كلمة آية الله قاسم في استقبال شهر محرم – عالي 2011م

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

 

نحن نستقبل شهر محرم واستقباله يحتاج إلى استعداد، ونحن نستقبل هذا الموسم الكريم المعطاء والمؤلم في الوقت نفسه علينا أن نقدر كربلاء، ليكون تعاملنا مع الموسم مما يتناسب بعض الشيء مع عظمة كربلاء وحقها على المسلمين. الذي فجر ثورة كربلاء هو إمام اختار الله عز وجل إماما ومعلما وملهما ومربيا ودليلا على الله لكل العالم، هذا الوزن لشخصية قائد كربلاء تجعلنا نطأطأ أمامه، ونتأدب أمامه، ونتصاغر أمامه، وأن ندخل إلى محارب ذكرى معركته متواضعين، ومتخلقين بشيء من أخلاقه الكريمة في تجوهه لله تبارك وتعالى وتعلقه به.

 

إذا كانت كربلاء تعني بذل دم الحسين عليه السلام في سبيل الهدف، وهو أغلى دم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي والحسن وفاطمة عليهم السلام، دم أحدِ سيديّ شباب أهل الجنة، دمٌ تعني حياته حياة العالم، فكر الإمام الحسين عليه السلام فكر لا يستغني عنه العالم، شخصيته لها إاشعاع قدر الله عز وجل أن البشرية تحتاجه، علم الإمام الحسين عليه السلام علم القرآن الناطق.

 

هذا الهدف ما عظمه؟ الهدف من كربلاء الذي استحق بذل دم الإمام الحسين عليه السلام كم حجمه؟ ما ضرورته؟ يستوقفنا هذا الأمر أن نقف أمام هيبة كربلاء، وأن ندخل موسم عاشوراء متصاغرين. مع دم الإمام الحسين عليه السلام وهو أشرف دم يومها كان دماء الكوكبة المؤمنة، والنماذج الإسلامية الرفعية وقراء الأمصار، دم نخبة صنعها الإسلام لحمايته، تربت على الإسلام واستوعبته وتشربت به وصاغها فكرا وشعورا وعملا، وخرّجَ منها نماذج إنسانية مشعة أصغرهم قدرا وكلهم كبار قدر لا يبلغ الملايين قدره، كل أؤلئك ضحى بهم الإمام الحسين عليه السلام من أجل هدف كربلاء، وهو هدف عظيم، وعلينا أن نقدر هذا البذل كله، وأن نعرف قيمة الهدف الذي ضحى من أجله الإمام الحسين عليه السلام بنفسه وبتلك الكوكبة المباركة.

 

الفاطميات من ذوات الخدور، والوجوه الكريمة التي لا يتصفحها الرجال، وأمثلة العفة والطهر يبرزن بعد كربلاء في حالة من السبي لتستعرضهن الأنظار، بهذه التضحية من أكبر غيور يوم ذاك. أذن الهدف عملاق، الهدف مقدس، الهدف ضروري، فأي حرمة لكربلاء؟ وأي حرمة لموسم عاشوراء؟ أنها لحرمة عظيمة، وعلينا أن لا نتساهل بها، وأن لا نتعامل معها تعامل المواسم العادية الرخيصة.

 

أننا نستقبل موسما يحملنا مسئولية كبرى، تتناسب مع حجم تلك التضحيات، وتتناسب مع الهدف الإلهي العظيم الذي كان الدافع لحركة الإمام الحسين عليه السلام وهو الحفاظ على بقاء الدين، وليس أن يبقى الدين شكليا وإنما ليبقى الدين على حقيقته، وعلى صفائه، وأصالته، ونقائه.

 

كربلاء التي خلصت للرؤية الإسلامية، الفهم الإسلامي، الأخلاقية الإسلامية، الحكم الشرعي، يجب أن لا نأتي بموسم عاشوراء الذي يراد له أن يكون إحياءً لكربلاء المسيئة للإمام الحسين عليه السلام، المسيئة لدين لله، المسيئة للأنفسنا. مثل الأختلاط الفاحش إساء بينة وقبيحة وقذرة لهذا الموسم الكبير، وسخرية لتضحيات الإمام الحسين عليه السلام، وتجاوز كبير لقداسة الهدف الإلهي الذي فجر ثورة كربلاء.

 

أن عطاء عاشوراء وعطائه يتجاوز حدود الزمن، عطائه عطاء الإسلام، كل كلمة فيه تعطي، كل موقف فيه يعطي عطاءً غير نافد، لكن ماذا سيعطينا عاشوراء فعلا؟ سيعطينا عاشوراء بمقدار تأهلنا له، إذا دخل الطفل أكبر جامعة فلن يستفيد منها أكثر مما يسمح له حجم عقله وحجم نفسه، حتى نستفيد من كربلاء كثيرا لابد أن نعد أنفسنا إعداد كبيرا، ونتأهل لهذا الموسم تأهلا يتناسب معه.

 

وعاشوراء موسم إيمان، وموسم شجاعة، وتفان في سييل الله، مسم حكمه، ونباهه، وضبط أعصاب، والإصرار على الهدف، مع الاستعداد للعطاء بلا حدود إلا الحد الشرعي الذي يفرضه الله عز وجل.

 

عاشوراء تحتاج استفادتنا منه استفاده كبيرة إلى أن نعد أنفسنا فكريا، ونفسيا، وعمليا، وأن ندخل إلى هذا الموسم تائبين من كثير من سيئاتنا وتقصيراتنا. ندخل هذا الموسم تلامذة في مدرسة الإمام الحسين عليه السلام، وهي مدرسة معصومة، وتعاليمها أرقى تعاليم، ودروسها أكبر الدروس، ودروسها لا تقتصر على فكر، إنها تخاطب العقل وتخاطب القلب، تخاطب الضمير والوجدان، تخاطب الإرادة، وهي في كل ذلك تربي الفكر والشعور والضمير والإرادة، وتعطي دروسا في العمل، دروسا في التضحية، وروسا في العلاقة الاجتماعية، وفي التحور حول الحق، والانضباط والتراحم والالتفاف حول الهدف.

 

نسي الأنصار كل شيء وكان ذكرهم ينصب على الهدف هدف خدمة الإسلام والوصول إلى الله عز وجل من خلال الالتفاف حول الإمام الحسين عليه السلام. الإمام الحسين عليه السلام الذي يعني الالتفاف حوله التفافا حول الحق بلا شائبة باطل، وحول العلم بلا شائبة جهل، وحول الإخلاص والأمانة بلا شائبة خيانة، التفاف حول المعصوم عليه السلام في كل أبعاد شخصيته وجنابتها، والمعصوم ليس ظاهرا في كل زمان كزماننا، ولكن الإمام عليه السلام نصب نوابا، ودل على قادة هم فقهائنا الكبار الذين خبرهم العالم الإسلامي في كل محيطه، وعرف منه الصلابة في الدين، والثبات على الخط، والإخلاص للرسالة، والخبرة والحنكة، أنهم قادة الأمة بلا مزاحم.

 

نحن نعيش خلافات في قرانا، في حسينياتنا، في مواكبنا، هذا الواقع وما وراءه النفسية وما وراءه مستوى تفكير وما وراءه من غياب هدف يجب أن يصحح استقبالا لموسم عاشوراء وطلبا للاستفادة منه. لن نستطيع أن نتعامل مع عاشوراء التعامل الذي يريده الإمام الحسين عليه السلام ونحن نعيش هذه الروح، وننطلق من هذا التفكير.

 

وكم هي درجة وعينا لأهداف الإمام الحسين عليه السلام؟ وكم مستوى قدرة إرادتنا على التحرك في اتجاه الإمام الحسين عليه السلام؟ وكم عندنا من تصميم على أن تقترب من حياة الإمام الحسين عليه السلام؟ بمقدار كل ذلك تكون الإستفادة.

 

موسم عاشوراء لإحياء أمر أهل البيت عليهم السلام، لإحياء أمرهم بإيصال فكرهم، رؤيتهم اللإسلامية الصافية إلى الناس، ببث أخلاقيتهم، بمحاولة الإرتفاع بمستوى النفوس والعقول إلى أن تعرف شيئا من قدرهم، فلا تقدم عليهم أحدا. إحياء أمرهم يكون بإحياء الإسلام وبتركيزه بانشداد له. إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام بتحبيبهم للناس وليس بعزله عنهم، وقد نسيء لأهل البيت عليهم السلام في عاشوراء فنأتي بأعمال تفصل كثيرا من أبناء الأمة عن أهل البيت عليهم السلام. حين تجري كلمة شب أو شتم على منابرنا، حين لا نجيد الأسلوب في تقديم المذهب في التحدث عن أهل البيت عليهم السلام، أنها إساءة كبيرة للدين ولأهل البيت عليهم السلام، حين ننفر الآخرين من أهل البيت عليهم السلام ومن مذهبهم الحق من خلال كلمات تثير الآخر، من خل كلمات تستفز الآخر، علينا لا نخلط بالحق باطلا، ونقدم الحق للناس كما هو، وأن نتحدث عن الإمامة وعن مكانة أهل البيت عليهم السلام، وعن أحقيتهم، وعن اصفائهم من قبل الله سبحانه وتعالى، ولكن يأتي كل ذلك بأسلوب يبتعد كل الأبتعاد عن مس الآخر وإثارة حفيظته.

 

مطروحٌ شعاران “مع القرآن” وهو شعار للعام كله، وشعار “حسينيون قرآنيون” وهو يكاد يكون خاصا بمحرم وصفر. لماذا هذان الشعاران؟ ماذا يستوجب هذان الشعاران منا؟ يستوجبان أن يكون هناك ربط واضح على المستوى الفكري الشعوري والعملي بين الثقلين بعضهما البعض، في فكر المخاطب وفي شعوره وفي واقعه العملي، بحيث يتأكد في فكره وفي نفسه بأن أي مخالفة للإمام الحسين عليه السلام هي مخالفة للقرآن، أي مخالفة للأهل البيت عليهم السلام هي مخالفة للقرآن، وأي مخالفة للقرآن مخالفة لأهل البيت عليهم السلام، وعلى هذا الأساس لا يأتي إحياء عاشوراء لا في منبره، ولا في موكبه، وفي أي فعالية من فعاليته على غير خط القرآن.

 

عاشوراء صار تدخله عنديات مجتمعية ضارة، وعنديات فردية ضارة، وعنديات فئوية ضارة، موسم مفتوح لكل لاجتهاد كل مجتهد من مستوى الابتدائي إلى أي مستوى آخر، صار يمكن لأي شخص يدخل في خاطره أن يحدث جديدا يحلو له في إحياء عاشوراء صار له أن يفعل، وهذا خطير جدا على نقاء الموسم وعلى صفائه ورساليته. يحضرني هذا المثال: يراد افتتاح موسم عاشوراء بعزف فرقة موسيقية لتدشين عاشوراء، وباسم إمام من أئمة أهل البيت عليهم السلام، أي الأئمة من الموسيقى ومن الفرق الموسيقية؟ أين الإمام العابد الزاهد الذائب في الله؟ وأين جدية كربلاء؟ وأين ثورية كربلاء؟ وأين صفاء كربلاء وقدسية كربلاء ونزاهة كربلاء من قضية الموسيقى؟ لا يصلح الأمر.

 

عندما نقول “حسينيون قرآنيون” نعرض هذا على القرآن، نعرض هذا على الحسين عليه السلام. لا. تقول لي أي شيء يعطي للحسين عليه السلام تغلغلا في نفوس الناس بباطل لا أريده، لا يصح. أي تغلغل للإمام الحسين عليه السلام في نفوس الناس عن طريق باطل “لا يطاع الله من حيث يعصى”، لا يطاع الله بمعصيته.

 

هذه العنديات والاجتهادات  التي لا تتوقف عند حد تأكل من قداسة كربلاء، من صفاء كربلاء، من رسالية كربلاء، تثلم وتثلم، وفي الأخير نبقى على كربلاء شكلا بلا مضمون، وعلى إسلام شكل بلا مضمون لا يرضاه الله عز وجل.

 

“حسينيون قرآنيون” يتطلب من خطبائنا الكرام أن يعطوا للقرآن وللحسين عليه السلام حضورا مترابطا في فكر السامع، وأن يمزجوا بين المادة الكربلائية والمادة القرآنية، وأن يكون المنطلق دائما آية كريمة، وهذا الآية ستجد مادة تتوافى معها وتنسجم معها وتتلاقى معها مما تغنى به كربلاء. آلات الربط: الخطابة، الموكب، الفن الحلال، إذا كان هناك فن حلال سيخدم قضية كربلاء فعليه أن يربط بين القرآن وثورة كربلاء الحسين عليه السلام، أي أسلوب من أساليب الإحياء في محرم عليها أن تستهدف هذا الربط -الربط في الصورة عند المخاطب وعند المشاهد-، بين عظمة القرآن الكريم وعظمة الحسين عليه السلام، بين قيادة القرآن وقيادة الإمام الحسين عليه السلام، بين إمامة القرآن وإمامة الإمام الحسين عليه السلام، ولنعلم جيدا تماما ولا نغلط، فالمسألة غير قابلة للغلط: أن الحسين عليه السلام إمام وأن للحسين عليه السلام إماما، وإمام الحسين عليه السلام هو القرآن الذي لا يحيد عنه قيد شعره، هو تلميذ القرآن الوفي، الوعي، الملتزم. وهذا يعطي أننا ونحن نقدم أهل البيت عليهم السلام قادة وهو القادة الحق، وأئمة وهم الأئمة الحق لا ننسى عظمة الله عز وجل ومكانة القرآن الكريم، وأن يكون تقدسينا لأهل البيت عليهم السلام نابعا من انشدادهم إلى الله عز وجل، وعبودية لله سبحانه وتعالى، وأخذهم الكامل بكتاب الله تبارك وتعالى.

قرأت في مطروح القطيف أقتراح بحسينية طفل وحسينية للمرأة، جيد أن تكون هناك حسينية للطفل ولا يلزم من هذا أن تبنى حسينية مستقلة للطفل، يتم الغرض بتخصيص وقت من أوقات الحسينية للطفل، وبتخصيص وقت من أوقات الحسينية إذا لم يوجد بديل جهاز في بعض المناطق للمرأة، فتكون الحسينية هنا حسينية الطفل وليس العبرة بالمكان وإنما العبرة بالمادة الكربلائية الحسينية التي تخاطب الطفل. اليوم أطفالنا في السن المبكرة يدخلون الروضة من أجل أعدادهم للأبتدائي، علينا أن نعد أجيالنا وبصورة مبكرة لأن يكونوا ناجحين في الحسينية الرجالية، في المستوى الفكري الذي تتطلبه الحسينية الرجالية؛ وذلك بأن ندخلهم في تجربة عملية للخطابة، وللإدارة، وللاستماع، وللانضباط، للتنظيم، بصورة مباشرة، ولكن أضيف على مقترح القطيف أن يكون ذلك تحت خبرة وأشراف القادرين الرسالية. خطيب الأطفال صغيرا كان أم كبيرا، إدارة أطفال وغير ذلك تكون مع إشراف نفر رسالي أمين وواعي ومجاهد وهادف.

 

المرأة بدأت حسينيتها تتقدم، وعلى حسينية الرجال أن تتقدم بصورة أكبر، وعلى حسينية النساء أن تتقدم أكبر، يراد لحسينية المرأة أن تخرج من أسلوبها التقليدي على الذي يعتمد على قراءة روايات غير مدروسة يختلط فيها الصحيح وغير الصحيح، وعلى أبيات وقصائد من صوغ الفكر العامي. مآتم النساء تخاطب المشاعر، وتخاطب الأفكار، وتخاطب الإرادة، وتخاطب أبعاد شخصية الإنسان ولكن من خلال خطاب عامي، ومن خلال أخيله وتصورات غير دقيقة وغير مربية، هذه المادة تضر في أكثر من جنبة، أن نفعت في جنبة معينة فإنها تضر في أكثر من جنبة، وتبتعد بالمستوى النساء كثيرا كثيرا عن المستوى المطلوب.

 

مطلوب لحسينية المرأة وقد بدأت تدشين مرحلة جديدة وإنسالخا من المرحلة القديمة، ولكن عليها أن تطلب المزيد والمسئولية مشتركة بين الرجال والنساء، فلو استطعنا أن نجلي المعاهد والمحاضر الفكرية والتربوية للمرأة لأبدعت وأعطت الكثير كما برهنت التجارب على ذلك.

 

ونحن نستقبل عاشوراء نحتاج إلى نتهيأ نفسيا، وأن نتهيأ فكريا، وأن يكون بذلنا واعيا وأن يكون انضباطنا في تنظيمنا مسيرة المواكب وترتيب المجالس الحسينية أنضباطا يدل على تقدم في الناحية الإرادة، مطلوب منا أن نتناسى الكثير من خلافاتنا من أجل أن يرضى عنا الإمام الحسين عليه السلام الذي ننظر إليه أنه من رضى الله سبحانه وتعالى.

زر الذهاب إلى الأعلى