الحديث القرآني لسماحة آية الله قاسم (سورة النور 02) – 24 فبراير 2016م

سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم

في

تفسير سورة النور 02

الموافق 24 فبراير 2016م

 

للإستماع :

 

للمشاهد :

 

 

اضغط على الصورة لمشاهدة الألبوم :

2P3B4202

 

 

نص الكلمة:

“إضاءات من تفسير سورة النور”

الحلقة الثانية

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآل الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعداهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

“الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ”، اللين والشدة في الإسلام محسوبان حسابا دقيقا وهدفهما واحد وهما محسوبان ومحسوب موضع كل منهما لا يأخذ هذا موضع ذاك ولا ذاك موضع هذا وهدفهما واحد إقامة العدل واستقامة الإنسان وكل منهما الشدة في شدتها واللين في ليونتها يأتيان عديلين لا شائبة لظلم في وزنهما.

“الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي”، الزما فاحشة معروفة وهي العلاقة الخاصة الجنسية بين رجل وأمراة خارج ما هو مقرر شرعا لحلية وإباحة هذه العلاقة وهي فاحشة كبرى في اعتبار الإسلام وعقوبتها مشددة والزاني والزانية هل المعنى بهما هو مطلق من كان زانيا أو زانية في الواقع والذي هو في علم الله تبارك وتعالى أو هو الزاني الذي حدَّ له هذا الحدَّ وتُوَقعُ عليه هذه العقوبة في الإسلام هل هو الزاني الواقعي الذي حدث منه الزنا خارجا وفعلا وحقا وصدقا أم هو غير ذلك؟ فالواقع بثبوت الزنا هو القاضي والشاهد على الزنا يمكن أن يحصل إثبات وجداني بأن تثبت عنده حادثة الزنا ووقوعها وجدانا ويقينا أما القاضي الذي يشهد عنده الأربعة الشهور لا يجب عليه أن يحصل له اليقين بهذه الجريمة حتى يحكم بهذا الحدَّ على المتهم بالزنا من ذكر أو أثني، فليس كلما أخبر أربعة شهود -وإن كانوا عدول- حصل اليقين فقد لا يحصل اليقين ولكن نسمي هذا “مثبت ظاهري أمَرَتي” ومثبت للحادثة بحسب الشرع وهو القضاء وهذه الوسيلة الظاهرية في الإثبات والتي تثبت الحادثة ظاهرا وبنى عليها تطبيق الحكم وهذا هو الأمر في حق الزاني والزانية.

أما لو كان الزاني قد زنا فعلا وحقا وصدقا في الخارج وحدث منه الزنا وكذلك الزانية ولكن قل الشهود عن الأربعة فهذا الزاني غير معني بالحكم وهو بريئ وهو واقعا زاني في الخارج- ولكن في الحكم الشرعي هو بريئ لا طائلة لأحد من الناس عليه، والمثبت الشرعي طريق للتوصل للواقع وقد يصيب وقد لا يصيب الواقع والعقوبة موضوعة على موضوع الزنا فعلا وعلى واقعه وليس على توهمه ولكن إثباتا من ناحية القاضي الذي يقضي بالحد على هذا المتهم أو ذاك والعقوبة عنده موقعة على ما هو زنا بحسب المثبت الشرعي الظاهري وهو الذي شهد به أربعة شهود أو الذي أعترف به الزاني نفسه أربع مرات كما في الحادثة عند أمير المؤمنين عليه السلام ويرجعه الإمام عليه السلام أربع مرات بعد أن شهد على نفسه بأنه زنا فقد يكون مشتبه أو أمر آخر ففي كل مرة كان يرجعه وفي المرة الرابعة حكم عليه بالحد، إقامة الحد إما بهذا المثبت وهي البينة المكونة من أربعة شهود عدول أو من اعترافات أربعة من الشخص نفسه في حال من الحرية وليس تحت الإكره والتهديد ويعطيه فسحة ليرجع بيته ويرجع لأهله.

تقول الآية الكريمة “الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي”، وهنا تقديم للزانية على الزاني هل يعني أن دور الزانية أشد من دور الزاني فما حصل جريمة واحدة مشتركة بين الإثنين فهل يوجد وجه للتقديم أمأنها عطف والعطف بالواو لا يعني الترتيب ومجرد التشريك والتشريك حاصل بالجلد وهذا أمر مفروغ منه، التقديم هنا لأن المرأة أكثر حياء بطبيعتها -وأما أنها تصنع صناعة تجعلها أجرأ من الرجل في هذه المجالات فذاك أمر آخر- فهي بحسب طبيعتها الحياء عندها أكثر تركزا فجرأتها على إختراق هذا الحاجز وهو حاجز الحيائي يحتاج إلى جرأة على الله أكبر وجرأة أكبر على ما يخالف هذا الحياء المزروع من الله تبارك وتعالى ضمانا لعفتها فإن لم يرتب على ذلك فارق عقوبة بين الزاني والزانية فلا أقل إشعار بدورها الخاص في هذا المجال أو بشدة جرأتها على مخالفة الحكم الشرعي وهو حرمة الزنا.

المرأة من جهة أخرى تمتلك وسائل مغرية أكبر وأهدأ، الرجل قد يفترس وقد يغتصب والاغتصاب يكون بإعمال القوة والعنف ويترك أثرا في بدن المغتصبة ويكون شاهدا على أن الرجل هو الذي أقدم وهذا يحمله درجة من المسؤولية وأما المرأة تمتلك وسائل هادئة مغرية ساحرة في هذا المجال أكثر مما يمتلكها الرجل فهي بهذا تتحمل مسؤولية أكبر في إعمال هذه الوسائل وتكون أقدر والطريق أمامها مفتوح بصورة أيسر لتقريب الطرف الثاني للوقوع في هذه الفاحشة من ابتسامة أو دعابة وغير ذلك وكما هو حال المرأة من مريدة الحلال أو مريدة الحرام.

العقوبة غليظة وهي عبارة عن ثمانين جلدة وقد تعرض لعلة تعقب الموت وهي من شهوة لدقائق وعقوبة قد يطول أمد أثرها وهذه هي العقوبة الجسدية وهذا يكشف عن أن المقدر هو الذي لا يخطئ في وزن الموضوع والجريمة ومن لا يظلم أحدا وليس عنده تحامل على أحد من عبيده ولا يختل عنده الوزن بينما يتطلبه الجرم وبينما ما يجعل له من عقوبة، وحين تأتي هذه العقوبة المغلظة من العليم الحكيم الرؤوف الرحيم والذي هو أرف بعبده من رأفة أمه به، هذا يكشف عن غلظة قبح في الجريمة وخطورة الجريمة على سلامة الأبدان وسلامة المجتمع وخطورة على الجانب الروحي وخطورة على العلاقة بالله تبارك وتعالى وهذا مما يجب أن يظهر للمسلم عِظَمَ هذه الجريمة وبشاعتها ويجعله يبتعد عنها وعن مقدمها كل البعد.

وتجد من غلظة هذه العقوبة “وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ”، الرحمة والرأفة مطلوبة في دين الإسلام والقلب القاسي والجافي قلب يُخافُ منه وقسوة القلب تكون مسببا للجرائم فكيف أن الإسلام هنا يشدد “وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ”، ربما كبرت هذه العقوبة في نفس القاضي وفي نفس الذي يقوم بالجلد في الطائفة الحاضرة من المؤمنين، الرأفة في نفس هذا الطرف أو ذلك الطرف مرفوضة شرعا ومخالفة لدين الله ودين الله هنا قد يكون منهج الله وحكمه ويمكن أن يكون طاعته، أنتم أمام طاعة لله الذي لا يتهم بجهل ولا بتحامل على العبيد ولا بظلم فأي رأفة تأتي هنا في قبال حكم الله عز وجل وفيها إخلال بطاعته وتخلف عن طاعته هي رأفة مخالفة للعدل ومخالفة للحق ومخالفة للمصلحة ورأفة تهدم الحق ولا تبنيه وتناقض العدل ولا تنسجم معه فلا تخذكم هذه الرأفة.

“وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ”، يتلويان تحت السياط وقد يعلو صراخهما وأنتم تشهدون والموقع للعقوبة والممارس لتنفيذها مصل صائم حاج ولابد أن يعروف بالتقوى حتى لا يحيف في التطبيق بزيادة أو نقصان وأنت لا تأخذك رأفة في دين الله هذا في حال أنهما يصرخان وهذا يكشف أن الجريمة في تقدير الله وللمسلم أن يتهم ربه أو لا يتهمه وحين يتهمه يدخل النار بتهمته لله عز وجل أو يبقى على يقين عدل الله فيسلم ويرضى، وهناك مع عقوبتان بدنيتان وغلاظة أصل الحكم وعدم التخفيف فيه لا في إصداره ولا في تطبيقة هناك وعقوبتان معنويتان نفسيتان والعقوبتان المعنويتان صاعدتان لمستو كما هو حال العقوبتين البدنيتين.

“وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ”، وهذه عقوبة معنوية فإن يجلد في غرفة مغلقة يعاني بدنيا ويصرخ من الألم ولكن لا يشعر بسقوط اعتبار بدرجة أن يكون هذا مشهودا لطائفة من المؤمنين وفي الحال الثاني جلده في حضور في طائفة من المؤمنين ثقلان وألمان ألم ثقيل بدني وألم ثقيل نفسي وهذه عقوبة من لون جديد، النفس التي تملك درجة من الشرف يعز عليها أن تسقط في وسطها خاصة إذا كانت مقتنعة أن سقوطها عن حق وأن الناس غير ظالمين لها في إسقاطه وهذا الشخص يحس أن اسقاطه جورا عليه وأنه بريئ مما يتهم به وهناك حالة ثانية أنه يعرف من نفسه الإجرام وهذا ما يحصل في النار أن الإنسان في النار مزدرا ولا قدر له ومهان ومسحوق الكرامة ويشعر بأنه أهل لذلك وأن هذا حق وهذا ما يعذبه أكثر وأكثر وهذا سقوط خارجي وداخلي.

فهذا الحضور من طائفة من المؤمين مأمور به “وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ”، وهذا الحضور له حكمه الأخرى منها حتى لا يتهم قاض أنه لم يحكم على فلان أو يهم مطبق بأنه حابى بالإضافة إلى أن شهود طائفة من المؤمنين فيحمل كل منهم خبر مع العلم أن الإسلام يحب الستر ولكن بعد أن يفضح نفسه لا كرامة له ولا ستر له فهو من فضح نفسه، ووجود الشهود الأربعة وشهود طائفة من المؤمنين أمر يسقطه أكثر في نظر المجتمع والخبر يصلهم وهذا يأدب النفوس أن ألتفتوا فإن فلانا سقط اعتباره في المجتمع فلا تفعل بنفسك كما فعل وهذه كلها روادع يراد الردع عن شيء خطير ومدمر ومزلزل للمجتمع ولا تقوم معه قائمة للمجتمع.

نجد أن العقوبة للطرفين متساوية وهذا الإلتزام بعدم الرحمة وبعدم الرأفة في الحكم والتطبيق بحد الزنا له علاقة بالإيمان وصدقه وعمقه وجودا وعدما، وإذا كانت النفس مبنية بناء إيمانا لا تشك معه في عدل الله وفي علم الله ورأفته وإيرادته لمصلحة العباد هنا لن يكون مكانا للرأفة أمام هذه العقوبة المشددة وإذا كان في تربية هذه النفس خلل يجعل الشك يخامرها في مسألة العدل الإلهي والعلم الإلهي والرأفة الإلهية فسينفتح باب الرأفة، مرة قد تنشأ عاطفة متوجعة من غير إنكار الحكم وعدالته ومرة تطغى هذه العاطفة فتجعل الحكم العادل لله في نظر النفس ظالما وهنا مصيبة أكبر، يمكن أن يكون رد الفعل النفسي الطبيعي التلقائي لمشهد عذاب واحد -قد يتسامح معه- لكن قد يجر للشك في عدل الله وفي علم الله وفي عدالة التشريع الإلهي وهنا المخالفة لروح الإيمان واضحة جدا.

“وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ”، وليس لا تصبكم أو لا ترأفوا وإنما “وَلا تَأْخُذْكُم” الشيء تأخذه حين يكون خفيفا وأنا أُءُخذ منك حتى على مستوى الجر حينما أكون أخف منك إلا لو كنت على وزن ثقيل ما استطعت أن تأخذني، وهنا نحن مع عملية أخذ من الرأفة للنفس في عقلها وفي حكمتها وفي إيمانها وحين تأخذني الرأفة في هذا المورد فقد غلبت إيماني واستخفته واستخفت عقلي واستخفت تقديري للمصلحة وصرت خفيف الوزن المعنوي أمام عاطفتي وهو ضعف شديد والرأفة ليست ذات قيمة خلقية مطلقة سواء جاءت في خط الحق أو في خط الباطل، فرأفة من خط الحق تأتي في خط الحق ومنسجمة معه هذه قيمة خلقية وأما رأفة تأتي على خلاف وخارج خط الحق وتأتي في خط الباطل وتخدم الباطل هذه رأفة فيها سقوط خلقي وهذه ضعف فليست كل رأفة ممدوحة فرأفتك عن تأديب ولدك ليست محمودة فالرأفة مطلوبة في موضوعها والشدة مطلوبة في موضعها وكل منها لا يصلح في موضع الأخرى “وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ”، ولا تفقدوا وزنكم أمام منظر العقوبة الغليظة وأمام صراخ الزانية حين تجلد وصراخ الزاني حين يجلد “وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ”، وأنظر إلى من هو الناهي.

“وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ”، لو كان الأمر غير دين الله وغير منهجه ولو جاءت هذه العقوبة من قانون وضعي وفي طاعة إنسان كان لك أن ترأف وترأف بما يضادها وبما يعطلها وبما يخفف منها ويخلص منها وعندك مجال بأن تشك وبأن تتهم وأما أمام منهج من الله وحكم منه وأمام طاعة الله عز وجل فهذه الرأفة غير واردة.

“فِي دِينِ اللَّهِ”، الدين فسر بأنه الحكم والمنهج أو الطاعة واستشهد من يفسره بالحكم أو المنهج بقوله تبارك وتعالى ” مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ “، وهم فسروا دين الملك بحكم الملك “وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ”، قد احتمل في هذا التعبير احتمالان الأول بمعنى “وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ” في أمر هو من منهج عز وجل ومن تشريعه “وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ” في أمر هو في طاعة الله بحيث تخالفونه.

“طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ”، الذين تطلب الآية الكريمة أن يشهدوا عقوبة الجلد فقد اختلفوا في تحديد عددهم منهم من اكتفى بواحد ومنهم قال مما يصدق عليه الجمع فأكثر والروايات مختلفة في ذلك والرواية التي تكتفي بالواحد لا تنافي العدد الأكبر وإنما يعد ذلك الحد الأدني ممن يشهد الحد ثلاث أو أكثر وهناك روايات تقولأكبر وكل ذلك مترتب على أن يكون الإثبات إثباتا شرعيا مكتمل الأركان والشروط وبأن يكون هناك شهود على الحادث على كمال من العدد المطلوب وكمال من الوصف المطلوب.

“الزَّانِي لا يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ”، هذه عقوبة معنوية أخرى وإسقاط عملي للاعتبار ومقاطعة بدرجة ما من الوسط الاجتماعي المؤمن وهل عندي شعور بالكرامة أم لا وهل عندي شعور بأن يكون لي مقام ولو شيء ما في هذا المجتمع أم لا؟ ألا يثقل علي أن أكون منبوذا ولا يعاشرني معاشر وإنما متهم حتى لا أزوج والمرأة لا تتزوج واتفاق اجتماعي ومأمور به من الله عز وجل كم هو صعب على نفس لها أدنى درجة من الإحساس بالشرف فالأمر صعب وعقوبة معنوية شديدة جدا.

“الزَّانِي لا يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً”، بحسب الآية بغض النظر عن الحكم الفقهي الذي آل إليه النظر في المشركة وهنا “الزَّانِي لا يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً”، درجة هابطة ووزنه هبط أو أخس منها وهي المشركة والشرك أغلظ من الزنا على غلظة الزانى وقبحة، يأتي السؤال من هو الزاني الذي لا يتزوج إلا زانية أو مشركة والمؤمنون لا يزوجونه والمؤمنة لا تتزوجه ولا تقبل منه أن يكون زوجا هو من أثبت عليه الزنا بالإثبات الشرعي وليس من أتهم اتهاما فقط فقد يشهد عليه ثلاثة شهود عدول وهذا العدد غير كافي في إثبات الجريمة وهذا لا يسبب للمؤمنة أن تمنع عن الزواج به -قد تمتنع لأنه محل تهمة- ولكن لا يحرم عليه الزواج منه والزواج بينهما صحيح وتوجد علقة شرعية، والأمر الآخر أن لا يعقب إثبات الجريمة إقامة حد وبعد الحد تثبت الحرمة ولكن هذه الحرمة ترتفع بالتوبة المعلومة وقالوا في استكشاف التوبة بأن يعرض عليه الزنا بأن يزني أو أن يعرض عليها أن تزني وأن يزنا بها فترفض ليكتشف من ذلك توبتها وهذا يكفي ويكون بحال لا يعرفه ولا تعرفه فتترفع وتأبى لأنها صارت متمسكة بالعفة بعد إنهيار عفتها وليس المعنى بأن تسترت ولبست ما يغطي وجها وإنما ما يحصل معه اليقين والعلم.

في صحيحة أبي صباح الكناني عن أبي عبدالله عليه السلام سأله عن قول الله عز وجل “الزَّانِي لا يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً”، فقال عليه السلام: كن -أي وجدن- نساء مشهورات بالزنا ورجال مشهورون بالزنا قد عرفوا بذلك- والناس اليوم لمعرفة ذلك إما أن تكون مشهورة قد وضع علم أو ممن فتحت بابا لذلك الأمر وأنها مستعدة للفجور كما كان ذلك في البلاد الإسلامية أيام حكم الأنجليز حيث فتح حي خاص للساقطات وتبقى بيوتهم مفتوحة لهذا الأمر وهذا معروف، والطريق الثاني هو الإثبات عند القاضي العادل الشرعي بأربعة شهود وهذه أمراة ثبت عليها وأقيم عليها الحد- وقال كن نساء مشهورات بالزنى وفي الأيام التي نزلت فيه الآية الكريمة هو ذلك والراغبون بالفجور يرتادونه، قال عليه السلام: كن نساء مشهورات بالزنا ورجال مشهورون بذلك -والناس اليوم بتلك المنزلة وهذا من ناحية الحكم وليس من ناحية الموضوع وأن الحالة ليست نفسها موجودة الآن وإنما حسب السياق للحكم- فمن أقيم عليه حد الزنا أو شهر به –شهر بما يوجب العلم- لم ينبغي لأحد أن يناكحه حتى يعفر منه التوبة.

وفي موثقة حكم بين حكيم عن أبي عبداله الصادق عن قول الله عز وجل “وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ”، قال عليه السلام: إنما ذلك في الجهر، ثم قال لو إن إنسانا زنا ثم تاب تزوج من حيث شاء، حين تجاهر ويكون ذلك معلوم معلنا إما عن طريق الوجدان أو أن تفتح الباب أو أي أسلوب يستخدمنه أو أن يقام عليها الحد فتشتهر بذلك، والتحريم في الموثقة على من أشتهر بالزنى -حسب ما يظهر من التعبير إنما ذلك في الجهر أي حالة حصول الجهر بالزنى أما غيره فلا يشمله التحريم وهي في ذلك كسابقتها، بمفاد صحيحة أبي الصباح الكناني جاءت رواية محمد بن المسلم عن أبي جعفر عليه السلام وتحمل نفس المفاد الذي تحمله صحيحة أبي الصباح الكناني.

ومن الأقوال في آية التحريم “الزَّانِي لا يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ”، هناك رأيان في الآية، الرأي الأول يقول بأن الآية أخباريه أي خبرية في أسلوبها وبأن تخبر “الزَّانِي لا يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً”، وهذا خبر “وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ”، فالآية  الكريمة تستعنل الأسلوب الخبري وهذا مسلم ظاهرا وهناك اختلاف في مراد الآية الكريمة وإن كان المراد منها هو الإخبار أو أن المراد هو الإنشاء وبمعنى أنه خبر يراد به النهي وهذا الأسلوب مستعمل كثيرا في التعبير عن الأحكام الشرعية بالنهي والإيجاب.

سأل الإمام عليه السلام صليت في نجاسة كذا قال تعيد الصلاة ويسأل عن فلان فقال يعيد الصلاة وعليه أن يعيد الصوم وهذا خبر ويراد به أن عليه أن يعيد صومه وعليه أن يعيد صلاته وهذا خبر للأمر وهذا وارد كيرا في أداء الأحكام وفي التعابير التي تحمل على النهي وعلى الأمر، ويقول له ذهب إلى كذا فقال له لا يفعل بمعنى بأن ليس له أن يفعل وهنا “الزَّانِي لا يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً”، أي لا يصح له إلا أن ينكح زانية ومنهي عن زواجة من غير الزانية وعلى المسلمين وعلى المسلمة غير الزانية أن لا تتزوج منه.

الرأي الذاهب إلى إن الآية مرادها إنشائية وإن كانت في أسلوبها خبرية فالمراد منها النهي وأما لو حولنا إلى الخبرية فهي لا تفيد الحرمة والقرآن ليس قصاص وليس مخبرا فقط وليس صاحب حكايات وقصص فارغة وإنما يريد أن يندد بنفسية الزاني ويبين مدى تسافلها وخروجها عن الحد الصحيح وهذا الزاني ساقط في ذوقه وفي نفسيته وفي خلقه والقرآن -على القول بأن الآية خبرية- يريد القول بأن هذا الساقط يبحث عن ساقطة ويميل إلى الساقطة والساقطة تميل إلى الساقط وهذا ليس في حكم شرعي وإنما فيه تنفير وتحذير يترتب عليه في الحالة النفسية وفي الوضع النفسي للإنسان حيث يخسر ذوقه الإنسان الشريف فالقول بأن الآية خبرية قد يعترض عليها بأنه قد يتزوج زان من مؤمنة ويميل لمؤمنة وقد تتزوج زانية من مؤمن وقد تميل إليه فعند المتمسك على أن الآية خبرية فليبحث عن محمل يصحح له  ما ذهب إليه من أن الآية خبرية فقط وهذا محمول على الأغلب بمعنى أن أغلب النفوس التي استساغت الزنا أن يكون ميلها إلى الزانيات ونفوس النساء الزانيات الأغلب فيها أن يكون ميلها إلى الزنات من الرجال والرواية الصحيحة والموثقة والمدعومة والمؤيدة براوية محمد بن مسلم ولدينا مناسبة النزول كما جاء في الرواية فقد كن هناك نساء مشهورات واستشير رسول الله صلى الله عليه وآله فنهى عن الزواج بهن والآية الكريمة مذيلة بـ “وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ”، ويستعان بذلك على الدلالة على أن المفاد هو إنشائي وأن المقصود التحريم.

من أصحاب الرأي القائل بالإنشائية وأن الآية الكريمة تريد أن تقرر النهي وتشرعه عز زواج الزاني بالمؤمنة وزواج الزانية بالمؤمن يذهب بعض من أهل هذا الرأي إلى أن الآية هي كذلك فعلا ولكنها منسوخة بآية “وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنْكُمْ”، الآيم وجمعها آياما وهي المرأة غير المتزوجة فزوجوهم وهنا لم تقيد الآياما بغير الزانيات وإنما هي مطلقة وهذه الآية نسخت آية التحريم فهي تقول بأن الآيم الزانية لا زوجوها مؤمن ولا تتزوج من مؤمن والآية تقول زوجوا الآياما منكم سواء كن عفيفات أو زانيات -حسب الاطلاق- ولكن اعترض على القول بالنسخ بأن آية التحريم جاءت بعدها آية الإباحة فنسختها ولكن الملاحظ أن آية التحريم خاصة وموضوعها خاص في الزانية وموضوع الحلية والإباحة هو الأعم سواء عفية أو زانية  فنجد أن العام بعد الخاص ومجيء العام بعد الخاص هل ينسخ الخاص ويلغي حكمه أو أن العام نفسه يبتدأ بمقيد قبله وذاك الخاص يبقى مضيق ومقيد للعام فيمهم العام في ضوء الخاص والخاص يقول بأن الزانية لا يتزوج منها والآية الثانية تقول “وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنْكُمْ”، فالآياما يتزوجن سواء كانت الواحدة منهم عفيفة أو زانية، لا هذا المدلول الموسع مضيق بالآية السابقة المخصص الذي قبله فيكون معنى الآية “وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنْكُمْ”، بمعنى خصوص غير الزانية فيدفع القول بالنسخ. فيُنتهى هنا إلى ترجيح أن الآية الكريمة للتحريم والفتاوى الموجودة في الرسائل العملية فيها التحريم وفيها احتياط بالحرمة وهذا لمن لم تثبت توبته.

والحمد لله رب العالمين

زر الذهاب إلى الأعلى