كلمة آية الله قاسم في “مؤتمر المجاهدين في الغربة” – 2022

كلمة سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم في “مؤتمر المجاهدين في الغربة الدولي” الذي نظمته جبهة الصحوة الإسلامية تحت شعار “التناقض بين خطاب المقاومة والهيمنة العالمية” بمناسبة ذكرى شهادة الإمام الرضا (ع)، وأقامته في مدينة دامغان بحضور 240 ضيفاً من حول العالم – 2022م

*فيديو الكلمة:

*صوت الكلمة:

*نص الكلمة:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربّ العالمين.

الصلاة والسلام على محمدٍ، وعلى آله الطيبين الطاهرين

السلام عليكم أيُّها الحفل الجهادي الكريم.

السلام على شهداء الإسلام في كلّ مكان، السلام على شهداء الغربة، السلام على عوائل الشهداء وعلى الحضور الأعزّاء.

يا من هم أشرف الشرفاء، وأكرم الكرماء في سبيل أعظم مبدأ وأصدق رسالة.. في سبيل الله العزيز الحكيم..

ما تقدمونه -أيها الأخوة الكرام- أثره المنقذ دائم، وبذلك يكون أجره لا ينقطع.

السلام على مَن يعرفون قدسيَّة الدين وعظمة دولته، ويحرسونهما بالأعين والأيدي والأفئدة، ويفدونهما بكلّ غالٍ وعزيز.

الأخوة المؤمنون والمؤمنات الأعزاء الكرام..

الحياة كلّها ساحة جهاد مستمر في اليُسر والعسر، والرخاء والشدّة، والوطن والغربة. هذا ما قاله الإسلام، وقالته حياة الأنبياء والأوصياء والأئمة الهادين من آل محمدٍ “صلَّى الله عليه وآله”، وذوي الحِجَى من الفقهاء والعلماء، ونَطَقَت به سيرة الأولياء والصالحين.

كلّنا يعرف أنّ الإسلام جاء ليقتلع شجرة الكفر من الأرض، ليقتلع منها الشرور والظلم والعدوان، ويطهّرها من رجس الطغاة وعبث الشياطين، ويُثبِّت ويُركِّز ما دعت إليه الفطرة الطاهرة الهادية من توحيد الله الواحد الأحد، وإقامة العدل الإلهي في الأرض كلّها، وتحقيق هدف الخلقة من سعادة الدنيا والآخرة.

وهذا ما جعل جيش الشيطان والطغيان أنْ يُقيم حرباً لا نهاية لها ولا هوادة فيها على الإسلام والمسلمين ما بقي مجتمعٌ إنسانيٌّ على الأرض.

ومن ذلك حرب الإبادة الشرسة المستمرة على هذا الدين الكريم، والعدوان المتواصل الذي شنّته الدولة الأموية والعباسية والدول الطاغوتية من بعدهما، ولا زالت الحرب تعظُم وتتعاظم على الإسلام من قبل كلّ دول العدوان وكياناته الجائرة.

وكان أئمة أهل البيت المعصومون “عليهم السلام”، ولفيفٌ من المؤمنين ممن صنعتهم تربيتهم الإلهية المحكمة؛ لا زالوا هم الحرّاس الخبراء الأمناء، الشجعان المضحين للإسلام في كلّ الظروف الصعبة، وأمام كلّ المحاولات للقضاء عليه في مختلف التقلّبات والتحوّلات بما مَكَّن بتوفيق الله من إنقاذ الدين مما أراده به أعداؤه من كونه نسياً منسيّا.

لقد نَهَجَ الأئمة “عليهم السلام” طريقين متكامليْن في مواجهة خطط الإبادة للإسلام:

  1. التبليغ بمستواه الذي لا يؤدّيه إلا أهل العصمة العلميّة والعمليّة، والذي يتكفّل بحفظ الإسلام حفظاً كاملاً، لا يضيع منه شيءٌ بسبب جهلٍ أو غفلة أو تلكؤٍ أو تقصير. الإسلام بعقيدته وفقهه وخُلقه وأساليبه وأهدافه ورؤاه. نَعَمْ بلَّغوا الإسلام رغم الصعوبة ومعاندة الظروف بكلّ قدرةٍ وحنكةٍ وحكمةٍ وخبرة، ودقّةٍ وصدقٍ وإخلاص، وما رَدَّتهُم عن ذلك لومة لائم، وما تعطّل بهم خوفٌ عن أداء الواجب.
  2. هذا الطريق، والطريق الآخر، هو الوجود التنظيمي الذي أسسوا له وأشادوه ونموّه، وتكامل على أيديهم الشريفة القديرة من خلال الأدوار والجهود المتوالية المناسبة للزمان والمكان بصورةٍ أنتجت ما يسمّى بالدولة العميقة، ومهّدت للدولة الظاهرة الممهدة، ثم للدولة العملاقة.

وهذه الجهود العظيمة وما ترتّب عليها من نتيجةٍ كبرى فيها حفظ الدين ببناء الكتلة الإيمانية العريضة المتسعة بناءً اجتماعياً رسالياً، وتنظيمياً متنامياً متصاعداً، استطاعت حكمة الأئمة “عليهم السلام” بتوفيقٍ من الله سبحانه برغم حساسية الظروف، وشدّة مراقبة الطواغيت، وإحساسهم بالوجود التنظيمي، وإدراكهم لخطورته على مصيرهم، استطاعت حكمة الأئمة “عليهم السلام” وإدارتهم الدقيقة -وهم محاطون بالعيون المراقبة، وموضوعون تحت عملية الرصد القريب لكل تحركاتهم- أن يحموا ذلك التنظيم من الإنهيار والتعرّي الذي يفشله ويقضي عليه، ويقطع عليه طريق البلوغ إلى أهدافه.

استمرّ التنظيم ثابتاً متنامياً متصاعداً ليبلغ أهدافه المخطط لها.

وكان الإمام الخاضع لرقابة الخلفاء والمفروض عليه الإقامة الجبريّة، حتى يُحاط بكلّ دقائق حركته وأسرارها؛ يدير شؤون الكتلة المؤمنة الصالحة الواسعة في أطرافها المكانية البعيدة عبر البناء الدقيق المتكامل للتنظيم، بما يجعله الحاضر في قضايا البُعداء مكاناً من أنصاره وهو المُغيَّب عنهم من قبل السلطة الجائرة الباغية.

وإذا كان الدور التبليغي الرسالي الصادق المخلص لله مثار عداءٍ شديد لأهل البيت “عليهم السلام”، وتنكيلٍ بهم، فإنّ تأسيس وإشادة ورعاية الدولة العميقة الإيمانية من قبلهم “عليهم السلام”؛ كان أشدّ دفعاً لمواجهة السلطات الغاشمة لهم مواجهةً عنيفةً مكشوفة، وتتبّعهم تشريداً وقتلاً بصورةٍ لا تكاد تستر عن أعين المراقبين والجماهير النابهة.

وفي هذا ضريبةٌ مكلفةٌ لتلك السلطات لما عليه أهل البيت “عليهم السلام” من منزلةٍ قدسيّةٍ عند جموعٍ واسعةٍ من جماهير الأمة ممن كان يعتقد بإمامة أهل البيت “عليهم السلام” وممن لم يعتقد بإمامتهم (ومن لم يعتقد بإمامتهم ولكنه مقهور عقلياً ونفسياً على أن يعترف لهم بالمقام العظيم والصدق والإخلاص والتميز لهم من بين خلق الله في الدين الحقّ)، مما يهدد استقرار كرسي الحكم المبني على الباطل وعلى عداء أهل الحقّ.

وأمام انتشار ولاء أهل بيت الطهارة في الأمة كانت مخاوف السلطات الظالمة تتزايد من بلوغ تنظيم أهل البيت مرحلة الدولة الظاهرة العملاقة التي تنهدّ قوّتها وثباتها كلّ الكيانات الطاغوتية الكاذبة على الإسلام، وهي دولةٌ ما أثقل واجب الحفاظ عليها، وحمايتها حمايةً للإسلام والأمة، والتي لا حماية لهما بعد الله إلا بمثل تلك الدولة.

والدماءُ غاليةٌ كلّ الغلاء، إلاّ في سبيل الله وحمايةً لدينه. وحفظُ النفس واجبٌ لا يصحُّ التفريط به، لكنّ بذلها في سبيل الله واستجابةً لأمره واجبٌ لا يُتأخّر عنه. هاتان حقيقتان واضحتان جدّاً في الإسلام، ومن الضروري أن يتوفّر عليهما فهم الإنسان المسلم وأن تتمشّى سيرته العملية مع مقتضى كلٍّ منهما.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

زر الذهاب إلى الأعلى