الحديث القرآني لسماحة آية الله قاسم (سورة النور 08) – 27 أبريل 2016م

سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم

في

تفسير سورة النور 08

الموافق 27 أبريل 2016م

للإستماع :

 

للمشاهد :

 

اضغط على الصورة لمشاهدة الألبوم :

2P3B9914

 

نص الكلمة :

“إضاءات من تفسير سورة النور”

الحلقة الثامنة

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.

قوله جل وعلا “إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ”، من الذين يحبون أن إشاعة الفاحشة في هذا المجتمع المؤمن وأن يقلقوا هذا المجتمع ويفسدوا المؤمنين وينحدروا بهم إلى أسفل فمن اؤلئك المنافقين فيهمهم جدا التأثير السلبي على المجتمع المؤمن وإفساده وإنهاكه، ومنهم من اعتاد الفاحشة وتعلق بها ووافقت هواه وتحكمت بعقله وهواه وأنساه صوت ضميره وهذا فريق يحب أن تشيع الفاحشة وله في ذلك غرض وهو أن تسهل طرق الفساد والتحلل أمامه والوصول إلى ما يطمح إليه من شهوات وبشكل ميسر وبصورة علانية لا مضايقة فيها ةهذا يريده ولذلك يسعى لنشر الفساد حتى يهون وطئ الفاحشة على ضمير هذا المجتمع.

الكفر الصريح يود ذلك أيضا وأصحب أغراض مختلفى ومنها أهل التحلل السياسي وخطر هؤلاء كبير على المجتمع وهم وفي داخل المجتمع المسلم يشكلون له مشكلة عصية تمثل بؤرة خطرة جدا لنشر هذه الفاحشة الخطيرة، فلابد من تشريع قوي وحاسم ومواجه وعقوبة مترتبة لعى هذ الدور ولابد من انضمام الإنكار الاجتماعي الذي يضيق به صدر من أراد سوءً بالمجتمع المسلم وباشر الدور الإفساديّ في هذا المجتمع.

من أكبر أدوات وآليات استقرار الوضع الصحيح الأخلاقي والفكري والوضع الفكري هو وجود أغلبية اجتماعية تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتقف بهذا الإنكار في وجوه المفسدين، وهناك أساليب للتعبير عن الدور الخسيس الخبيث الذي تقوم به هذه الفئات لنشر المفاسد ومظاهر التحلل والغزو الخلقي فيأتي من بين هذه الأمور الزنا ما استطاع احدهم أن يفعل وهذه ممارسة عملية من شأنها أن تزرع بذور هذه الفاحشة وفي أكثر من موقع لتنتشر.

ومن الأساليب كذلك إتهام الأبرياء، إسقاط تهمة على الأبرياء وتلويث سمعتهم ونشر أن هناك مفاسد وأن هناك عملية زنا تشيع بين هذه الطبقة التي يعرفها الناس ظاهرا بالطهر من شانه أن يشيع الفاحشة وأن يسهل أمرها عند كثير من النفوس ويعطي هذه النفوس أن تستسيغ الفاحشة وماذا لفلان أن يمتنع عن مثل هذه الفاحشة التي يشتهيها وفلان الآخر المعروف بأنه تقي محافظ وملتزم يرتكبها فما الذي يمنع بعد تقدم هذه القدوة عند الناس لمثل هذه الرجاسة وهذا مشجع كبير.

الترويج لما قد يحدث في المجتمع من هذه الأمور، يمكن أن شيء قد حدث من هذا النوع على مستوى حادثة هناك وحادثة هنا فيحدث ترويج وتعميم ونشر كبير من أجل تسهيل مثل هذه العملية وفتح الطريق لها وتدجين الناس بالنسبة إليها فيعطون قابلية القبول بمثل هذه الحادثة والمجتمع تسوده هذه الحادثة وهذا يدفع كثير من أصحاب النفوس الضعيفة إلى أن تدخل في هذا المجال.

إشاعة أخبار كاذبة غير منسوبة لأحد، هذا لا يقول أن فلان فعل كذا ولكن يقول أن هناك خبر -وهو مكذوب ويعلم أنه غير موجود- وهذا الخبر ينشره عدد من الناس ويُشِيعُونه بأن هناك خبر وأحدهم يقول أن الخبر مؤكد وآخر يقول أنه شبه مؤكد بأن هناك حادثة من هذا النوع أو أكثر.

الصور العارية والأفلام الخليعة والعبارات المثيرة والألبسة الفاتنة وما أكثر ذلك وما أخسها من بضاعة وما أروجها هذه الأيام وما أكثر المتصدين لنشرها وهدم الأخلاقيات الكريمة من خلال توسعتها.

النتاج الجنسي المتبذل جدا باسم الأدب والشعر والقصة وتحت شعار حرية التعبير والثقافة المنفتحة والهراء كثير كثير في هذا المجال وتكوين شبكات الدعارة وهناك أساليب وأساليب جهنمية تستعمل كلها هذه الأيام وبكثافة في سبيل هدم أخلاقيات المجتمع المسلم.

“إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا”، والفاحشة: هي القبيح من القول والفعل وما كان متميزا منهما بالمبالغة في القبح، وأما مطلق القبيح أو القبيح الشديد جدا هو الفاحشة، والفاحشة هنا تعني الزنا والترويج كان بأن تشيع الفاحشة بما فيها بما هو من أعلها وهو الزنا وأن تشيع في المجتمع المسلم، والمستهدف أن تشيع الفاحشة بكل صورها ومستوياتها وبمستواها الأعلى في المجتمع المسلم.

العذاب بمقدار المعصية وعظمة العذاب تكشف عن عِظم المعصية في تقدير من أوجب ومن شرع هذا العذاب ويعتند هنا الأمر على وزن المشرع وصدق المشرع وعلمه وعدله وحكمته ورحمته وإذا كان المشرع هو الله والموقع للعقوبة هو الله تبارك وتعالى فأي جنبة من جنبات تنقص حكمة هذا الحكم ودقته وما يقوم عليه من علم وعدل ورحمة بعد أن يكون الله هو المشرع لهذا الحكم والمُوقِعُ له والمتوعد به.

مرة بعد مرة وتوقظونا الآيات من السورة المباركة على فظاعة الزنا ونشر الفاحشة ورمي أعراض المؤمنين وزلزلة المجتمع المسلم بمثل هذه الأمور ففهل نتعظ؟ وهو يوقظ هذا فينا حس مواجهة هذه الظواهر القتالة؟ وهل نعرف أن موقفنا عند الله عز وجل من ميزانة أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر أو نسكت؟

قد مر من عقوبة العاملين على نشر الفاحشة في المجتمع ما يبين شديد ألمه -وقد سبقت الآيات بذلك- وقد بيبن شديد الألم بمختلف الأساليب لمن أرتكب أي أسلوب من هذه الأساليب المدمرة التي تنشر هذه الفاحشة سواء كان أسلوبا قوليا أو ممارسة أو إشاعة أو أي نوع وكان عذاب الدنيا الذي توعدت به الآيات السابقة أليما شديدا غليظا مفجعا ويتناول الناحية المعنوية والناحية البدينة وهذا عذاب الدنيا وهو الأصغر من بين عذَبيّ الله عز وجل للعاصين، فكيف سيكون عذاب الآخرة؟ الصورة المصغرة لا تكاد تحتمل وتتناول جانب البدن وجانب المعنى والشرف والموقع فكيف به وعذاب الآخرة فليحسب الإنسان حسابه في المسألة.

“إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ”، لا نعلم مدى الألم ومدى العذاب الأليم ولا نعلم وزن الجريمة ولا نعلم دقة المطابقة بين الجزاء والجريمة ولا نعلم الخطر الذي تجره هذه الجريمة بشقيها الممارسة والترويج وهدم أعراض المؤمنين.

“وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ ” لا نعلم بالدقة مدى الفاعلية لهذه العقوبات والجزاءات لو طبقت في دنيانا ونعلم صورة أن المجتمع المسلم عاش سنوات في ظل قيادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقيادة أمير المؤمنين عليه السلام، فكم حادثة زنا انكشف؟ نادر جدا، والآن كم هي رائجة فاحشة الزنا وكم هي معلنة وما مدى غزوها للبيوت الآمنة وكم تهدم وكم تفسد في سياسين كبار ورؤساء جمهوريات وكم حالات من الاغتصاب في أمريكا وغيرها وهناك يعاقبون على حالات الاغتصاب وليس على فاحشة الزنا فلا تكفيه حالات فاحشة الزنا وهي ميسورة ويضيف إلى ذلك حالات الاغتصاب وكم هو من هذا من المجتمعات؟ وكم يجاهر به ويفتخر به؟ أكنت تجد شيئا من هذا في المجتمع المسلم يوم ذاك؟ لا. وما طبق حد الزنا إلا نادرا جدا وإنما في الغالب أن يأتي الشخص لتقواه بعد أن زلت قدمه ويريد أن يخلع ثوب المعصية عنه خلعا نهائيا ويضحي بحياته للنجاة من عذاب الآخرة ويعترف والاعتراف ليس في مرة وحدة ومر ذكر الحداثة عن أمير المؤمنين وعن تطبيق الحد ومتى طبق هذا الحد على ذلك المعترف، هذا هو إسلامنا وكل ما نأخذه عنه صورة مشعى وكبيرة فهي صورة مصغرة جدا ولا تصل عقولنا إلى مدى عظمته.

ظاهرة الفاحشة تحتاج إلى ملاحقة وإلى مبادرة حرب ضدها داخل البيت وداخل القرية وفي إطار المجتمع والحملة من جانب المستهدفين لسلامة المجتمع المؤمن عنفية وشرسة وتقوم على التخطيط والتمويل الهائل والجيوش المعدة لهذا الجانب وكل ذلك يحتاج إلى مواجهة جادة وإن لم تكن كفؤة في العدد والعدة إلا أنه يطلب لها أن تكون على أكبر مستو ممكن.

“وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ”، لا تدرون ماذا يصيبكم ولا تدرون مدى الفضائع والفجائع وحالة الغصب وحالات النزاع على الفتاة الجميلة والسلعة الساقطة فلا تدرون ماذا سيحدث، وما في الغرب ليس كافيا لإعطاء الصورة الحقيقة لغياب المواجهة نهائيا لهذه الظاهرة فهناك بقية دين مسيحية وهناك دعوات تنذر كثيرا وهناك نوع من الاشتغالات الثانية وكل ذلك لا يحمي ولو كانت المسيحية قوية في هذ الجانب في المواجهة لأعطت دورا إيجابيا كبيرا، الصورة هناك بشعة ومرعبة لإثار فاحشة الزنا والأمراض النفسية والأمراض الجسمية والأمراض العُقَدِية والطلاقات وغير ذلك والأمراض الجنسية كل ذلك هناك ولكن نقول الصورة غير مكتملة لما يمكن أن يكون عليه الوضع بصورة أسوء وأسوء لو انتهت كل الروادع والمواعظ والمنبهات.

“وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ”، ولولا فضل الله على هذا الإنسان في أي مجال من المجالات، مجال الوجود ومجال الحياة ومجال الاستقامة وإفاضة أي نعمة فلولا فضل الله لغاب عن هذا الإنسان كل خير، ولولا فضله في التعامل مع الناس في معاصيهم وما شرعوا له في هذا المجال من عقوبات وأنزل من مواعظ لكان العذاب شديدا لا يقاس والعذاب عذاب دنيا وعذاب آخرة.

الآية الكريمة تقول “وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ”، والجواب محذوف لينفتح تصور الإنسان على أي عذاب عظيم متوقع وعدم ذكر الجواب لغرض ولحكمه فلتحسب حسابك وأدخل في حسابات متكثرة عن هذا العذاب وظل قلقلا في حسابات كهذه وظل مرعوبا أمام كل الاحتمالات وعليك أن تفعل ذلك؛ لأن الجريمة عظيمة، وإهمال الجواب ليس عن نسيان أو غفلة وليس عن جهل وإنما عن علم وحكمة وتربية.

“وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ”، رئيف سبحانه وتعالى رأفة عظيمة ورحيم رحمة واسعة وبالغة منعت من تعجيل العقوبة وفتحت باب التوبة، ورحمته سبحانه وتعالى ليست رقت قلب ولا إنفعال عاطفة تنزه الله أن يعرضه عارض على الإطلاق لا يعرضه عارض كمال  لأنه كمال بلا نهاية ولا يعرضه عارض نقص لأنه ممتنع بذاته ولا فاعل غيره ولا مؤثر عليه على الإطلاق، فلا تعرضه عواطف ولا انفعالات ولا غضب فإن كان يغضب بمعنى أنه يفعل فعل الغاضب وليس أن تعرض عليه حالة من الغضب ويرضى بأن يفعل فعل الراضي بمن رضي عنه وليس أن تعرضه حالة انفعال كما تحدث لنا والتي نسميها بالرضى فكل هذا ليس موجودا في حق الله عز وجل، ومن معنى رحمته ورأفته: إحسان وتفضل وإنعام ودفع سوء ودرء خطر وإمهال بالعقوية إعطاء فرصة للتصحيح.

ولا تأتي رحمته المتمثلة في التعامل الإحساني عن محاباة أو خوف أو رجاء وهذه الرحمة لا تأتي مناقضة للحق ولا مخالفة للحكمة ولا تضر بأحد لمصلحة آخر، أجور عليك فيرحمني الله ويبقى جوري عليك هذا لا يكون فالمورد ليس مورد رحمة، يرحمني بأن يهديني ويعدل بي عن هذا الطريق العرج والمنحرف هذا أمر صحيح، ولكن لا يرحمني بأن يرفع عني العقوبة ويترك ذاك بظلامته، والمترتب لولا فضل الله وبصورة إجمالية وليس بصورة تفصيلة -فالجواب بالنسبة لنا مجهول- فالعذاب يكون هنا ثقيل وأليم وأن السكوت عنه دليل شدة وغلظة.

ومن رحمة الله ورأفته إرسال الرسل وإنزال الكتب وأساليب الأنبياء وقدرتهم على التبليغ وعلى الوعظ ووجود عدة من المصلحين ومن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والتأديب بالبلاء، أفعل السوء فيأتيني درسا عملي في بدني أو في مالي أو أي أمر آخر فيوقظني، أو أن ألقى مربيا أو أن ألقى واعظا أو ناصحا خاصا أو أعيش بيئة فيها إنكار منكر أو مجتمعا فيه إنكار منكر أو إمهالي للتوبة وعدم تعجيل العقوبة أو التحذيرات الإلهية الأخروية أو ما يبن من مضار ومنافع لمثل هذه الفواحش فكل ذلك من رأفة الله ورحمته وما كان ليحدث شيء من هذا كله لولا رحمة الله ، فمن يملك شيء إلا ويرجع ما مُلِكَهُ إلى المالك الحق وهو الله تبارك وتعالى فأنت تفكروأنا أفكر وقد نهتدي صوابا ونقول قولا حسنا لكن من أين لنا هذا لولا الله!

أرجع لنفسك وأرجع لنفسي واستنطقها أستطيعين أن تفعلي شيئا تملكينه من ذاتك؟ هذه الفكرة التي عندك هل أنت من جائت بها أو جائك؟ ومن أعطائك طريقة التفكير وطريقة الانتقال من المقدمات إلى النتائج فلا يوجد نعمة إلا من الله عز وجل.

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ”، يستحضرك هذا النداء ويستحضر مضمونك الخاص وانتمائك الخاص وهويتك الخاصة وزدك الإيماني والفكري على خط الإيماني ويقف بك أمام مسؤولياتك فينبغي كل هذا.

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا”، ليس كما أناديك يا حاج فلان أو يا بن فلان أو يا فلان أو يا أستاذ أو أن الأمر آخر؟ “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا”، هنا المؤمنون الحق وقبل أن يتعرفوا على ما التكليف ولماذا هذا النداء يقولون “لبيك اللهم لبيك” وأنّا لنا ؟ ويقولها صادقا.

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا” لبيك اللهم لبيك “لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ”، تتبع خطوات الشيطان وأتعرفها وآخذ بها وأسير في الإتجاه الذي تأخذني إليه والشيطان أنا لا أره يخطو خطوات على الأرض لا وإنما يأمرني بخطوات ويوسوس لي بخطوات ويزين لي خطوات ويقبح لي خطوات ويكبر لي خطوات ويصغر أخرى وكل هذا خطوات الشيطان.

أنا لمّا أقتدي بك وأنت لمّا تقتدي بآخر أو تريد ن تقتدي وأريد أن أقتدي ماذا يطلب لنا قبل الإقتداء؟

يطلب لي أن أعرف وزن من أقتدي به من وزنه العلمي ومدى خبرته وصدقه وأمانته وإخلاصه ومدى هداه ومدى ضلاله ومدى علمه ومدى جهله وعليَّ أن أتعرف على كامل شخصيته بأكبر قدر ممكن حتى أقتدي به، تعرفنا على الشيطان وحسنت صورته في صلاحه وفي نصحه وفي أمانته وفي إخلاصه لنا فإن كان ذلك فلنتبعه. وأنا لما أتبع فلانا أو أن فلانا يتبع آخر من غير هذه الوقفة الطويلة المتأملة المتأنية الدارسة المتعمقة فأنا سخيف وجاهل وذلك الآخر سخيف وجاهل.

أمي، أبي، أخي مع إخلاصهم حين لا يكون لهم العلم الكافي لا أقتدي به في كل ما يقول وإن لم أناقشه ماشرة أناقشه في داخل نفسي وأناقش نصحيته، وأما الشيطان أستسلم له بالكامل فورا يأمر فنمتثل فتأتي النصحية من العلي العظيم الذي لا شك في علمه وفي حكمته وفي رأفته وفي غناه، تأتي النصحية منه والأمر والنهي “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ”، أنا عندي دعوة من الشيطان بالاتباع وعندي نصحية من الله بعدم اتباع الشيطان، فلنعْمِل ميزاننا فأمامك نهي الله وأمر الشيطان وهما متعارضان فهذا ينفي ذاك وذاك ينفي هذا، بأيهما تأخذ الأمر لك.

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ”، جاء التعليل ولا نحتاج إلى تعليل يا ربنا  فكلنا ثقة ولا نشك في أمرك ونصحك وفي رأفتك بنا وفي معرفتك بالشيطان وفي معرفتك بنفوسنا ومع ذلك ياتي منه التعليل “فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ”، ولنتذكر أن الفحشاء قبيح القول والفعل أو ما هو أشد القبيح منهما والمنكر ما ينكره العقل السليم والفطرة النقية التي لا تكذب أبدا ولا تحون أبدا ولا تغش أبدا والذوق والضمير الإنساني والعرف السليم وما تنكره شرائع الله وتنكره، فأي الأمرين يهون أهي الفحشاء أو المنكر فالفحشاء ذكرت وحدها لكأنها منكر من المنكرات العظيمة فخصت بالذكر وإلا فهي منكر وهذا من “الذكر العام بعد الخاص” والعام هو المنكر والفحشاء هو منكر ولكنه منكر خاص من المنكرات وكأن النص عليه لبشاعته ولأن المعالجة في موضوع السورة هو هذا الجانب الخيس وهو جانب الفحشاء.

والحمد لله رب العالمين

زر الذهاب إلى الأعلى