كلمة آية الله قاسم بمناسبة عيد الغدير ١٤٤١هـ

كلمة سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم التي ألقاها في ملتقى المجمع العالمي لأهل البيت (ع) الافتراضي عبر وسائل التواصل الاجتماعي بمناسبة عيد الغدير الأغر 1441هـ – السبت 08 أغسطس 2020م

صوت الكلمة :

للمشاهدة :

 

نص الكلمة :

الإسلام والإمامة

يُحيط الإسلام علماً أن لا بقاء له إلاّ بإمام من وزنه، وأنه ما نقص من وزن إمامه ينقص بقدره من وزنه.

أقول ذلك لأكثر من أمر، فإن التصميم الناجح للبناء فاشل حتماً إذا كان منفِّذه فاشلاً؛ إمّا لأنه لا يفهمه، أو لأنه لا يجيد تنفيذه، أو لأنه يريد فساده، أو لأنه قليل الاهتمام به، أو لغير ذلك من نقص فيه.

هذا واختيار الله لا يخالف الحكمة، وأي حكمة في اسناد القيام بامامة الدين المنقذ لمن يعلم سبحانه أن الدين يفقِد قيمته العليا على يده، وأنه قاصر عن الوفاء بالغرض إن لم يكن ضارَّاً به؟! حاشا لله عزّ وجلّ أن يفعل ذلك.

لا يسلم للإسلام الكامل كمالُه لو عهد القيام بابلاغه وتعليمه وتربية الناس به، وإقامة حكمه في الناس لنبي أو إمام ناقص، ولا دخل للزمن والمكان في ذلك.

ولا يستطيع أحد أن يقول أن حفظ الإسلام نظرياً وتحقيقه لأهدافه العظمى وانقاذه للبشرية من شقاء الدنيا والآخرة يتم بإمامة يزيد بن معاوية وأمثاله. والصحيح أن حفظ الإسلام تمام الحفظ، وبلوغه تمام أهدافه، وظهور كماله بأئمة على مستوى النظر والتطبيق وفي كل أوضاع الحياة منوط بإمام من قامة الإسلام وشموخه وصدقه واخلاصه ومعصوم بعصمته.

ويمكن للإسلام أن يحقق من خير الناس ويأخذ بهم صعداً مقترباً بهم إلى أغنى حياة وأرغدها وأرقاها وأهداها كلما كان الإمام الذي تعهد إليه إمامته عند غياب المعصوم أقرب في علمه وهداه واخلاصه وعدله وتقواه للإسلام، وكان أكثر صدقاً في تجسيده له، وإن كان النجاح التام المنوط بالإسلام وفي قمته مشروطاً بتولّي الأمر من ولي الأمر الأصل وهو المعصوم عليه السلام.

وكل نكبات الأمة بالأمس واليوم بدايتها حكام لا يعرفون حقَّ الله ولا يخشونه، ولا يقيمون لدينه الحقّ وزنا، ولا يرضون الله عزّ وجلّ ولا يرضاهم، ولا يتوقفون عن حرمة من الحرمات. ويزيد بن معاوية واحد من كثيرين كثيرين من هؤلاء الحكام ماضياً وحاضراً.

الإمامة التي أسندها الله عزّ وجلّ لنبيه الذي لا ينطق عن الهوى ولا يفعل إلا ما رضى الله سبحانه حتّى أَمَرَ الله عزّ وجلّ بطاعته مطلقاً لأنه لا يفعل باطلاً ولا يأمر بباطل، ولا يأتي منه إلاّ الحقّ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) – الآية 59/النساء. إذ أسندت لغير المعصوم واستثنى أمره ونهيه وحكمه وسياسته من وجوب الطاعة كان إماماً بلا إمامة، ووليًّا بلا ولاية وكان صفراً على الشمال، ولم ينتظم أمر أمة ولا جماعة.

وأمّا أن يوجب الله عزّ وجلّ طاعة الإمام الجاهل الفاسق ومن لا يضمن الناس صحة فهمه للدين ولا أمانته وثباته على الإيمان على حدّ طاعة الرسول المعصوم المتيقن علمه وصدقه وأمانته وعدم ميله عن الحق قيد شعرة، فذلك ما لا يعود نسبته لله عزّ وجلّ وحكمته وكماله.

أيكون من لا مقوّم له لولاية الأمر العظيم من إمامة الناس في دينهم إلا سيفه وبطشه أو منحه الإمامة من أبيه، أو كانت حكومته بغرض عشيرته، أو حتى بغلبة أصوات شعبه أو أمته إماماً حقّاً في علم الله، أو هل يعطيه هذا الاعتبار من هذه الجهة أو تلك وزناً تكوينياً جديداً غير وزنه، ويبدل كل سلبه ايجاباً، وكل زيفه استقامة، وضعفه قوة، وجهله علماً، وفسقه عدلاً وعصمة؟!

والإمامة يطلب لها أن تصنع فكراً قويماً، ونفوساً مستقيمة، وهمماً كبيرة، وخلقاً مطيعاً لله، وأمة وسطاً، وأوضاعاً نفسية واجتماعية صحيحة، واخوّة إيمانية عملية كريمة، وتقدّماً في كل جوانب الخير التي يهنأ بها الناس في دنياهم، وتعينهم على تحقيق سعادتهم في الآخرة.

ولا شيء من هذا كلّه يمكن أن تنتج الإمامة القائمة على مجرد الاعتبار هدفاً من الأهداف المناطة بالإمامة الحقّ في الإسلام، وتعطى شيئاً من عطاءات الرحمة لإمامة رسول الله “صلى الله عليه وآله”.

 

زر الذهاب إلى الأعلى