الحديث القرآني الرمضاني – 17 رمضان 1435هـ / 04 يوليو 2015م

سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم

في

إضاءات قرآنية 

“ذلك هو القرآن” أو “كيف نعرف القرآن” (الحلقة 3)

الحلقة العاشرة 

17 شهر رمضان 1436هـ ، 04-07-2015م

للإستماع :

 

اضغط على الصورة لمشاهدة الألبوم :

 

 

 

photo_2015-07-04_15-22-50

 

 

 

للمشاهد :

 

وفيما يلي نص الحديث:

الحلقة العاشرة :

“ذلك هو القرآن” أو “كيف نعرف القرآن” 3

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.

          الكتاب الكريم كتاب هدى والله عز وجل خلق الإنسان على رصيد هاد من فطرة وعقل وأوجد له من بينات الكون ومن بينات الأنفس ما يضعه على طريق الهدى ولكن مع ذلك يبقى محتاج إلى كتاب منير من الله عز وجل يرسم له طريق الحياة ويستثير فيه قوة العقل ومنطق الفطرة ويضعه على طريق الغاية الكبرى لهذه الحياة.

          الله خلق النفس البشرية وهو العليم بما يفسدها وبما يصلحها وما يصل بها إلى الغاية الكبرى وما ينقطع بها عنه، وقد علم أن صلاح الإنسان متوقف على منهج إلهي واضح يحمله الأمناء من خلقه إلى سائر الناس عبر الملك الطاهر والنبي الطاهر ومن غير ذلك لا تتم غاية الخلقة ولا يكفي عقل الإنسان وفطرته بأن تستقيم حياته وأن تتحقق له غايته من الحياة، فلا اطمئنان له في هذه الحياة ولا استقرار من دون ذلك المنهج والكتاب ولا يلقى غايته بعد هذه الحياة غاية الجنة وغاية رضوان الله عز وجل.

          جاءت كتب وأكثر من كتاب كريم من الله عز وجل لهذا الإنسان على يد المرسلين وآخرها كتب الله عز وجل ويقول عنه سبحانه “قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ[1]، في الأساس القرآن الكريم هدى ورحمة لجميع الناس وهناك من يستفيد منه فتتحقق له الهداية وهناك من يأبى عن الخضوع للقرآن ويستكبر على هداه فيؤول إلى الضلال المبين، وضلال الإنسان في الحياة هو ضلال عن غاية الحياة وضلال له عن سعادته في الدنيا وضلال له عن السعادة في الآخرة فلا يتوفر على حياة سعيدة في الدنيا تفعم بالإطمئنان والرضا والثقة ورؤية الإنسان قيمته ورؤيته لمصيره السعيد فتغنى يداه ويكسب القوة المادية ويشمخ موقعه المادي ولكن يبقى داخله مضطربا وقلقا ومربوطا بجهل المصير أو بظن الفناء النهائي الذي لا يترك للإنسان اطمئنانا بهذه الحياة ورضا بها وبأصل خلقه، فلم خلقت؟ لأذهب من بعد ذلك عدما ولذوق حلاوة الوجود وحلاوة الحياة لبعض وقت ثم أصير إلى عدم مطلق.

          الذي يتوقع المرض في كل يتوقع مرضا خطيرا وهو في أتم الصحة إلا أنه لا يسعد ومن يتوقع الموت ومن بعد الموت الفناء الكامل وهو ألذ لذائذه وأشهى حالته إذا كان يقضا وملتفتا إلى مصيرة فلا يمكن أن تستقر له سعادة وما وفرت للإنسان هنا من خير هذة الدنيا فإنه مع كونه محكوما مع فكرة الموت والفناء النهائي لا يمكن أن يفر من الشعور بالموت عن طريق سكر ولهو لعب إلا أنه ما تأتيه لحظة صحوة ولحظة يقظة إلا ويتأذى بالشعور النهائي الفناء وتذهب من يديه لذاته.

          “قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى”[2]، هو لجميع الناس هدى والآيات قرت ذلك إلا أنه من ناحية فعلية وما هو على مستوى الناحية الشأنية  وما هو شأن القرآن وما الطاقة التي يملكها القرآن هو أنه هاد لجميع الناس وليس لإنسان دون إنسان وما فيه هو نور لهذا كما هو نور لغيره ولكن من ناحية فعلية ما يتنجز وما يكون من واقع شاخص من الهداية للمؤمن إنما هو حظ المؤمن وحظ من أخذ بالكتاب في هداياته العامة تفاعل معه فيزداد هدى وتتحول مشاعره إلى مشاعر قرآنية وسلوكه إلى سلوك قرآني ونتائج حياته إلى نتائج قرآنية وكل ذلك من الإيجابي النافع الصالح وهذ هو المؤمن.

          “وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى”[3]، القرآن نور ولكن على غير المؤمنين ظلمة والقرآن صوت حي هاد واعظ والقائد للحق وللهدى والسعادة ولكنه غائب عن سمع من لا يؤمن والذين لايؤمنون هم من ليسوا في طريق طلب الإيمان ومن ناحية فعلية لم يتوفر له الدليل على الإيمان وهو في طريق البحث عن الدليل وأن له نفس مستعدة لمعانقة الحقيقة وليس بينه وبين أن يخضع للحقيقة إلا أن يتعرف عليها وهو الآن في بعض الأمور لم يتعرف وما توفر له من ظهور حق أخذ به ويبقى سهم الحق غير ظاهر له إلا أه في طريق البحث وهو روسي أو أمريكي أو أنجليزي أو كافر ولكنه يمتلك نفسية باحثة عن الحق ومستعد بكل ما للكلمة من معنى أن يخضع للحق حالما يتعرفه وهذا أمره آيل للإيمان وبينه وبين الوصول إلى الدليل كقيام حاجز قهري فهو معذور عند الله سبحانه وتعالى ما دام جدا في طلب بحث الحقيقة والتسليم بها بعد أن أخذ بكل ما ظهر له من الحق وهو الآن يبحث ويقول لا أستطيع الجزم لعدم امتلاكي للدليل ولكن لا أنفي فهذه نفسية يقدرها الله سبحانه وتعالى والله يريد منا أن نخضع للحق، الآن وأنت مسلم قد تقف أمامك مسألة أو فقيه من الفقهاء وفيلسوف من فلاسفة المسلمين في طريق البحث عن هذه المسألة وإلى أي وجه تنتهي ونفسيته مفتوحة على النفي والإيجاب وعلى والنفي والإثبات إينما قاده الدليل يذهب إليه وما ولدنا علماء كاملين من أول يوم.

          “وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ[4]، كأنهم غير قابلين للإيمان بما أساوا للأنفسهم وبما أفسدوا من أنفسهم وبما عاندوا فطرتهم وبما خالفوا بما وصل لهم من الهدى وبما استكبروا على الله عز وجل وبما استكبروا عليه من هدى وصلهم منه وهذا لا يؤمن وباستمرار فنفسيته لم تعد قابلة للإيمان عرضا وبسوء اختياره -والله العالم-.

“وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ”[5]، أما الذي يبحث عن الحقيقة ليس في أذنيه وقر والذي يتلهف للوصول إلى الحقيقة فتأتيه من فم مؤمن أو فم كافر أو من صديق أو عدو يسلم بها ويستلم لها فهذا ليس ممن على أذنيه وقر أو ثقل و ممن تدخل الكلمة في أذنه وليس ممن دخلوها في أذن الإنسان يسمع  صوت بث الكلمة بمحتواها وهداها وموعظتها وبدليلها وبهذا المستوى وهذا الرصيد لا تدخل لعناد نفسه.

“وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى”[6]، هذا النور الساطع عليهم عمى بمعنى يعمون عنه وما أعماهم هو ما أصمهم وهو سوء اختيارهم وردهم لما وصل إليهم من هدى الله تبارك وتعالى واستكبارا على ذلك، فهذا هوا لقرآن أساسا للجميع ورحمة مفتوحة للجميع ونهاية فعلا وتنجزا وشخوصا للواقع هو هدى لقسم من الناس وعما لقسم آخر.

“وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ[7]، وينادون من مكان بعيد عن طريق القرآن ونداءه اذي يصل إلى كل إنسان ونداءه الذي يغطي الكون كله بنداء الصريح والصائت والقوي وهذا الذي لا يؤمن ومن يكون عليهم القرآن عمى ومن لا يصل إلى مسامعهم يكون بالنسبة إليهم في مكان بعيد وينادي عقولا وأرواحا حية وينادي أفئدة يقضظة وينادي فطرة هادية وإذا خسّرَ الإنسان نفسه كل ذلك كان في مكان بعيد بعيد لا يسمع نداء القرآن وكما يكون أخوك الإنسان بعيدا عن أن يسمع نداءك حين تبعد به المسافة المادية وهذا بعدت به المسافة المعنوية كل البعد فصار لا يسمع القرآن ولا يرى نوره مع كونه نورا يعم الكون كله وصوتا هاديا يصل إلى كل مسع حي.

والقرآن يكون عما لمن عاندوا ولكل سيئة تكتسب تحدث في نفسي حالة سلبية من الحق وتوجد في نفسي مردودا سلبيا من قبول الحق وكل سيئة تكون حجابا وحين تتراكب السيئات وأنكر الواضحات البنات فهنا يكون قتام في النفس وتكون سحائب في النفس وحجب.

شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانَ[8]، هذا الكتاب إمام ورحمة فلن يأتي كتاب ولا يوجد كتاب من الأرض ولا من السماء إلا وهذا الكتاب له إمام فيتعبه الكتاب الآخر ولا يتبع الكتاب الآخر وحين يكون مفارقة في أي أمر فالكتاب الاخر هو الذي يتبع هذا الكتاب الإمام.

هذا الكتاب لعقل النبي إمام ولعقل من دونه إمام ولكل مستو كمالي عند الإنسان هو إمام ولكل الزمن هو إمام ولكل المكان هو إمام ولكل التقدم الحضاري هو إمام ومع كل النمو العلمي هو يبقة هو الإمام هذا كتاب الله فهو الذي يتبع وليس الذي يتبع وهو رحمة خاصة لمن أخذ به ورحمة عامة لكل الناس وهذه الرحمة حين تنكر وحين يساء معها تنقلب نقمة بفعل الإنسان نفسه فالقرآن سيحجه وسيدينه وبعناده للقرآن سيدخل جنهم فسيكون عليه نقمة.

وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ[9]، ذاك كتاب إمام ورحمة وهذا الكتاب المهمين وهو إمام أكبر ومع الاحتفاظ بحقية كل كلمة في التوارة والأنجيل وبنورانية كل كلمة في التوراة والأنجيل وبهدى بكل كلمة في التوارة والأنجيل ولكن حين يختلف الزمن وتختلف درجة النمو البشري والعقلي والروحي والنفسي والإرادي ويختلف حكم من أحكام الشريعتين فالحكم لكتاب الله الأخير الناسخ وهو المهمين.

إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ[10]، كريم عند الله وفي علمه وكريم مقدر شريف وله منزلة عالية في تقييم وتقدير العلي العظيم، حين يألف أحدهم كتاب ويأتيه تقييم من أكبر كاتب في الأرض فيمتدح هذا الكتاب ويعطيه قيمة فيرتفع مستوى هذا الكتاب، وكتاب الله عند الله كريم شريف وذو قيمة عالية وكريم بمعنى ثر العطاء وعطاءه الثاني من عطاءه الأول والعطاء الكريم هو المطلوب وأما العطاء الوسخ القذر المسيء ليس مطلوبا.

فكتاب الله الذي نقراءه صباحا مساء في أوراق نقراءه لنودعه بمجرد أن قرأناه ثم نسلك حياتنا على غير طريقة في مساحة واسعة أو ضيقة هذا يقول عنه ربنا “إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ تأكيد بوجود إنه والجملة أسمية واللام لام التأكيد “إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ مؤكدات من الله عز وجل بمكانة وعلو سمو وشرف القرآن الكريم.

فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ وراءه كتاب مكنون وهذا من ذاك القرآن الواصل من ذاك الكتاب المكنون وذلك الكتاب الكنون ليس أوراق وإنما لوح محفوظ وليس خشبا وإنما علم الله عز وجل الذي لا يحد ولا يتغير والذي لا يمسه خطأ ولا يدنو من ه جهل ولا تعرض عليه عوارض تغيره ولا يكون شيء من حقيقة على خلافه كتاب مكنون محفوظ عن أي نقص وعن أي خطأ وعن أي تزلزل وعن أي تغير وعن أي انقلاب وهذا يحمل الحقائق والتفاصيل وترجع الحقائق الثابتة في علم الله سبحانه وتعالى يوجد التفصيل وليس قصص كقصة يوسف ويونس وغيرهم ووراء هذا حقائق ثابتة كبرى محفوظة في علم لا تنقلب ولا تتغير.

لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ” أيهما الذي لا يمسه إلا المطهرون هل القرآن أم الكتاب المكنون؟ هل القرآن بما هو من الكتاب مكنون أو الكتاب المكنون الذي منه القرآن؟ وهذا لا تأتي به الشياطين إلى النبي صلى الله عليه وآله وإنما المطهرون من الملائكة هم الذين يوفر الله سبحانه وتعالى لها بما أعطاها من روح طاهرة وروح نقية صافية لا تشوبها شوائب وأعطاها مقام الوصول ومقام تلقي الهداية بما يريد سبحانه إيصاله لهم من ذلك الكتاب المكنون الذي يكلفون بحمله إلى رسل الله في الأرض ومن معاني يمسه هو الإرداك وليس الإرداك العقلي وإنما يحتاج إلى روح منفتحة حية يقظة طاهرة ويحتاج إلى فكر في هذا المقدار الذي يصيبه فلا يخالطه جهل وليس علما مطلقا وإنما العلم المطلق لله عز وجل وعلم الملك وعلم النبي ليس علما مطلقا ولكن بالقياس إلى هذه الحقائق التي يراد له أن يصل إليها فليس في علمه خالط من جهل وليس في روحه الطاهرة ما يحول بينه وبين اليقين بها واكتشافها ووجدانها فروحه طاهرة بالكامل فيما عليه من استعداد للوصول إلى ما يريد الله عز وجل أن يوصله من تلك لحقائق الكبرى إلى تلك النفوس الطاهرة.

الملائكة ومن طهرت روحه الطهر اللائق الكافي الموازي لتحمل هذه الأمانة للوصول إلى هذه المعرفة وتحمل هذه الأمانة ويأتون بآية “إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا “[11]، المتفق عليه أن القرآن الكتبي لا يمس على حدث ولا خبث ولابد من الطهارة بعضهم يذهب لهذا المذهب في التفسير، والبعض يرى أن هذا لا علاقة له لكتاب المكنون وإنما يبقى حكما شرعيا ثابتا، ويبقى “لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ” هو الوصول إلى مضايمن الكتاب الكريم وإلى حقائق القرآن الكريم التي في الكتاب المكنون ومعرفة القرآن المعرفة اليقينة وعلى مستوى الواقع وما يريد الله عز وجل هذا مؤهل له ملك أو إنسان مصطفا مختار من اله تبارك وتعالى -والله العالم-.

وما يناسب الأمر الثاني وهو تحريم مس كتابة القرآن الكريم على غير طهارة من الحدث والخبث هو القراءة الثانية عندهم وهي “لا يمسه إلا المطهِرون”، وهذا القراءة الأولى هي الأنسب -والله العالم- وهو المس المعنوي وهو مس الإدراك والتمثل.

ما من إنسان في هذه الحياة وما من أمة من الأمم إلا وتطلب الذكر الجميل وأن يكون هذا الإنسان أو هذه الأمة موضع تقدير ومحل شوق للآخرة وليس كراهية للآخرة وذكر أي أمة في القرآن وذكر أي شخصية في القرآن الذكر المجيد الحميد الصحيح الذي يتفق مع سلامة العقل وسلامة الفطرة، والأمة التي تبحث عن ذكر ظهور وعن شموخ وعن عزة وعن ريادة وعن خلود تحتاج إلى الكتاب الكريم ومن غير هذها الكتاب ومن غير منهجة ومن غير الارتباط به ومن غير إقامة الحياة على أساسه لا يكون ذلك الذكر “قَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ[12]، ذكركم فيها وجهان: أنتم تحتاجون إلى أن تذكروا لأن النسيان والغفلة جهل والجهل لا يقود إلى خير فأنا محتاج لأن أذكر وحتى لو توفرت على كم كبير من المعلومات المفيدة الراقية فلحظة أنساها أكون جاهلا وهذا الي يحصل في حالة إنمحاء للذاكرة يعود جاهلا.

حين ننسى قضية مادية جزئية أو قضية معنوية كبرى نكون بهذا جاهلين بها بلا إشكال فالذكر حياة والنسيان والغفلة والجهل موت، أتريدون أن تذكروا أنفسكم ومستواكم الإنساني ووظيفتكم الإنسانية وغايتكم الإنسانية وشرفكم الإنساني وفطرتكم الهادية ومكانة عقلكم ومكانتكم التي بؤتم وهيئتكم لها خذوا هذا الذكر من الكتاب ولن تذكروا أنفسكم كذلك إلا بالارتباط بالكتاب ومن تخلى عن الكتاب نسي ربه ونسي نفسه ونسي آخرته ونسي دوره في الحياة وهدفه فيها.

والذكر بمعنى الظهور والعلو والرفعة والسمو والقوة والتقدير من الآخرين وهذا لا يحصل إلا من خلال حضارة بناها القرآن فالعقلية التي يخلقها القرآن والنفسية التي يخلقها القرآن والمستوى الأخلاقي الذي يخلقه القرآن والتعامل الذي يخلقه القرآن والإنجازات الحضارية التي يخلقها القرآن هي التي تعطي ذكرا للأشخاص والجماعات وذكرا للأمم، فرسول الله صلى الله عليه وآله  ينسى وإبراهيم عليه السلام لا ينسى ونوح لا ينسى والمصلحون الصالحون لا ينسون وتأتي اللعنات تترا على من أفسد في الأرض ويبقى الحسين عليه السلام مذكورا ويبقى قاتله ملعونا.

لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ”[13]، كتابا عظيما أَفَلاَ تَعْقِلُونَ” يفهم منه التعظيم، أين عقولكم أم تروا أمة أخرجها من الظلمات إلى النور وأحياها بعد موت وأنتم يا أمة الإسلام ألم تروا ذلك؟ يا عرب ألم تقرؤا تاريخكم قبل الإسلام وواقعكم قبل الإسلام وما هي النقلة التي نقلكم إليها الإسلام والتي أحدثها الإسلام في وجودكم وفي فكركم وفي أنفسكم وفي إرادتكم وفي تطلعاتكم وفي همومكم وفي مستواكم المادي وفي مستواكم المعنوي وفي موقعكم في العالم وأنت الآن تقبل القدم الأمريكيه والروسية من أجل أن تبقى، إنه النور والوجود نور والعدم ظلمة ولا وجود إلا بنور.

وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا”[14]، هذا الروح قد يُختَلف فيه فقد يكون جبرئيل وقد يكون ملكا مخلوقا أمريا ووجودا روحيا أكبر من الوجود الروحي لجبرئيل وقد يعنى به الكتاب الكريم فالقرآن روح يحيي العقول والنفوس ويحي العمم والإرادة ويحيي الحياة ويحيى الأرض بالنبات والشجر ويخصب حياة الإنسان والثروة الحيوانية تنمو في ظل منهج الكتاب والثروة النباتية تنمو في ظل منهج الكتاب والثروة الفكرية والمستوى الروحي فكل ذلك ينمو ويزكوا.

 

وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ”[15]، فأنت مهدي بهذا النور وأنت على هذا النور لذلك تهدي إلى صراط مستقيم بإذن ربك وما جعل الكتاب نور هاديا قهرا وإنما جعل نور هاديا مع إبقاء اختيار الإنسان اختياره وإرادته وكل الكون من دون الله عز وجل صفرا عدما.

          لا تخاف أن تقول عن أي شخصية مقدسة وتقول عنها بأنه صفر من دون الله عز وجل ولا تخاف فمن هو جبرئيل من دون الله عز وجل، ورسول الله صلى الله عليه قبل البعثة وبعده اتفاصي الكتابوكل دقائق اٌيمان وكل متربات الإيمان وكل ما هو سر من أسرار الكتاب فهناك فرق بينما يعلمه قبل بعثته وقبل اختياره نبيا رسولا وبعد بعثته فليس واحد وأن رسول الله صلى الله عليه وآله يوم ولد كيوم توفي وأرتحل إلى جوار الله عز وجل فهناك فرق بين الموفقين إلا سيكون لم يستفد أي شيء من ناحية ذاته وإنما المستفيدين هم الناس فقط.

وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ “[16]، إذا أخذنا الرسول في نفسه صلى الله عليه وآله من غير عطاء الله فلا يوجد استكثار أبدا بأنه لا يدري عن الكتاب ولا يدري عن الإيمان إلا بهدى الله عز وجل وإذا أخذنا هل هناك فرق بينه نبيا وقبل أن يكن رسولا نبيا فهناك فرق وهذا الكتاب شفاء.

الأمة الإسلامية مرضت والأمم الآن كلها مرضت وهذه الأمة أمراضها في جاهليتها الأولى أكبر أم في جاهليتها اليوم؟ فذاك جاهلية مغطية للكون أما الآن فكلنا لنا جهلنا ولكن ليست مغطية من ناحية العدد ولكن الجاهلية الموجودة الآن عميقة عميقة كثيرا وهذا مرض والعقول مريضة والمنهاج مختلة كثيرا وكثير من الانتاج الفكري متدهور ويسير في طريق مختلف والأرواح مريضة والعقول مريضة والإرادات مريضة وتحتاج إلى شفاء والطبيب هو القرآن هو الإسلام وكما عالج هذه الأمة في بداية يوم جاء  فيستطيع معالجة هذه الأمة اليوم فلا شفاء للأمراض الأمم إلا بمنهج الكتاب الكريم بأن تقوم ثقافة على ضوء القرآن وتقود الحياة وتوجد قيادة على ضوء القرآن وتقود الحياة.

وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا[17]، ظالمين أنفسهم يتخلون عن الكتاب ويسلكون مسالك أخرى ويتحملون خسائر ما كسبوه وعنادهم للقرآن والعقوبة التي سينالونها على الوقوف في وجه طريق الحق والتخلي عنه.

وهذا كتب فوق مقدور غير الله ولا أحد يستطيع أن يأتي مثله إلا الله عز وجل والله يقول لنا عن كتابه الكريم أنه ليس في غير مقدوره أن يأتي “قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا[18]، كم بليون من بشر من أول البشرية للآن وكم لهم من خبرات وعبقريات ومن كل ما لهم فاجمع كل هذا الجمع ليأتيك قرآن مثل هذا القرآن لا يأتون وهذا كلام الله أن ليس في مقدور أحد غيره سبحانه أن يأتي بهذا الكتاب.

كتاب لا يأتي أي إفتراء على الله به فليفتري المفترون وليضعوا كتب ولكن لن يأتي مثله كتاب وليس قابلا أن يفترى لأنه لا يوجد مفتر يستطع أن ينتج ما هو بمستوى القرآن ليفتريه وسيفتري ولكن سيفتري كتاب آخر ليس هو بمثل القرآن ومستواه “وَمَا كَانَ هَٰذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ اللَّهِ[19]، فليس من أحد يفتريه وإنما لن تأتي مصادفة أو إتفاق لأن يفتريه أحد فليس هذا هو المهم وإنما الكتاب له شأن وله مستوى  لا يمكن أن يفترى بمثله عليه “وَمَا كَانَ هذا للشأنيه، “ما كان لأخينا العظيم أن يزل هذه الزلة التي تقولون عنها” بمعنى أن شأنه يأبى وأرفع ومستواه لا يسمح وهذه زلة في أفق داني وصاحبنا أفقه عالي.

وَمَا كَانَ هَٰذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ[20]، أفهمه وأعرف مستواه تعرف أنه “لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ” وأنه من رب العالمين بلا ريب، النبي محمد صلى الله عليه وآله يعيش هذه الحقيقة وعلي بن أبي طالب عليه السلام يعيش هذه الحقيقة أن القرآن كتاب وأنه لا ريب فيه وأنه منه سبحانه وتعالى وأن بيعة البشر لا تنتجه والمحدود لا ينتجه.

“أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ[21]، أنتم تقولون إنه كله مفترى فأنا أكتفي منكم بعشر سور ومفتر بمعنى أنكم تستطيعون أن تأتوا بمثله فإذا افتراه أحد على الله وهو محدود من المحدودين وبشر من البشر والنبي إنسان وما الذي يميزه عن كل البلايين ومن أين كل هذه الخبرة التي اجتمعت عنده من دون الخلق؟ يبقى بشر وأنتم تقولون أنه افتراه كله “ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن  دُونِ اللَّهِ” وإن أردنا التوسع لمن دون الله فحتى الملائكة والإنس والجن فهذا واحد من المخلوقين فادعوا كل من استطعتم من المخلوقين من دون الله وأتوا بعشر سور فقط بمستوى من تدَّعون أنه مفترى، الآيات تقول أنه غير قابل لأن يفترى على الله به بحسب شأنه وسموه وعلوه وشمولية ودقته وحكمته وحقانيته ولو أجتمع كلكم.

والحمد لله رب العالمين

[1]  سورة فصلت، الآية 44.

[2]  سورة فصلت، الآية 44.

[3]  سورة فصلت، الآية 44.

[4]  سورة فصلت، الآية 44.

[5]  سورة فصلت، الآية 44.

[6]  سورة فصلت، الآية 44.

[7]  سورة فصلت، الآية 44.

[8]  سورة البقرة، الآية 185.

[9]  سورة الأحقاف، الآية 12.

[10]  سورة الواقعة، الآيات من 77 إلى 80.

[11]  سورة الأحزاب، الآية 33.

[12]  سورة الأنبياء، الآية 10.

[13]  سورة الأنبياء، الآية 10.

[14]  سورة الشورى، الآية 52.

[15]  سورة الشورى، الآية 52.

[16]  سورة الشورى، الآية 52.

[17]  سورة الإسراء، الآية 82.

[18]  سورة الإسراء، الآية 88.

[19]  سورة يونس، الآية 37.

[20]  سورة يونس، الآية 37.

[21]  سورة هود، الآية 13.

زر الذهاب إلى الأعلى