الحديث القرآني الرمضاني العاشر “الاخير” 1444هـ

الحديث القرآني الرمضاني العاشر والاخير لسماحة آية الله الشيخ عيسى احمد قاسم – 27 شهر رمضان 1444هـ / 18 ابريل 2023 في قم المقدسة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله ربِّ العالمين.
الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا النبي الكريم وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

قوله تبارك وتعالى (وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) – الآية 18 من سورة العنكبوت.

إمّا حكاية عن قول إبراهيم “عليه السلام”، أو هو قوله تبارك وتعالى مباشرةً، أو أنّه قول الرسول الأعظم “صلَّى الله عليه وآله وسلَّم”.

(وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ)
الخطاب يقول، ليس شيئاً -إذا كان هذا هو كلام إبراهيم- فهو يقول عليه السلام ليس جديداً أن تكذبوني، ليس هذا بدعاً في تاريخ الرسالات، في موقف الأقوام الذين جاءتهم رسل الله عزَّ وجلّ مبشرين ومنذرين، هذا لا يمثل مفاجأةً لي، ولا يمثل صدمةً لي، فلا أعطيه اهتماماً، (وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ)، هذا التكذيب لا أعيره اهتماماً أيّ اهتمام، ولا يؤثر على مسيرتي في الدعوة الجادّة إلى الله تبارك وتعالى.

(وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ)
أيضاً من معناه، أنّه ماذا استطاعت أن تفعل الأمم السابقة؟ هل استطاعت أن تعطّل دعوة الأنبياء؟ أن تقطع طريق رسالتهم؟ أن تُفشل مهمتهم؟ أم بقيت مهمّة الأنبياء ووظيفتهم مستمرة رغم كلّ الصعوبات ولم يقدِّر الله عزَّ وجلّ للأقوام المعاندين أن يُفشلوا خطّ الدعوة والرسالة الإلهيّة في الأرض؟
فأنا لا أترقّب من مشاكستكم، من عنادكم، من تأليبكم عليّ، من محاربتكم، أن تفشل الدعوة وأن يتراجع خطّ الرسالات.
هذا يُعطي صموداً للنبي، يُعطي ثباتاً، عزماً شديداً لا رجعة فيه عن خطّ الدعوة والرسالة.

(وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ)
وخط الدعوة وخط الرسالة إلى اليوم مستمر ولن توقفه عداوة الأعداء، ولا قوّة الأقوياء المعاندين لله عزَّ وجلّ ولرسوله والكائدين بالرسالات، وقد استمرّت القرون واستمرّ العناد للرسالات وللدعاة والمصلحين، وكلّ ذلك فشل أمام استمرار الدعوة وها هي تنتشر وهاهي تقوى وتخيف الظالمين، وقد اندثرت أممٌ معاندة، وليست الأمم الحاضرة والناس الحاضرون أقوى بأيّ شيءٍ من الأشياء أقوى من الأمم الماضية، والكل مملوك لله تبارك وتعالى، وقدر المالك يفرض نفسه على المملوك.

(وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ)
هذا خطاب للإسلام، وللدعاة، وللمبلغين، وللسائرين على الخط الرسالي في البعد السياسي وما إلى ذلك، هذا الخطاب يُطمئن، يعطي الثقة، ضمانة من الله عزَّ وجلّ، ومن سنّة الله عزّ وجلّ بأن تكذيب المكذبين لا يُسقط خطّ الدعوة ولا يعطّل رسالات الرسل، ولا يفشل ما أراد الله تبارك وتعالى في الأرض بأن تصل إلى الهدى الأكبر وأن تخضع لعبادة الله في آخر المطاف.

(وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِين)
الرسول له مهمّة معينة هي مهمة التبيلغ، والتبليغ إيصال المسائل والأحكام الإلهيّة إلى الناس. يحمل رسالة وعليه أن يوصل هذه الرسالة.
والبلاغ بلاغان مبينٌ وغير مبين، البلاغ المطلوب من الرسل هو البلاغ المبين، الذي لا يترك شيئاً مما حُمِّل الرسول إلا وغطّاه – غطّى مهمته وقام بمهمته وأدّى مهمته-، يوصل كلّ شيءٍ مما اُرسل به، هذا شيء، الشيء الثاني أن يقيم البرهان عليه، أن يستعمل كلّ الوسائل التي تجعله أهلاً، ويحمل المقتضي الكامل للوصول إلى العقل والقلب – يعني التبليغ مرّة قادر على أن يصل العقل والقلب بطبيعته، ومرّة بطبيعته غير قادر على الوصول إلى العقل والقلب-، ثم من بعد القدرة الذاتية للتبليغ بأن يصل العقل والقلب، هل هناك قابليةٌ في هذا القلب أو ليست هناك قابلية؟ هل هناك قابلية في هذا العقل أو ليست هناك قابلية؟ الطرق مسدودة، هذا العقل انسدّت منافذ كلّ النور فيه على وصول الكلمة، هذا القلب انسدّت أبواب التلقّي للحق ولإستقرار الحقّ وللخضوع للحقّ فيه أو بقيت فيه بعض المنافذ؟
*فالمطلوب أمران:
مطلوب من التبليغ أن يكون كاملاً وبيِّناً -بلاغ مبين-، يعني مبرهن عليه، ويمتلك لغة الخطاب المقنع للعقل والقلب.
بعد ذلك يأتي دور هذا القلب، وهذا الإنسان، عنده منفذ يتلقّى منه أو ليس عنده -كلٌّ من القلب والعقل وُجِد بمنافذ، التلقّي للحقّ من وحي الفطرة ومن وحي الاكتساب، ولكن مع ذلك قد تتصّل معاصي الإنسان وذنوبه وإدباره وعناده إلى أن تنسد كلّ المنافذ المفتوحة على الحقّ، وتنغلق كلّ الأبواب للوصول إليه-.

(وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ)
من بعد ذلك لا يتحمّل الرسول مسؤولية أن تقتع أو لا تقتنع، الرسول لا يملك تكويناً أن يعطي القناعة للآخرين، يملك الأسلوب التبليغي الموصل والمبرهن عليه والواضح والذي لا يترك حجّةً للمخاطبين تعطيهم عذراً عن قبول الدعوة.
هذه هي وظيفة الأنبياء والرسل، ومن بعد ذلك يأتي دور هذا الإنسان، وهذا حاصلٌ بالنسبة لوظيفة الرسل، والذي أيضاً الآيات التكوينية، آيات الآفاق وآيات الأنفس، موجود هذه آيات الأنفس قد يسدّ الشقي قلبه وعقله عن الاستيحاء منها وعن سماع خطابها، وعن وضوحها الجليّ جداً في لغتها، كلّ ذلك لا يفيد مع قلبٍ انغلق بذنوبه وآثامه، ولا في عقلٍ صار كذلك.
أيضاً آيات الآفاق، وفي كلّ يومٍ نواجه آيات وآيات من آيات الله تبارك وتعالى، وفي كلّ شيءٍ آيةٌ تدلُّ على أنّه الواحد، ولكن ما أكثر صممنا وعمانا عن هذه الآيات التي لا ينقطع عرضها التكويني على الناس يومياً وليلياً، وحين نصبح وحين نمسي.

(أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) – الآية 19 من سورة العنكبوت.
تقدَّم الكلام عن التوحيد، وعن الدعوة التوحيدية وعن بيان التوحيد وبيان الرسالة، وهذا بيانٌ للأصل الثالث من أصول العقيدة الإلهيّة التي تقوم على ركائز، ركيزة التوحيد، العدل الإلهي -والعدل من التوحيد في حقيقته-، والنبوة والآخرة، وتأتي الإمامة.
فهنا بداية بيان لأصل الآخرة، وأنّ الآخرة حقٌّ، وأنّ البعث حقّ، والجزاء في الآخرة حقٌّ بما فيه من بُعد الثواب وبُعد العقاب.

(أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ)
مرّة تقول الآية “ألم يروا”، ومرّة تقول (أَوَلَمْ يَرَوْا)، هناك فرقٌ بينهما.
“ألم يروا” سؤال مُنْصَبّ على الرؤية مباشرةً، رأيت أو لم ترى؟
أمّا في قوله (أَوَلَمْ يَرَوْا)، السؤال عن الرؤية معطوف على السؤال عن شيءٍ آخر، يعني قبل السؤال عن الرؤية هناك سؤال متعلّق بشيءٍ آخر، بالنظر، بالتفكير، بالفكر، كأنما يقول “أولم يتفكّروا ويروا”، يعني قبل الرؤية موجود تفكير. الرؤية هنا المسؤول عنها معطوفة على التفكير.
(أَوَلَمْ يَرَوْا) سؤال تقريريٌ إنكاري.
(أَوَلَمْ يَرَوْا) يُنكِر على الذين يقولون انهم لم يروا ادّعائهم عدم الرؤية. يقول الكافر “أنا لم أرى”، كيف يبدأ الله الخلق حتى أؤمن بأنّه يُعيده، الآية الكريمة تنكر عليه هذا الجحد، هذا الإنكار، تستنكر عليه ذلك وتقول له أنت رأيت، في الوقت الذي تنكر عليه جحد الرؤية، تقرر فيه وقوع الرؤية، وأنّ الصحيح أنّك رأيت، وأنّ قولك بأنّك لم ترى عنادٌ منك وجحدٌ للحقيقة، فالمحصّل هو إنكارٌ في طريق الإقرار، إنكار الدعوة وتقرير وتثبيت وتأكير وقوع أمر آخر، هنا تأكيد لوقوع الرؤية، ولهذا التأكيد يأتي نفي واستنكار واستسخاف دعوى عدم الرؤية.

(أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير)
ما هذه الكيفية التي رآها العباد؟ كيفية بدء الخلق ما هي؟
-الآن شخصٌ أمامك يصنع كرسياً من خشب، وأنت تعاين الطريقة التي استعملها والمحاولة التي أخذ بها في محاولة تركيب أخشاب الكرسي، هنا أنت رأيت كيف بدأ خلق هذه الهيئة، مادة الكرسي موجودة، هو الآن يصنع الهيئة، هيئة الكرسي، فأنت شهدت طريقة إخراج هيئة الكرسي من العدم إلى الوجود، افرض أنّ هذا الكرسي أبداً ليس موجود منه مثال، يعني عملية إبداعية أول كرسي يصنعه صانع بشري، هذا الكرسي أخرج هذه الهيئة المعيّنة من كتم العدم إلى علن الوجود، أنت رأيت تفصيل الكيفية، وطريقة إيجاد صاحب الكيفية، هل هذا شهدناه من بدء الله للخلق؟ طبعاً لا.
أولا: الله ليس عنده طريقة معينة مثل محاولة ومكابدة،ممارسة، تفكير وتأمل في صناعة البشر أو صناعة السماوات، أو صناعة الأرض أو صناعة الكرسي، الذبابة إلى آخره، إنما هو (كُنْ فَیکون)، يعني توجّه الإرادة الإلهية لإيجاد شيءٍ يوجده، تعلُّق الإرادة بالإيجاد يوجد، ليس هناك كيفية على الطريقة البشرية حتى نشاهدها، فماذا يعنى بالكيفية؟، هو هذا الكيفية التي شهدناها، ونستطيع بجزم أن نشهد بها هو إخراج الله الأشياء من عدمها إلى وجودها-.
ألم تروا أنّ هناك معدومات أوجدتها القدرة الإلهية؟ أسأل: أيّ رؤية المسؤول عنها؟
هناك رؤيتان: رؤية قلبية ورؤية بصرية.
الرؤية البصرية على مستويين، مستوى رؤية الحيوان، أن يرى نخلة مثلاً، طولاً ولوناً وحجماً، هذا يراه الحيوان، يفرّق بين نبتة صغيرة وبين نبتة كبيرة بنظره، بين نبتة صفراء وبين نبتة خضراء، ثم عنده فطرة تسوقه للإنتفاع الذي يحتاج إليه، والانتفاع من ذاك بطريقة أخرى. المسكن مثلاً، المأكل، المشرب، وما إلى ذلك. رؤية هذا الحيوان تقف عند هذا الحد.
لكن ماذا وراء هذه النخلة؟ أيّ قدرة أوجدتها؟ تحتاج إلى قدرة إيجاد أو لا؟ الحيوان لا يلتفت إلى هذا، ليس لديه عقل بعدما يرى النخلة يفكّر في موجدها، لماذا وجدت؟
ما فلسفة إيجاد هذه النخلة؟ ما موقعها في النظام الكوني؟ هذه أسئلة لا يجيب عليها الحيوان.
وإنما عنده رؤية بصرية حسية تقف حصيلتها عند حدّ الحسّ، ويترتب عليها إنسياق فطري في مسألة الانتفاع والتعامل. يرى سكين تريد طعنه فيهرب، هذا ردّ فعل موجود بشكل مغروس في نفس الحيوان، كما نخاف من الموت، يخاف هو من الموت.
الرؤية البصرية للإنسان لا تقف عند هذا الحدّ، يدخل في بحر الأسئلة، السؤال عمن هو الموجد، وقد يسأل كيف هو وُجِد؟ وما هي فائدها؟ وما هي حكمة إيجادها؟ وما هو محلّها في النظام الكوني؟ وماذا على الإنسان في التعامل مع هذا الموجود؟ إلى آخره من الأسئلة التي يطرحها العقل على الحصيلة الحسيّة -التي حصل عليها عن طريق الحسّ. الحسّ فتح له باب أسئلته فصار عليه أن يفكّر في اجوبتها-.
لو جئنا إلى هذا النوع من المستوى، هل رأينا بدء الله للخلق؟
يقولون نعم..
أنت تجدُ بيضةً لا حياة فيها، توجد نطفة حيوانية لا حياة فيها، فيها استعداد حياة. تجد أرضاً قد يبّسها الخريف وقضى على كلّ خضرة فيها الشتاء، يأتي الربيع تهتزّ بالحياة، تظهر الخضرة، تملأ بصرك، وتملأ قلبك بالإعجاب، إلى آخره. خرجت تلك الأرض من موتها إلى صورة الحياة، إلى حالة الحياة، وانتعشت بهزّة الحياة وحركة الحياة، صار هناك نموّ، صار بالنسبة للأشجار ثمر، إلى آخره، هذا خلقٌ أو ليس بخلق؟
الخلق مرّةً يكون لصورة جديدة من الشيء، يكون من مادّة، ومرّةً يكون من غير مادّة -يعني من العدم-، خلْقُ الله تبارك وتعالى يشمل الإثنين، يشمل ماله مادة مثل خلقُ الإنسان من الأرض وما إلى ذلك، الأرض لم يكن لها مادة، آدم كانت له مادّة أرضية، طبعاً خرجت إلى صورة جديدة،إلى أن أصبح حياً هذا خلقٌ بعد خلق.
النطفة من خلق إلى خلق، شيء جديد لم يكن موجوداً، هذا خلق بالمادة.
خلقٌ من دون مادة هو أصل هذا الكون، لم يكن شيءٌ إسمه كون، لم يكن شيءٌ من الممكنات أبداً، كان الوجود هو واجب الوجود فقط، كان الوجود هو الوجود الأكملكامل الوجود،، وهو الوجود الواجب، وهو الله تبارك وتعالى، أمّا الممكنات فلم يكن منها شيءّ قبل الله تبارك وتعالى، ولا معه -إلا أن يكون بإرادته سبحانه، قد يكون أراد الوجود الممكن أزلاً، وقد يكون تعلُّق إرادته بالوجود الممكن ليس من الأزل، في الفرض العقلي الأوّلي قد يكون أراد هذا أزلاً فوجدت هذه الأشياء أزلاً، لكن في الرتبة هي متأخرة طبعاً، في رتبة العلّة والمعلول هي متأخرة، القبلية للعلّة دائماً على المعلول، وقبليّة الله عزَّ وجلّ هي سابقةٌ لكلّ شيء-.

(أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير)
مرّة الإعادة لنفس ما كان، ومرّة تكون الإعادة لشيءٍ مثل ما كان. البيضة عندما تأتي، تأتي منها الدجاجة، هذه الدجاجة الجديدة هي نفس الدجاجة التي جاءت بالبيضة وماتت؟ طبعاً ليست مثلها، هذه الدجاجة مثل تلك الدجاجة.
هذا النبت الجديد هو عين النبت السابق الذي مات؟ لا.. هذا مثله.
الأب والأم اللذان صارت البويضة والحيوان المنوي منهما الآن إنساناً، هما نفس الأب والأم أو هما مثل الأب والأم؟ طبعاً مثل الأب والأم.

نحن سنُعاد كيف؟ يُعاد مثلنا أو نُعاد نحنُ بالضبط؟
كلّ ما هنالك نشأتان لموجودٍ واحد، وليس نشأة لهذا ونشأة لمثله. عودتنا نحنُ هي عودة -كما هي عند صاحب الميزان على خلاف عدد من المفسرين- بقية المفسرين يقولون إيجاد جديد لكن لمثل ما كان وليس لعين ما كان.
أما إذا كان وجودنا لعين ما كان -أنا أعود نفسي- فمعناه أنّه يجب أن تجري النشأة الثانية عليّ أنا وليس على مثلي، صاحب الميزان يختار هذا. نشأتان لموجود، فهي نشأة ثانية لمنشئٍ أوّل قد انعدم.
وقدرة الله عزَّ وجلّ ،إذا كانت قدرة الله توجد الشيء في نشأته الأولى، فهي نفس الشيء نشأة مقدورة لله عزَّ وجلّ، فلتكن النشأة الثانية، الثالثة، الرابعة، الألف، العشرة آلاف نشأة. كما أنشأه في المرّة الأولى يُنشئه في المرأة الثانية. المرّة الأولى أنشأه من عدم مطلق، المرة الثانية أسهل، -هو ليس أسهل طبعاً، ليس شيءٌ من النشأتين ولا مليون نشأة أسهل من شيء لأنّ كلّ النشئات وكلّ الإيجادات الإلهيّة من الله عزَّ وجلّ هي على طريقة (كُنْ فَیکون)، لا استعمال أدوات، ولا محاولات ولا ممارسة ولا مكابدة ولا معاناة-.

وغَفَرَ الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

زر الذهاب إلى الأعلى