كلمة آية الله قاسم في ملتقى شباب المقاومة – 24 يونيو 2019

دعا سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم في الملتقى الكبير لشباب المقاومة الذي أقيم في مدينة قم المقدسة الأثنين 24 يونيو 2019 للتحشد والتحشيد والإلتفاف بالمقاومة رداً على التحدي الذي تفرضه ما يسمى بصفقة القرن، مشدداً بأن لا خيار إلا المقاومة والمقاومة والمقاومة.

وقال سماحته وسط حضور غفير لشباب وقوى المقاومة الإسلامية وعشية ورشة الخيانة المزمع عقدها في البحرين بأن جريمتا صفقة القرن وورشة المنامة اختبارٌ غبي لوعي الأمة، اختبارٌ فاشل لغيرتها، تحدٍ صارخ لإرادتها، وجسٌ لنبض ضميرها الديني، وقابليته للتفجر والفوران، لمدى شجاعتها وشعورها بالعزة والكرامة والإباء والشموخ، لإصرارها على الحرية وامتناعها عن العبودية والهوان، لافتاً إلى أنها بيعٌ لكل شيء عند الأمة، وبيعة لترامب بأن يدكم في يده لا في يد الله.

كل ذرّة من تراب البحرين تتبرأ من الصفقة وورشة المنامة..

للمشاهدة :

نص الكلمة:

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الصلاة والسلام على محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم.

السلام على أمة الإسلام، أمة الجهاد، أمة الشهادة.

السلام على أمة الإباء والشموخ والعزة والكرامة.

كلمة عنوانها الشهادة والشهداء في سبيل الله، يأتي من بعدها عنوان صفقة القرن وورشة المنامة.

تاريخٌ طويلٌ مريرٌ صعب بين جبهة الحق وجبهة الباطل في الأرض. الحاكمية لمن؟ لله أو للطاغوت؟ لُب الصراع هو أن الحاكمية لمن، لله أو للطاغوت؟ الأرض للعدل أو الظلم؟

الإنسان لهذه الدنيا الزائلة التافهة أو للخلود الأبدي السعيد؟ الإنسان صورةٌ من عدل السماء، من علم السماء، من رحمة السماء، أم أن الإنسان صورة من قبضة الطين، من جمودها، من تكلُّسها، من فقدها للوعي، للحركة، للنبض.

السماء تريدنا صورةً من علمها، من رحمتها، من فاعليتها، من خالقيتها. الأرض تريدنا صفراً، تراباً، طيناً يُداس. الطغاة مع الطرح الثاني، الإسلام، الله عز وجل مع الطرح الأول، فمن نريد نحن؟

نريد أن نكون من الطرح الأول أو من الطرح الثاني؟ نريد أن نكون إلهيين أو شيطانيين؟ نريد أن نكون سماءً أو أرضاً؟

ترامب، جند ترامب، جبهة ترامب مع أن نكون أرضاً تداس، مع أن نكون تفاهة في التفاهات، بأن نكون صفراً في هذه الحياة على الشمال، والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين.

الإيمان عزة، وعي، سؤدد، هادفية، نماء، حركة، صعود، ونحن نريد أن نكون هذا لا ذاك.

كان لابد من قتال، وكان لابد من شهادة، لمَ؟

الله الحق لا يتخلى عن الحق، والحق أن يحكم، والحق أن تقود كلمته الحياة، والكفر والطاغوتية والظلم والسفاهة والمفسدون والمستكبرون لا يتنازلون أيضاً عمّا تحدثه به أنفسهم الشريرة ويريده لهم الشيطان، فالصراع كان وهو مستمرٌ وسيبقى ما دام هذا الإنسان في صالحه وطالحه.

الإسلام ما موقفه هنا؟

حربٌ مستمرة، صراعٌ مستمر، بين حضارة وحضارة، بين مجتمع ومجتمع، بين أمة وأمة، في داخل المجتمع الواحد، في داخل الأمة الواحدة، هو صراع بين الحق والباطل، هل يتخلى الإسلام عن القوة إعتماداً على حقانيته في حكم العقل والفطرة والعلم والمطالعة الكونية؟ هل تكفي حقانية الإسلام لأن يشلّ يده؟ -يد المسلمين-، لأن يأذن لهم بأن لا قتال، بأن يوجب عليهم السلم الدائم وعدم الدفاع؟ هذا إسلامٌ لا واقعية له، والإسلام مثالي في قمة المثالية واقعيٌ كذلك.

الإسلام مثاليٌ هدفاً وغاية، وهو يسعى إلى أعظم غاية وأكبر هدف، والإسلام واقعيٌ لا يهمل النظر إلى الواقع، والإلتفات إلى الواقع، وما يقتضيه الواقع، وواقع الأرض وأهل الأرض أن الصراع قائم وأن الصراع يتطلب التسلح بالقوة.

القتال في الإسلام لحماية الإنسان، لحماية غاية الحياة، لحماية مستوى الإنسان، الإنسان لا يصح في الإسلام أن يكون حصاناً او حمارا، الإنسان سُخرت له السماوات والأرض، الإنسان أعد لأن يكون خليفة لله في الأرض، صيانة لهذا المستوى، صيانة للعدل، صيانة للسلم العالمي، صيانةً لحركة النمو في حياة الإنسان، كان القتال في الإسلام.

(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).

الإسلام يعرف، الله عز وجل يعلم أن القتال كره ثقيل على النفوس، تضاده الفطرة في حيثية من حيثياتها، ترفضه بالنظرة الأولية الحياة، لأنه إنهاءٌ للحياة، والإسلام كم يعتزّ بالحياة، وكم يحترم الحياة حتى لأن قتل نفسٍ واحدة من غير حق، من غير نفس، من أقدم عليها فكأنما قتل الله الناس جميعاَ.

ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً، الإسلام يعطي لقتل النفس الواحدة مستوىً من الجريمة بمنزلة قتل الناس جميعاً، وقيمة عليا لإحياء نفسٍ واحدة تساوي إحياء الناس جميعاً، وكم لك أن تحيي الناس جميعاً عند الله، وكم لك من شرف أن تحيي الناس جميعاً؟ وكم من عار، وكم خزيٍ، وكم من همجية وبهيمية من نفسٍ تقتل الناس جميعاً؟ أرأيت كيف أن الإسلام يُقدّس الحياة؟ ويستبشع إنهاء الحياة؟ ويجعله جريمة من أكبر الجرائم، القتل في الإسلام معروفٌ أنه من أكبر الكبائر، إذن لمَّ يأمر الإسلام بالقتال؟ والقتال يسبب القتل، ويسبب قتل أي شيء؟ أزكى الأنفس، قد يسبب قتل نبي، قد يسبب قتل إمام معصوم، وفعل القتل ذلك.

كرهٌ ولكنه ضرورة، ضرورة لمن؟ لله؟ حاشى الله، ضرورة لنا نحن الناس، ضرورة لحماية مستوى إنسانيتنا، لحماية غايتنا، لحماية كرامتنا، لحماية لحياتنا في هذه الحياة الدنيا، لا إستقرار الحياة، والحياة تنتهي لو حكم الكفر الحكم المطلق، لو أطلقت يد الكفر لأن تحكم في الناس من غير تدافع لما بقيت حياة، لأنهم يحرقون الحرث والنسل، منهم من إذا تولى أفسد في الأرض، هذا هو الكافر الذي لا يؤمن بالله ولا بالقيم العليا.

إذن نحن أمام ضرورة لتشريع القتال، بالتشويق إلى الشهادة، أو بحب الشهادة، هذه مقدمة.

القرآن مع الشهادة والشهداء والجهاد والمجاهدين، نقرأ بعض الآيات.

(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)

هذا الكره من وحي طبيعة الإنسان، وليس له جرمٌ فيه، كرهنا للقتل ليس لنا ذنبٌ فيه على الإطلاق، إنه من طبيعتنا المغروسة من الله عز وجل فينا، ولكن نظرة عميقة، ما لم يكن قتالٌ وقتال خاص، من نوع خاص، هذه الحياة تنتهي كما سبق، ونفسك تكون رخيصة ما لم يحمي القتال في سبيل الله القيم الإنسانية، دين الله، حاكمية الله في الأرض، وحين تكون الحاكمية للطاغوت فلا حياة، فنحن حريصون على الحياة، حرصنا على الحياة يتطلب القتال في سبيل اللله ويتطلب عشق الشهادة.

هذا على مستوى بقاء الإنسانية وبقاء الأمة، لكن بقائي أنا..! لابد أن أبذل نفسي، أن أقتل لتسلم القيم، لتسلم الأمة، لتتمتع الأمة بالعز بالكرامة بالأمن بالسلام، الإنسانية كلها.

لمَّ هذه التضحية؟ تعالج الآيات الكريمة هذه الجنبة، من وحي النفس الإنسانية الأمارة بالسوء، ومن وحي قصور النظرة.

في المقدمة، الإسلام يأمرنا بالإعداد، بإعداد القوة، (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ).

التفت إلى اعداد القوة لماذا؟ لإرهاب عدو الله، لأن عدو الله معتدٍ دائماً، بلا أن تكون قوة مقابلة لا رادع له من قتل ملايين النفوس ومن إفساد الأرض.

الكفر على خط النار دائماً مع كل معتدل ومستضعف ومؤمن ومريدٍ للخير، ما لم تكن قوةٌ ترهبه عند الطرف الآخر فلا شيء عنده إلا العدوان وسفك الدماء، إعداد القوة لهذا.

ليس مطلوبية إعداد القوة مطلوبيةً إبتدائية، وإنما هي لترقب العدوان دائماً من عدو الله وعدوكم، أنتم ترهبون من؟ الصلحاء؟ العلماء؟ المكتشفين الذين أعدموا في الغرب، العلماء الكونيين الذين أعدموا في تاريخ الغرب؟ إعداد القوة ليس لشيء من هذا أبداً، وإنما ترهبون عدو الله، وعدو الله هو الشيطان الذي يريد بكم دائماً السوء، عدو الله هم جند الشيطان، وليس أعدى من الشيطان للإنسان.

فإذن، وعدو الله عدو القيم، عدو العدل، عدو الخير، عدو الصلاح، عدو النمو الصاعد إلى الله عز وجل، فإذن إعداد القوة لهذا، (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ)، تريدون تخطيط الله، علم الله، رحمة الله، أو ارسموا منهجكم بيدكم لتهلكوا دنياً وآخرة.

لابد من قتال، لابد من عشقٍ للشهادة، والقتال يحتاج إلى إعداد فلابد من هذا الإعداد.

والقتال للآية الكريمة الآتية (..وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)، تسقط الحياة على الأرض، تسوء، تتردى، تتسافل، تنتهي في الأخير، لا يبقى للفساد للمعنويات فقط، تفسد المعنويات فتفسد حياة الإنسان، تفسد البيئة، ينطلق الشر في الأرض ليقضي على كل شيء، لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض، أرأيت كيف أن التدافع وكيف أن الجهاد وكيف أن الشهادة التي يحتاجها الجهاد، كيف ان الشوق للشهادة الذي لا يكون بدونه جهاد، أرأيت أن كل ذلك ضرورة من ضرورات بقاء الإسلام، بقاء الإنسان، بقاء الأرض، بقاء الحياة؟

قبل ذلك توجد معالجة فكرية ونفسية في الآية الكريمة للفكر البشري القاصر وللنفس الإنسانية المرتجفة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ)، تافه، تافه، تافه، أنتم تعتزون بالحياة، تغرمون بالحياة، تبذلون كل شيء في سبيل الله، لا يعز عليكم شيءٌ أكبر من أن تفقدوا الحياة، أتدرون الحياة أين؟ هذه صورة صغيرة تافهة ضئيلة محدودة حقيرة مشوبة بألف كدر وكدر وألف مصيبة ومصيبة، الحياة هناك في الآخرة، هذا تصحيح، إذا رغبت في الحياة فأرغب في الحياة الآخرة، قدّم الحياة الآخرة على الحياة الدنيا، أرضيتم بالحياة الدنيا، هي دنياً بالقياس للآخرة، دنياً في المستوى، دنيا يحكم فيها الكافر المؤمن، دنيا ينتفش فيها الباطل ويضمر الحق، دنيا يقعد فيها الأنبياء والرسل في زوايا مهملة وفرعون يعربد ويحكم ويسيطر، إنها دنيا فعلاً دنيا،

إثاقلتم إلى الأرض، هذا تثاقل لسنا ملومون فيه كل اللوم، كما تقدم، طبعاً الأرض حياتنا. حياتنا الدنيا تقوم على الإرتباط بالأرض ورعاية الأرض والإلتفاف إلى الأرض فنحن لابد أن نحبها، إذن لم هذا اللوم في الآية الكريمة ولم هذا التقريع؟ تتثاقلون الأرض، تنشدون إليها، تنشد الأنفس والقلوب فتشل حركة الجوارح وتعطل عندكم الحركة في سبيل الله، وفي سبيل إنقاذ حياتكم وأخراكم، إثاقلتم إلى الأرض، أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة؟ أين هذه الحياة التي تشدكم إلى الأرض؟ وتجمد فيكم الحركة، وتكلس فيكم الفكر، وتقطع نظركم عن الله عز وجل، وتحط بكم إلى أسفل، أين قيمة هذه الحياة من قيمة الحياة الآخرة؟

هنا الإشكال على الإنسان، هنا اللوم على الإنسان، وليس في أصل تثاقله إلى الأرض، وهذا التثاقل يرتفع أمام إغراء الآخرة، أمام الخير المطلق في الآخرة، أمام حياة الخلود في الآخرة.

تهديد ويا له من تهديد، إن لم تهتز له نفس المؤمن له فهي ليست مؤمنة. (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ).

ماذا يشدنا للأرض؟ الأرض تشدها لنا حياتنا المرتبطة بها، هذا الإنشداد ينعكس على انشدادنا وينتقل للعشيرة، إلى الأب، إلى الولد، إلى الزوجة، إلى كل ما يقوم الحياة ويؤنسنا في الحياة ونجد منه دعماً من أجل هذه الحياة، هذا كله دعه في كفّة، وفي مقابله الله عز وجل وحب الله، رسول الله، الجهاد في سبيل الله، إن مالت النفس إلى الكفة الأولى فهي ليست مؤمنة، هذا الحب الشديد الذي لا نستطيع التخلص منه، إن وزنت حب نفسك بهذه الأشياء كلها بوزن حبك لله عز وجل، فضلاً عن أن تميل النفس إلى الأول فقد فقدت الإيمان، أتهديد أكبر من هذا التهديد؟ نعم، نفسٌ لا تعرف قيمة الإيمان وأن الإنسان بإيمانه، وارتباطه بالله، ورساليته، وبدوره الخلافي عن الله، نفسٌ لا تأبه في هذه الموازنة ويسهل عليها أن تقدم الطفل الصغير وديناراً واحداً على الله عز وجل ورسوله والجهاد في سبيله، أما نفسٌ تعرف قيمة الإيمان، وتعرف ألاّ قيمة لها إلا بالإيمان وأنها أسحق من صفر بلا إيمان فإنه ليشتدّ عظيم احتقارها لنفسها ويشتدّ عظيم حزنها حينما تشعر بلحظة مفارقة بينها وبين رضا الله تبارك وتعالى.

أعطوا أبا ذر دنياكم كلها، وأطلبوا منه لحظة لا يكون فيها قلبه لله، هل يعطيكم ما تريدون؟

يا ترامب، أبو ذر لا يقبل فراق لله بكل دنياك، وهذه أمة فيها كثيرون من أبي ذر. فلن تعطيك أمتنا ما تريد.

صفقة القرن، بيعٌ وبيعة..

الصفقة تأتي بمعنى البيع وتأتي بمعنى البيعة، وصفقة القرن بيعٌ وبيعة، فهل تقبلون؟ تبيعون فيها كل شيء بكذا مليار دولار، وتبايعون ترامب على أن يدكم في يده لا في يد الله.

هيهات منا الذلة. هيهات منا الذلة.

فتربصوا، انتظروا إما ما يأتي به الله عقاباً لكم، وإما ما يأتي به ترامب عقاباً لكم، أياً تصبرون عليه من الأمرين، أن يهددكم الله أو أن يهددكم ترامب؟

(….فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) فسق أن تقدموا دنياكم على الشهادة في سبيل الله.

أمرٌ لا تخلّف بعده (انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)، لو علمنا لما تأخرنا، لو استوعبت نفوسنا أن هذا خير لنا، أن بذل دمنا في سبيل الله خيرٌ لنا، لو علمنا هذا، لو هضمناه، لو تذوقناه، لو ترسخ في عقولنا، لو ترسخ في قلوبنا، لو تجذر في وجداننا لما تخلّف متخلف عن الجهاد في سبيل الله، ولتسابق المتسابقون ولتنافس المتنافسون، نحن نتنافس على خير الدنيا الذي لا يساوي شيئاً من خير الآخرة، فلو انكشف لنا الغطاء عن خير الآخرة صرنا في صراع على من يتقدم للجهاد وللشهادة، كلٌ منّا يريد أن يتقدم قبل صاحبه للجهاد والشهادة.

(..خِفَافًا وَثِقَالًا)، أنا عجوز، فقير، مريض، لكن يمكنني أن أتحرك، لا عذر، إلا عذراً قاطعاً، ما لم يكن العذر قاطعاً وواضحاً كل الوضوح فلا عذر حين يأتي نداء الله بالنفير (ا انفِرُوا…) اندفعوا بلا تباطؤ، بلا تردد، بلا تأمل في الأمر، جاء نداء الله فليس من بعد ذلك تدبر ولا تأمل ولا تفكر ولا تثاقل ولا تباطؤ، والأمر أمر الله، لذلك الجهاد المقدس لدينا يأمر به الله عز وجل، جهاد يرضى به الله عز وجل، داخل تحت إذن الله عز وجل، فيما عدا ذلك كلها جبهات باطل، قتال لا يأمر به الله عز وجل هو قتال من رمي النفس للتهلكة، من إهلاك النفس، ومن مضادة دين الله عز وجل، لدينا قتال واحد مقدس، وقتال واحد هو البناء والمحافظ على القيم وعلى إنسانية الإنسان وهو الناشر للعدل في الأرض، وهو القتال في سبيل الله، وسبيل الله واحد هو الإسلام، هذا هو سبيل الله عز وجل،

الإسلام ليس قتال من أجل الصلاة والصوم فقط، عندما نقول القتال في سبيل الإسلام انظر بم أمر الإسلام وعما نهى عنه الإسلام، فكل ما دخل في الإسلام فهو في سبيل الله، وكل ما خرج عن الإسلام فهو في سبيل الشيطان.

يبقى الموضوع محتاجاً للتكملة..

هنا كلام قصير..

صفقة القرن، حتى ينتقل وعينا إلى خطورتها، نحن نبيع أمة، ونبيع ديناً، ونبيع كل مقدساتنا وكرامتنا وعزتنا في هذه الصفقة، ونحن نسحب يدنا من يد الله عز وجل وهو الغني الحميد ونضعها في يد الفقير العبد المأمور المأسور المجنون ترامب. صفقة القرن ولك أن تسميها صفعة القرن بلحاظٍ آخر.

الجريمتان معاً، صفقة القرن وورشة المنامة، والمنامة تتبرأ، والبحرين تتبرأ، وعجوز البحرين يتبرأ، وطفل البحرين يتبرأ، وشاب البحرين يتبرأ، وكل ذرّة من تراب البحرين تتبرأ من هذه الصفقة ومن هذه الورشة.

الجريمتان معاً اختبارٌ غبي لوعي الأمة، اختبارٌ فاشل لغيرتها، تحدٍ صارخ لإرادتها، وجسٌ لنبض ضميرها الديني، وقابليته للتفجر والفوران، لمدى شجاعتها وشعورها بالعزة والكرامة والإباء والشموخ، لإصرارها على الحرية وامتناعها عن العبودية والهوان، فنحن أمام تحدي هذه الصفقة إما أن نختار العبودية على الحرية وإما أن نختار الحرية على العبودية، فأيّاً نختار؟

هتاف الجماهير: لن نركع إلا لله..

وهل من نفس مؤمنة تقبل أن تركع لغير الله عز وجل، وترامب إنما يريد أن نركع إليه لا لله..

هناك عرض، وهناك تحدٍ، وهناك امتحان، وهناك رد واحد فقط، والرد بالتحشد والتحشيد للمقاومة، بالالتفاف بالمقاومة، باسناد المقاومة، بانتشار المقاومة، بألا لا خيار إلا المقاومة والمقاومة والمقاومة.

هتاف الجماهير: لبيكِ يا مقاومة..

المقاومة عن المقدسات كلها، عن الأرض كلها، عن الأمة كلها، عن الحرية، عن العزة، عن الإستقلال، عن مصالح الأمة وشعوبها، المقاومة للعدو الصهيوني، للوجود الإسرائيلي على الأرض المغصوبة فلسطين الحبيبة، المقاومة للتهجير للشتات لبعثة الشعب الفلسطيني، لتشريده، المقاومة لأي ظلم ولأي خناق وأي تبعية ولأي أذىً يلحق بهذه الأمة، المقاومة لكل ذرة تراب من أرض الإسلام، ولكل شخص من المسلمين، ولكل بقعة من بقاع الأرض فضلاً عن بقاع المسلمين، في الحقيقة أن دفاعنا ومقاومتنا عن الإنسان كله، عن الأمريكي، عن الإنجليزي، عن الروسي، عن كل أهل الأرض، لأنه لا إنسانية لإنسانٍ بلا إسلام، لأنه لا أمن لإنسان على الأرض بالأمن الحقيقي إلا بالإسلام، لأنه لا معنى لإنسانية الإنسان إلا بالإسلام، فنحن منفتحون على الأرض كلها، على الإنسان كله، على مصالح الدنيا كلها، على العدل في كل مكان، وتضحيتنا، وجهادنا، وشهادتنا ليست لأرض خاصة وليست لأمة خاصة حتى أمتنا وإنما هي مقاومة تحتاجها كل الأمم وسعادة الدنيا لكل الأمم وسعادة الآخرة لكل إنسان.

لن تجد الأرض نفساً منفتحة على إنسانية الإنسان، على مصالح كل الإنسانية كنفسٍ مسلمة مؤمنة، تعرف الإسلام، تعي الإسلام، تشربت بل تشبعت بروح الإسلام.

مقاومة ليعرف العالم كله أننا كما لا نحب أن نعتدي على أحد، فإن دمنا وكل نفس من حياتنا رخيص كل الرخص أمام ما تتطلبه عزتنا وكرامتنا وشرفنا وأننا لا نرضى لأي أمة أن تنالنا بشيء من هوان، وكلنا صفٌ واحد في سبيل الله والعزة والكرامة والشموخ الإسلامي.

غفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

زر الذهاب إلى الأعلى