لقائه مع عوائل الشهداء الكرام – الدراز – 11 يونيو 2014م

كلمة سماحة آية الله قاسم في لقائه مع عوائل الشهداء الكرام – الدراز 11 يونيو 2014م

للمشاهدة :

 

نص الكلمة :

 

أعوذ بالله السميع العليم، بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تبركاً بكتاب الله الكريم وطلباً للرحمة لأرواح شهدائنا الكرام والمؤمنين نقرأ سورة الفاتحة..

 

بعد الذي سمعتُ منكم يؤلمني وضعي، وكلامكم يشعرني بالخجل.. لأني أعرف من نفسي أنّي دون ما قلتم، سائلاً الله لي ولكم السداد والرشاد والإمداد بالقوة والصمود والثبات على طريقه.. وأن نكون جميعا أوفياء لديننا وأمتنا ووطننا، أصحاب قلوب طاهرة مع الناس كل الناس لا تحمل حقداً ولا تكنّ لأحدٍ شراً..

 

أسأل الله عز وجل أن نكون جميعاً نماذج للإسلام المسلم السويّ الذي يعني وجوده بركة في الأرض وخيراً للناس، ولا يسع إلا للخير ممتنعاً عن الشر كل الشر..

 

هذا شيء، وشيء آخر هو أن هناك شهيداً مقبوراً في سجنه، معصوباً حق دفنه، يعاني من مظلمة من النوع الفريد، وهو ظلمٌ لكل هذا الشعب، ظلم لدين الله قبل ذلك، ظلم لحرمة الإنسان المسلم في أي مكان، ظلم لقيمة الإنسان، إلى الله المشتكى وعليه المعوّل وهو العدل الحكيم الذي لن يفوت ظالم بظلمه من عدله.

 

أسأل الله عز وجل الفرج لهذا الوطن ولهذه الأمة كلها، فإنها في أشد الظروف حلكةً وضيقاً وأشد الأزمات خناقة..

من بعد هذا..

الشهادة مجدٌ لصاحبها أولاً، ثم إنها تنعكس مجداً على ذويه من خطّه، وتنعكس على الفئة التي ينتمي إليها والفكرة التي أولدته، الانتماء الذي أنجبه..

مجدٌ للوطن الذي يحتضنه ويتجاوب مع بدنه، إنه لمجدٌ لا تحدّه هذه الحياة، ولا تؤطره الدنيا مهما امتدت، ومجدٌ يتجاوز المكان والزمان..

مجدٌ أبدي، سيشهده له أهل القيامة يوم يقوم القيام..

 

أخوتي الكرام..

هذا الجزاء من الله عز وجل ليس ثمناً لعطاء من أحد، لا من الشهيد، ولا من أب الشهيد، ولا من أحد من الناس، هل يملك أحدنا شيئاً حتى يعطيه الآخر؟ قولوا لي.. ملك من نحن؟

أنا على تقديري أن أرجعت لك ملكك، هل أعطيتك شيئاً؟ أنا لم أعطك شيئاً، ولما تجزيني الجزاء الأوفى أن أعطيتك ما تملك لو كان بمقدوري أن أعطيك..

إنه لمّنٌ من الله.. ليس جزاءً من أحد.. اشعروا هذا الشعور تماماً، لأنكم لم توفوا الله شيئاً..

 

مع هذا فطلب الاستشهاد، وضع النفس على طريق الشهادة، التقدم بالنفس للشهادة، يعني أعلى درجات السخاء..

لماذا؟ كيف؟

لأنه لا يشعر الانسان بشيء أغلى من نفسه، هذا الشعور عنده، هو يشعر بأن نفسه هي أغلى ما عنده، المال عزيز، أشياء كثيرة عزيزة، ولكن ليست بمقدار عز النفس وغلاء النفس.

وهو يملك هذا الشعور ويعيش هذا الشعور، وهو يفرض نفسه في داخله، يتقدم بكل رضا لبذل النفس على طريق الهداية في سبيل دينه ومرضاة الله سبحانه وتعالى، وفي الطريق الذي أمر الله ودعا إليه..

قد نبذل المال، الوقت، نبذل شيئاً من السمعة، كل ذلك جيد وممتاز ومبارك، لكن بذلاً إختيارياً بمقدار بذل النفس لا يوجد.. فمن بذل نفسه في سبيل الله فقد سخى أشد السخاء..

الشهيد الحق لا يتطلع إلى جزاء الدنيا.. ولو كان يتطلع لجزاء الدنيا لما ضحى بها، لما يتطلع؟ لأي شيء؟ أليس التطلع لأشياء الدنيا من أجل مصلحة النفس وتلتذ النفس؟ الآن هو يفارق الدنيا ويعطيها رخيصة، يتنازل عنها بكل رضا، بكل مغرياتها، بكل آمالها، ثم بعد ذلك ترى هذه النفس التي تحلق في أفق بعيد تتطلع لكلمة ثناء بعد الموت؟ ما قيمة أن أبكي لروح الشهيد ولفراقه؟ ما قيمة ذلك له؟ لسعادته؟ ما قيمة أن يصفق المصفقون ويمدح المادحون؟ كل ذلك لا قيمة له من بعد الشهادة..

 

الشهيد الواعي يضحي بالدنيا الشاخصة القائمة التي يتفاعل معها ويشعر بلذتها، من أجل اطعام؟ من أجل أن يودعه مئات الألوف في جنازته؟

أكون غبياً جداً أن أبذل نفسي من أجل سمعة نفسي، ما أشده من سفه، ما أشده من غباء..

 

فلنجعل كل غدنا من أجل الله تبارك وتعالى، ولنزرع هذا في نفوس أبنائنا وبناتنا والجيل الذي نرعى تربيته..

 

سماحة آية الله قاسم في لقائه مع عوائل الشهداء الكرام – الدراز 11 يونيو 2014

 

لمن تكون التضحية؟ أتضحي من أجلي؟ من أجل الأرض؟ من أجل مباني؟ هل تضحي من أجل نخيل قائمة؟ من أجل أنهار في الدنيا جارية؟ كلها أشياء فاقدة للميزان والقيمة، وهي عدم في نفسها..

التضحية لمن؟ للملك الحق المبين.. لمالك العباد والبلاد، للقادر على الجزاء، لمن عليّ أن أرجوه وأخافه وأحبه أكبر حب وأكبر خوف ورجاء..

ومن هو الذي يخاف أكبر خوف ويرجى أكبر رجاء ويحب أكبر حب، ليس هو إلا الله عز وجل..

حاول أن تضع النفس في دائرة هذا الوعي عند أي موقف، عند أي كلمة.. حتى تربح لابد أن تكون في سبيله..

فلنجعل عطائنا الصغير، وعطائنا الكبير كله في سبيل الله تبارك وتعالى كما نجعل صلاتنا وصومنا مخلصاً لله، على حد ما تحاول أن تجعل صومك مخلصاً لله وصلاتك مخلصة لله حاول أن تكون كلمتك وموقفك الاجتماعي المعلن وموقفك السياسي وكل تصرف من تصرفاتك مخلصاً لوجه الله، وحتى يكون مخلصاً لابد أن يكون مطابقاً لشرع الله، ولا صحة لشيء فيه مخالفة لشرع الله تبارك وتعالى.

 

لنا موقف من الظلم والعدوان يجب أن لا يتغير، هو الرفض، هو كل مقاومة مسموح بها، وحسبما يقتضيه الشرع، والشرع يرتضي لك موقفاً في ظرف لا يرتضيه في ظرف آخر، والتشخيص يحتاج إلى اختصاص…

تشخيص الموضوع والحالة القائمة يحتاج الى أصحاب النظر الدقيق والرؤية، والحكم الشرعي انما هو من الفقهاء وكل يرجع الى مقلده. ثم الأمور العامة الاجتماعية لا ترجع الى الأفراد فرداً فرداً وإلا لكان مليون شخص يكون لهم مليون موقف، وهذا خطر كبير، وهو ما يؤدي الى التنافر.. وهو غير ممكن لا في بلد كافر ولا بلد مسلم.. فلقد تقرر أنه لابد للناس من إمام عادل أو ظالم، اذا لم يوجد العادل فإن وجود الحاكم الظالم مع ما فيه سلبيات ضخمة وفساد وخراب إلا أنه مقدمٌ على الفوضى، وخلو البلد من حاكم هو خطأ كبير..

المؤمنون أولى بالانضباط، وأولى بإتباع النظام والالتفاف بدينهم..

 

موقف الرفض والانكار والمقاومة الايجابية بالاسلوب الذي يسمح به الشرع ويناسبه يجب أن لا يتغير..

 

لنا موقف من أمن الوطن كل الوطن، وبما هو وطن اسلامي، موقف الحق على حد التمسك بهذا الأمن والذود عنه ورعايته، ننطلق في ذلك من وعي شرعي، وامتثال لأمر الله تبارك وتعالى.

أمن الأمة، أيهمني أمن شعب البحرين وهذه البقعة الصغيرة ولا يهمني أمن الوطن الاسلامي كله؟ ولا يهمني أمن مصر والهند وفي أي مكان؟ يجب أن يهمني ذلك..

وعلينا أن نبذل في سبيل هذا الأمن كل ما نملك..

 

لنا موقف من حقوق الآخرين من أبناء الوطن وغيرهم، كما أطالب بحقي فعليّ أن أطالب بحق غيري..

أترى المؤمن الحق اذا ظلمت طائفة أخرى يسكت؟ أترى السيد السيستاني ظلماً للشيعة فينكر ويرى ظلماً للسنة من حاكم شيعي فيسكت؟ ليس هذا تلميذ من مدرسة أهل البيت عليهم السلام، وليس له الانتماء الصادق لهذه المدرسة، ولا يحمل رسالية وانسانية هذه المدرسة.

الذين يحملوون رسالية ووعي وايمان هذه المدرسة لا يسكتون على ظلم وإن أصاب كافراً فضلاً عن المسلم، مدرسة الله أكبر لو ساد وعيها في الدنيا لكانت الدنيا كلها رفاهاً ومحبة وسلاماً،

نحن في مرحلة أيها الأخوة من أصعب مراحل هذه الأمة، كل الأمة يتهددها خطر ضخم، خطر عظيم من هذا الإرهاب الذي خرج عن حد المعقول ورخص عنده الدم، وهذا يهدد كل الطوائف والشرائح.

اليوم الحكومات والشعوب على حد سواء تواجه خطراً شديداً جدا منطلقه هذه الموجة العارمة المتفاقمة.

 

عندي سؤال أخير: ما هو الموقف من الوفاق؟

الوفاق هي المؤسسة السياسية المؤمنة الوحيدة المرخصة التي تحمل لواء المعارضة، هناك حركات مؤمنة، ومؤسسات مؤمنة تشارك الوفاق في الدفاع عن حقوق المواطنين، لكن أنا أتكلم عن المؤسسة التي تحمل صفة الترخيص، كلامي عن الوفاق لا يجعل المؤسسات الأخرى ثانوية.

كيف يجب أن يكون موقفنا تجاهها؟ هناك جمعيات مرخصة أخرى وتشارك الوفاق بمقدار ما تملك. لكن كلامنا يبقى عن الوفاق..

الوفاق لا يملك أحدنا أن يقول بأن كل عضو فيها هو على حد الإيمان المطلوب والفاعلية المطلوبة والاخلاص والثقة المطلوبة، لا يملك أحد ذلك..

عندما نتحدث عن الوفاق نتحدث عن مجمل وضع الوفاق، وليس عن تفاصيل وضع الوفاق وعن كل رجل رجل وعضو عضو في الوفاق، الهوية العامة للوفاق لا شك أنها اسلامية وتوجه الجمعية توجه اسلامي،

أنا شخصياً لا أملك مؤاخذة لها دليل تملك رصيداً وواقعية في نفسي تجعل الوفاق غير إسلامية، ليس معنى هذا أن كل عملها صواب ومزّكى، ولكن أنا أقول أنها جمعية من نوع أو خط آخر وهوية أخرى فليس هذا ممكن..

المطمأن إليه تماماً وعن طريق تعامل واطلاع ومتابعة أن في الوفاق موثوقين موثوقين موثوقين إلى حد كبير، وتعويل كبير على هذا الصف من النماذج الرسالية الصادقة.

أنا لم أقول بأن الوفاق لا تمثل الشعب كل الشعب، لا تعني أنها هي الشعب، أو أنها كل المعارضة، هي جزء من المعارضة والمعارضة أوسع اطاراً من الوفاق وجمهور الوفاق على أن جمهور الوفاق جمهور عريض، جمعية الوفاق أكبر جمعية وجمهورها أكبر جمهور..

لأنها محل الثقة، ولأن فيها رجالاً من الطراز الأول في هذا الشعب، وهناك رجال خارجها من هذا الطراز في الحركات الأخرى الأوفياء والصادقون، والكلام عن الوفاق..

لأن الوفاق فيها رجالاً من هذا الطراز ويحرصون على الإسلام وعلى مصلحة هذا الشعب ويظنون بها كما تظنون حرصاً فلابد أن يوثق فيها حتى يظهر خلاف ذلك..

لا يصح أن أتلقى كل موقف من الوفاق بالتشكيك أو بالرد من دون دليل..

على الوفاق وعلى المعارضة أن لا تتساهل في حق يمكن استنقاذه، وإن كان بتعب ونصب وطول نفس..

ففيما يطمئن إليه أن الوفاق لم تفرط بحق من حقوق الشعب تساهلاً، وما يفهم تماماً أن الوفاق لا تملك كل مفاتيح الحل، وأن الأمور لو كانت بيدها أو بيد أحد العلماء لما تأخر الحل يوماً واحداً، وهذا معلوم..

وحيث يتأخر الحل أو حيث يكون القطار في وجهة نظر الوفاق على مقدار ما يمكن فإن ذلك لن يأتي عن تساهل ولا عن خيانة، والوفاق لا تملك أن تبت في أمر الشعب، أنت لم تفوضها، هم ذهبوا من ورائك يسعون لمصلحتك، أنت لم تكلفهم، ولكن هم وصلوا إلى أن يستنقذوا ثلاثة أرباع حق، هل توافق أو لا توافق؟ هل في هذا شيء من الظلم؟ لا يمكن القول عليكم أن تستنقذوا حقي كاملاً وإلا أنتم خونة فهذا لا يصح..

الوفاق لا تملك أن تتخذ قراراً مستقلةً في حق الشعب..

ما نطالب به الوفاق هو أمران، أمر أن لا تألوا جهداً في الوصول إلى الحد الأعلى الممكن لاسترداد الحقوق، الأمر الآخر، أن لا توقع على أي نوع من الاتفاق بإسم الشعب من غير الرجوع للشعب، هذا الذي نستطيع أن نطالب به الوفاق.

قرار الشعب بيد الشعب، ولو توصلت الوفاق الى رأي غير رأي الشعب فالرأي رأي الشعب..

زر الذهاب إلى الأعلى