كلمة آية الله قاسم التي بُثّت عبر الشبكة الدولية لإحياء عاشوراء بعنوان : معالم الإصلاح الحسيني

كلمة سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم التي ألقاها في الفضاء الإلكتروني وبُثّت عبر الشبكة الدولية لإحياء عاشوراء ١٤٤٢هـ بتاريخ 5 سبتمبر 2020م

للمشاهدة :

نص الكلمة :

معالم الإصلاح الحسيني

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين

والصلاة والسلام على سيدنا محمد بن عبد الله وآله الطيبين الطاهرين

السلام عليك يا أبا عبد الله الحسين

السلام على الأمة المؤمنة العشّاقة للإمام الحسين “عليه السلام” على طريق عشقها العظيم لله تعالى.

هذه كلمة بمناسبة موسم محرّم تحت عنوان “معالم الإصلاح الحسيني”.

للإمام الحسين بن علي بن أبي طالب “عليهما السلام” ثورةٌ تغييريةٌ إصلاحيةٌ كبرى لا ينقضي أثرها، ولا يقف بنور امتدادها مكانٌ ولا زمان.

والتغيير قد يكون من حالٍ إلى حالٍ يساويه، كأنْ تنقل الشيء من موضعٍ لآخر لا رجحان لأحدهما على الآخر، وقد يكون من الحسن إلى السيء كما في التغيّر عن الاستقامة إلى الانحراف، ومن التقوى إلى الفسق، وقد يكون من السيء إلى الحسن كما في التغيّر من الكفر إلى الإيمان، ومن الظلم إلى العدل.

وأما الإصلاح فليس إلا بالتغيير من السيء إلى الحسن، ومن الانحراف إلى الاستقامة، ومن الشرّ إلى الخير، ومن الظلم إلى العدل، ومن النقص إلى الكمال.

والإمام الحسين “عليه السلام” يقول في بيانٍ رئيسٍ من بيانات ثورته المباركة “وإنما خرجتُ لطلب الاصلاح في أمة جدّي”.

والإصلاح المطلوب له “عليه السلام” في ثورته كما في هذا البيان هو الإصلاح لكيان الأمّة ووضعها وعلاقاتها ومسيرتها وتوجهها بما هي أمّة، وبما لها من وصف أنّها إسلاميّة.

والإصلاح إنما يأتي عن وجود خللٍ وفسادٍ وانثلام وتصدّعٍ في الكيان والهويّة والنظام، وخلل في القيام بالدور والأداء للوظيفة، وانحرافٍ عن الخطّ، وتغيّرٍ في الأهداف.

وهذا كلّه مأخوذٌ بالنظر للأمة الإسلامية بلحاظ عدم المطابقة للإسلام، وهو الوصف الأصيل والمُميِّز الحضاري لها من بين كل الأمم.

إنما يُحكم على الأمّة بالفساد في أي جنبةٍ من جنباتها –أعني أمتنا- فيما إذا كان لها انحرافٌ عن خطّ الإسلام، وعن الصيغة الإسلامية، والأسلوب الإسلامي أو الهدف الإسلامي.

وإصلاح الخلل والفساد والانحراف الشامل لكيان الأمة ووصفها؛ لا يكون إلاّ بالردّ للإسلام وتحكيمه في كل أمرٍ من أمورها.

الإصلاح الذي يعنيه الإمام الحسين “عليه السلام” هو أن يأخذ بالأمة باتجاه الله بعد انحرافها عن هذا الاتجاه اللاحب الكريم الموصل السامي.

إصلاحها الذي يريده الإمام الحسين عليه السلام هو أن يرجع بها إلى هويتها الإسلامية وإلى خطّها الإسلامي.

وإصلاح الأمّة أكبر من إصلاح العدد العظيم من أفرادها وحتى من إصلاح كل أفرادها، فليس كلّما صَلُح وضع الأفراد صلح وضع الأمة وكانت الأمّة القدوة في كل أوضاعها، والأمّة الأرشد والأهدى والأقوى والمستهوية لكل الأمم، والمُهَابة لها.

هيبة الأفراد وعزّة الأفراد وغِنى الأفراد وعلم الأفراد، لا يكون ذلك الشيء الكبير والعملاق الذي يحمي الأمّة، وتُهَاب به وتعزّ وتغنى، وتكون القدوة والمعلِّمة والهادية والمخشيّة والقائدة للأمم، تلك التي لا ترى هذه الأمة إلا الأمة العظيمة العملاقة الكبيرة القدوة.

لا يكون الأفراد كذلك، ولا يعطون هذه النتيجة بكل ما لهم من مميزات وقوة وظهور، ما داموا وجوداً مشتتاً لا تجمعه اليد الواحدة، ولا تدير أمره الإرادة الواحدة، وهي إرادة الكيان الواحد المُتمثّل في الأمة، وفي إمامها الواحد العملاق في كل الكفاءات الصالحة التي تتطلبها الإمامة.

وقد تصلح الأمة وتكون أصلح الأمم ويبقى من أفرادها من هم على فسادٍ كبير، وسوء نيّةٍ وعمل، ويسابقون في ذلك أكبر المفسدين.

وإذا كان إصلاح أفرادٍ من النّاس أمراً صعباً على المصلحين، فإنّ إصلاح وضع الأمّة ومسارها لابد أن يكون أصعب وأصعب، وخاصةً بعدما تُصاب بضرباتٍ قاتلة في صميم هُوّيتها وأركان وجودها، وتنال التصفيات الظالمة مفاخر كثيرة من صالحي ومصلحي رجالها، وهي الحالة التي واجهتها الثورة التغييرية الإصلاحية الكبرى للإمام الحسين “عليه السلام” بهِّمتها النادرة.

وأنت خبيرٌ بأن ليس كل مَن كان صالحاً كان قادراً على تَحمُّل أعباء الإصلاح والنهوض بمسؤوليته أو مُقدِماً عليها، سخيّاً بالتضحيات العظام على طريقه.

والآن فلنأتِ للكلام عن معالم الإصلاح الحسيني العظيم:

1- أبرز مَعَلَمٍ وأصدق وصفٍ لثورته الكريمة “عليه السلام”، وهو الوصف الأول لها، والساري بتأثيره في كلّ مفصل من مفاصلها، أنّها ثورة إصلاحية إلهيةٌ محضة.

ذلك أنّها لا منطلق آخر لها غير دين الله، ولا مُحرِّك لها غير أمره، ولا هدف لها غير إحياء دينه وطلب رضاه، ولا تقديم ولا تأخير، ولا حركة ولا سكون، ولا قول ولا فعل فيها إلاّ طِبقاً لشريعة الله، ولا خروج فيها عن حكمٍ من أحكامه، ولا تعدِّيَ منها لحدٍّ من حدوده.

أقول ذلك لأن القائم على ثورة الإمام الحسين هو الحسين الإمام المعصوم “عليه السلام”.

فنحن نقرأ من بيانات ثورة الحسين “عليه السلام”: “وإنِّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدّي “صلى الله عليه وآله” أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب عليه السلام” (*).

والكلمة تخرج من الحسين “عليه السلام” لا تخرج إلا صادقة، وحَقّة، وعن علمٍ من علم الله، وعلى أساسٍ من خشية الله واحترام جلاله وجماله.

ونقرأ له عليه السلام: “رضا الله رضانا أهل البيت”.

وفيما كتبه جواباً لكتاب عمر بن سعيد والي يزيد على مكّة: “أما بعد فإنّه لم يشاقق الله ورسوله من دعا إلى الله عزّ وجلّ، وعَمِل صالحاً وقال إنني من المسلمين”، وهو في هذا الكلام إنّما يتحدّث عن دعوته ونهضته الخالصة لوجه الله سبحانه وتعالى والتي ليس له من رضا نفسه عليه السلام شيء إلا مما يرضي الله تبارك وتعالى.

ويجيب على كلمة الفرزدق عن أهل الكوفة، القائلة: “قلوبهم معك، وسيوفهم مع بني أميّة، والقضاء ينزل من السماء والله يفعل ما يشاء”، بقوله “لله الأمر والله يفعل ما يشاء”، إلى أن قال “عليه السلام”: “وإن حال القضاء دون الرجاء، فلم يعتد من كان الحقّ نيّته والتقوى سريرته”.

والقلوب التي هي معك، وسيوفها مع بني أمية فهي قلوب العامة من الناس، أما قلوب الذين اشتروا، وباعوا آخرتهم وهم يطلبون بيعها من أجل الدنيا، فؤلائك كلٌّ من قلوبهم وسيوفهم على الإمام الحسين ومع بني أميّة، والحال هو الحال يومنا هذا.

القضاء الذي قد يكون مع السيوف، والتوجه للسيوف الذي قد يعطل السيوف ويبطل فاعلية السيوف، والقضاء ينزل من السماء والله يفعل ما يشاء، وإرادة الله عزّ وجلّ فوق كل الأسباب لأنّه مالك الأسباب والذي لا تملك منه الأسباب شيئاً.

كان الهدف النصر، النصر الذي يأتي على مُلك بني أميّة ليقيم مكان ملكهم ملك الإسلام.

هذا الهدف وإنْ لم يتحقق في العاجل إلاّ أنه كان صادراً عن نيّةٍ خالصةٍ لوجه الله تبارك وتعالى، فلا خسران.

وهو في هذا الجواب يعطي التقدير كل التقدير لأن تكون نهضته من أجل الله وقد كانت كذلك، وأن يكون على الحق الذي يرضى الله وقد كان كذلك، وأن يكون لا منبعث له في ثورته إلاّ منبعث التقوى الذي كان يملك كل سريرته، وأن لا تزِلّ له قدمٌ عن صراط الله بعصمةٍ منه، ولقد كان الذي عصمه الله عزّ وجلّ عن أن تزلّ له قدم أمام مصيبة.

2- المَعلَم الثاني للإصلاح الحسيني:

إنّه إصلاحٌ قائمٌ على الإسلام لا غير، كما هو التوجه لله، فمنهج الثورة أيضاً هو منهج الإسلام المتنزِّل عن الله، ليست نيّةً نظيفة فقط، وإنما مع ذلك التزامٌ صادق بالمنهج الحقّ الذي يرضي الله تبارك وتعالى، ولذلك فصلتُ بين المعلم الأول والمعلم الثاني.

“أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدّي (ص) وأبي علي بن أبي طالب (ع)”.

والمعروف هو ما رضي به العقل والشرع، والمنكر ما أنكره العقل والشرع، وليس الإسلام إلاّ ذلك، إنّه أمرٌ بمعروف ونهيٌ عن منكر، أمرٌ بكلّ جميل، ونهي عن كل قبيح، أمرٌ بكل نافع ونهي عن كل ضار، أمرٌ بكل ما يُسعد هذا الإنسان في الدنيا والآخرة، نهيٌ عن كل ما يُشقي هذا الإنسان في الدنيا والآخرة.

وسيرة الرسول “صلى الله عليه وآله” وعلي “عليه السلام” هي السيرة المعصومة التي أقامت الإسلام في أوضاع النفس والخارج بكل دقّةٍ وأمانة، فلا شيء من عنديّات الذات خارج ما أنزل الله تبارك وتعالى في ثورة الإمام الحسين وفي كلّ خطواتها.

وسيرتهما هنا هي سيرتهما بما هما حاكمان للأمة متوليان لإمامتها.

فالحسين “عليه السلام” لا يرى للإصلاح الحقيقي المرضي لله سبحانه والذي يبلغ بالإنسان الفرد والمجتمع للغاية الأسمى؛ إلاّ طريقاً واحداً وهو أن يُحكَم الناس لدين الله وأطروحته لقيادة الحياة، وبقيادةٍ من نوع قيادة رسول الله “صلى الله عليه وآله”، وعليٍ أمير المؤمنين “عليه السلام”.

الأطروحة الإسلامية بلا رسول الله ولا عليٍّ ولا إمامٍ من نوعهما أو على خطِّهما تذهب هباء، ولا يكاد يقيم حقّاً في الأرض ولا يُنهي باطلاً.

والإمام في وقت الإمام الحسين “عليه السلام”، الإمام المصطفى من الله إماماً وقائداً وهادياً ودليلاً على الله للأمّة من ناحيةٍ فعلية ليس إلاّ واحدٌ وهو الحسين “عليه السلام”، فالإمامة التي تقوم بها الدنيا والآخرة كما يريد الله عز وجل لم تكن تجد مصداقاً إلاّ من خلال الإمام الحسين “عليه السلام” يومها.

فكل إصلاحٍ لا يعتمد الإسلام قاعدةً ومرجعاً وحيداً له، والقيادة الشرعية في الإسلام فهو خارجٌ عن الإصلاح المستهدف له “عليه السلام”، فالإصلاح الذي خرج من أجله لا يعني به إلاّ هذا الإصلاح الآخذ بالإسلام كلّه والملتزم بالقيادة الإسلامية الشرعية المنصوص عليها من الله تبارك وتعالى.

نعم.. وكلّ إصلاحٍ دون ذلك فهو خارج عن الإصلاح المستهدف له “عليه السلام”، ولا يقوم بالوظيفة الشرعية الأصل التي تقيم عوج الأمة تماماً وتأخذ بها إلى الغاية التي لا تنتهي بها إلى من دون الله وكريم جزائه، وتصلح بها دنيا الناس وآخرتهم وينتهي بها التهافت بينهما في النفس والخارج، هذا التهافت لا ينتهي إلاّ بأن تحكم الأطروحة الإسلامية على يد القائد المعصوم عليه السلام أو مَن على خطّه بحقٍّ وصدق.

والإصلاح في الإسلام جذريٌ وشامل، لا يقف عند إصلاح وضعٍ من أوضاع الساحة الخارجية دون وضع، ولا بُعدٍ من أبعاد النفس دون آخر، إنّه إصلاحٌ يستهدف أن لا يُبقي في النفس فساداً ولا في الخارج خراباً على الإطلاق.

الإصلاح الحسيني عمقيٌ يطهّر النفس، ويفرض نفسه على الوضع العملي في الخارج كلّه.

3- إصلاحٌ يملك القوّة -وليس من إصلاح الضعيف والإصلاح الذي يكتفي بالكلمة وبترميم بعض الجوانب دون أخرى لضعف القوّة-:

أكبر مصيبة على الإسلام وأمّته أن تحكم هذه الأمة وأن تقود حركة الحياة فيها حكومةٌ غير إسلامية، وخاصة بأن تحكم الأمّة باسم الإسلام.

اِبنِ جمعية، اِبنِ بنياناً صالحاً، ابنِ مرفقاً لرعاية اليتامى، ابنِ مستشفى، قم بخيرات هنا وهناك، إلاّ أنك لن تبلغ الغاية التي أرادها الإسلام من وجوده. غاية الإسلام لا تتم والإسلام مفصولٌ عن موقع القوّة وعن موقع الحكم والقرار، هذا هو الحقّ.

وما كان أكثر الوجوه التي كانت تَتَطلّب الإصلاح على يد الحسين “عليه السلام” وقتَه، وما كان أنفع أن تُصلَح، وما كان أصلح أن تُعالج بالإصلاح، وما كان أقدره على الإنجاز فيها -نعم كانت وجوه كثيرة تحتاج إلى الإصلاح، وكان الإصلاح فيها مفيداً جداً، وكان الحسين قادراً على إنجاز الإصلاح فيها-، لكن كان تركيزه الكبير، وتضحياته الكبرى، وثورته العظيمة؛ كان كلّ ذلك من أجل الإصلاح للمركز الأول لقوّة الأمة والقادر على التحكم في حاضرها ومصيرها، وهو مركز الحكم والقيادة فيها، والذي كان محكوماً بصورةٍ كليّة للفساد والطاغوتية والجاهلية، حيث كان الحاكم يزيد والحاشية عمر بن سعد وعبيد الله بن زياد وأفسد الفاسدين في المجتمع المسلم من أضراب هؤلاء ممن يشتركون في تآمر واسعٍ على الإسلام والأمّة.

ولا يغنى موقعٌ من المواقع في الأمّة بقوة المال والسلاح والقرار والنفوذ كما يغنى بذلك كلّه موقع الحكم والقيادة فيها. ولا تحكّم لأي قوةٍ أخرى من قواها في مصيرها كما هو التحكّم الذي يتفرّد به درجة عالية الشاغلون لهذا الموقع.

ولأهمية هذا الموقع التي يتميّز بها من بين كل المواقع يكون التسابق عليه محموماً بين أهل الخير والشر، وأهل الصلاح والفساد، وأهل الدنيا والآخرة، ذلك الطرف يسابق إلى هذا الموقع لِما يهمّه ويريده، وذاك الطرف أيضاً يسابق إلى هذا الموقع لما يهمه ويريده، أهل الصلاح للصلاح، وأهل الفساد للفساد، كلٌّ منه يسابق الآخر هذا لهدفه الصالح وذلك لهدفه السيء.

والمالك لموقع الحكم وإمكاناته يمكن له ما لا يمكن لغيره من إصلاح، أو إفسادٍ وعدلٍ أو ظلم، وإقامة الدين أو هدمه، وبناء الأمة أو تحطيمها.

والإصلاح الحسيني كان من بين أهدافه ولو على مستوى التخطيط هو أن تجتمع بيده الكفوءة الأمينة المعصومة بعِصمة العلم والعمل الموهوبة له من الله سبحانه؛ أسباب القوة والقيادة العملية معاً بعدما كانت القيادة الشرعية له لا لغيره واغتصبت منه وحوربت أسباب القوة التي كان يطلبها.

الإمام الحسين عليه السلام يطلب للإسلام لا لنفسه كلّاً من الإنتصار المعنوي والعسكري، ذلك ليأخذ بالأمّة إلى شاطئ الأمان على مستوى الأولى والآخرة، وليتخذ من هذه الأمّة المصنوعة على يده يد الإسلام منطلقاً صالحاً لهداية البشرية عامة وإنقاذها.

هدف الثورة هو إحياء الإسلام، وإحياء الإسلام له أكثر من مستوى، فمنه إحياءٌ هو أسرع وأكبر وأشمل وأوسع، وهذا ما يحققه إنتصار الحسين “عليه السلام” عسكريّاً واستقرار قيادة الأمّة بيده وأيدي الأئمة المعصومين من آل رسول الله “صلى الله عليه وآله” والذين لو حكموا لاستمرّ حكمهم متوالياً لما سمعت شيئاً من مشاكل الأمة التي هي اليوم فيها، ولكانت الأمة التي تحكم الأرض كلّها بإسلامها الأصيل الصنّاع المنقذ للإنسان كلّ الإنسان.

ذلك إحياء وكان يطلبه الإمام الحسين بالدرجة الأولى يطلب للإسلام الإحياء بصورته التامة الكاملة، ومنه إحياء آخر دون ذلك من مثل ألاّ تضيع صورة الإسلام الحقيقي على طالبها في الأجيال المتعاقبة، وألاّ تنقلب الأمة على إسلامها الانقلاب الكلّي الشامل حتى يُنسى ويعادى، وهذا الإحياء مما يتحقق بشهادته “عليه السلام”، وقد تحقق بها..

وما كان هذا اللون من الانتصار هو المطلب للإصلاح الحسيني العظيم دون تسلّم قيادة الأمة للأخذ بها على طريق الله، وهو هدف النبوة والرسالة والإمامة، والتي لا معنى للإسلام إلاّ بها. معنى الإسلام معنىً عظيم، الإسلام رحمة، الإسلام هداية، حين يتحوّل إلى فكرٍ في الناس، إلى أخلاق، إلى سلوك، إلى علاقات، إلى أوضاع عمليّة عادلة وهادفة في اتجاه الله تبارك وتعالى، وكل ذلك لا يمكن أن يكون إلاّ على يد حكومةٍ إسلاميةٍ صادقة.

وما كان الحسين “عليه السلام” ليهمل شأن هذا الهدف العظيم –هدف أن يحكم الإسلام، أن يقود الإسلام حركة الإنسان على الأرض- حتى على مستوى السعي والتخطيط، الإمام الحسين عليه السلام لا يمكن أن يهمل هذا الهدف على مستوى التخطيط والسعي إذا لم يمكنه أن يحققه فعلاً وينجزه الإنجاز السريع، لماذا؟ ذلك ليس تقديراً لموقع الحكم في نفسه، إصرار الإمام الحسين عليه السلام على الوصول للحكم لو أمكن ليس تقديراً لهذا الحكم، ولا لأن يحكم “عليه السلام” بلحاظ نفسه، وإنما ليحكم ليكون الحاكم الحقيقي على يده هو الإسلام.

نعم كانت ثورته لأجل إنقاذ الإسلام والأمة، وهذا ما يحقق غاية الإسلام بأنْ يحكم، وبأن يهدي، وبأن يبني الحياة البناء السامق الشامخ المريح للإنسان المُحقّق لسعادته في الدنيا والآخرة.

4- إصلاحٌ عالمي –إصلاح الإمام الحسين عليه السلام ليس إصلاحاً محليّاً، ولا قومياً، ولا لأمة الإسلام فحسب، إنّه إصلاحٌ للعالم-:

الإسلام، القرآن، النبي(ص)، الأئمة عليهم السلام، الإسلام كلّه رحمةٌ للعالمين، وثورة الحسين “عليه السلام” رحمةٌ للعالمين كذلك، وليس للأمة الإسلامية وحدها.

وحينما تقول كلمة الإمام الحسين “عليه السلام”: “وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي”، فذلك إنّما هو لأنّ إصلاح الأمّة الإسلامية ووضعها على الطريق الإسلامي الصحيح، وبناءها البناء الإسلامي المتين هو الطريق الطبيعي والعملي والعقلاني والواقعي لهداية العالم وإنقاذه وربط مسيرته الحضارية كلّها بالإسلام.

الإسلام ليس لقومٍ دون قوم، ولا لأرضٍ دون أرض، ولا لزمانٍ دون زمان. الإسلام للعالم كلّه، وللأرض كلّها، ولكلّ زمان، والثورة قائمةٌ اليوم قيامها بالأمس.

بقِيَت معالم أخرى للإصلاح الحسيني ترَكتُ الكلام عنها لتجاوزي للوقت المسموح به فيما يظهر، منها أنّ الاصلاح الحسيني دائميٌ لا يتوقف، ونحن مسؤولون عن مواصلة إصلاحه، عن إحياء إصلاحه، وإدامة إصلاحه، ومواصلة إصلاحه. معلمٌ آخر أنّه مبدئي أخلاقي لا نفعي، الثالث أنه واقعي مثالي معاَ يجمع بين الواقعية والمثالية.

والحمد لله ربّ العالمين.

أسأل الله عزّ وجلّ أن يُثَبِّت قدمنا على طريق الحسين عليه السلام، ويجعلنا من أنصار الحسين بالحقّ، وعشّاق الحسين، والذين لا يتأخرون بلبيك الصادقة عن نداءات الحسين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

______

هامش:

(*): الإمام الحسين “عليه السلام في المدينة المنورة ورحلته منها إلى مكة المكرمة، تأليف علي الشاوي عن البحار مجلد 44، صفحة 329، 330،…. إلخ.

زر الذهاب إلى الأعلى