، يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ، وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ، فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ، فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ، وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ، فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ، نَارٌ حَامِيَة)
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أوجد المخلوقات كلَّها بعد عدمها، وأظهرها بعد خفائها فكانت دلالتها عليه من إظهاره لها، وأنَّى لها أن تكون دلالتها بنفسها عليه وهي المحتاجة إليه، ولا ظهور لها إلا به، ولا تملك تحقّقاً إلا بقدرته، ولا معرفة لشيء بنفسه إلا بفيضه؟! الأشياء لم تعرف نفسها إلا بفيض ربّها، فكيف تكون معرّفة له؟ إنه الدال بذاته على ذاته. تجلَّى بقدرته للأشياء، وعرَّفها بذاتها، وبنوره ظهر لمخلوقاته، وهو المظهر لها من ظلمات عدمها.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالدين الحق، والإسلام الكامل، والمنهج الشامل. صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، والتحصن بها من شرور الدنيا وشرور الآخرة، فعن أمير المؤمنين عليه السلام:”إن التقوى في اليوم – الحياة الدنيا – الحِرزُ والجُنّة –، وفي غد الطريق إلى الجَنَّة، مسلكها واضح – واضح لأن في الصدور علينا حُجّة، وفي كتاب الله حجة، وفيما جاء به المعصومون به عليهم السلام حجة، وفي آيات الأنفس والكون حجة، وفي كل منعطف وفي كل ذرة من الكون حجة -، وسالكها رابح”، وعن الصادق عليه السلام:”من اتّقى الله وقاه”، تقول لي كيف أتّقي؟ أقول لك: من تفكّر وتدبَّر واعتبر اتقى، وبهائم النَّاس لا يتقون – فإذا وجد أحد من نفسه أنه لا تقوى له فليعرف أنه بهيمة في الناس، كبر ما كبر، وكانت له أي شهادة وأي موقع في عالم الآدميين -، وإنَّ لغة الكون والحياة والموت، وما يجري على النفس ليُعلِّم الناس التقوى لو كانوا يعقلون.
اللهم ارزقنا علماً نافعاً، وأدباً رضيّا، وخلقا كريما، وتقوى صادقة، وعملا صالحا ننال به رضاك والزُّلفى لديك.
اللهم صل وسلّم على البشير النذير، والسراج المنير، محمد الهادي الأمين، وعلى آله الطاهرين. اللهم صلّ وسلّم على عليٍّ أمير المؤمنين، وإمام المتقين. اللهم صلّ وسلّم على الطاهرة الزكية، فاطمة الرشيدة المهديّة. اللهم صلّ وسلم على الركنين المتينين، والإمامين الوصيين، والوليين المعصومين الحسن بن علي بن أبي طالب وأخيه الحسين.
اللهم صلّ وسلّم على أئمة الهدى، وأعلام الورى، والحجج على أهل الدنيا علي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، الحسن بن علي العسكري مصابيح الدجى الأولياء السعداء.
اللهم صلّ وسلّم على إمام الزمان، وشريك القرآن، وناشر الأمن والسلام، المؤتمن والمنتظر، إمامنا المهدي الثاني عشر.
اللهم عجّل فرجه، وسهل مخرجه، وانصره نصراً عزيزاً، وافتح له فتحا مبيناً، ومكِّن له تمكيناً، وأذل به الطغاة الظالمين، وأعز به أولياءك المتقين يا قوي يا عزيز، يا رحمن يا رحيم.
اللهم الموالي له، الآخذ بمنهجه، الممهد لدولته، المعدَّ لنصرته، وفقهاء الأمة العدول، وعلماءها العاملين الصالحين، وأبناءها الغيارى المجاهدين من أنصار دينك وأوليائك وفقهم لصالح العمل، والمسعى الحميد، والرأي السديد، وكِد لهم، ولا تكِد عليهم، واهزم بهم الأشرار، وادحر بهم الكفار يا من بيده الأمر كلّه، وإليه كل شيء يصير.
أما بعد أيها الأخوة والأخوات في الإيمان فهذه قضايا ووقفات:-
الأولى: مناسبتا الأسبوع:
– العودة الميمونة لأرض الوطن من سماحة الشيخ الجمري.
– الوفاة المؤلمة لسماحة الشيخ الوائلي..
ويؤكَّد في هاتين المناسبتين على أنَّ الأمة الّتي تكرِّم رموزها ورجالات فكرِها، والعاملين لنصرتها على خط حضارتها، والمخلصين في موقفهم من قضاياها المادية والإنسانية والدينية، والحاملين لهمّها الحضاري حقاً كان أحياء هؤلاء أو أمواتا أمة حيّةٌ واعيةٌ لذاتها، قادرة على إحباط المؤامرات التي تكيد بها، وعلى مواجهة أعدائها.
وتكريم الأمة لرموزها الذي يُعدُّ تكريماً لها، وتعزيزاً لموقعها، وبناء لذاتها أكثر ما يكون فيما جسَّد تمحوراً عمليّاً حول مطروح هذه الرموز لتغيير الواقع في الاتجاه الصحيح الصاعد الذي تقضي به المصادر الأصيلة لفكر الأمة، ومنابعُ هويتها وحضارتها. وكل ألوان التكريم الأخرى تستمد قيمتها من صلتها بهذا اللون من التكريم.
وإننا لنحمد الله الكريم أن أعاد الأخ سماحة الشيخ الجمري إلى وطنه في وضع صحّي قد شهد تقدماً ملحوظاً بعد شدة الضر ضارعين إلى المولى الحنّان المنّان بأن يتم عليه نعمة الصحة الكاملة والشفاء التام، ويوفقه لممارسة دوره الفاعل النافع في خدمة الدّين والوطن.
ومن جهة أخرى فإن رحيل سماحة الشيخ أحمد الوائلي إلى جوار ربه الكريم يومُه يوم راحة وسعادة واطمئنان له إن شاء الله، ويوم خسارة للأمة، فأكثرُ ما تحتاج إليه الأمة أصناف من المجاهدين ومنهم صادح بحق، ناطق بصدق، مبلغ للدين، دافع للشبهة، مُبطل، للمِريَة. ولقد كان الوائلي رحمه الله صاحب إسهامات كبيرة متواصلة في هذا الميدان المهم، فهنيئاً له ما كان من مشاركاته الجليَّة في إعداد أكثر من جيل من أجيال الإيمان، وهي مشاركات ستبقى مدرسة مربية بعد وفاته.
الثانية: الطريق مفتوح!! والحريَّة كاملة!!
المصدر: جريدة الوسط العدد 311 الإثنين 14 يوليو 2003م الموافق 14 جمادى الأولى 1424هـ. الصفحة 13. العنوان: على خفيف: تعديلات قانون الصحافة.
أرجو أن تصغوا بكلّكم إلى الخبر ومعناه.
الخبر: وافق مجلس الوزراء حديثاً على مشروع قانون معدل للقانون رقم 47 للعام 2002م بشأن تنظيم الصحافة والطباعة والنشر.
مما كتبه كاتب المقالة: ……. “وفي السياق نفسه فقد شمل التعديل المادة (68) باعتبارها أكثر المواد إثارة للجدل ودعوة إلى حذفها. – هذه المادة محل تركيز الصحافيين ومطالبتهم بحذفها – وهي المادة التي تنص في القانون الأصليّ على ما يأتي” مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها قانون العقوبات أو أيُّ قانون آخر، يُعاقب على ما يتضمن فعلاً من الأفعال الآتية بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر:
انظروا المخالفات التي يعاقب عليها القانون الأصلي المعدل بهذه العقوبة وهي حبس مدة ستة أشهر. وهذه المادة من المواد التي أخضعها المشروع الجديد لتعديله.
أ- التعرض لدين الدولة الرسمي في مقوّماته وأركانه بالإساءة أو النقد. هذا البند كان من مطالبة الصحافيين أن تُلغى العقوبة عليه. هذا موقف الصحافة والصحافيين. ما هي مقومات دين الله؟ مقومات الإسلام التوحيد، النبوة، اليوم الآخر، ومن أركانه الصلاة والصوم والحج إلخ.. التعرض بالإساءة إلى دين الدولة، إلى أصول الدين، إلى الفروع الرئيسة في الدين تطالب الصحافة والصحافيون بعدم العقوبة عليه وهو تعرض بالإساءة وبالإسقاط، والتهكم والسخريَّة.
ب- التعرض للملك بالنقد، أو إلقاء المسؤولية عليه عن أي عمل من أعمال الحكومة.
ج- التحريض على جنايات القتل أو النهب أو الحرق أو جرائم مخلة بأمن الدولة إذا لم تترتب على هذا التحريض أيَّة نتيجة.
د- التحريض على قلب نظام الحكم أو تغييره. وفي حال العود خلال ثلاث سنوات من تاريخ الحكم في الجريمة السابقة تكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على خمس سنوات، وذلك مع عدم الإخلال بتوقيع العقوبات التكميلية المنصوص عليها في المادة (75) من هذا القانون.
المادة الأصل هي التي قرأتها، نأتي إلى المادة في تعديلها حسب ما يقول الكاتب: وأصبحت هذه المادة بعد التعديل تنص على ما يأتي وهنا يجب الالتفات: يعاقب بالحبس كلُّ من نشر ما من شأنه:
أ- التعرض لشخص عاهل البلاد بالنقد، تلميحاً أو تصريحاً بالكلمة أو بالصورة.
ب- التحريض على قلب نظام الحكم أو تغييره. انتهت المادة.
ملحوظة: كان مطلب الصحافيين هو إلغاء الحبس وهو العقوبة المذكورة بالنسبة لكل البنود الأربعة قبل التعديل.
1) التعديل ماذا ألغى وماذا أبقى؟
البند الأول وهو الذي يتحدث عن الإسلام بما هو دين للدولة، حُذف فلا عقوبة عليه، التعرض المشين بالإساءة بالسب، بالشتم بالعداء بالمحاربة لدين الله لا عقوبة عليه فيما أقره مشروع التعديل الحكومي.
أيضاً ألغي بند آخر، وهو البند الذي يقول: التحريض على جناية القتل أو النهب إلخ، لكن إلغاء هذا البند لا يؤثر على ما تريده الدولة من ملاحقة من يتعرض لها أبداً لأن الفقرة (د) في نظري تغطّي الحاجة إلى ما يتضمنه البند (ج)، فإذا أين تركّز الحذف؟ تركّز الحذف على البند (أ) الذي يتحدث عن شيء من الحماية الخفيفة لدين الله.
فشكليّاً ألغى البند (أ)، (ج)، وحقيقة ألغى البند (أ) لا غير.
2) بم ضُحي للمصالحة بين الحكومة والصحافة؟ ضُحّي بدين الله في مقوماته وأركانه. الطريق مفتوح، والحرية كاملة لأي صحف يريد أن يشتم، يريد أن يكره دين الله لعباده، يريد أن ينقضّ ببذائته، وسقوطه، وجهله، وعمالته، وممزقه على دين الله سبا وشتما وتهكّما وسخرية وهزوا.
هذا ما تمّت عليه المصالحة بين مشروع التعديل الحكومي وبين مطالب الصحافيين.
أمّا ما يتصل بجانب الدولة فبقي محافظا عليه كل المحافظة.
3) بم يوصف هذا الموقف من الحكومة والصحافيين؟ علينا أن نصفه بالدِّقة في احترام الدين وتوقيره وحفظه، والشدة في التقوى، وإلا فمن قال غير ذلك كان من المتزمتين المتشددين التكفيريين.
4) ألا يشير هذا التوافق بين الحكومة والصحافيين إلى أن المجلس الوطني بما فيه من كتلة حكومية سيحمي الأحوال الشخصية من أن يمسها التشريع الوضعي؟! هذا موقف الحكومة فكيف سيكون موقف الكتلة الحكومية في المجلس الوطني من الأحوال الشخصية؟! يقولون لنا أن هذه الكتلة وأي كلتة أخرى ستحمي الأحوال الشخصية من تدخّل التشريع الوضعي، فصدّقوا.
5) لماذا تَتَابعُ الخروقات الدينية واللعب بالوضع الديني؟ أيراد تمرير وضع فكري وسلوكي أمريكي مستورد في غمرة إشغال الناس بمشكلة اللقمة والبطالة والتجنيس؟ أيراد نقل المطالبة من النواحي المادية الضرورية إلى المطالبة بالحفاظ على الهوية؟ أيراد تشتيت القوى الوطنية الإسلامية وغيرها والتي تجمع على عدد من المطالب، وإحداث الخلاف داخلها بين منتصر للدين ومنتقد لمن ينتصر له؟ هذه أمور يجب أن يتنبه لها الشعب فلا يعطي فرصة لأي منها. يجب أن تبقى الجبهة موحدة في المطالبة بالمطالب المشرتكة، ويجب أن لا تشغلنا اللقمة عن المطالبة بالحفاظ على الهوية، والدين، على أنّ من دين الله أن تشبع البطون وتكسى الظهور، ويأمن الناس، وأن يكون الإنسان في وضع ماديّ معتدل لا يؤثر عليه هم بطنه، ويصرفه عن هم دينه.
6) أصحيح أن ستسب المقدَّسات، أو يعطى الضوء الأخضر من القانون للصحافة بأن تسخر بالدين وتشتمه وتهاجم أسسه وأركانه، ومع ذلك سيبقى الموج هادئاً والفتنة نائمة في شعب قال لا إله إلا الله، محمد رسول الله مؤمناً متيقنا واعيا؟! أصحيح أننا نهبُّ من أجل اللقمة، ولا نهب من أجل الدين؟! وصحيح أن تسلم رقبة من سيتعرض للدين بالسب والشتم؟ ومن سيتعرض للتوحيد والنبوة بكلمة نابية؟ إن الجماهير ستقضي على كل من تسول له نفسه بشيء من ذلك ولو بالأظافر.
7) إن مجرد السكوت على ما نشر في الصحافة من هذا التعديل فضلاً عن إقراره من المجلس الوطني، وحتى عن دخوله في مناقشاته وعرضه للتصويت يمثّل سوأة لهذه الأرض وأهلها لا تستر ولا تغفر، ويدل على موت هو الأشد بين أنواع الموت، وعلماء الإسلام في البلد هم المسؤول الأول في القضية، ولو سكت من سكت فلا عذر لبقية الشعب في ذلك. فكلنا مسلمون وكلنا مسؤولون.
8) وهل تحتملون في الملك أنه سيوافق على أن تكون ذاته مصونة، وذات الله خالقه العظيم، وخالق كل شيء تتعرض لها الأقلام القذرة بالسوء، أو تنال هذه الأقلام الساقطة من شأن الأنبياء والرسل والكتاب الكريم والمقدسات الإسلامية الأخرى؟! أقول لكم أن من اعترف بأنه عبد لله وبأن الله وحده هو الرب لا يليق بنا أن نحتمل فيه هذا الاحتمال.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واجعلنا واخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين عبيداً لك طائعين، وبكتابك مهتدين، وبدينك متمسكين، ولأوليائك موالين، ولأعدائك معادين، ولا تكرثنا في ديننا يارب العالمين. اللهم اغفر لنا ولوالدينا وأرحامنا وأزواجنا وجيراننا ولأخواننا وأخواتنا في الإيمان والإسلام ومن كان له حق خاص علينا منهم يا كريم يا رحيم.
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)