كلمة آية الله قاسم يوم عاشر من المحرم – الدراز 16-12-2010م

“يا مهر حسين وين حسين؟” ماذا فعل به جهل الأمة، ميلها للدنيا، انحرافها عن خط الله؟ ماذا فعل بها بعدها عن أهل بيت الرسالة؟ هجرها للقرآن الكريم؟ لقد ذلت وأمعنت في الذل، وجهلت وتوغلت في الجهل حتى امتدت يد الإثم منها لقتل أبن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

 

السلام عليكم أحبة الحسين عليه السلام، السلام عليكم يا شباب الحسين عليه السلام، السلام عليكم يا أنصار الحسين عليه السلام، السلام عليكم شيوخا كهولا شبابا ذكورا إناثا أطفالا صغارا، السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد لحسين وعلى أصحاب الحسين.

 

“الحسين خيارنا” أجد هذا الشعار مكتوبا ومنشورا كثيرا ولو على مستوى هذه القرية، وهذا شعار عظيم، شعار مسئول، شعار واعد. شعار “الحسين خيارنا” هو خيارنا على معرفة من الحسين عليه السلام وأعداءه، من معرفة خط الحسين عليه السلام وكل الخطوط الأخرى، من معرفة موقع الحسين عليه السلام في الإسلام ومن موقع أي واحد آخر، مدى ما يمثله الحسين عليه السلام من صدق الإسلام والقرآن وهو تمثيل تام، وما يمكن أن تمثله شخصية أخرى وقيادة أخرى وإمامة آخر.

 

“الحسين خيارنا” شخصا وخطا ومدرسة وورثة إمامة صادقين. “الحسين خيارنا”؛ لأنه لابد للإنسان من خيار في هذه الحياة، ولا رشد في خيار يخالف الحسين عليه السلام، وهو شعار حتى يصدق يحتاج إلى عقلية مدركة، فهم موضوعي، إيمان راسخ، صلابة عقيدة، وضوح رؤية، تنبه حس، روح تضحوية عالية، إرادة قوية، عزم شديد، خضوع كامل لأمر الله، حالة انضباط وطاعة عن وعي، تجاوز للهموم الصغيرة، استعلاء على الدنيا، كل ذلك نحتاجه لكي يصدق منا هذا الشعار “الحسين خيارنا”، من دون هذه العدة، من دون هذا الزاد الكبير، من دون هذه الدرجة من الالتزام، لا يمكن أن يصدق قولنا “الحسين خيارنا”. من أراد أن يصدق منه هذا الخيار، فعليه أن يعد نفسه للصعاب، ولخوض معركة شرسة مع نفسه، ومع كل ما حوله من حالة انحراف.

 

“الحسين خيارنا” شعار علينا أن نطلقه صادقين، لئن لا نسقط قيمته، لئن لا نسيء له، لئن لا يلحق هذا الشعار منا عار، حين نرفع شعار “الحسين خيارنا” ونخسئ أمام النفس، ونندحر أمام الشطيان، وتستولي علينا الشهوات، ونفقد قدرة المقاومة، فإننا بهذا نسيء لشعار “الحسين خيارنا” ونخونه، ونكون قد أتينا على معناه الكبير. شعار علينا أن نطلقه في كل معاركنا وخلافاتنا، في المعركة مع النفس، وفي كل دوائر الخارج، وفي كل الساحات، وفي كل الظروف لانت أو خشنت، سهلت أو صعب، من مستوى الزي الذي تلبسه الفتاة والفتى، بحيث يلتقي في الوقار الذي عليه الحسين عليه السلام.

 

كيف يكون خيارك الحسين؟ وكيف يكون خيارك والحسين وزيك يقرب من ذوق الشيطان، ويفتح الطريق للشيطان إلى القلوب؟ هذا اغتيال لقدسية الشيطان، وكذب على الشعار، وعار على الشعار. من مستوى الزي بحيث يلتقي في الوقار الذي عليه الحسين عليه السلام، وحفلات الأفراح، وما تضمه البيوت من زينة وأثاث. “الحسين خيارنا” يجب أن يصدق حتى في هذه المسائل، والموقف في المصادمات والمصالحات والصداقات والمخاصمات.

 

“الحسين خيارنا” لأنه القرآن الناطق، وعبد صادق العبودية لله، عارف بربه، “خيارنا الحسين” من “خيارنا الله”، “خيارنا الحسين” في قبال يزيد، “خيارنا الله” في قبال كل شيء. “خيارنا الحسين” تعبير عن خيارنا الله، لأن الحسين لا يتزايل أبدا عن خط الله، ولا تجده قيد شعرة خارج خط الله، ولا يتصادم مطلقا مع خط الله.

 

“خيارنا الحسين” لأنه دليل على الله، مؤتمن منه سبحانه على دينه، مصدر صادق لتلقي الدين، حامل لهم الرسالة، مقدم لله على كل شيء، إنه صلوات الله وسلامه عليه وصية الله ووصية رسوله والكتب الكريم والسنة. شعار نردده عن وعي وإصرار ولماذا؟ لنيئس النفس من باطلها التي تشتهيه، من شهواتها التي تستهويها، من حالة الضعف التي تستأنس لركون إليها، ولتيئس كل محاولات التذويب والتغريب والفصل عن محور الإسلام وقيادته الصادقة مما يستهدف وعينا وشعورنا وانتمائنا وأصالتنا. شعار نربي عليه النفس ونجاهدها للالتزام الصادق به، ونربي عليه أجيالنا منذ نعومة الأظفار لتؤمن به، وتفي له أكثر مما آمنا به، وأكثر مما وفينا إليه.

 

“الحسين خيارنا” في إيمانه، وفهمه للإسلام، إخلاصه لله، وصدق عقيدته، وجهاده وتضحيته، وعبادته ومحرابه، ودعائه وتهجده، وإباءه وثوريته، وسخاءه على دين الله وتضحيته من أجله. “الحسين خيارنا” على طريق الانتظار للقائم عجل الله فرجه وإعداد النفس لنصرته، والتمهيد لظهوره ودولته، والإسهام في حمل تكاليف ثورته والقيام بخدمته.

 

“الحسين خيارنا” وهو خيار الأحرار الواعين الرساليين الغيارى كلٍ بحسب مقدار حريته ، كم لك مقدار حرية داخلية؟ يكون خيارك “الحسين خيارنا”. وما عليه وعيه ونباهته، ودرجة رساليته، ونضج غيرته، خيار من عرف ربوبية الله، وعبودية نفسه، وقيمة حياته وهدفه، وكرامة ذاته ومنزلته، ودوره في الحياة ووظيفته، ما لم تتوفر النفس على كل هذا فإن خيارها لا يكون “الحسين خيارنا”، وبمقدار ما عليه زادها من هذا كله يصدق عندها خيار “الحسين خيارنا”.

 

“الحسين خيارنا” يعني لا تخلي عن الحسين عليه السلام وخطه ومدرسته والقيادة الواقعة على طريقه في كل الأحوال والظروف، وهو خيار تقرر واتُخذ في أحضان العقل، وفي أحضان الواجدان، وأحضان الضمير، وأحضان البصيرة، وكان تاما وجازما وحاسما، ولا تراجع عنه على الإطلاق أن شاء الله. *1

 

والكلفة لهذا الشعار المكلف ثقيلة ومعلومة ومقبولة، وكل الخيارات الأخرى ما كان منها باسم الدنيا أو باسم الدين لا تعدل عندنا شيئا بالنسبة لهذا الخيار، كل خيار آخر وأن كان باسم الدين لكنه يتزايل ولو بقيد شعره عن شعار “الحسين خيارنا” فهو غير مقبول. خيار عرضناه على الفكر فآمن عن تمحيص، وعلى النفس فرضيت به عن دراية، وأن جهادنا في الحياة كلها من أجل أن تصدق النفس مع شعار “الحسين خيارنا”، وهو يحتاج لكل هذا الجهاد وحتى نهاية العمر؛ لأنه الخيار الأصعب والأكثر كلفة من بين كل الخيارات، ولأنه لا ربح في النتيجة إلا لهذا الخيار.

 

“الحسين خيارنا” خيار يثقل على الظلم والانحراف، وأهل الدنيا وطلاب الراحة والاسترخاء، والباحثين عن اللذائذ المادية، واللاصقين بالأرض والراضين بالهوان، خيار يقلق المستكبرين والمتجبرين في كل الأرض، وسُارق الثروات ومستعبدي الشعوب، وباعة الدين والضمير، وعملاء الدولار واليورو، والمقتاتين على حساب الأبرياء ودمائهم وأعراضهم، ويفزع كل ظالم.

 

“الحسين خيارنا” لآية التطهير وآية المودة وآية المباهلة، ولكل آية في الإمامة، ولكل آية في أهل البيت عليهم السلام وهي كثيرة، ولحديث الثقْلَين، وحديث السفينة، وحديث سيدي شباب الجنة، وحديث “حسين مني وأنا من حسين”. *2

 

“الحسين خيارنا” من كل هذا ومن كل الأحاديث الأخرى فيه عليه السلام وفي أهل بيت الرسالة، وهي بمجموعها متواترة،. و”الحسين خيارنا” لأنه جربته كل ساحات العمل وكل ميدان الامتحان، كل المعارك، وكل الظروف، فكان العبد الصادق لله، والإمام الكفء لكل المسيرة البشرية.

 

“الحسين خيارنا” في كل قضية صغيرة أو كبيرة نكون فيها بين موقفين، موقف يرضيه عليه السلام وموقف يغضبه، وفي كل يسيرة أو خطيرة نكون فيها بين خيارين، خيار يوافق عليه وخيار يرفضه، “الحسين خيارنا” هو الشعر الذي يعمل في حياتنا في كل مساحاتها، وفي كل آناتها ولحظاتها.

 

وهكذا يبقى “الحسين خيارنا” خيارنا الأول، وخيارنا الأخير في هذه الحياة، وأستودعكم الله وأسأل الله عز وجل أن يحشرنا مع الحسين وجد الحسين وأهل الحسين عليهم السلام.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

*1: هتاف المعزين “لبيك يا حسين”

*2: هتاف المعزين “لبيك يا حسين”.

 

زر الذهاب إلى الأعلى