كلمة آية الله قاسم لأهالي منطقة “دزفول” – 25 مايو 2021

كلمة سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم لأهالي “دزفول” في محافظة خوزستان جنوب الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وذلك في يوم المقاومة والصمود الذي يُعدّ يوماً وطنياً وتاريخياً، والذي يجسّد صمود أهالي المنطقة ضد الهجمات الصاروخية المكثفة التي كان النظام البعثي في العراق يطلقها خلال حرب الثمان سنوات – ٢٥ مايو ٢٠٢١م:

* نص الكلمة :

بسم الله الرحمن الرحيم

يا أبناء ديزفول والجمهورية الإسلامية الإيرانية المباركة.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هُنِئتُم الإيمان والعزّة والصبر والصمود والمقاومة الباسلة والدفاع المقدّس في سبيل الله الذي أحييتُم به الإسلام والأمة الإسلامية، وأحدثتُم التفاتةً مؤثرةً عند شعوب العالم إلى عظمة الإسلام.

لقد خضتُم تجربة الجهاد المقدّس طويلاً من أول يوم لثورتكم الهادية حتى اليوم، ونازلتُم قوى الباطل بكل صلابةٍ وبسالة طوال أيام الثورة والدولة، وما انكسرت إرادتكم الإيمانية، وما لان لكم عود.

حَصَدت منكم الأسلحة الفتّاكة للظلم البهلوي أيام الثورة، وأسلحة الدّمار الشامل للنظام الصّدامي وداعميه من قوى الشرّ العالمية، وأتباعهم من داخل هذه الأمة المعادين للإسلام في كلّ ما يناهضهم في سياستهم الغاشمة المناقضة لقيمه وعدالته، حصدت منكم ما حصدت، وأُفقِرتُم وأُرعِبت حياتكم ليلاً ونهاراً، وحوّلتها تلك الأسلحة جحيماً عامًّا ،وما مس ذلك إيمانكم وصبركم وصمودكم وما زادكم بطريق الحقّ إلاّ إيمانًا، وما أعطيتُم لأحدٍ أن يشمت بذلّةٍ منكم أو هوان، وما انكسرت لكم إرادة وما حدث لكم شيء من تراجع، ولم يمسسكم شكٌّ في حقانيّة الطريق وحقانيّة الهدف وعظمة الثورة وعظمة الدولة.

كنتم أكبر من كلّ الأحداث والخسائر والأوجاع، وكان تمسككم بإسلامكم وقيادتكم وعزّتكم بالله، أكبر من أن يتجاوز أو يَهِن أمام أكبر الكوارث.

كان تمسككم يتجاوز عناد كل المستكبرين ولا يُتَجَاوَز، ويَغلِب ولا يُغلب، وكانت بصيرتكم لا يعرضها زيْغٌ ولا ضلال.

يا شعبًا علَّم الأمة حبّ الشهادة، وفاعليّة هذا الحبّ في تحقيق النصر رغم عوامل الهزيمة، ورغم كثرة الأعداء واجتماع كلمة الباطل في مواجهتكم، وعلَّمها أنّ الدمّ في سبيل الله يهزم السيف والجيوش العنيدة، وأن المنتصرين لله منتصرون.

لقد نَفَخَت ثورتُكم ودولتُكم الإسلامية في الأمة روحًا غَيَّبها بُعدُها طويلًا عن الإسلام؛ هي روح الإباء الشديد، والصلابة المُكابِرة، والعزّة بالله التي لا تعدلها عزّة، والغَيْرة على الحق غَيْرةً فوق كل غَيْرة، والصمود الأعجوبة على طريق الهدف الإلهي، كما أعطيتُم للأمة وعيًا بأنّ الإسلام لا يرضى من أهله بأن يتخذوه ناقصًا مجزوءًا، مسلوب الفاعلية العملية التي تقيم العدل في الأرض كلّ الأرض، وتُحِقّ الحقّ في حياة الإنسانية وتُبطِل الباطل، وتقود الحركة للإنسانية كلّها على خط الله العزيز الحميد.

ثورتُكم ودولتكم جاءتا بالتصحيح لفكر الأمة ونفسيّتها والنهوض بارادتها الإيمانية إلى الحدّ الذي يحقّق التغيير الذي يرضاه الله، ولا ينوء تحت الثقل الباهظ لتكاليفه.

وقد تحقّق من ذلك من خلال ما تشهده اليوم من شواهد قائمة بيّنة وصارخة في المعركة الحادّة بين العدو الصهيوني واليهودي من جهة، وبين المقدسيين والفلسطينيين الأشاوس الأبطال الرساليين المضحين في سبيل الله، ومن وراءهم من أحرار هذه الأمة من الجهة الأخرى.

نعم علّمتُم كلّ الدنيا بأنّ القتال وهو كرهٌ للناس يتحوّل إلى شربة ماءٍ بارد يطلبها محترقُ القلب من العطش في لاهبة الصحراء حين يكون الطريق إلى نصر الإسلام، أو الشهادة عند المجاهدين الحقيقيين في سبيل الله.

إنّه لصِدقٌ بأنّ الحقّ عزيزٌ على مَن عرفه لا يمكن أن يُضحّي به ويهون عليه أن يُضحّي بنفسه من أجله، وأن يصبر على أصعب الصعاب في سبيله، وإلاّ فكيف لم تلينوا ولم يمسسكُم وَهن، وما ردّكُم شيءٌ عن طريق إيمانكم حين كنتم تُمطرون بالأنواع المختلفة من أسلحة الدمار الشامل ليل نهار لا تأمنون لحظةً في نوم أو يقظة، تُمطرون بحِمَم النيران وأسباب الموت المُحتَّم بحرًا وبرًّا ومن السماء، وتخوضون بحارًا من دمائكم، وتتحولّون إلى أشلاءٍ ورماد؟ معرفتكُم بالحقّ أعطتكُم كلّ هذا الثبات، وكلّ هذا الصمود والرضا بما تبذلون، والصبر على ما تلاقون وهو عظيم.

شَكَرَ الله سعيكم. دماؤكم وأشلاؤكم وتضحياتكم الكبرى وعناؤكم الشديد ثبَّت أركان القلعة الإسلامية اليوم وأعَزَّ المسلمين -أعني قلعة الجمهورية الإسلامية المباركة-.

هذه الجمهورية أغلى عطاءٍ أعقبتُه جهودكم الجبّارة المباركة، ووعيكم وإيمانكم وفداؤكم العملاق من أجل الإسلام، ولا أولى منكم اليوم بحراسة كلّ حبّةٍ من حبّات هذه الجمهورية، وكلّ قضيةٍ من قضاياها، وكلّ مقدّسٍ من مقدّساتها.

وأنتم أعرف أنّ المكاسب الكبرى لا يُفرَّط بها بحال، ومكسبٌ كمكسب الجمهورية الإسلامية لا مكسب يُعادله، وأنتم والأمة كلّها تتحملّون مسؤوليةً كبرى، وأمانةً لا أغلى منها في الحفاظ على هذا المكسب الكبير على مستوى الدنيا والآخرة.

وليس أثقل ولا أكثر كلفة من الاحتفاظ به في هذا العالم المحكوم في الكثير منه للجاهلية، والذي قد اجتمعت كلمة الباطل فيه على معاداة هذه الجمهورية، وكلّ الأمة الإسلامية التي ترى فيها أملًا للإسلام والمسلمين، ساعيةً كلّ السعي للقضاء عليهما.

إذاً لا الشعب الإيراني، ولا أيٌّ من أبناء الأمة ممّن لهم تقديرٌ لعظمة الإسلام، وإدراكٌ لحاجة الأمة وكل العالم لعطاءات الإسلام الضرورية والكريمة لحياة الإنسان على الأرض وتحقيقه للغاية الكبرى من هذه الحياة المحدودة أنْ يعتبروا أنّ المقاومة والدفاع المقدّس حدًّا محدودًا (*)، أو يومًا يتوقّف فيه عن التطوّر والامتداد والقوّة وتضاعف القدرات، وتراص الصفوف، ونظم الأمر، وتنسيق الجهود والتوحُّد على الهدف الإلهي العظيم، والالتفاف الصادق القويّ المتين حول القيادة الإلهية الواحدة، من أجل إبقاء كلمة الله هي العليا في الأرض.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هامش:

(*): لا أتصوّر أنّ الشعب الإيراني ولا أيٌّ من وعاة الأمة وأبناء مقاومتها، وأبناء نصيرتها يذهب إلى أن للمقاومة والدفاع المقدّس حدًّا محدودا.

زر الذهاب إلى الأعلى