خطاب آية الله قاسم في الذكرى الثالثة عشرة لانطلاق ثورة 14 فبراير – 14 فبراير 2024

خطاب سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم في الذكرى الثالثة عشرة لانطلاق ثورة الرابع عشر من فبراير المجيدة – 14 فبراير 2024: 

 

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمدُ لله ربِّ العالمين 

والصلاة والسلام على سيدنا النبي الكريم وحبيب قلوبنا وآله الطيبين الطاهرين. 

 

السلام عليكم إخوة الإيمان.. 

السلام على الأمة الإسلامية المباركة

أُهنّئ نفسي والجميع بالمناسبات المباركة الميمونة في هذا الشهر الكريم، شهر تكثيف العبادة، هنّأنَا الله بولادة عددٍ من أنوار الهدى والبدور الإلهية في الأرض من أئمة أهل البيت “عليهم أفضل الصلاة والسلام”. 

 

المناسبة هي الرابع عشر من فبراير، العنوانمحطّتان من الكلام“:

 

المحطة الأولى: منهجٌ أساس

المحطة الثانية: وقفات مع حقائق أو وقائع في أيامنا أو في عصرنا هذا

 

نحنُ المسلمين نُدركُ أنّنا خُلقنا لخالقٍ واحد، لا أملك نفسي، لا تملك نفسك، لا أملكك ولا تملكني، هذه حقيقة لا يمكن انكارها تعمُّ البشر كلّهم. 

السيادة واحدة، وليس لأحدٍ أن يفرض سيادته على الآخرين، دعونا نضع في الجيب هذه الحقيقة، والشاك والمشكك فيها بعيدٌ عن لغة الهدى والفطرة والعقل. 

رسالتنا كمسلمين -وهي رسالة الإنسان أصلاً- أن نرقى بأنفسنا، وليس الأمر كذلك وحده، وإنما من مسؤوليتنا ومن رسالتنا أن نرقى بالآخرين كلّ الآخرين. 

جئنا لأرضٍ موات، ربما إلا قليلاً، وجاء وهو إنسانٌ بدائي، وكان عليه أن يرقى بنفسه ويرقى بكلّ من حوله ولكل من يمكن له أن يصل تأثيره الإيجابي له، فالدور دورٌ إعماري، والدور الذي أراده الله عزَّ وجلّ من هذا الإنسان دورٌ خلافيٌ إعماري، والخلافة عن الله عزَّ وجلّ ليست خلافةً عن عجز الله وإنما خلافة تكريمية من الله لهذا المخلوق المتميز. 

جاء ليُعمر النفوس أولاً وليُعمر الأرض ثانياً، جاء ليعمرهما عمراناً تمتد آثاره للآخرة وتوجد الإنسان الكامل المعدَّ لحياة الآخرة الراقية الكاملة، قُل الأرقى والأكمل. 

هذه هي الرسالة، هذه الرسالة من الله عزَّ وجلّ، كلّفنا بها، النتيجة ما هي؟ 

النتيجة للنقطة الأولى السابقة هو كما سبق: أن لا يملك أحدٌ أحدا، ولا يسودُ أحداً أحداً، إلا سيادةً أعطاها الله عزّ وجلّ. 

النتيجة للأمر الثاني هي: أنّ هذه الرسالة ليس لنا حقُّ التخلّي عنها، ومن ناحية تشريعية لا نملك أن نخالفها، كوني أعمل من أجل أن أرقى، وغيري يعمل من أجل أن يرقى، وأن أرقى فعله، وكوني مسؤول عن إعمار نفسي والمشاركة في إعمار الآخرين نفساً، عقلاً، إرادةً، دوراً عملياً، هذه مسؤولية لا أملك أن أتخلى عنها، أنا وكلّ الآخرين لا يمكن لأحدنا أن يتخلى عن هذه المسؤولية والقيام بهذه الرسالة، فلا انتظار لأي ظرفٍ من الظروف من أجل أن أدخل في دور العمل الإيجابي لصالح نمو النفس ونمو الإنسانية بكاملها وإعمار الأرض، جئنا ونحن محمّلون بهذه الرسالة ولا يأتي يوم من الأيام يمكن لنا شرعاً أن نتخلى عن هذه الرسالة. 

ما هو طريق هذا الهدف؟ من أجل الوصول إليه ليس هو إلا التمسك بالإسلام أصولاً وفروعا. 

في كل مساحة الحياة والنشاط البشري، ما من نشاطٍ بشريّ إرادي يجوز للإنسان أن يأتي على قلبه فيحتضنه، أن يأتي في عقله فيحتضنه العقل، أن يأتي على يديه، إلا وأن يكون هذا النشاط نشاطاً ترضاه الشريعة الإسلامية والدين الإسلامي، لماذا؟ 

لأنّه لا حقَّ في أرضٍ ولا في سماء، ولا في أيّ زمن، إلا الله عزَّ وجلّ، وما يرضاه الله تبارك وتعالى، ما يرضاه علمه ورحمته وحكمته. هذا هو الذي يوصل إلى الرقيّ، إلى السعادة، إلى المستوى الإنساني الأعلى، فإذن ليس لي أن أكون غربياً، أن أكون شرقياً، في الفكر، في السلوك، في الإرادة، في الهدف، وليس لي أن آخذ بشيءٍ من إنسانٍ كافر أو من إنسانٍ مسلم ما دامت فيه مخالفة ولو بسيطة لشرع الله، لحكمة الله، لرضا الله تبارك وتعالى. 

هذا يدخل في المنهج الأساس لهذا الإنسان في سيره الحياتي. 

 

الإسلام يعني المقاومة والبناء، مقاومة كلّ شرّ، كل نقص، كل تخلّف، كلّ ظلمٍ، كلّ ما يضرّ بهذا الإنسان ويحطُّ من قدره. 

الإسلام يعني المقاومة، أنْ أسلم أنْ أقاوم كلّ شرّ. ما دمتُ أنتمي وأخضع للكامل، الكامل لا يرضى النقص الذي يمكن سدّه، فإذن عليَّ أن أقاوم، أنا مسلم يعني أنا مقاوم، مسلم غير مقاوم ليس كامل الإسلام، مقاوم فيما يسمّي نفسه وهو غير مسلم مقاومته غير قويمة وربما قادته مقاومته وتقوده مقاومته إلى النار. 

 

البناء: 

أنت تقاوم بقدر ما عندك من قدرة، قوة علم، حكمة، إرادة، قوّة بدنية، قوّة مالية، قوّة سلاح، إلى آخره. القوة الشاملة. 

القوّة القليلة والقوّة الشاملة في غير ما وُهب مباشرة للإنسان تحتاج إلى بناء الذات، أن تبني ذاتك من ناحية بدنية، من ناحية صحية، من نشاط لائق، إلى آخره، أن تبني كلّ أسباب القوّة خارج النفس، وهي في اليد سلاح، الجيش، المتدربون على الحروب، القدرة السياسية، الحكمة، العلم، السبق في العلم، إلى آخره، بناء وجود ذاتي ووجود قوّة شاملة تملكها الذات. هذا خطٌّ وبُعدٌ من أبعاد المنهج الأساس الناجح في هذه الحياة. 

 

إذا كنتُ عليَّ أن أقاوم، وعليَّ أن أبني، هذا فيه تعب، فيه مجاهدة، فيه عناء، فيه عداوات تحفُّ بي، فيه استهداف لي، إلى آخره. ما من بناءٍ حتى ولو قلَّ إلا وهو يقوم على العطاء والبذل وعلى المعاناة والتعب، كذلك هي المقاومة. 

الوظيفة المكلفون بها نحن، وهي المقاومة والبناء، تفرض حتماً تطلّب الصبر والبذل، فإذن يترتب على هذا البُعد أن لانتوقع الراحة في الجهاد وفي المقاومة وفي بناء الذات، وأن لا نتمنى نصراً وإن كان قليلاً، نصراً على النفس، ونصراً على فساد الخارج، وعلى الضلال والتيه، ولا نستطيع أن نصل إلى درجة من الخروج من النقص إلا ببذلٍ وتضحيةٍ وصبر. 

فعندما نريد أن نتحرك -فيما تسميه معارضة أو غير معارضة- في أي جهدٍ أو محاولة للتغيير، تحتاج إلى تغيير في النفس، التغيير في النفس من الإيجاب إلى السلب، أو من السلب إلى الإيجاب، طبعاً من الإيجاب إلى السلب فيما هو نقصٌ في النفس، فسادٌ في النفس، ضلالٌ في النفس، ومن إيجاب إلى سلب، إذا نظرنا إلى هذا البعد، إلى سلبيات الذات، كان علينا أن نجاهد هذه السلبيات ونقف الموقف المناهض المقاوم المناقض لها، قد أنظر إلى نقصي من حيث الإيجابيات، لو لم أكن مبتلىً بمصائب من حيث بُعد الفساد، عندي فساد ولكن ليس بذلك الضخامة ولكن إيجابياتي ناقصة، فهنا أيضاً مسرح جهاد عظيم، فالجهاد يُنظر فيه إلى بُعدين، بُعد الانتقال من السلب إلى حالة السلامة منه، والبُعد الثاني الارتفاع بمستوى الإيجابيات والمراكضة في وراء ارتفاع هذا الرصيد لأنه هو القوّة التي تمكنني من تغيير واقعي ومن تغيير الواقع المحيط بي، ومن بناء مجتمع قادر متماسك مهتدي صحيح متحاب، إلى آخره. 

 

الصبر والبذل: 

كم حجمه؟ إلى أيّ حدٍّ أصل في الاتّصاف والتحلّي بالصبر والبذل؟ هذا مرتبط تماماً بحجم الهدف والوعي بالهدف، وبقداسة الهدف، سمو الهدف، اختصاراً ليس موجود هدف أكبر من الهدف الإسلامي، يوصلك للكمال الذي لا ترى نفسك أهلاً له، ارتباط بالكامل، ائتمار بأمر الكامل أوامره ونواهيه، عناية من الكامل لهذا العبد، هذا غير موجود في مدرسة ثانية، دين آخر، فلسفة، أي آيدلوجيةمن الآيدلوجيات يمكن أن تصعد بالإنسان إلى مستوىً بالمستوى الذي يعطيه الالتزام بالإسلام وعبادة الله عزَّ وجلّ العبادة الشاملة. 

إذنْ الهدف مُطْمِع، مُغري جداً، الهدف يُخفِّف المتاعب، أَمَلُ الوصول إلى هذا الهدف، أكبر أمل، أكبر أمنية، هذا يساعد على الصبر، وعلى البذل فيهون الصبر ويهون البذل، والتحديات يخفّ وطئها، كل ذلك بسبب أمل الوصول إلى ذلك الهدف الكبير، هدف رضا الله عزَّ وجلّ الذي لا تساويه نِعَم الآخرة المادية على ضخامتها وعلى لذاذتها.رضا الله في الدنيا يُثري ويُغني ويُريح ويُشعِر بالعزّة والكرامة ويُعطي القدرة على المقاومة، رضا الله في الآخرة هو ردُّ نِعَم الله فيها. لا يسعد الإنسان في الآخرة بشيءٍ كما يسعد بشعوره برضا الله عزَّ وجلّ، معرفته الله وعظمة الله، وشعوره بالمدد الإلهي، بأنه مددٌ لا ينقطع ولا بُخل فيه، وأكرر في عدد من المواقف، لو كانت الآخرة لذائذ مادية جسدية مُغرِقة، ولكن من غير معرفة الله، ومن غير الشعور بالأمن من جانب الله، وبأنّ هذه النِعَم فيها إكرام، لقلّت لذّتها كثيراً بل انتهت عند أهل القمة من الناس، نارٌ أو جنّةٌ في غضب الله عزَّ وجلّ في نفس رسول الله “صلى الله عليه وآله” هي نار، ونارٌ في ظلّ شعورٍ عارم وثَرّ برضوان الله عزّ وجلّ هي جنّةٌ في نفس النبي “صلَّى الله عليه وآله” وعليّ والأئمة الأطهار والأوصياء. 

وصلنا إلى الهدف الكبير الذي نسعى له، متطلباته، والنتيجة الكبرى لهذه الحياة أو النتيجة الخسيسة. 

 

العنوان الثاني: وقفات سريعة من الواقع القائم:

هذا الواقع -منه هذه الأمور-: 

عندنا مشكلة في البحرين، وعندنا ما يكون عنواناً لهذه المشكلة وهو يوم 14 فبراير كذكرى للحراك العام في البحرين، قبل الرابع عشر من فبراير وبعده. 

يوم 14 فبراير هو يوم قضية وطنٍ وأمّة. يوم 14 فبراير ليس يوم البحرين فقط، وإنما هو يومٌ للبحرين، للصراع بين حقّها وباطلها، ويومُ أمّةٍ -أي يوم الصراع في إطار الأمة بين الحقّ والباطل-. 

مع هذا الواقع القائم والذي يزداد سوءاً من جانب سياسة الدولة، وظلماً وتغريباً وهزءً بالإنسان، وإلغاءً للدين، وإسقاطاً للعزّة والكرامة، ويزداد نشراً للفحشاء والمنكر، مع هذا الواقع القائم هل يصحُّ شرعاً التوقف عن المقاومة؟ هل يصحُّ عقلاً التوقف عن المقاومة؟ هل يصحُّ وجداناً التوقف عن المقاومة؟ 

هل للدولة أن ترتقب -وإن لجأت إلى أيّ وسيلةٍ من الوسائل- أن يصمت هذا الشعب؟ أن يركع هذا الشعب لسياستها؟ أن يمشي في طريق التيه والضلال والعمى وينفض يده من يد الله عزَّ وجلّ ليستمسك بسياسة الدولة الظالمة؟ مُحال.. 

ما دام الإنسان في البحرين إنساناً -ولو بدرجةٍ ما يعيش إنسانيته ولم يفقد كامل إنسانيته، وفيه ما يُزينه ولو بعض الشيء فطرته- ما دام هذا الإنسان موجوداً فإنّ الحراك لن يتوقف، وإنّ عزيمة التغيير لن تنهزم ولن تتراجع. لتفعل الدولة ما تفعل، وتكيد كيد الشيطان الرجيم فإنّ كيدها فاشل، وإنّ يوم التغيير ويوم الانتصار ويوم رجوع الكرامة وهيبة الإسلام وعبادة الله عزَّ وجلّ إلى أرض البحرين كما ينبغي، وانتشار الخُلق الإسلامي، وحصول الاستقلالية التامّة عن الفساد الأمريكي والإسرائيلي، والفساد الكفري في كلّ الأرض، هذا اليوم آتٍ آت ولن تصدّ عنه إن شاء الله الحيلُ الشيطانية ولا الدعم الأمريكي والإسرائيلي بكامله، وسيبقى شعب البحرين شعباً -وهم جزءٌ من أمةٍ كبيرة عزيزة مجيدة- ويرجع إلى غالب كلّ غالب، وإله كلّ مألوه، والقادر الوحيد الذي يقوم بقدرته كلّ الكون، بهذا اللحاظ كلّه لن ينهزم هذا الشعب ولن يتراجع ولن يتوقف عن يوم النصر وسيصل إليه إن شاء الله وبصورةٍ جليّة واضحة. 

الأمة كلّها سائرة إلى يوم النصر، ونصرُ الأمّة لا يتجزأ، ونصرُ الأمة لا يتمّ إلا بانتصار كلّ بلدانها وشعوبها وقومياتها.

 

طوفان الأقصى:

طوفان الأقصى بدأ لا ليتراجع، بدأ ليتعاظم لا ليتناقص، بدأ ليقوى لا ليضعف، بدأ ليواصل زحفه وتدميره للعدو ولكلّ باطلٍ في الأرض، بدأ هذا الطوفان بنيّة أن يتصحح الإنسان كلُّ إنسان، وأن تتصحح كلّ أوضاع الأرض، وأن لا يكون ظلمٌ في الأرض، وهو طوفان ممتدٌّ إلى يوم القائم “عجّل الله تعالى فرجه” الذي يتمّ على يديه النصر الكامل ويُمحق الباطل ويظهر الباطل وتنتصر الإرادة الإيمانية ويعزُّ إنسان الإيمان. 

طوفان الأقصى بداية صعبة، وبداية جريئة لجهادٍ مستميت وعظيم ويقوم على أساس تضحياتٍ ضخمة ومحنٍ عظمى، فمن لهذا الطوفان؟ 

هذا الطوفان الذي يواجه طغيان الأرض كلّ الأرض، جهل الأرض كلّ الأرض، جبروت جبابرة الأرض، يواجه الإرادة الشيطانية في الأرض، معركة بين الشيطان وجنده من جهة، وبين أهل الإيمان، هل تقوم به الفئة الذي بدأته؟ هل يكفي لاستمرار هذا الطوفان وتحقيقه للانتصار شعب فلسطين فضلاً عن غزة؟ جزءٌ وإنْ كان كبيراً من الأمة؟ 

الجيش الذي يُبقي الطوفان، الجيش الذي ينتصر به الطوفان، الطوفان الذي لا يمكن أن يُقابل هو طوفانٌ تشترك في استمراريته الأمّة كلّ الأمّة. 

الرجل العجوز مسؤول، المرأة العجوز مسؤولة، المريض مسؤول، الصحيح مسؤول، الغني مسؤول، الفقير مسؤول، كلّ أفراد الأمة وبقدر كلّ واحدٍ منهم هو مسؤولٌ عن استمرار هذا الطوفان والدفع به بدرجةٍ أكبر وأكبر، وليس لأحدنا عذرٌ وهو قادر على الانتصار لطوفان الأقصى ولغزّة والقدس ولجميع الأمّة الإسلامية ولو بقدرٍ يسير أن ينعدل عن المعركة. 

معركةٌ لا حياد فيها، الموقف المحايد في هذه المعركة هو موقف ساقط باطل، فإذن طوفان الأقصى على الجميع جهاداً مستمراً ومقاومةً دائمة وبذلاً لا ينقطع، هذا بجهده وذاك بجهده، هذا بقدر ما تملك يده وذلك بقدر ما تملك يده.

 

التطبيع:

التطبيع تحالف مع الكافر ضد الإسلام والمسلمين، هذا ملخصه، يلخص لك كل الآثار وكل الدور الذي سيقوم به التطبيع. 

التطبيع يساوي تحالفاً ضد الإسلام والمسلمين والكرامة الإنسانية. 

فإذن لابد للمسلمين تبع الإسلام، وللإنسانية تبع الإنسانية، أن يكونوا جنداً مقاومون للتطبيع لأنّه أسس ليطيح بالإسلام والمسلمين وبالإنسانية نفسها.

حينما نبحث عن الموقف العملي من التطبيع هو نفس الموقف، الجواب هو نفس الموقف من الهجوم على غزة، من تدمير فلسطين، من قتل المئات، في اليوم مئة، وفي الآخر مئتان، وخمسة مئة، وألف، والعدد لا يتوقف عند حد، والكوارث والآلام والنفسيات المحطمة، هذا لا يتوقف وكلّه مصائب يُحمّل الإسلام المسلمين بذل كلّ جهدٍ في توقّف مدّها. 

 

والبُعد الآخر هو المقاومة: 

المقاومة تستجيب للآية الكريمة (وتعانوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان). 

الفلسطينيون، وحركة حماس ومن معها، حزب الله، حزب أنصار الله، العراق، كلُّ أولئك، وكلُّ من أعان ودخل في هذا المحور وفي كيان المقاومة، ودافع ومانع وناصر وصبر وبذل وضحّى، هؤلاء يتعاونون، وهو تعاونٌ على البر والتقوى، وكلّ من وقف في وجههم من كافرٍ ومسلم فهم متعاونون على الإثم والعدوان، وعجباً أن يوجد صفٌّ من بلاد الإسلام يتعاون مع الكافرين ويناصرهم على الإثم والعدوان ومقاومة أهل الله والمجاهدين في الله تبارك وتعالى وكلّ مؤمن وتقيٍّ ورع، إنّهم في الموقف العملي أعداءٌ للإسلام على حدّ عداوة الكافر للإسلام، وهم على حدّ السعي الحثيث للقضاء على المسلمين كما هو موقف الكفّار تماماً. 

المقاومة -وهي تجتمع على الحقّ والتعاون على البر والتقوى- ما موقف الشعوب منها؟ 

حكومات هذا المواطن ضد الإسلام في موقفها العملي، المواطن كيف؟ 

هناك تعاونان: تعاون على البر والتقوى، وتعاون مقاومة. وهناك تعاون على الإثم والعدوان، وتعاون على صفّ التطبيع. 

أنا المواطن، وأنت المواطن مع من يكون موقفنا؟ وهل يكون للشعوب موقف؟ المواطن ليس واحد، ملايين المواطنين، هذه الملايين بلا أثر؟ لو كانت هذه الملايين بمستوى الذباب وحاشى، وتوجه هذا الذباب لأذى إسرائيل وبني إسرائيل وأذى الأعداء الآخرين، له أثر أو ليس له أثر؟ هؤلاء الملايين عندهم عقول، يصل العدد إلى مليار وأكثر، هؤلاء عندهم عقول، عندهم إرادة، هؤلاء عندهم علاقات، هؤلاء عندهم طاقة بدنية، عندهم قدرة سياسة، عندهم علم، عندهم قدرة على الاجتماع، إلى آخره، موقف من المواقف في البحرين الصغيرة يُعطّل قرار، إنْ لم يُلغي القرار يُعطّل القرار، يتنزّل مستوى القرار الرسمي المُحارب للإسلام، الأمة لو اجتمعت كلّها، الكلمة المنقول عن السيد الإمام “أعلى الله مقامه” لو توجّهت ملايين المسلمين لليهود كلٌّ يسكب عليهم دلو من ماء لغرقوا، فالقدرة صحيحٌ أن الحكومات لديها قدرة -وهي قدرة مسروقة من الشعوب، وبعمل الشعوب- ولكن تبقى الشعوب مصدر قوّة هائلة، وتبقى القوة لهذه الحكومة أو لتلك الحكومة إذا لم تجتمع كلمة الشعب، وإلا لا قوة تقريباً لأيّ حكومةٍ من الحكومات تجتمع كلمة شعبها ضد سياستها، فالشعوب مسؤولة عن الانضمام إلى محور المقاومة في الدفاع والكفاح والبذل والتضحية والمشاركة في الآلام المحرِّكة للموقف العملي، إذا اجتمعت كلمة شعوب الأمّة على أن تخرج، على أن تهرب أو تسقط الدولة اليهودية الصهيونية وتغادر أرض فلسطين فإنّ ذلك ليس بعسيرٍ بإذن الله تبارك وتعالى. 

 

قيمة الإمام الخميني:

لو عرفت الأمة -غالبها إذا لم يكن كلّها- قيمة الإمام الخميني “أعلى الله مقامه”، قيمة ثورته، قيمة دولته، والتفت بها، أقامت علاقات على الأقل قوية معها، استلهمت منهجها، أقامت علاقات إيجابية مع هذه الدولة، استفادت منها، تبيّن واضحاً جدّاً أنّ الثورة معطاءة قديرة حكيمة، طريقها طريق انتصار، الدولة دولة نموها سريع برغم كلّ التحديات والصعوبات والمقاطعة، واجتماع الحرب على الدولة الإسلامية من قبل أبناء الأمة وقسمٌ من أبناء الشعب الإيراني، واجتماع كلمة الكفر في الغرب، رغم كلّ ذلك، والنمو مطّرد ليس في بُعدٍ واحد، في البعد الإنساني وما ينتجه نضج البعد الإنساني، وكلّ الأرض وإعمارها قائم على حياة البُعد الإنساني، لو ارتبطت هذه الدول بهذه الدولة المباركة، واحتضنتها كما أرادت الدولة أن تحتضن القضايا الإسلامية والأمة الإسلامية لتغيّر واقع الأمة كلّها في هذه السنوات تغيّراً هائلاً جدّاً بحيث يُفقد إسرائيل ومن ورائها أمل البقاء، وتيأس وتتراجع ولا يرتفع لها صوت وتضؤل سريعاً سريعاً حتى يذوب وجودها وتطهر الأرض الإسلامية من فيئها.

المصيبة هنا، نعمة كبرى ضيّعتها الأمة. النصر الإلهي للإمام الخميني “أعلى الله مقامه” وما أنتجه هذا النصر من قيام الدولة الإسلامية هي نعمةٌ ليست لإيران فقط، إنما نعمة للأمة بكاملها، هذا الطريق فُتِح، طريق النصر والعزّة والكرامة وظهور كلمة الله عزَّ وجلّ، ما بقي عليكم إلا أن تستفيدوا من هذا الطريق، لكنهم عادوا الثورة وعادوا الدولة ولا زالت العداوة عند الكثيرين قائمة لهذه الدولة المباركة، ولو تأخّر النصر فهو تأخّرٌ بفعل هذا الإنسان المسلم مع الأسف الذي لو رجع إلى إسلامه وإلى القيادة الرشيدة التي مثّلها الإمام الخميني ومن بعده الإمام الخامنائيلَتَغيَّر وضع الأمّة كثيراً. 

نحن لا نطلب أن يحكموا بلادهم، أن يُحَسِّنوا العلاقة معهم، يدخلون في الاستشارات معها، في تعاون معها، تقوى الأمة كلّ القوّة، والآن الأمة تجد حاجتها في صراعها الحالي القائم، تلمس حاجتها لمس اليد لدعم الجمهورية، لوقوف الجمهورية، مع هذا الدعم ومع هذا الموقف والأمة تطلب المزيد، ففرصة كانت كبيرة ولا زالت أن يُرجى الاستفادة منها ولكنّها لازالت مُضيَّعة. 

 

غَفَرَ الله لي ولكم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

زر الذهاب إلى الأعلى