كلمة آية الله قاسم “على خط كربلاء أبدًا” – محرم 1443هـ

كلمة سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم التي ألقاها في الفعالية التي نظمتها مؤسسة عاشوراء الدولية خلال موسم عاشوراء 1443هـ، والتي كانت تحت عنوان (على خطّ كربلاء أبداً)

فيديو الكلمة :

صوت الكلمة :

تنزيل

نص الكلمة :

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين.

الصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

السلام عليكم أيُّها الأخوة المؤمنون ورحمة الله وبركاته.

يقترب منّا يوم عاشوراء بكلّ رساليته، وبكلّ كبريائه الإلهية، وبكلّ عظمته. يقترب منّا يوم الحسين عليه السلام، الإمام المعصوم، قائد سفينة البشرية بعد أبيه أمير المؤمنين عليه السلام بأمر الله تبارك وتعالى.

السلام على الحسين.

وعلى علي بن الحسين.

وعلى أولاد الحسين.

وعلى أصحاب الحسين، الذين بذلوا مهجهم دون الحسين عليه السلام.

هذه كلمةٌ بالمناسبة، عنوانها “على خطّ كربلاء أبدا”..

حتى لو لم يكُن إسلام ولا أيّ دينٍ يؤمن بالآخرة ويدعو إليها لا يستغني الناس في حياتهم الاجتماعية التي لابد لهم منها عن منهج يضبط العلاقات بينهم، ويُنظّم مسألة الحقوق والواجبات لئلا تتحوّل حياتهم إلى فوضى واقتتال، ولا يستغنون عن وجود الحكومة القادرة على انفاذ هذا المنهج وإلاّ فلا فائدة في بقائه حبرًا على ورق، بينما تسير الحياة الاجتماعية في واقعها على خلافه.

وإذا أدخلنا أمر الدين الذي يؤمن بالآخرة ويوجب إعداد الإنسان لها؛ عَظُمَت الحاجة إلى المنهج الشامل للدنيا والآخرة وتنظيم العلاقة بينهما، وإلى نظام الإمامة والإمام والحكم الذي يُعطي المنهج الاجتماعي فاعليته العمليّة، ويصوغ الأوضاع الفكريّة والنفسيّة والعمليّة المتناسقة المؤديّة لحياةٍ مربحةٍ مستقرةٍ في الدنيا لكلٍّ من الفرد والمجتمع، ولحياةٍ أخرويّةٍ تتمُّ بها الغاية الكبرى لوجود الإنسان، حياةٍ دائمةٍ كلّها سعادة لا شقاء فيها.

ولا خير في منهجٍ لمشروع صغير أو كبير لا يقوم على العلم والعدل والحكمة والرحمة، ولا خير في أيّ جهازٍ مُنفّذٍ لأيّ منهجٍ فاقدٍ لشيءٍ من ذلك كذلك.

ولا مشروع بِقَدَرِ مشروع التربية العامّة للإنسانيّة في هذه الحياة، ولا منهج أصعب من المنهج الناجح الدقيق لهذه التربية الذي يكسبها النجاح، ولا تحديَّ كما هو التحدي الذي يُواجه الحكومات في استقامتها على طريق العدل والحكمة وضبط النفس ونسيان الذات أمام متطلبات الحقّ.

وإذا كان النقص في منهج الحكم يُمكن أن يُتدارك على يد الحكومة العالمة العادلة الحكيمة الرحيمة، فإنّ نقصَ جهاز الحُكم لا يُتدارك بكمال المنهج، لأنّ قصور الحاكِمين وجهلَهم وظلَمهم هو المُتصرِّف في المنهج، وينزل به إلى ما يُريد.

والإسلام يُصرّ على أنْ لا يحكم الناسَ إلاّ المنهج العليم العادل الحكيم الرحيم، ولا تتولّى الحكم به إلاّ اليد العليمة العادلة الحكيمة الرحيمة. وهذا المنهج الأتمُّ في علمه وعدله وحكمته ورحمته مستحيلٌ إلاّ أن يكون من عند الله، ولا علم بالإنسان الأكملِ علمًا وعدلاً وحكمةً ورحمة، والأقدرِ على انفاذ المنهج الأتمِّ إلاّ لخالق الناس جميعًا، والذي لا تخفى عليه من أمر الإنسان والكون كلّه خافية، ولا فرق في علمه بين ما مضى وما هو حاضر، وما تأتي به الدهور.

وقد قام الدليل القطعي عند المسلمين على صحّة الإسلام الذي أنزله الله سبحانه منهجًا من عنده لحكم الحياة بالعلم والحقّ والعدل والحكمة والرحمة.

والمنهجُ العدل يحتاج إلى حافظٍ من التلاعب والتحريف والزيادة والحذف والتأويل الفاسد، هذا من جهة. كما يحتاج إلى ما يضمن تطبيقه تطبيقًا أمينًا، وتحويلَ عدله إلى عدلٍ عمليٍّ لا تخرج حياة المجتمع عن خطّه، ولا تتمردُ عليه من جهةٍ أخرى.

والثابت عند المسلمين جميعًا هو تكفُّل حكومة الرسول “صلَّى الله عليه وآله” في حياته الشريفة بالمهمتين معًا.

والواضح جدًّا أنّ أيًّا من المَهمَتَيْن لم ترتفع الحاجة إليها بعد رحيل خاتم الأنبياء “عليه وآله وجميع النبيين أفضل الصلاة والسلام”.

ومن غير المفهوم مطلقًا أن تنحفظ عصمة الشريعة علمًا وعملاً بالحاكم الفاقد للعصمة، والإمام الذي يضِّل عن الطريق (1).

ومن هنا جاء الاهتمام الكبير من الإسلام ومن أوّل أيامه بأمر الإمامة وتدخُّلهُ بشأنها، ووصفُه لها بأنّها أُسُّ الإسلام.

وقد حظي الإمام الحسين بن عليّ “عليهما السلام” بما يثبت عصمته من نصوص الدين، بما لا يملك منصف أن يردّ دلالته أو يتوقّف أمامها.

وتبقى الكلمة والموقف والاقرار من الإمام المعصوم حُجّةً على الأمة لا تقبل المناقشة دينًا أو عقلا.

ولذا تخرج ثورة كربلاء التي قادها الإمام الحسين عن سياق الحادثة التاريخية الخاضعة للمناقشة من حيث الشرعيةُ وعدمُها، والصوابُ والخطأ، إلى كونها مدرسةً إسلاميةً مأمونةً معصومة تُتَلَقّى دروسُها البيّنة من كلّ مسلمٍ مؤمنٍ بكلّ اطمئنانٍ وتسليمٍ ورضى ويقين بشرعيتها لا تدخُله شائبةٌ من ريب.

وتبقى الثورة الحسينية مقياسًا لثورات المؤمنين بها، ولثورات الآخرين في نظر المؤمن لتلك الثورات (2).

فما هي بثورةٍ إسلامية ولا انتفاضةٍ إسلامية، وليس بحراكٍ إسلامي؛ ما كان مُخالفًا لهدف كربلاء، وثوابتِ وأخلاقيّةِ كربلاء، وخطِّ القيادة التي تشرّفت بها كربلاء في مواجهة الجاهلية الأموية، جاهلية يزيد وشمر وابن زياد.

إنّه حينما تجري المُقابلة بين إمامة الحسين “عليه السلام” وغيرها، فإنّه لا يصحُّ أبدًا أن تدخل مثل إمامة يزيدٍ في الحساب والمقارنة، فيزيدُ وأمثاله لا يملكون شيئًا من مقوّمات القيادة في نظر الإسلام. المُقابلة إنّما تجري بين إمامة الحسين “عليه السلام” -وهي مستكملةٌ لكل شرائط الإمامة في الإسلام- وقيادة غيره من العظماء الفاقدين لشرط العصمة، والذين لا يأتي لهُم دورٌ في قيادة الأمة ومثل الحسين “عليه السلام” حاضرٌ فيها، ولا دور فيها أصلاً إذا كانت شخصيتهم تتعاكس مع شخصيته “عليه السلام”.

إنّه لا إمامة لمبدأ إلاّ من جنسه، ومن حجمِ إمامٍ لا ينقص عن حجم أهدافه، ومن رأيٍ مُلتقٍ مع رأيه.

والإسلام –العظيم النزيه الطُهر المُقدّس- لو كان أئمته القائمون على أمره رأسماليين لكان رأسماليًّا، ولو كانوا اشتراكيين لكان اشتراكيًّا، ولو كان الأمناء عليه شيوعيين لتحوّل شيوعيًّا، وهكذا. والإسلام الحقّ لا يكون كذلك محتفظًا بحقانيته بالكامل إلاّ بإمامٍ كعليٍّ والحسن والحسين “عليهم السلام”.

وما أعظمه من ظلمٍ للإسلام، وما أكبره من إثم، وأشدّه من افتراءٍ على الله ورسوله أن يُقال للجاهل بالإسلام، الغريب في شخصيته عنه، القاصد غير قصده، المُتخلِّق بغير خلقه بأنّه إمام الإسلام وولي أمر المسلمين وأن يُعطى الولاية الفعلية على الإسلام.

وقد قيل ولا زال يُقال لبعضٍ من ظاهريّ الفسق والمجون ذلك (3)، ولقد جاءت ثورة الحسين “عليه السلام” حربًا لهذا الزور العظيم، وتطهيرًا لساحة الإسلام من هذا الإثم العظيم، لأنه من أكبر الكذب على الله عزَّ وجلّ.

لقد جاءت كربلاء تصحيحًا لمسار الأمة كلّها فكرًا وعملاً وإنقاذًا لها، فعلى خطّها إلى الأبد.

وثورةٌ بهذا الوزن، وإمامٌ بهذه العظمة، لا يصحُّ أن يدخل إحياء ثورته وذكراه شيءٌ من وهن، شيءٌ من خطأ، شيءٌ من تساهل، وشيءٌ من أهدافٌ جاهلية، وشيءٌ من ميل عن الإسلام، فمع الإسلام، مع ثورة كربلاء في عليائها، في أفقها البعيد، في عطاءاتها المجيدة، في ثوريتها الخلاّقة.

والحمدُ لله ربّ العالمين.

هوامش:

(1) المنهج المعصوم في حكم حاكمٍ غير معصوم؛ غير معصوم. والمنهج الهادي في ضلّ الإمام الذي يمكن أن يضلّ لا يملك الهدى التام على المستوى العملي.

(2) كلّ ثورةٍ من ثورات المؤمنين يقيسونها صحةً وفسادًا، وخللاً ونجاحاً وسقوطاً وعظمة وتسافلاً وكمالاً وقصوراً بمقدار قربها أو بعدها من ثورة الإمام الحسين عليه السلام في كلّ حيثياتها.

(3) يُقال له بأنّه إمام الإسلام، يُقال له بأنّه إمام المسلمين، يُقال له بأنّه خليفة الله في أرضه، بلى قيل لهارون الرشيد، للمؤمون، لخلفاء بني أمية، لخلفاء بني العباس، للخلفاء من بعد ذلك، على ما هم فيه من فسق وفجور وبُعد عن الإسلام ومضادّةٍ له، بأنهم خلفاء المسلمين وأولياء أمر المسلمين وأئمة المسلمين!.

زر الذهاب إلى الأعلى